أعلنت رئاسة الوزراء الإسرائيلية المصادقة رسميًا على تعيين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد “غادي إيزنكوت” خلفًا لـ “بيني غانتس”، والذي وجهت انتقادات له بالتردد في شن عملية برية والقضاء على حركة “حماس” في قطاع غزة.
رئيس الأركان الجديد وصفته العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ “خبير الحرب على حزب الله (اللبناني)” لقيادته الجيش في الجبهة الشمالية، ومشاركته في عمليات خاصة في الأراضي السورية واللبنانية، معتبرينه أحد القيادات الرافضة لتوجهات نتنياهو الخاصة بمواجهة إيران، وضرب المفاعل النووي الخاص بها.
ولد إيزنكوت – والذي يبلغ 54 عامًا – لعائلة من أصول مغربية عاشت في مدينة طبريا شمالي إسرائيل، ثم انتقل إلى مدينة إيلات جنوبي إسرائيل، متزوج ولديه 5 أولاد، عاش إيزنكوت في مدن ساحلية أضفت الهدوء على صفاته، حسب ما تقول إذاعة الجيش الإسرائيلية، فضلاً عن الحضور الشخصي، الاعتماد على الذات، والأهم الاعتداد بالرأي.
التحق إيزنكوت في أول عمره بلواء “جولاني” أحد وحدات الجيش الإسرائيلي النخبة في عام 1978، ثم تدرج بعد ذلك في سلم العسكرية إلى قائد سرية، ثم قائد كتيبة، ثم نائب لقائد لواء “جولاني”، ليعين في عام 1991 ضابطًا للعمليات في القيادة الشمالية كان خلالها مسؤولاً عن العمليات الخاصة التي يقوم بها الجيش في عمق الأراضي اللبنانية.
وفي عام 1992 كان له دور بارز في قمع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في الضفة العربية، والتي انطلقت عام 1987، من خلال قيادته للواء “كرملي”، أحد وحدات الجيش، الذي شارك في ملاحقة الشبان المنتفضين في مدن الضفة الغربية.
وقام إيزنكوت بأداء دوره هناك في سلسلة من المناصب القيادية: ابتداءً من قائد فصيلة، قائد الفوج المضاد للدبابات، وقائد الكتيبة 13، حتى تم تعيينه قائدًا للواء جولاني عام 1997 أحد ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي، والذي شارك في حروب بلبنان، ثم عمل في منصب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة الإسرائيلية في العام 1999، والذي يناط به المسؤولية عن العلاقة التي تربط الحكومة الإسرائيلية بأجهزة الأمن الإسرائيلي، لاحقًا تم تعيينه قائدًا لكتيبة الضفة الغربية، وقاد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة بين عاميّ 2003 – 2005، وشارك في الانتفاضة الثانية.
بعد ذلك، عُيّن إيزنكوت رئيسًا لقسم العمليات، وهي مهمّة قام بأدائها خلال حرب لبنان الثانية 2006، حيث عُيّن بعدها كقائد للواء الشمال لمدة خمس سنوات، رُشّح خلالها لوظيفة رئيس الأركان، ولكنه قال في المقابلات التي أُجريت معه للمنصب، إنّ صديقه في هيئة الأركان العامة “بيني غانتس”، مناسبًا للمنصب أكثر، وتنقل إيزنكوت لذات الوظيفة لكن في ألوية مختلفة منها لواء “إفرايم” في الضفة الغربية.
أما في عام 2005، فترقى لرتبة لواء وعين قائدًا لشعبة العمليات الإسرائيلية المسؤولة عن عمليات الجيش الإسرائيلي في مختلف المناطق، والذي يُعد أحد المناصب المهمة التي تدمج بين المهمات الأمنية والعسكرية.
وفي العام 2006، عين إيزنكوت قائدًا للقيادة الشمالية بعد حرب حزب الله في يوليو 2006، والذي أخذ على عاتقه مواجهة “حزب الله” في هذه المنطقة، القناة العاشرة الإسرائيلية قالت إن “هذه المرحلة من تاريخ إيزنكوت مهمة، خاصة أنها جاءت في مرحلة كان يعاني الجيش الإسرائيلي فيها من إخفاقات حرب لبنان الثانية في يوليو 2006 مع حزب الله ونتائج التحقيقات التي كشفت عن ضعف في التحكم والقيادة داخل جبهة الشمال أثناء الحرب”.
ويعد إيزنكوت صاحب إستراتيجية الضاحية في القتال ضد العدو، والتي تقوم على فكرة الأرض المحروقة والدمار الواسع لخلق حالة ردع، والتي استخدمتها إسرائيل في غزة في 2008، و2012، بالإضافة إلى العام 2014، كما كانت حاضرة في حرب يوليو 2006 على لبنان، حيث تُصب أطنان من المتفجرات؛ ما يؤدي إلى تدمير الضاحية المستهدفة على شكل واسع.
وشارك إزيكوت خلال مسيرة حياته في مختلف حروب إسرائيل الحديثة؛ في قمع الانتفاضة الأولى عام 1987، والانتفاضة الثانية عام 2000، والمواجهة مع حزب الله في عام 2006، والعمليات الخاصة في كل من لبنان وسوريا، بالإضافة إلى الحرب الأخيرة على قطاع غزة، كما أشارت إذاعة الجيش.
أما المهام المنوطة بإيزنكوت خلال فترة قيادته القادمة للجيش والتي ستبدأ في منتصف شهر فبراير القادم، كما تناولتها القناة الثانية والعاشرة الإسرائيلية، فهي:
- تأهيل الجيش الإسرائيلي للحرب البرية خاصة بعد الإخفاقات في بعض زوايا الحرب على غزة
- وضع سيناريوهات للأوضاع الأمنية على الجبهة الشمالية (مع لبنان وسوريا) والاستعداد لأي خيار عسكري محتمل
- إيجاد صيغة على المستوى السياسي تمنع إيران من بناء قدرة نووية تهدد بها أمن إسرائيل
- ترميم العلاقة بين الجيش الإسرائيلي والأمن بعد التراشق الإعلامي بينهما إثر حرب غزة، واتهامات الأمن للجيش بإغفال معلومات خطيرة عن جاهزية حماس للحرب
- تعزيز قدرات الجيش في ظل امتلاك الحركات المناهضة لإسرائيل (حماس وحزب الله) قدرات عسكرية ضارة لأمن إسرائيل
وكالة الأناضول نقلت عن المختص الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي “عماد عواد” إن “غادي إيزنكوت خدمته الحرب على لبنان ونتائجها، وأتاحت له تسلم قيادة الجبهة الشمالية التي كانت مصدر القلق لإسرائيل خاصة بعد الفشل الذي منيت به”، مضيفًا “هذه الجبهة (مع لبنان) التي ظلت ساخنة في عهده وظل الجيش الإسرائيلي في حالة استنفار دائم وضعته كأحد أهم الخيارات الإسرائيلية في اختياره كقائد للجيش الإسرائيلي في ظروف شديدة التعقيد”، وتابع عواد “يتقارب بيني غانتس وإيزنكوت من حيث الظروف الأمنية التي مازالت قائمة، لكن الملف الإيراني كان في عهد غانتس يقترب من قرار بحسم المواجهة مع إيران وتسديد ضربة إليها، لكن في عهد إيزنكوت فإن ملف إيران سيتم ترحيله للولايات المتحدة”.
في الوقت الذي قال فيه الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي “جلال رمانة”: “مما لا شك فيه أن جانتس وقع تحت ضغط التناقض في بنية الحكومة الإسرائيلية خاصة في الحرب على غزة”، مشيرًا إلى “تردد غانتس، وعدم وضوح توجهاته أثناء الحرب على غزة؛ مما سبب له الاتهام بالفشل والتردد من قبل الإعلام الإسرائيلي”.
المواقع الإسرائيلية والمحطات تنقل عن المحللين والسياسين الإسرائيلين أن قائد الأركان إيزنكوت رصين ولديه خبرة كبيرة، إذ قضى سنوات طويلة في مراكز اتخاذ القرارات، منذ أن تولى وظيفة السكرتير العسكري لرئيس الحكومة “إيهود باراك” و”أرئيل شارون” بين عاميّ 1999 – 2001، حتى بدا أنّه لن تكون هناك حاجة لفترة دخول وتكيّف مطوّلة للمنصب الأكبر في الجيش الإسرائيلي.
ويضيف المحللون أنه وضع نهجه الأساسي والمعقّد في أداء مهامّه كرجل عسكري أكثر من التصادم مع رؤسائه، بدت هذه الصفات جلية أكثر من مرة بداية من قراره كقائد الفرقة الاحتياطية بفرض تعليمات صارمة على جنوده في حدود قطاع غزة لإطلاق النار، إضافة لخلافه مع رئيس الأركان “دان حالوتس” ووزير الدفاع “عمير بيرتس” في حرب لبنان الثانية، وصولاً إلى الرسالة التي أرسلها لنتنياهو، بوصفه قائد لواء الشمال، والتي تحفّظ فيها من الهجوم الإسرائيلي المستقلّ على المواقع النووية في إيران.
صحيفة هآرتس تقول إن صفات إيزنكوت الهادئة وتحفظه على القيام بشكل فردي “كادت أن تكون سببًا مانعًا لإيزنكوت من تولي رئاسة الأركان لمعارضته ضربة منفردة لإيران لما في ذلك من خطر على أمن إسرائيل”، بحسب رأيه المعروف عنه.
بالمقابل، فقد عرف إيزنكوت في جميع هذه الخلافات كيف يحافظ على مكانه المناسب في التسلسل الهرمي (رجل عسكري يخضع للقيادة السياسية)، ولكنه أدرك جيدًا أيضًا حدود القوة وأحكام القانون، آراؤه بخصوص استخدام القوة حذرة ومنضبطة، ليس هو الشخص الذي سيدفع بالجيش الإسرائيلي إلى مغامرات عسكرية غير ضرورية.