انطلق فعليًا موسم زراعة القنب الهندي المقنن في المغرب، بعد عامين على صدور قانون زراعة هذه النبتة لأغراض طبية وصناعية، ورغم أن الحكومة منحت رخص الزراعة لثلاثة أقاليم فقط في شمال البلاد، فإنها لم تدمج أقاليم مجاورة ضمن الأراضي المعنية بقانون الاستعمالات المشروعة للقنب، وبالتالي سيستمر المزارعون هناك بلا شك في إنتاج راتنج القنب (مخدر الحشيش).
الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، هي المكلفة بتنفيذ إستراتيجية الدولة في مجال زراعة وإنتاج وتصنيع وتحويل وتصدير القنب الهندي واستيراد منتجاته لأغراض طبية وصيدلية وصناعية، وقد أنشئت بموجب قانون رقم 13 -21 الذي اعتمده البرلمان المغربي في عهد حكومة العدالة والتنمية، وكان ذلك من الأسباب التي أدت إلى السقوط المروّع للحزب الإسلامي في انتخابات 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
خلاف بين المزارعين والحكومة
إلى حدود الآن منحت الوكالة ما يزيد على 650 رخصة لمزراعين وشركات وتعاونيات للقيام بأنشطة تتعلق بالزراعة والتسويق واستيراد البذور وتصدير القنب ومنتجاته، لكن على ما يبدو أن المزارعين ليسوا راضين تمامًا عن التدابير الحكومية، وأولهم الذين يملكون أراضٍ في الأقاليم التي لم يشملها القانون، إذ تم منح الرخص لأقاليم الحسيمة وشفشاون وتاونات، واستثناء وزان وتطوان والعرائش التي تشهد كذلك حضورًا مكثفًا للقنب منذ سنوات طويلة.
أيضًا يكمن سبب الخلاف بين المزارعين والحكومة في مسألة الأحكام القضائية السالبة للحرية والغرامات التي صدرت غيابيًا بحق عدد من المزارعين الذين لا يستطيع معظمهم أبدًا مغادرة المجال الضيق لمساكنهم وحقولهم خوفًا من إلقاء القبض عليهم، كما أن المندوبية السامية للمياه والغابات (حكومية) تابعت الكثيرين قضائيًا بتهمة الترامي على الملك الغابوي.
أي مزارع حاصل على الترخيص لن يكون بإمكانه زراعة أرضه كاملة بالقنب الهندي، بل سيزرع الثلث فقط، بينما له الحق في استغلال الثلثين الباقيين في نشاط فلاحي من اختياره
يقدر عدد المتابعين أمام القضاء بنحو 45 ألف شخص في جريمة زراعة القنب الهندي، أما الحكومة فقد رفضت من الأساس، قبيل اعتماد القانون المذكور صيف 2021، مناقشة المقترح الذي تقدمت به المعارضة بشأن إسقاط الأحكام الصادرة غيابيًا ضدهم بالحبس والغرامات، بينما راجت فيما بعد أخبار تفيد قرب انتهاء مأساة المزارعين الملاحقين قضائيًا، لكن ذلك لم يحدث.
الظاهر أن الحكومة لم تعلن نيتها في إسقاط المتابعات القانونية، فيما يطالب المزارعون بعقد مصالحة، خاصة في قضية الحدود بين الأراضي الزراعية والأراضي الغابوية، فهناك من المزارعين من يستغلون أراضٍ يقولون إنها ضمن أملاكهم، بينما تعتبرها المندوبية الحكومية في ملكية الغابة، استنادًا إلى قرار تحديد الملك الغابوي بدءًا من عام 1992.
ومع ذلك، فإن أي مزارع حاصل على الترخيص لن يكون بإمكانه زراعة أرضه كاملة بالقنب الهندي، بل سيزرع الثلث فقط، بينما له الحق في استغلال الثلثين الباقيين في نشاط فلاحي من اختياره، وفي العام الموالي سيخصص جزءًا آخر لزراعة القنب وهكذا، لعل هذه الخطة ستجدي نفعًا للحفاظ على ما بقي من نسيج وتركيبة التربة التي أهلكتها سنوات من زراعة القنب المتعاقبة.
سوق عالمية سريعة النمو
بدءًا من ديسمبر/كانون الأول 2020، وبإيعاز من منظمة الصحة العالمية، أجرت الأمم المتحدة تعديلًا على الاتفاقية الوحيدة للمخدرات، أدى إلى سحب القنب الهندي من قائمة المخدرات الخطيرة مثل الهيروين والكوكايين، وكان المغرب من أوائل الدول التي أيدت توصية منظمة الصحة العالمية التي غيرت موقفها من القنب لأول مرة منذ اعتماد الاتفاقية عام 1961.
وطبعًا فإن تغيير موقف لجنة المخدرات في الأمم المتحدة ألغى جزئيًا شيطنة القنب الحاصلة منذ زمن بعيد، والواقع أن الاتفاقية أصبحت بالية، فهناك العديد من الدول خالفتها وسنت قوانين خاصة بها تنظم استخدام القنب مثل كندا وأوروغواي، فيما لا تزال العديد من الدول ترفض استخدامه، ولعل هذا التعديل جاء كحل وسط بين الدول المنقسمة، فسحب القنب من قائمة المواد المخدرة بشكل كلي لم يكن ليلاقي تأييدًا من أغلبية الأعضاء.
أرباح سوق القنب القانوني بلغت 22 مليار دولار أمريكي عام 2020 ومن المتوقع أن تتجاوز 97 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026
بشكل سريع يتزايد الطلب على القنب الهندي المشروع، خاصة في البلدان التي يكون فيها استخدام القنب للأغراض الطبية قانونيًا، بفضل التحولات في سياسية الحكومات، ومن المتوقع أن يرتفع سوق القنب القانوني، كما تسعى العديد من الشركات الناشئة الجديدة في المجال إلى البحث والتطوير والتصنيع.
الواقع أن السوق العالمية للقنب الهندي القانوني ما زالت محدودة وغير رائجة للغاية، إذ لم تتجاوز قيمتها 17.5 مليار دولار أمريكي عام 2019، فيما تشير التوقعات إلى أن القيمة السوقية ستصل إلى نحو 65.1 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027 بمعدل نمو قدره 17.8% خلال الفترة من 2020 إلى 2027.
وفقًا لأحدث دراسة بحثية، فإن أرباح سوق القنب القانوني بلغت 22 مليار دولار أمريكي عام 2020 ومن المتوقع أن تتجاوز 97 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026، ونمو بمعدل سنوي مركب 28% خلال فترة التوقعات 2021 إلى 2026.
استمرار زراعة القنب غير المشروع
في عام 2004، كشفت الأمم المتحدة أن رقم معاملات سوق القنب الهندي المغربي يصل إلى 15 مليار دولار، يشمل الزراعة غير المشروعة وتهريب الحشيش، وعلى الرغم من أن السلطات نجحت في تقليص المساحات المزرعة من 143 ألف هكتار عام 2003 إلى 47 ألف هكتار عام 2017، فإن حجم الإنتاج لم يتقلص، بعدما دخلت إلى المغرب بذور هجينة تدر إنتاجًا هائلًا من راتنج القنب، لكنها أكثر استنزافًا للمياه وتدميرًا للتربة.
إلى غاية اعتماد قانون القنب الهندي، ظل المغرب المنتج الأول لراتنج الحشيش في العالم، لكن بدءًا من هذا الموسم سوف تزرع نصف هذه الأراضي بالقنب لأغراض طبية وصناعية، وهذا سيؤدي فعليًا إلى تقليص إنتاج الحشيش، ما يعني أن الريادة في ضخ العالم بمخدر الحشيش ستؤول إلى أفغانستان وليس إلى المكسيك أو البارغواي، لأن البلدين اختارا كذلك التحول إلى القنب الهندي الطبي.
وإذا كانت الزراعة المشروعة ستنتج فقط الزهور الجافة للقنب الهندي، ليبيعها المزارعون مباشرة إلى التعاونيات، فإن المزارعيين في الأقاليم التي لم تحصل على ترخيص لم يجدوا بعد بديلًا يغنيهم عن الزراعة غير المشروعة وإنتاج الحشيش، الذي لا يستفيد من أرباحه الضخمة سوى الوسطاء والمهربين، بينما تستمر معاناة السكان المحليين من الفقر والعزلة والخوف.