منذ اندلاع معركة الجنرالات في السودان، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) منتصف أبريل/نيسان الحاليّ، والسؤال الأكثر إلحاحًا على ألسنة الجميع، في الداخل والخارج، كان عن هوية تلك المواجهات، وما إذا كانت المعركة شأنًا داخليًا أم حربًا إقليميةً بالوكالة.
وتعود جدلية هذا السؤال إلى طبيعة التشابكات التي تحكم المشهد السوداني وتتجاوز إطاره الداخلي الضيق بطبيعة الحال، إذ ساعدت الأرضية الرخوة التي تعاني منها الساحة السودانية في أن تتحول إلى مسرح كبير للكثير من الأجندات الإقليمية والدولية، ساعد على ذلك الانقسامات الداخلية التي قدمت للقوى الخارجية، صاحبة التوجهات التوسعية، هدية على طبق من ذهب لترجمة أهدافها وسياساتها إزاء هذا البلد الإفريقي صاحب الموقع الجيوسياسي الإستراتيجي.
ومن ثم وفي إطار محاولة فهم ما يحدث وقبيل الإجابة عن ذاك التساؤل كان الوقوف على خريطة اللاعبين في المعترك السوداني، محليًا وإقليميًا ودوليًا، من الأهمية بمكان، كخطوة أولى لفك حالة الاشتباك التي تخيم على المشهد بما يساعد على انجلاء الصورة بشكل قادر على قراءة ما بين السطور لوضع الأزمة في سياقها الطبيعي وحجمها النسبي الدقيق.
سودانية تبكي بحرقة على الهواء: الدعم السريع سرق بيتي، أنا وصلت #مصر لكن أهلي لا يوجد لديهم طريقة ليخرجوا ولا أموال ليأكلوا#السودان | #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/xUa5nE06cz
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) April 23, 2023
المشهد الداخلي.. الجيش وقوات الدعم ليسا الوحيدين
يتوهم من يظن أن البرهان وحميدتي القوتان السودانيتان الوحيدتان في الملعب، فهناك العديد من القوى والكيانات الأخرى التي إن لم يكن لها دور في الأيام الأولى من المعركة إلا أنه من المرجح أن يكون لها دور محوري فيما هو قادم، بل ربما يكون دورهما في حسم المواجهة مقدمًا على دور طرفي المواجهة الأساسيين، هذا ما خلص إليه الكاتب الصحفي محمود سالم في تحليل نشره “المونيتور“.
التحليل تطرق إلى 5 كيانات أخرى يمكن أن تلعب دورًا في سير المعركة خلال المرحلة المقبلة، على رأسها “الائتلاف الموقعي على الاتفاقية الإطارية” المكون من أكثر من 40 طرفًا وجماعةً مدنيةً، وهو الائتلاف الذي وقع على الاتفاقية الإطارية لبدء الانتقال الديمقراطي، الذي قد يكون الخاسر الأبرز من هذا الصراع الذي قضى بشكل كبير على عملية الانتقال المدني للسلطة، خاصة بعدما أثبت العسكر أن تشبثهم بالحكم مسألة محسومة حتى لو كان على حساب أمن واستقرار الوطن، كذلك “حزب المؤتمر الوطني“، الذي ما زال يتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي قوي رغم مساعي إزاحته عن المشهد، وهو أحد المستفيدين الكبار من تفاقم الوضع وتوتير الأجواء الراهنة التي قد يكون الجسر الأكبر لإعادته للمشهد مجددًا في ظل سياسة التخندق والاستقطاب التي يتبناها الجيش وقوات الدعم مؤخرًا.
ثمة حسابات عدة تعرقل مصر عن الانخراط بشكل مباشر في المعركة بين الجنرالين، فالأمر لم يقتصر على تهديد الأمن القومي من الناحية الجنوبية فحسب، بجانب تهديد أمنها المائي كذلك
وهناك كذلك “حركة العدل والمساواة” غرب دارفور بقيادة جبريل إبراهيم، المدعومة من تشاد، التي حملت السلاح ضد الرئيس المعزول عمر البشير عام 2003، التي تربطها علاقات جيدة بحميدتي وقوات الدعم، بجانب “الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال” بقيادة عبد العزيز الحلو، المشكل في أعقاب انشقاق الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال عام 2017، الذي يهدف إلى تحويل السودان إلى بلد علماني في المقام الأول، الذي قد يعرقل المشهد بتفاصيله تلك مساره المنشود ويجهض الخطوات التي قطعها نحو تحقيق أهدافه منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ.
ومن أبرز اللاعبين المحليين “حركة تحرير السودان” بشقيها، فصيل ميناوي بقيادة زعيم المتمردين الدارفوريين ميني ميناوي، وفصيل النور بقيادة عبد الواحد النور الذي يديره من منفاه الاختياري في فرنسا، ويربط هذا الفصيل علاقات جيدة بالجنرال المتقاعد خليفة حفتر، كونه أحد المزودين الرئيسيين لجيش حفتر بالمرتزقة الأجانب، وعليه فهو يميل بطبيعة الحال إلى قوات الدعم السريع.
السوق المركزي بحري ? #لا_للحرب #السودان pic.twitter.com/zlIZftK9HD
— lord (@nubiankinglord) April 24, 2023
خريطة الحدود.. الانخراط قهرًا في المعركة
وعلى المستوى الثاني تأتي تشابكات الحدود الجغرافية، حيث الدول التي وجدت نفسها متورطة قهرًا في المعركة، وإن لم يكن ذلك بناء على رغبتها، مدفوعة باعتبارات الأمن القومي في ظل تلاصق الحدود مع السودان، ويأتي على رأسها مصر، الجار الشمالي لأبناء السودان، والأكثر حضورًا في المشهد منذ بدايته بعدما سقط العشرات من جنودها في قبضة قوات الدعم السريع قبل أن يتم إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى القاهرة بعد وساطة إماراتية.
وبعيدًا عن تفاصيل التعامل مع الجنود المصريين الذين كانوا موجودين في مطار مروى ضمن تفاهمات مع الجيش السوداني لإجراء تدريبات مشتركة، والصور القاسية الملتقطة لهم التي أثارت حفيظة المصريين ودفعت بعضهم لسرعة الرد العسكري الحاسم، فإن القاهرة ليس من مصلحتها تأجيج الوضع داخليًا لدى الجار الجنوبي، فالاستقرار هو الحالة المثالية التي تنشدها مصر للحفاظ على أمنها القومي من الناحية الجنوبية، وعليه تجنبت التخندق إلى أي من الطرفين رغم ما هو معلوم بالضرورة من دعم السلطة المصرية الحاليّة للجيش السوداني والبرهان بحكم إستراتيجية النظام الحاليّ في دعم الجيوش النظامية – أيًا كانت – ولفظ أي تكوينات فصائلية أو ميليشياوية، وهو الموقف ذاته إزاء سوريا وليبيا.
ثمة حسابات عدة تعرقل مصر عن الانخراط بشكل مباشر في المعركة بين الجنرالين، فالأمر لم يقتصر على تهديد الأمن القومي من الناحية الجنوبية فحسب، بجانب تهديد أمنها المائي كذلك، في ظل العلاقات القوية بين قوات الدعم وحكومة آبي أحمد في أديس أبابا، وهو ما قد يعرض سد النهضة للخطر، الأمر الذي تحاول القاهرة قدر الإمكان تجنبه في الوقت الراهن، لذا فهي الأحرص على تهدئة الأمور وعودة الاستقرار للساحة السودانية، مع الوضع في الاعتبار مخاوف النزوح الجماعي المتوقع للجار الشمالي إذا استمر المشهد الملتهب على تلك الوضعية.
منذ الإطاحة بالبشير ونظامه في أبريل/نيسان 2019، وحتى قبل ذلك وفي خضم عهده، لم يسلم السودان من العبث بمقدراته بأيادي الأشقاء من القوى العربية
الوضع يتشابه نسبيًا مع الجارة الجنوبية، إثيوبيا، التي ترى فيما يحدث على أطراف حدودها الشمالية خطرًا يهدد أمنها واستقرارها، لكنها في نفس الوقت ربما تكون أحد المستفيدين من المشهد الحاليّ في تحقيق خطوات إيجابية بشأن ملف منطقة الفشقة المتنازع عليها واستعاضة ما تم خسارته على يد القوات السودانية قبل عامين، هذا بجانب مساعيها للانتقام والتشفي من الجيش السوداني الذي دومًا ما كان متهمًا بدعم التيغراي في مواجهة حكومة آبي أحمد رغم نفي الخرطوم تلك الاتهامات.
معروف العلاقة القوية التي تجمع قوات الدعم وحميدتي من جانب وحكومة آديس أبابا من جانب آخر، لكنها العلاقة التي إن حققت المراد منها مؤخرًا إلا أنها قد تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار إثيوبيا إذا أسفرت المعركة عن انتصار جيش البرهان وملاحقة فلول الدعم في مناطق تحالفاتها سواء في إثيوبيا أم تشاد التي تتشابه ظروفها إلى حد كبير مع المسألة الإثيوبية، حيث العلاقة القوية مع قوات الدعم والتعاون العسكري الميليشياوي بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة، التي تتخوف هي الأخرى من مغبة النزوح الجماعي إليها.
أما على المسار الليبي فهناك – كالعادة – شبه انقسام في المواقف، ففي الوقت الذي من المستبعد فيه أن تتخذ حكومة الوفاق الوطني أي موقف داعم لطرف على حساب الآخر، حفاظًا على إستراتيجية الحياد في التعاطي مع الأزمة، فإن حفتر وميليشياته متهمون بتقديم أوجه الدعم المختلفة لقوات الدعم، وقد أشارت بعض وسائل الإعلام الأمريكية إلى إرسال حفتر دعم عسكري لحميدتي خلال الأيام الأولى من المعركة، وهي الأنباء التي لم يتم الاستيثاق منها وإن كانت هناك شواهد عدة قديمة عليها، فحفتر يود رد الجميل لقوات الدعم التي زودته بأكثر من 1200 مقاتل في مايو/أيار 2020 لدعم قواته في الحرب التي خسرها في جنوب طرابلس.
القوى الإقليمية العربية.. تباين الأجندات
منذ الإطاحة بالبشير ونظامه في أبريل/نيسان 2019، وحتى قبل ذلك وفي خضم عهده، لم يسلم السودان من العبث بمقدراته بأيادي الأشقاء من القوى العربية، لا سيما صاحبة الأجندات والطموحات والإستراتيجيات التوسعية في عمق القارة الإفريقية، التي حاولت التعامل مع السودان كجسر محوري لتحقيق تلك الطموحات في منطقة القرن الإفريقي ووسط القارة السمراء وعلى مداخلها النهرية والبحرية.
وربما ليس من المبالغة القول إن الذي وصل إليه السودان اليوم هو الحصاد المر لتلك التدخلات الإقليمية المستفيدة في المقام الأول من إخراج هذا البلد من عباءة الاستقرار والزج به في آتون الفوضى، حتى تكون البيئة مواتية تمامًا لترجمة تلك الأجندات وتنفيذها دون مقاومة.
ويأتي على رأس تلك القوى ذات الحضور القوي في الداخل السوداني، الإمارات، التي كشفت عن وجهها مبكرًا منذ الوهلة الأولى لإسقاط نظام الإنقاذ، حيث لعبت على الأطراف كافة، تارة ادعت دعمها للجيش ثم سرعان ما انقلبت عليه بعد تعثر التفاهمات معه، لتعيد بوصلتها صوب حميدتي الطامع في السلطة ولو على حساب مقدرات بلده، وهو الذي هرّب ذهب السودان إلى أبو ظبي بأبخس الأثمان، نظير الحصول على الدعم المالي والسياسي من أبناء زايد في معركة الصراع على الحكم مع البرهان.
الموقع الجيوسياسي الإستراتيجي للسودان جعله منذ قديم الأزل مطمعًا للقوى الدولية الكبرى، وقد تعاقب على هذا البلد عشرات الأجندات التي فرغته من موارده طيلة العقود الماضية
وتلقت الإمارات العديد من الضربات الموجعة في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، حيث تراجع نفوذها بشكل كبير مقارنة بما كان عليه قبل عدة أعوام، وعليه تحاول استعادة هذا النفوذ قدر المستطاع، وقد وجدت في الهزة الذي تعرض لها السودان أعقاب عزل البشير وتغير جلد الحكم الفرصة في تعميق تغلغلها في مفاصل الدولة، وهو ما بدا واضحًا في دعم العسكر على حساب المدنيين، ثم دعم ميليشيات حميدتي في مواجهة الجيش السوداني بزعم اختراقه من جماعة الإخوان المسلمين، وهو الوتر ذاته الذي يعزف عليه دقلو في خطابه الذي يطالب فيه بتدخل المجتمع الدولي لإنقاذ السودان من الراديكاليين الإسلاميين على حد قوله.
ثم تأتي السعودية، التي لعبت هي الأخرى دورًا كبيرًا في المشهد السوداني خلال الأعوام الأربع الماضية، حيث كانت من أشد الداعمين لقوات الدعم كنوع من رد الجميل على دعمها للقوات السعودية في اليمن، ثم مال التوجه مؤخرًا نحو دعم الجيش، ليس حبًا في البرهان، إنما حفاظًا على مصالحها وأهدافها في السودان التي لن تتحقق حال استمر الوضع الفوضوي الحاليّ.
وكحال مصر فإن المملكة ليس في مصلحتها على الإطلاق استمرار المعركة والاحتراب بين المعسكرين، لذا تبذل الرياض جهودًا دبلوماسية على أكثر من مسار لفرض الاستقرار والضغط على الجنرالين للجلوس على مائدة التفاوض لوضع حد لتلك المواجهة التي قد تعيد تشكيل خريطة المنطقة بأسرها خاصة إذا ما كان للتدخل الخارجي دور محتمل، وهو ما لا يصب بطبيعة الحال في الصالح السعودي حيث سيكون أمنه القومي والسياسي في خطر.
الطيران العسكري الغربي ينقل الرعايا الغربيين خارج #السودان. هذا واضح، لكن ما ليس واضحا هو: ما الذي ينقله ذلك الطيران الغربي إلى الداخل السوداني؟
— محمد المختار الشنقيطي (@mshinqiti) April 23, 2023
المجتمع الدولي.. حسابات الربح والخسارة
الموقع الجيوسياسي الإستراتيجي للسودان جعله منذ قديم الأزل مطمعًا للقوى الدولية الكبرى، وقد تعاقب على هذا البلد عشرات الأجندات التي فرغته من موارده طيلة العقود الماضية، وزرعت الفتنة بين مكوناته وأطيافه حتى تحول إلى لقمة سائغة في فم المستعمرين القدماء، تلوكها وقتما شاءت، وبحسب الأهداف المرجوة.
وبحسب المحللين فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يُشعل الجنرالين، البرهان وحميدتي، تلك المعركة دون الحصول على ضوء أخضر من القوى الداعمة لكل طرف على حدة، فالولوج في مثل تلك الحروب، لا سيما من قائد الدعم السريع، انتحار إن لم يكن هناك دعم إقليمي ودولي.
ربما تجد الولايات المتحدة في تلك الأجواء فرصتها المفقودة لاستعادة نفوذها المتراجع سودانيًا لحساب خصومها الصينيين والروس، لكنها في الوقت ذاته تعي أن الدخول في حرب أهلية كاملة يهدد مصالحها بشكل جذري، خاصة أنها تفتقد هنا للكثير من الأدوات التي تمتلكها القوى المنافسة لها على الكعكة الإفريقية، خاصة موسكو التي لديها سلاح قوي في تلك المعركة وهم قوات فاغنر والمرتزقة الذي من المتوقع أن يكون لهم دور كبير في إدارة الحرب.
ومن هنا يمكن قراءة عدم لجوء واشنطن إلى فرض عقوبات على جنرالات السودان خلال الأعوام الأربع الماضية رغم ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين، هذا بخلاف غض الطرف عن انقلاب البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021، رغم أنه يتعارض مع السياسة الأمريكية الرامية إلى تمكين المدنيين، مع الوضع في الاعتبار تعالي الأصوات الأمريكية التي طالبت بفرض عقوبات قاسية على البرهان وحميدتي في أعقاب هذا الانقلاب، لكن إدارة جو بايدن لم تلق لها بالًا، حيث تميل إلى عدم التصعيد داخليًا ومحاولة فرض التهدئة وعدم خسارة أي من الأطراف خدمة لمصالحها وأجنداتها في القارة.
#البيت_الأبيض: #واشنطن سترسل قطعا بحرية للمساعدة في إجلاء الأميركيين الراغبين من #السودان
#العربية pic.twitter.com/MRMhDFhTSd
— العربية (@AlArabiya) April 24, 2023
أما الصين فبحكم العلاقة السابقة مع البرهان، الذي كان يعمل ملحقًا عسكريًا للسودان في بكين قبل أن يصبح رئيسًا لمجلس السيادة وقائدًا للجيش، فإنها تميل بطبيعة الحال إلى دعم القوات المسلحة النظامية السودانية، لكن ليس معنى ذلك التخندق إلى جوار الجيش في المعركة، إذ تسعى الصين للحفاظ على مصالحها واستثماراتها في السودان، ولن يحدث ذلك إلا في ظل مناخ من الاستقرار والهدوء، ومن ثم يتوقع أن يكون هناك تحركات صينية دبلوماسية مكثفة خلال المرحلة المقبلة لتخفيف هذا التوتر الذي يهدد مصالحها بشكل كبير.
وعلى المستوى الروسي قد يكون الأمر أكثر تعقيدًا، فالبعض يتهم موسكو بالانخراط مباشرة في تلك المعركة من خلال دعم مجموعة فاغنر لقوات الدعم السريع، بجانب حميدتي الذي تربطه علاقات قوية، سياسية واقتصادية، بالدولة الروسية، لكن ليس معنى ذلك أن تكشف موسكو عن دعمها الرسمي المباشر لحميدتي، لما قد يترتب على ذلك من ضغوطات دولية وإقليمية وتشويهًا إضافيًا لسمعتها الخارجية ودعم الميليشيات والفصائل في المنطقة، مع الوضع في الاعتبار الموقف المتأزم في أوكرانيا الذي قد يمثل حجر عثرة أمام أي تورط جديد في المنطقة، وإن كان ذلك لا ينكر حجم النفوذ الروسي في الداخل السوداني ومحاولة تعميقه خاصة فيما يتعلق بالبحث عن موطئ قدم داخل ميناء بورتسودان.
ومما يزيد من خطورة المشهد وجود العديد من القواعد العسكرية للقوى الدولية الكبرى في الدول المجاورة للسودان، فللولايات المتحدة قاعدة كبيرة في جيبوتي القريبة جغرافيًا من الخرطوم وإن لم تشترك معها بريًا، كذلك الصين وروسيا واليابان، بجانب حضور عسكري قوي لفرنسا في تشاد الحدودية وجيبوتي القريبة، فضلًا عن قواعد روسية في 15 دولة إفريقية أكثرها ما هو موجود في جنوب السودان وإفريقيا الوسطى، وكلتاهما ملاصقتين للسودان.
في الأخير.. فإن معركة الجنرالات في السودان خرجت شكلًا ومضمونًا عن إطارها الثنائي المزعوم بين البرهان وحميدتي لتصبح ساحة كبيرة للكثير من اللاعبين، المحليين والإقليميين والدوليين، ومسرح أكبر للأجندات الخارجية، فيما يقف الشعب السوداني مكتوف الأيدي، يتابع المشهد من مقاعد المتفرجين، بينما تُفرّغ الدولة من مواردها وأمنها واستقرارها، إما بأيادي أبنائها العسكريين وإما عبر سارقي قوت الشعوب من المستعمرين القدماء وأصحاب الطموحات المعاصرين.