ترجمة وتحرير: نون بوست
من خلال مكالمة هاتفية غير متوقعة من ضابط شرطة يخبره باستدعائه إلى المحكمة في دمشق، اكتشف عبد الله (31 سنة) أن منزله سُلِب منه. اضطر عبد الله لمغادرة منزله سنة 2012 عندما فرّ من سوريا خلال حملة أمنية على الناشطين المناهضين لللنظام، وهو الآن مجبر على أن يشرح للمحكمة أنه لم ينقل ملكية المنزل إلى قريبه الذي ادعى زورًا أنه وقّع معه اتفاقية بيع المنزل ودفع ثمنه، في خطوة مدبّرة باستخدام المحاكم لممارسة الاحتيال مع العلم أن عبد الله لا يمكنه العودة إلى دياره للمرافعة في قضيته.
هذه الوثيقة المزوّرة التي قدمها هذا المدّعي هي واحدة من بين العديد من الوثائق التي تستخدمها الشبكات الفاسدة التي تستفيد من فوضى الحرب في سوريا المستمرة منذ 12 سنة لتجريد اللاجئين من ممتلكاتهم.
في تقرير صحفي بالإشتراك مع الوكالة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج” ومنظمة “اليوم التالي” غير الربحية، تحدثت صحيفة “الغارديان” إلى الضحايا والمصادر القانونية التي تقول إن سرقة الممتلكات تشكّل عائقًا أمام عودة اللاجئين إلى سوريا.
يقول عبد الله “أنا أعيش لاجئًا في تركيا، ولا أعرف إذا ما رحل النظام السوري في يوم من الأيام، كيف سأعود إلى سوريا، وأين سأعيش حينها؟ هل سأتمكن من استعادة منزلي أم لا؟ سرقة المنزل تعني خسارة كل شيء. هذا المنزل تركه لي والدي الذي توفي في أقبية المخابرات الجوية بعد اعتقاله سنة 2013”.
ما يخشاه عبد الله أيضًا في حالة عودته إمكانية تعرضه للتعذيب في سوريا بسبب دوره في توثيق عنف النظام ضد المتظاهرين، لكن حياة اللجوء في الخارج أمر غير مؤكد أيضًا حيث يواجه اللاجئون عداءً متزايدًا في العديد من الدول التي تستضيفهم، في حين بدأت بعض الدول الأخرى توطّد العلاقات مع نظام بشار الأسد. وفي تركيا، يتم ترحيل اللاجئين ويهدّد السياسيون بإعادتهم جميعًا في غضون سنوات، بينما حدثت عمليات العودة في لبنان والأردن، وتستعد الدنمارك لنفس الإجراء.
غياب سجلات محكمة مركزية يعني عدم توفّر بيانات عن حجم سرقات الممتلكات في سوريا، لكن أحد المحامين قال إنه اكتشف 125 حالة لمنازل مسروقة في دمشق وحدها في النصف الأول من سنة 2022.
قال المحامي السابق عبد الناصر هوشان إن تحقيقاته كشفت عن 20 شبكة في مدن أخرى منها حلب وحماة، حيث نزح معظم السكان بسبب المعارك. قد يصل عدد أعضاء هذه الشبكات إلى 50 عضوًا، من محامين وقضاة إلى مسؤولين عسكريين، يعثرون على منازل فارغة ويقومون بتزوير مستندات البيع، ويجرّون أصحابها إلى المحاكم دون علمهم.
شبكات التزوير ازدهرت خلال الحرب وساعدها في ذلك فقدان العديد من مالكي المنازل لوثائقهم، بينما تم تدمير المباني الرسمية وإتلاف سجلات المحاكم وسندات الملكية
قال عبد الله إن قريبه لديه صلات بالفرقة الرابعة وهي وحدة عسكرية يديرها ماهر الأسد شقيق بشار. حاول عبد الله تعيين محامٍ لمتابعة القضية لكن جميعهم رفضوا لأنه مطلوب من قبل قوات الأمن، كما فشلت مفاوضاته مع القريب وانتهى الأمر بتهديد الوسطاء بالإبلاغ عن تعاونهم مع عدو حكومي.
ألقى الهوشان باللوم على مسؤولين عسكريين ولا سيما الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد. وقال الهوشان إنها مرتبطة بالقضاة والمحامين ولها دور في تعيينهم، وبالتالي هناك شراكة بين الفرقة الرابعة وشبكات الاحتيال.
أبو حسن، رجل أعمال من بلدة “جديدة الوادي” السورية، غادر منزله سنة 2014 وسمح في البداية لعائلة نازحة بالعيش في منزله بدون إيجار. لكن في وقت لاحق، أخبره الجيران أنه تم نقل الأسرة واستبدالها بأشخاص جدد. حيال ذلك، قال حسن “أخبروني أن الشخص الجديد هو ضابط من الفرقة الرابعة. كيف ذلك؟ لا أملك أي فكرة”.
رتب لابنه سفرًا من تركيا إلى دمشق للتحقيق في الأمر وذلك بعد دفع رشوة لتجنب تجنيده لأداء الخدمة العسكرية، فاكتشف أن عائلة الضابط قد توجّهت إلى أصحاب المنزل السابقين وأجبرتهم على التوقيع على وثيقة بيع.
حيال ذلك، يقول حسن “لقد تعرضت لعملية احتيال ممنهجة، والبلد في حالة من الفوضى وكل شيء يحدث بقوة السلاح تحديدا، وبالقوة. وبالطبع سيتمكن ضابط في الفرقة الرابعة بالتأكيد من فعل ما يريد، لأنه ضابط قوي في الجيش ولديه كل النفوذ، فوجوده في الفرقة الرابعة، يعني سلطة مطلقة”.
قال القاضي أنور مجاني، الذي يعمل الآن مستشارًا قانونيًا لمنظمة “اليوم التالي”، إن شبكات التزوير ازدهرت خلال الحرب وساعدها في ذلك فقدان العديد من مالكي المنازل لوثائقهم، بينما تم تدمير المباني الرسمية وإتلاف سجلات المحاكم وسندات الملكية. ساعد الاقتصاد المتدهور في سوريا على تسريع السرقات أيضًا، مع إغراء المسؤولين ذوي الدخل المنخفض بالرشاوى.
نصف سكان سوريا نازحون، وأكثر من 5 ملايين منهم لاجئون ويخشون العودة في ظل بقاء الأسد في السلطة، وهم يتساءلون الآن ما الذي بقي لهم ليعودوا إليه
غادرت إيمان، وهي طبيبة مُنحت اسمًا مستعارًا لأسباب أمنية، سوريا سنة 2017 وأجّرت منزلها لموظف حكومي. ومنذ ذلك الحين ادعى أنها وافقت على بيعه له باستخدام توكيل مزوّر معتمد من القنصلية السورية في إسطنبول. تقول إيمان بشأن ذلك “فقدت كل أمل في استعادته. تقع المسؤولية على عاتق القضاء الفاسد والقنصلية التي قامت بهذا الأمر من خلال إصدار الوثيقة دون حضورنا. فعلوا ذلك من أجل المال من قبل الأشخاص الذين استفادوا من نفوذهم”.
لم ترد وزارتا العدل والدفاع في سوريا على طلبات التعليق على هذه القضية.
مع دخول الحرب عامها الثالث عشر، تعمل الحكومة على تحسين صورتها على الواجهة الدولية، وإجراء محادثات مع دول الجوار مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
مؤخرًا، وقّع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن رسالة مع شخصيات معارضة يحث فيها الرئيس جو بايدن على وقف تطبيع العلاقات بسبب عدم إجراء حكومة الأسد الإصلاحات المطلوبة، بينما قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن الأسد يستمر في استخدام الذخائر العنقودية المحظورة وتحويل وجهة المساعدات الإنسانية.
بينما تشير التقديرات إلى أن المعارك دمرت حوالي ثلث المنازل، استولى النظام أيضًا على المنازل أو هدمها في غياب أصحابها.
في وقت سابق، ذكرت صحيفة “الغارديان” ووكالة “سراج” ومنظمة “لايت هاوس ريبورتس”، هدم حي “القابون” الذي كانت تسيطر عليه المعارضة سابقًا لإفساح المجال أمام بناء مساكن فاخرة. في آذار/ مارس الماضي، اقترح محامٍ موالي للنظام تخصيص منازل مهجورة في حلب – التي شهدت بعض أسوأ المعارك – للأشخاص الذين ما زالوا في سوريا.
نصف سكان سوريا نازحون، وأكثر من 5 ملايين منهم لاجئون ويخشون العودة في ظل بقاء الأسد في السلطة، وهم يتساءلون الآن ما الذي بقي لهم ليعودوا إليه. ويقول عبد الله: “جعلتني مصادرة المنزل أفقد كل شيء”.
المصدر: الغارديان