في ظل عدم حدوث اختراق قوي لإيقاف الاشتباكات العسكرية في السودان، تمضي قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في خطوات لفرض حكومة أمر واقع.
بدأت هذه الخطوات غير البريئة، بإعلان قوات الدعم السريع في 19 أبريل/نيسان الحاليّ، تشكيل غرفة لتلقي البلاغات والشكاوى ونداءات الاستغاثة من السودانيين والأجانب في أماكن سيطرتها بالعاصمة الخرطوم، لتقديم المساعدات الإنسانية وحسم الانفلات الأمني والمساهمة في عمليات الإجلاء.
وفي اليوم التالي، سلمت 27 عسكريًا مصريًا إلى الصليب الأحمر الدولي في العاصمة الخرطوم، بعد أن استسلموا إليها في قاعدة مروي الجوية العملياتية شماليّ السودان في اليوم الذي اندلعت فيه الحرب بين الجيش والدعم السريع 15 أبريل/نيسان الحاليّ.
تقيم قوات الدعم السريع ارتكازات في الطرق العامة وتنتشر بكثافة في الأحياء السكنية، وهذا يتيح لها مجالًا للمناورة عند الحديث عن فتح ممرات آمنة والتفاوض لاحقًا
ودفع عدم انتقاد هذه الخطوات من القوى السياسية والمدنية التي تنشط بكثافة في إيقاف الحرب، باعتبار أنها خدمات تُقدمها مؤسسات الدولة بغض الطرف عمن يتولى السلطة، قوات الدعم السريع إلى توسيع طموحها بإعلان استعدادها لفتح جميع المطارات أمام حركة الملاحة الجوية جزئيًا لتمكين الدول من إجلاء رعاياها.
وقالت قوات الدعم السريع، خلال الأيام الفائتة، إنها أمنت إجلاء بعثة دولة نيجيريا ونفذت عملية إجلاء ناجحة لطاقم سفارة ورعايا إيطاليا، وتحدثت عن تعرض موكب رعايا فرنسيين بغرض إجلائهم إلى قصف بالطيران الحربي، ما دعاها إلى إعادتهم لنقطة الانطلاق الأولى في السفارة الفرنسية بالخرطوم.
يبدو أن الجيش أدرك مساعي قائد قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية، فنفى مزاعم الأخيرة في المساعدة والتنسيق في إجلاء رعايا ومبعوثي الدول، فـ”لا يمكن أن تتواصل دول العالم مع قوة متمردة على الدولة مهما حاولت تقمص شخصية الدولة بالكذب والتضليل”.
ربما يكون حديث الجيش صحيحًا في مسألة إجلاء رعايا الدول، لكن بعض الدول تتواصل مع قائد الدعم السريع على الأقل لممارسة الضغوظ في اتجاه وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة التفاوض.
وتقيم قوات الدعم السريع ارتكازات في الطرق العامة وتنتشر بكثافة في الأحياء السكنية، وهذا يتيح لها مجالًا للمناورة عند الحديث عن فتح ممرات آمنة والتفاوض لاحقًا، كما سنرى في نهاية هذا التقرير.
هدنة.. لا ضمان لصمودها!
أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، موافقة الجيش والدعم السريع على تنفيذ وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة، ابتدءًا من منتصف ليل 24 أبريل/نيسان، داعيًا إلى الالتزام به، أملًا في الوصول إلى إنهاء دائم للقتال.
لا يوجد ما يدفع إلى التزام طرفي القتال بالهدنة الجديدة، فقد جرى خرق 4 هُدن منذ اندلاع القتال
وقال بلينكن إن أمريكا ستنسق مع الشركاء الدوليين والإقلميين وأصحاب المصلحة السودانيين، للمساعدة في إنشاء لجنة دائمة للإشراف على التفاوض وإقرار وقف دائم للعدائيات، وذلك دون أن يغفل مواصلة العمل في العودة لحكومة مدنية.
ورحبت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الاطاري، بتمديد الهدنة لـ72 ساعة، نتيجة جهود أمريكا وتواصلها معها والجيش والدعم السريع، على أن تشهد هذه الهدنة مناقشات للتوصل لاتفاق شامل لوقف إطلاق النار بصورة دائمة تمهد لحل سلمي يُنهي الحرب.
وقال المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، في تصريح صحفي، إن هذه المبادرة تختلف عن سابقاتها أنها لا تختص فقط بالقضايا الإنسانية، بل احتوت قضايا تفصيلية، حيث حددت الآليات اللازمة للوصول إلى اتفاق نهائي واعتمدت ثلاث مراحل أولها أن تعقد هدنة ناجحة، ثم الوصول إلى اتفاق نهائي لإطلاق النار، ومن ثم مناقشة القضايا السياسية.
لا يوجد ما يدفع إلى التزام طرفي القتال بالهدنة الجديدة، فقد جرى خرق 4 هُدن منذ اندلاع القتال، لعدم تحقيق أي طرف، ولو جزئيًا، ما يقول إنها أهدافه من الحرب، إذ يقول الجيش إنه يحارب تمردًا يعمل على دحره، فيما تتحدث قوات الدعم السريع أنها تقاتل من أجل الديمقراطية.
تصريحات الجيش السوداني في الـ24 ساعة الماضية:
– وافقنا على هدنة لمدة 72 ساعة، بناءً على وساطة سعودية أمريكية لوقف القتال والتخفيف عن المواطنين، شرط التزام الدعم السريع بوقف الأعمال العدائية والالتزام بمتطلبات استمرايتها.
– مقتل مساعد الملحق الإداري للسفارة المصرية محمد حسن محمد القراوي، بنيران المليشيا المتمردة أي قوات الدعم السريع.
– أخذت قوات الدعم السريع في ارتداء أزياء الشرطة، للقيام بالمزيد من عمليات الاعتداء على المواقع ونشر الفوضى التي بدأت تتوسع فيها بإطلاق سراح بعض نزلاء السجون وعمليات النهب والاستيلاء على ممتلكات المواطنين والقتل العشوائي.
– نتجنب الدخول في معارك كبيرة وسط الأحياء السكنية مقابل طول أمد المواجهات، من أجل الحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنيين، فيما اتخذت المليشيا هذه الأحياء والمناطق المكتظة بالسكان ملاذًا لنشر قواتها وسيارتها، متخذين منهم دروعًا بشرية.
– تستمر قواتنا في توسيع نطاق تأمين منطقة الخرطوم بالتدريج لتجنب إلحاق أضرار بالمناطق السكنية.
– ما زالت الأبواق الإعلامية للمتمردين مستمرة في بث نفس الأكاذيب المتكررة منذ اليوم الأول التي أصبحت غير مقنعة للمواطن بشأن الاستيلاء على مراكز القيادة العسكرية والقصر الجمهوري ومدينة جياد الصناعية ومراكز إستراتيجية أخرى وهذا غير صحيح.
تصريحات الدعم السريع في الـ24 ساعة الفائتة:
– لن ندخر جهدًا في التعاون مع مصر لكشف حقائق مقتل مساعد الملحق الإداري بسفارتها في الخرطوم.
– نفذ الجيش غارة جوية على أحياء سكنية متفرقة، استهدفت المدنيين بشكل مباشر.
– يقف عناصر النظام السابق وراء خطة ماكرة، تتعلق بعمليات تخريب واسعة ونهب منازل المواطنين ومقار الشركات والمصانع، وإلصاق التهم بقوات الدعم السريع.
– تعمل قوات الدعم السريع على توفير الخدمات الضرورية للمواطنين وتأمين مصادر هذه الخدمات بل والعمل مع الموظفين وتأمينهم لأداء عملهم، إلى جانب تأمين عمليات إجلاء البعثات الدبلوماسية ورعايا الدول الأجنبية، إضافة لتأمين الطرق وتسهيل عبور المواطنين إلى المناطق الآمنة.
– وافقنا على هدنة إنسانية لمدة 72 ساعة، من أجل فتح ممرات إنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين وتمكينهم من قضاء احتياجاتهم والوصول إلى المستشفيات والمناطق الآمنة، وإجلاء البعثات الدبلوماسية.
تأسيس حكومة على غرار تجارب داخلية
تحدث قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، هذا الأسبوع، عن سيطرة قوات الدعم السريع على كل مراكز الشرطة والمؤسسات الخدمية، كما تقيم قوات الدعم السريع ارتكازات في الطرق العامة خاصة في الخرطوم والخرطوم بحري، لمراقبة حركة المواطنين الذين يتحدث بعضهم عن تعرضهم لانتهاكات فظيعة، ما دفع متطوعين إلى بث رسائل تدعو السكان إلى التوقف عند نقاط الارتكاز والإجابة عن تساؤلات الجنود مع الحرص على عدم حمل المقتنيات الثمينة.
وتشير سيطرة الدعم السريع على مراكز الشرطة والمؤسسات الخدمية وإقامة الارتكازات، وسعيها المتواصل لوضع يدها على قواعد الجيش خاصة مقر قيادته وعلى مؤسسات الدولة الحيوية مثل مصفاة تكرير النفط، إلى رغبتها في امتلاك مفاصل البلاد.
ويبدو أن نجاح الدعم السريع في استمرار سيطرتها على بعض المرافق الحكومية محفوف بالمخاطر، فهي قوات اعتادت الحرب الخاطفة وجني ثمارها سريعًا على خلاف الجيش الذي يمتاز بالنفس الطويل، لكنها تُقاتل الآن في معارك وجود.
لقطات مروعة لتدمير منطقة “#شمبات” في شمال #الخرطوم بسبب الاشتباك المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 10 أيام. pic.twitter.com/tpDf0Eg5l6
— سمير النمري Sameer Alnamri (@sameer_alnamri) April 25, 2023
ولا يمكن الحديث عن فتح ممرات آمنة – لم يتم الاتفاق عليها محليًا أو دوليًا حتى الآن – دون الاعتراف بسيطرة قوات الدعم السريع على الطرق والمرافق التي تستولي عليها حاليًّا، وهذا الاعتراف سيمنحها شرعية تفتقر إليها الآن، ما قد يدفعها لإعلان حكومة في مناطق سيطرتها.
وإعلان حكومة في بعض المناطق ليست جديدة على السودان، حيث تُسيطر حاليًّا حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور على أجزاء في جبل مرة بولاية وسط دارفور غربي السودان، كما تستولي الحركة الشعبية شمال بزعامة عبد العزيز الحلو على أجزاء من ولاية جنوب كردفان جنوب البلاد.
ربما يستهدي حميدتي بهذه التجارب ويعلن حكومة في مناطق سيطرة قواته في الخرطوم، ما يعزز موقفه في أي تفاوض يمكن أن يُجري قريبًا في ظل الضغوظ المحلية والإقليمية والدولية على طرفي القتال.
يدرك الجميع أن حميدتي لا يبالي بأمن المواطنين ولا بسلامة السودان، فهو يتعامل مع الجميع بعقلية المرتزق الذي يستطيع التكيف مع جميع الأوضاع، وفيها يستطيع صُنع تحالفات هشة لإبعاد الانتقادات عنه وسرعان ما يبطش بهم حال وقفوا عائق في طريق رغبته الجامحة إلى السلطة.