بدأت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، المُندلعة منذ 15 أبريل/نيسان الحاليّ، تتحول إلى نزاع على أساس عرقي في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، غرب السودان، ما يمكن أن يقود إلى حرب أهلية في إقليم دارفور المضطرب.
وهاجم الجيش مسنودًا من قوات يُعتقد تبعيتها لقوات التحالف السوداني التي يقودها والي غرب دارفور خميس عبد الله، الإثنين 24 أبريل/نيسان، قاعدة لقوات الدعم السريع في مدينة الجنينة، لتندلع بينهما اشتباكات ضاربة، تحولت إلى صراع مسلح بين القبائل العربية والقبائل الإفريقية.
وقوات التحالف السوداني هي تحالف جماعات مسلحة وقعت ضمن جماعات أخرى اتفاق سلام مع حكومة السودان في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وحصل قائدها على منصب والي غرب دارفور بموجب هذا الاتفاق.
الجنينه غرب دارفور
كل المؤسسات العامة والمرافق الحكومية ، والسوق الكبير ،والبنوك والصرافات ،والمستشفيات وبيوت الأختصاصين والمراكز الصحية، وآليات الكهرباء، وعدد من الاحياء تم القضاء عليها في لحظات.
والآن لحظة كتابة هذا المنشور الضرب مستمر الآن الساعة:7:45 مساء الأربعاء ٢٦ابريل pic.twitter.com/vh0d5w1pzH— GOUJA AHMED (@qoga12) April 26, 2023
وضع مخيف
صرح مسؤول بالولاية، في اليوم التالي، بأن سكان حي الجبل الذي تقطنه القبائل العربية هاجموا مقر القوات المشتركة السودانية التشادية ومراكز الشرطة، إضافة إلى المصارف وسوق المدينة الرئيسي وبعض منازل المواطنين.
وقال إن الجنينة تعيش فوضى عارمة، بسبب القتال الذي شمل معظم أحياء المدينة التي توافدت إليها مجموعات كبيرة من المليشيات المسلحة على متن سيارات دفع رباعي ودواب من مناطق متفرقة من ولايتي وسط وشمال دارفور.
ساهم وقوع إقليم دارفور جغرافيًا بمحاذاة دول ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى المضطربة أمنيًا، وعدم وجود رقابة صارمة على الحدود، في تدفق أعداد هائلة من الأسلحة إليها.
توسع النزاع في يومه الثالث، في ظل غياب كامل لمؤسسات الدولة، ليشمل عمليات نهب واسعة للمؤسسات بما فيها الإغاثية مثل صندوق الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة والهلال الأحمر.
وتحدث المُسعف الطبي في مستشفى الجنينة بحر أحمد أبو، لموقع سودان تربيون، كاشفًا عن بلوغ الحصيلة الأولية لضحايا العُنف القبلي في ثلاثة أيام أكثر من 90 قتيلًا، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الجثث على الطرق لم تُنقل إلى المشفى بسبب الأوضاع الأمنية وانتشار المسلحين في أجزاء واسعة من المدينة.
حذر ضابط الشرطة المتقاعد علي محمد إيدام، في مقابلة مع موقع عاين، من أن تكرار عملية تسليح الأهالي قد يؤدي إلى اندلاع شرارة حرب أهلية شاملة حال استخدام الأسلحة في الحرب بين المجموعات السكانية
وأبدى رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، قلقه العميق إزاء تقارير تفيد بوقوع أعمال عنف في الجنينة، يبدو أنها تتخذ أبعادًا قبلية بين المجتمعات المحلية في ظل شن هجمات على المدنيين وأعمال نهب وتوزيع الأسلحة بين المجتمعات المحلية، كما أسفرت الهجمات عن عمليات نهب أخرى واسعة النطاق، بما في ذلك مباني الأمم المتحدة.
وفي اليوم الذي تجددت فيه الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة الجنينة، بعد أيام من الهدوء الحذر، استولى مواطنون على مخازن السلاح بمقر رئاسة شرطة ولاية غرب دارفور، بينهم أطفال شُوهدوا يحملون أسلحة خفيفة وثقيلة، فيما نهب آخرون أسلحة وذخائر من مقر جهاز المخابرات العامة.
مايحدث في الجنينة هي جريمة بشعة تقوم بها مليشيا #الجنجويد التي استباحت المدينة.
الشرطة فتحت مخازن السلاح للمواطنين للدفاع عن انفسهم.
انها بداية الانزلاق للحرب الاهلية #الجنينة_تنزف— HOSHA (@WADHOSHA) April 27, 2023
وقدر موقع دارفور 24 عدد الأسلحة التي سرقت من مقر الشرطة بأكثر من 6 آلاف قطعة سلاح بكل أنواعها، وهذا يُفسر طابع العنف الذي يسود في الجنينة ولا يتوقع أن يتوقف قريبًا.
وهذا النزاع الذي يغلب عليه طابع الانتقام في الجنينة، ليس الأول من نوعه، فقد شهدت المدينة خلال الثلاثة أعوام الأخيرة أعمال عنف أثنية مميتة، كانت تُخمد بتوقيع اتفاق وقف عدائيات برعاية حكومية لا يصمد كثيرًا، لعدم محاسبة السلطة الجناة الذين ينخرطون في العنف.
وعلى خلاف الجنينة التي جرى فيها نهب السلاح من مخازن الشرطة وجهاز المخابرات العامة، فقد قدمت أجهزة أمنية في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور نحو 50 قطعة سلاح إلى مدنيين لاستخدامها في حماية الأحياء السكنية والدفاع عن أنفسهم.
وحذر ضابط الشرطة المتقاعد علي محمد إيدام، في مقابلة مع موقع عاين، من أن تكرار عملية تسليح الأهالي قد يؤدي إلى اندلاع شرارة حرب أهلية شاملة حال استخدام الأسلحة في الحرب بين المجموعات السكانية.
آثار الحرب القديمة وما يمكن أن يحدث
شهد إقليم دارفور ابتداءً من 2003 حربًا داميةً، عندما حملت جماعات السلاح ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير بداعي التهميش، ما تسبب في مقتل 300 ألف شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وعلى الرغم من توقيع نظام البشير وحكومة الانتقال، اتفاقيات سلام مع جماعات رئيسية، فإن الإقليم لم يشهد استقرارًا.
نتيجة السلاح المنتشر في دارفور، واعتبارات القاعدة الاجتماعية لقوات الدعم السريع منها، فمن المحتمل تحول الحرب إلى نزاع على أساس عرقي في الإقليم
ولجأ نظام البشير إلى تسليح جماعات تقاتل بالوكالة عنه في دارفور، وهؤلاء شكلوا النواة الأولى لقوات الدعم السريع قبل أن تتمدد ويبلغ عدد جنودها 100 ألف عنصر بعتاد عسكري ضخم، وهذا التسليح قاد إلى انتشار السلاح في الإقليم بكثافة فيما فشلت المحاولات الحكومية المتكررة لجمعه سواء بالترغيب أم التهديد.
وساهم وقوع إقليم دارفور جغرافيًا بمحاذاة دول ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى المضطربة أمنيًا، وعدم وجود رقابة صارمة على الحدود، في تدفق أعداد هائلة من الأسلحة إلى دارفور.
ما يحدث في الجنينة أمر مؤلم حيث خرج الصراع من دائرة الجيش والدعم السريع إلى صراع قبلي يمثل بداية الدخول في حرب أهلية، خاصة بعد أن تم فتح مخازن السلاح ووضعه في يد المواطنين، فالدولة التي كانت ينبغي عليها أن تحمي أرواحهم وممتلكاتهم أعطتهم السلاح لحماية أنفسهم بدلاً عنها…
— Sule Man (@suleman02h) April 26, 2023
وأفاد تقرير قدمه فريق خبراء أممي إلى مجلس الأمن الدولي في 24 يناير/كانون الثاني 2022، باستمرار مزاولة التجار توريد أنواع كثيرة من الأسلحة والذخائر إلى الأسواق المحلية في دارفور، وشملت أسلحة نارية آلية وقنابل صاروخية ومسدسات وبنادق بعيدة المدى عالية الدقة وصواريخ أرض – جو.
ونتيجة هذا السلاح المنتشر في دارفور، واعتبارات القاعدة الاجتماعية لقوات الدعم السريع منها، فمن المحتمل تحول الحرب إلى نزاع على أساس عرقي في الإقليم.
وفي حال توسع نطاق النزاع المندلع في الجنينة إلى مدن أخرى على ذات الشاكلة، فلا يستبعد انخراط الجماعات المسلحة سواء الموقعة أم غير الموقعة على اتفاق السلام، في القتال وإن لم يحدث ذلك بقرار من قادتها فسيحدث من العناصر المقاتلة.
وعلى الرغم من تركز القتال بين الجيش والدعم في العاصمة الخرطوم، بصورة رئيسية، وجلب طرفي النزاع مزيد من التعزيزات العسكرية إلى الخرطوم، فإن مخاوف انتشار عمليات انتقام واسعة يمكن أن تُحدث في دارفور إذا قُتل القادة البارزين في الدعم السريع.
ويرجع تركز القتال في العاصمة الخرطوم إلى أنها مركز السلطة التي يسعي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، للانفراد بها.
جرح الوطن ينزف في كل مكان #الجنينه_تنزف قتال قبلي استبيح فيه كل شء من قتل وحرق وسرقة وتشريد اهلها
الله اجرنا في مصيبتنا واحفظ يا الله البلاد والعباد
حسبي الله ونعم الوكيل pic.twitter.com/HTn1ydx6WR— ⲙⲟⳝⲁⲙⲉⲫ ⲡⳡⳣⳝ (@EngNojur) April 27, 2023
ويتوقع، إذا استطاع الجيش إلحاق الهزيمة بقوات الدعم السريع، أن ينسحب ما تبقى من الأخيرة إلى قاعدتها الاجتماعية في دارفور، ونظرًا لعقيدة مقاتليها التي يغلب عليها طابع الارتزاق والنهب، فلن تتورع في إشعال الحرب في الإقليم على نطاق واسع.
وفي ظل عدم استعداد طرفي القتال لإيقافه في الوقت الراهن وفشل الضغوط المحلية والدولية في دفعهما للالتزام بالهدن الإنسانية، فإن إقليم دارفور مقبل على كارثة وشيكة قد تخرج فيها الأوضاع عن السيطرة.