تفاقمت خلال الأيام الأخيرة في لبنان مسألة اللجوء السوري في ضوء الأزمة الاقتصادية والحياتية التي يعيشها لبنان من ناحية، والتحريض الذي لا تنفك بعض الجهات السياسية والإعلامية اللبنانية تمارسه بحق اللاجئين من ناحية ثانية، بزعم أنهم يتحملون مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في لبنان، ما دفع إلى اتخاذ إجراءات بحق اللاجئين على المستويين الرسمي والشعبي، تركت آثارًا سلبيةً تهدد بخروج الأمور عن نطاق السيطرة فيما لو ظلت وتيرة التحريض تسير بهذا الاتجاه.
فقد اتهمت منظمة العفو الدولية الجيش اللبناني بترحيل أكثر من 50 سوريًا قبل نحو أسبوعين وفقًا لما نقله مصدر عسكري لوكالة “فرانس برس”، وطالبت المنظمة السلطات اللبنانية “وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئين سوريين”، خشية أن يتعرضوا للتعذيب أو الاضطهاد من الحكومة السورية عند عودتهم إلى بلادهم، وكشفت المنظمة أن الجيش يداهم مخيمات اللاجئين ويوقف من يحملون أوراق إقامة منتهية الصلاحية ويعمد إلى طردهم، وأكدت المنظمة أنه من المقلق رؤية الجيش يقرر مصير اللاجئين.
تذكير ✊ pic.twitter.com/WEQjb8OSKf
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) April 25, 2023
تحديث: اعتقلت السلطات السورية شخصًا على الأقلّ من الذين رحّلتهم السلطات اللبنانية. أخبرنا محمد أنّ السلطات السورية اقتادت شقيقه إلى مكان غير مُعلن عنه وزعم أنهم قالوا لزوجته وابنته اللتين رُحّلتا معه “اذهبا وانسيا أمره” https://t.co/vK4QIsmCtu
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) April 25, 2023
إلى ذلك ارتفعت وتيرة التحريض على اللاجئين السوريين في بعض وسائل الإعلام اللبنانية وراحت بعضها تعمل على شيطنتهم، حتى إن بلديات كثيرة في العديد من المناطق اللبنانية اتخذت إجراءات صارمة بحق اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها من بينها وقفهم عن العمل أو محاصرتهم في تحركاتهم ووضع جداول زمنية لأي تحرك.
بينما تعرض بعض اللاجئين إلى مضايقات من شبان لبنانيين بلغت في بعض الأحيان الطرد التعسفي من البيوت كما حصل مع عائلات سورية في بلدة “القليعة” في قضاء مرجعيون، حيث عمد بعض الشبان إلى طرد عائلات تسكن في البلدة بذريعة “اعتداء” أحد السوريين على شرطي بلدي.
لبنانيون يعتدون على منزل للاجئين سوريين في بلدة القليعة جنوبي لبنان، ويقومون برمي مقتنياتهم من الشرفة، ليضمنوا عدم استخدامها.#لبنان #اللاجئين_السوريين pic.twitter.com/d3KV9BCAeo
— Jalal Sirees – جلال سيريس (@Jsirees) April 26, 2023
من ناحيته كشف وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم أن نحو 37 ألف سوري دخلوا خلال عطلة عيد الفطر من لبنان إلى سوريا ومن ثم عادوا إلى لبنان، ودعا بيرم إلى إسقاط صفة النزوح أو اللجوء عن كل سوري يدخل إلى سوريا.
بينما كشف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن هناك عصابات مختصة تعمل على إدخال السوريين خلسة من سوريا إلى لبنان مقابل بدلات مالية ضخمة تتقاضاها منهم، ورأى ميقاتي أن لبنان لم يعد يتحمل أعباء النزوح واللجوء، لكنه استغرب كيف يجري الاستفسار عن ترحيل الذين يدخلون خسلة وبطريقة غير شرعية إلى لبنان.
هذا وقد اتخذت اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة مسألة اللجوء السوري في لبنان قرارات بخصوص تنظيم اللجوء أو الترحيل ومن بين هذه القرارات: التشدد في ملاحقة اللاجئين بطريقة غير نظامية، ومتابعة العودة الطوعية بطريقة طبيعية، والطلب من المفوضية تسليم وزارة الداخلية اللبنانية قوائم باللاجئين، وإسقاط صفة اللجوء أو النزوح عن كل من يغادر الأراضي اللبنانية والتشدد في مراقبة الأعمال التي يقومون بها، وكذلك مسألة تسجيل المواليد وإثباتها.
#عاجل | المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في #لبنان لـ #تلفزيون_سوريا:
?تلقينا تقارير عن احتجاز سوريين في لبنان بهدف ترحيلهم
?بعض المعتقلين السوريين معروفون ومسجلون لدينا
?لاحظنا زيادة في المداهمات في شمالي لبنان وجبل لبنان
?ندعو لاحترام مبادئ القانون الدولي… pic.twitter.com/XuXazR2lik
— تلفزيون سوريا (@syr_television) April 27, 2023
على المستوى السياسي رأى وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم أن دولًا أجنبيةً لا تريد عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا وتعيق ذلك، بينما دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى تنظيم اللجوء السوري في لبنان من خلال إقامة مخيمات حضارية لهم، وتساءل من يضمن عودتهم وسلامتهم في سوريا في ظل النظام الحاليّ؟ نافيًا أي مسؤولية لهم في موضوع الأزمة الاقتصادية والحياتية التي يعيشها لبنان.
بدوره رأى المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي ووزير العدل السابق والنائب الحاليّ أشرف ريفي أن النظام السوري و”حزب الله” يتحملان مسؤولية تهجير السوريين إلى لبنان، متهمًا الطرفين بتحريك هذا الملف لدواعي سياسية في هذه المرحلة، داعيًا إلى إخلاء منازل اللاجئين السوريين في القصير وغيرها حتى يتمكنوا من العودة إليها.
من ناحيتها رفضت هيئة علماء المسلمين في لبنان في بيان لها التحريض ضد اللاجئين السوريين، ودعت إلى إنصافهم وضمان عودتهم الآمنة إلى ديارهم، كما دعتهم إلى الالتزام بالقوانين اللبنانية حتى لا يتحولوا إلى مطية ويدفعوا ثمنًا مرة أخرى.
أصدرت “هيئة علماء المسلمين في #لبنان” بياناً قالت فيه:
لا للخطاب العُنصري وخطاب الكَراهية والخطاب الفتنوي بين المواطنين والنازحين، ولا للتحريض بين النازحين والدولة.
“الطاغية” الذي قتّل ونكّل وشرّد ودمّر ينبغي أن لا يُفلت من العقاب، وبالتأكيد ينبغي أن لا يُكافأ بتطبيع العلاقات… pic.twitter.com/bamYpnxgFI
— تلفزيون سوريا (@syr_television) April 27, 2023
هي مأساة تجدد كل فترة ويعيشها اللاجئون السوريون في لبنان إما بسبب التهجير الذي أصابهم جراء ما حصل قبل نحو عقد في أغلب المناطق السورية وكانوا ضحيته، وإما بسبب الإجراءات التي تتخذها السلطات بحقهم على اعتبار أن الأوضاع الاقتصادية والحياتية لم تعد تُحتمل، وإما بسبب العنصرية والتحريض الذي يمارسه البعض ظنًا منهم أن ذلك يشكل مادة مهمة لشد عصب المحازبين والدائرين في فلك العنصرية ذاتها، وفي كل مرة يدفع اللاجئ المسكين الثمن مضاعفًا، لكن أخطر ما في هذه المرة الخوف من الدفع باللاجئين ليكونوا وقود معركة جديدة تحول لبنان إلى أثر بعد عين في ظل الانكماش السياسي الإقليمي والدولي وخلط الأوراق على المستويات كافة.