بدأت القصة في سنة 2010 عندما حركت جماعة “فتح الله كولن” خلاياها الإعلامية والأمنية والقضائية والدعوية للإطاحة بإحدى الجماعات الإسلامية التركية المنتمية للطريقة النورسية (نفس الطريقة التي تنتمي لها جماعة فتح الله كولن)، والمسماة بجماعة “الملا محمد” والتي اتهمها فتح الله كولن ثم قنواته الإعلامية وصحفه منذ نيسان 2009 بأنها جماعة متطرفة وتابعة لتنظيم القاعدة؛ ليصدر قضاة التحقيق (محسوبون على جماعة كولن) في منتصف سنة 2010 أوامرًا باعتقال أبرز قيادات جماعة الملا محمد بما في ذلك “الملا محمد” نفسه.
وفي ذلك الوقت لم تحرك حكومة حزب العدالة والتنمية ساكنًا – في العلن على الأقل – لإيقاف المظلمة التي تعرضت لها جماعة الملا محمد والتي سُجن بسببها الملا محمد وكثيرون من أنصاره طيلة السنوات الماضية، حتى قضت المحاكم التركية ببراءته وبراءة جماعته من كل التهم التي لُفقت لهم ومن كل الادعاءات التي روجت لها الأذرع الإعلامية التابعة لجماعة فتح الله كولن عبر النشرات الإخبارية وأعمدة الصحف وعبر المسلسلات والأعمال الدرامية.
وبعد ثبوت براءة جماعة الملا أحمد وثبوت زيف التهم الموجهة لها وثبوت وجود مؤامرة غير قانونية حيكت داخل مؤسسات الدولة التركية بهدف ضرب تيار ديني معين لصالح تيار آخر، ومع حصول القطيعة النهائية بين جماعة كولن وحزب العدالة والتنمية؛ استفاقت تركيا صباح أمس، الأحد، على أخبار متتالية حول عمليات اعتقال واسعة لشخصيات بارزة (محسوبة في الغالب على جماعة كولن) من بينها:
“أكرم دومانلي” مدير تحرير صحيفة زمان التابعة لجماعة كولن.
“هدايات كاراجا” مدير البث في مجموعة قناة سمان يولو التابعة لجماعة كولن.
عدد من العاملين في قناة سمانيولو
عدد من كبار الأمنيين
وتتعلق التهم الرسمية الموجهة للموقوفين بـ “إنشاء تنظيم عصابي مسلح، وإدارته، والانتساب إليه، والقيام بالاحتيال والافتراء وتزوير الحقائق”، حسب ما أعلنه النائب العام لمدينة إسطنبول “هادي صالح أوغلو” الذي قال لوسائل الإعلام المحلية: “صدر قرار بإلقاء القبض على 31 مشتبهًا، وبدأنا تحقيقًا بحق بعضهم، منهم إعلاميون، وموظفون بجهاز الأمن، بعد التثبت من تلفيقهم أدلة بحق منظمة وصفوها بأنها إجرامية”.
وقد علق رئيس الوزراء التركي على ما حدث يوم الأحد عبر الإشارة إلى أن أحدًا من الموقوفين لم يتم إيقافه بسبب قيامه بأعمال صحفية، وأن كل الموقوفين تم إيقافهم بموجب أمر قضائي وبغاية التحقيق معهم في علاقتهم بتنظيم عصابي مسلح، مضيفًا: “هذه التحقيقات لا تتعلق بأفعال صحفية، وستخرج تفاصيل هذه التحقيقات مع تقدم العملية القضائية”، مع العلم أن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أعلن قبل يومين أن التحقيقات الجارية في خصوص “تنظيم الدولة الموازية” (عبارة تستخدم للإشارة إلى خلايا جماعة فتح الله كولن) وصلت إلى حقائق كثيرة وخطيرة وجدًا تفيد بتورط التنظيم المحسوب على جماعة فتح الله كولن في عدد من القضايا التي هزت تركيا طيلة العقد الماضي وبعلاقة هذا التنظيم ببعض الجرائم المنظمة المنسوبة إلى مجهولين.
ويُعتقد أن حكومة العدالة والتنمية دفعت نحو تسريع هذه التحقيقات الآن في إطار إيفائها بعهود يُفترض أنها قدمتها لمختلف الجماعات الإسلامية التركية المعادية لجماعة كولن قبل الانتخابات البلدية التي أُقيمت في شهر آذار 2013، حيث كانت هذه الجماعات تحمّل حكومة العدالة والتنمية مسؤولية إتاحة الفرصة لجماعة كولن حتى تتغلغل داخل مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في السنوات التي سبقت صراع حكومة العدالة والتنمية مع جماعة كولن؛ الأمر الذي أتاح الفرصة أمام جماعة كولن حتى تستخدم النفوذ الذي حصلت عليه لتصفية حساباتها مع خصومها ولعرقلة باقي الجماعات الدينية التي تختلف معها.
مع العلم أن قضية “الملا محمد” ليست القضية الوحيدة التي تورطت خلايا جماعة فتح الله كولن أو ما يسمى بـ “التنظيم الموازي” في تلفيقها للإطاحة بمعارضيها وبخصومها وحتى منافسيها، ومن أبرز الملفات الأخرى نجد ملف مدير الأمن “حنفي أفجي” الذي ألف كتابًا يتحدث فيه عن كيفية تغلغل جماعة كولن داخل مؤسسات الدولة؛ فتم توريطه في قضايا إجرامية، ثم حكم عليه في سنة 2013 بالسجن لمدة 13 سنة، ثم قضت محكمة ثانية بإطلاق سراحه وبعدم صدق التهم الموجهة له.