ترجمة حفصة جودة
أثار التقارب الحديث بين إيران والسعودية احتمالًا بانتهاء حرب اليمن التي طال أمدها، كان الصراع الذي اندلع في 2014 وشاركت فيه الرياض وأبوظبي وطهران وغيرهم، قد دمر تلك الدولة العربية الفقيرة.
وحتى لو تحقق السلام -فأي مفاوضات تستغرق عدة أشهر إن لم يكن مدة أطول- فستحتاج اليمن لسنوات حتى تتعافى من هذه الحرب، ومع ذلك؛ فرغم معاناة اليمن، يبدو أن بعض الدول استفادت من تلك الحرب الطويلة.
على الجانب الآخر من مضيق باب المندب وخليج عدن، تغير مصير أريتريا وأرض الصومال نتيجة الصراع، ورغم أن القليلين تنبأوا بذلك عندما بدأت الحرب الأهلية في اليمن أو تحديدًا عندما تدخلت السعودية عام 2015 وقادت التحالف، فإن تداعيات ذلك كان له تأثير قوي عزز من موقف أسمرة وهرجيسا الدوليين.
كانت التغيرات أكثر درامية لأريتريا، فقبل حرب اليمن كانت أريتريا معزولة دوليًا وخاضغة لعقوبات الأمم المتحدة، حصلت البلاد على استقلالها عام 1991 بعد 30 عامًا من الحرب مع إثيوبيا، لكن من ذلك الحين كانت موضع شك للغرباء وظلت معزولة نسبيًا عن العالم.
أشرف حاكمها أسياس أفورقي على نظام دكتاتوري قاس، حيث فرض الخدمة المدنية الإجبارية على جميع الشعب حتى منتصف العمر، وأدى العداء مع الدول المجاورة إلى تزايد الوضع سوءًا.
انتهت حرب أخرى مع إثيوبيا من عام 1998 حتى 2000 دون الوصول إلى حل، مما ترك الحدود الطويلة بينهما مغلقة وخنق التجارة الأريترية، في الوقت نفسه؛ أدت المناوشات مع جيبوتي في الجنوب إلى فرض الأمم المتحدة حظرًا على السلاح وعقوبات أخرى عام 2009.
استفادت الإمارات كثيرًا من ميناء عصب حيث نقلت المقاتلين السودانيين من خلاله للمشاركة في الصراع، ثم أصبح المكان مركزًا لقواتها الجوية.
دفعت العلاقات الدولية القليلة لأريتريا نحو مزيد من الضغينة، حيث اتُهمت أسمرة بدعم جماعة الشباب في الصومال لموقفهم المعادي لإثيوبيا.
اتفاقية سلام
بعد ذلك جاءت حرب اليمن، واحتاجت الرياض وحليفتها أبوظبي إلى قواعد عسكرية وموانئ قريبة من الجبهة الأمامية، وكانت أريتريا مثالية لذلك، كانوا في البداية يأملون في استخدام جيبوتي لهذا الشأن، لكن الدولة اختلفت مع الإمارات بشأن كيفية إدارة شركة “ DP World” لموانئها، لذا قررت أبوظبي البحث في مكان آخر.
تم إقناع أريتريا بإنهاء علاقتها مع إيران والانضمام للتحالف ضد حلفاء طهران في اليمن -الحوثيين- مما سمح للإمارات باستخدام ميناء عصب الواقع على البحر الأحمر كقاعدة عسكرية.
في المقابل وعدت الإمارات والسعودية أفورقي بالاستثمارات التي يحتاج إليها بشدة والمساعدة في إنهاء عزلته الدولية، كانت النتائج أفضل مما توقع الطرفين، فقد استفادت الإمارات كثيرًا من ميناء عصب حيث نقلت المقاتلين السودانيين من خلاله للمشاركة في الصراع، ثم أصبح المكان مركزًا لقواتها الجوية.
استقبلت أسمرة استثمارات ضخمة، والأهم من ذلك أن أبو ظبي أوفت بوعدها بالتصالح الدولي وذلك بالتوسط في اتفاقية سلام بين إثيوبيا وأريتريا عام 2018، لم يتسبب ذلك فقط في فتح الحدود الأريترية الطويلة والسماح بتدفق البضائع والتجارة، بل دفع نحو ثورة دبلوماسية في القرن الإفريقي.
شكلت أسمرة تحالفًا مذهلًا مع أديس أبابا بالهجوم المشترك على المتمردين الإثيوبيين في حرب تيغراي الوحشية 2020-22، واستأنفت علاقتها مع الحكومة الصومالية وتمكنت من تهدئة النزاع الحدودي مع جيبوتي.
لم تكن هرجيسا منعزلة تمامًا، فقد تمتعت بعلاقات غير رسمية مع عدة دول، وكانت الحكومات الغربيية تحديدًا تحرص على دعم هذا المثال النادر من الديمقراطية الفعالة في القرن الإفريقي.
أدت هذه التصالحات والضعط الإماراتي إلى رفع الأمم المتحدة عددًا من العقوبات المفروضة، لكن ليس من ضمنها حظر السلاح في 2018.
ورغم أنه لم تحدث أي تغيرات محلية حقيقية وما زال نظام حكم أفورقي الوحشي كما هو، إلا أن علاقات أريتريا الخارجية تغيرت تمامًا بسبب حرب اليمن.
مطالب السيادة
وقعت تغيرات أقل درامية لكنها بارزة في أرض الصومال أيضًا، فقد انفصلت الدولة -التي تحالفت مع المستعمرة البريطانية السابقة أرض الصومال- عن الصومال عام 1991، وتراجعت عن توحدها مع المستعمرة الإيطالية السابقة، ذلك التوحد الذي وقع بعد استقلال المستعمرة عام 1960.
ومع ذلك، كانت مطالب هرجيسا بالسيادة غير معترف بها من قبل الدول الأخرى خاصة مع إعاقة الاتحاد الإفريقي لقبول الانفصال دون اتفاق مقديشو الذي رفضته تمامًا.
لم تكن هرجيسا منعزلة تمامًا، فقد تمتعت بعلاقات غير رسمية مع عدة دول، وكانت الحكومات الغربيية تحديدًا تحرص على دعم هذا المثال النادر من الديمقراطية الفعالة في القرن الإفريقي.
ومع لك عزز انهيار اليمن من آمال تحويل تلك العلاقات إلى اعتراف دولي كامل، ومرة أخرى دفعت الإمارات نحو ذلك، فكجزء من تركيزها على المسرح الجنوبي في اليمن، سعت أبوظبي إلى إنشاء المزيد من القواعد العسكرية استكمالا لتلك التي أنشاتها في ميناء عصب.
شاركت الإمارات مع المملكة المتحدة في تمويل طريق إثيوبيا-بربرة السريع لتسهيل التجارة.
كان ميناء بربرة في أرض الصومال -على الجانب الآخر من خليج عدن- ذو موقع مثالي، وقد اتفقت الإمارات على صفقة للاستيلاء على الميناء، ورغم أن اهتمام الإمارات في البداية كان متعلقًا بالحسابات العسكرية، إلا أنه كان هناك دائمًا منطقًا تجاريًا.
تحالفت إثيوبيا مع الإمارات للاستثمار في الميناء، فهي تعلم جيدًا أنه منفذًا رئيسيًا لأديس أبابا المغلقة (غير الساحلية) والتي لا تملك سوى التجارة مع جيبوتي.
للمساعدة في ذلك، وبالإضافة إلى استثمار مبلغ 442 مليون دولار لتطوير منشآت ميناء بربرة، شاركت الإمارات مع المملكة المتحدة في تمويل طريق إثيوبيا-بربرة السريع لتسهيل التجارة.
لن يعزز ذلك فقط اقتصاد أرض الصومال، لكنه سيمنحها أيضًا داعمين خارجين قويين -الإمارات وإثيوبيا- مستعدين للدفاع عن أرض الصومال ضد مزاعم الصومال، وتأييد الاعتراف الرسمي بها في المستقبل.
تعزيز الموقف
أدى الحد من مشاركة أبوظبي في اليمن إلى الخفض من التواجد العسكري في ميناء عصب، أمام قاعدة بربرة فلم تدخل حيز التشغيل مطلقًا، لكن العلاقات الدبولماسية والتجارية في القرن الإفريقي والتي قامت بها الإمارات بسبب الصراع في اليمن لا تزال قائمة.
لا يوجد ما يضمن استمرار ذلك لسنوات قادمة، وسيعتمد ذلك كثيرًا على كيفية تفاعل أريتريا وأرض الصومال مع تغير المناخ، لكن مكانتهم تعززت بسبب حرب اليمن.
هذا الوضع بالطبع لا يُقارن بالأرواح التي دُمرت في حرب اليمن، لكنه يكشف لنا كيف تؤدي مثل هذه الصراعات لعواقب مفاجئة ودرامية في مكان آخر.
المصدر: ميدل إيست آي