في سياق التمرميد/ المرمطة التونسية المتخصصة في تحطيم الإسلام السياسي والتي صارت تخصصا نخبويا نكتب بتحد (ليس لحزب النهضة ما يعيبه ويمكننا أن نضيف بلا وجل العيب في تيار الاستئصال الذي يخرب البلد). لقد وقفت النهضة في صف الديمقراطية ودفعت كلفة عالية من أجل الحريات العامة. ولا تزال في الموقع الصحيح سياسيا خاصة بعد أن وقفت قبل الجميع ضد الانقلاب ودفعت ضريبة الدم.
هذا الكلام موجه لجهتين في تونس أولا للفئة الاستئصالية التي تزغرد بنهاية الإسلام السياسي بعد أن تخصصت في القتل المعنوي والمادي لهذا الغريم الذي لا يختفي من أمام أنظارهم وتخصصت أيضا في إرباك النقاش السياسي ظنا منها أنها وحدها تملك حكمة القيادة وإنتاج الأفكار. وثانيا لجهة حزب النهضة بعد أن غلب على منتسبيه خطاب الصبر وطلب المثوبة وهو خطاب مستسلم للأقدار الغشومة ويشبه في مضمونه نطق الشهادة في لحظات النزع.
استراتيجيا الإرباك
يحتفظ سياسيون كثر في تونس بكراسات طويلة في عيوب حزب النهضة. وينسبون له كل إخلالات الحكم التي عاشها البلد منذ الثورة وبعد الانقلاب عاد كثير إلى تحميله كل أمراض البلد منذ وجوده كأنه وجد قبله. هذه الكراسات مهمتها الأولى إخفاء نواقص المنتقدين التي يهربون بها من كل مسؤولية فالعيب في النهضة. نحن نعرفهم أفرادا وجماعات وسيرهم السياسية مكشوفة لنا منذ صارت أسماؤهم متداولة في الساحة. ولم نجد لديهم أية أفكار ذات قيمة مرجعية تعتمد في إدارة الدولة رغم تقلبهم في المناصب مع نظام بن علي وبعده.
ورغم أن أكثرهم نخبة جامعية تنشر بأسمائها كتبا ومقالات محكمة. فإننا لم نرهم في مواقف شجاعة للدفاع عن الحريات والصبر على بناء نظام سياسي ديمقراطي. لقد قفز كثير من هؤلاء منذ الساعات الأولى إلى صف الانقلاب وهو العمل المدمر للديمقراطية ومن داخل الانقلاب يصدرون الأحكام على حزب النهضة الإرهابي المعادي للحريات. ويروجون انه سبب الانقلاب الذي يناصرونه وهو لعمري عمل مذموم بل منحط. إذ يكشف موقع صاحبه مع الانقلاب في ذات الوقت يلعن النهضة غير الديمقراطية.
الفئة الاستئصالية قسمان التجمعيون المخلصون لبن علي ممن ملكهم الحكم ومنافعه ويخشون من كل منافسة على مكاسبهم وفئة اليسار الاستئصالي الشغال عن التجمعيين (يمسح لهم الجوخ) ويأكل فضلة موائدهم
وإلى ذلك فان هذه الفئة تطلق النار بلا هوادة على كل من ينسّب المواقف ويقول في النهضة ربع كلمة خير(أو يكتفي بعدم لعنها). أن العناء الذي تكابده الفئة غير الاستئصالية لأنها ليست تعادي حزب النهضة يربك كل نقاش إذ تسمع الفئة الاستئصالية بموقف واحد كن ضد النهضة وافعل ما تشاء. بل خذ ما تريد. نعم هذه الفئة تملك أن توزع منافع على الصف الاستئصالي ومن يلتحق به لأنها تملك مفاصل الدولة فعلا وهي المتحكمة حقيقة في البلد. وهي تملك القدرة على إعدام كل من اتخذ موقفا محاورا أو متفهما لحزب النهضة مثل المنصف المرزوقي ونجيب الشابي بل أن حمة الهمامي يعاني الأمرين لمجرد أن اتخذ من اعتقال الغنوشي موقفا غير متشف.
الفئة الاستئصالية قسمان التجمعيون المخلصون لبن علي ممن ملكهم الحكم ومنافعه ويخشون من كل منافسة على مكاسبهم وفئة اليسار الاستئصالي الشغال عن التجمعيين (يمسح لهم الجوخ) ويأكل فضلة موائدهم. وهؤلاء هددتهم الثورة وأرعبهم احتمال مشاركة النهضة في السلطة. لذلك فإن قولهم في عيوب النهضة هو قول من يخشي على مكاسبه المادية ولا علاقة له بالفكر والقيم وخاصة لا علاقة لهم بالتحديث والأفكار التقدمية التي يزعمون حملها ويخشون عليها من النهضة الرجعية الزاحفة من قاع المجتمع. لذلك وجب أن نقول لهم في وجوهم أنهم مجرد متكسبين مستحوذين على تراث ليس لهم بالإرث أو بالكفاءة وإنما هم مجرد لصوص حكم يتخفون خلف لغة فخمة اكتشفنا زيفها منذ أن عرفناهم في الجامعة. لقد كنا نتجنبهم هناك لأنهم لم يكونوا أكثر من مخبرين يكتبون تقارير حتى بمن يدرسهم.
ليس على النهضة وجمهورها أن يرتبكا
قدرنا دوما أن التربية على الاستشهاد ليست تربية مناسبة في زمن الدولة الحديثة فالأمر لم يعد متعلقا بنشر الدين بل بإدارة الدولة بقيم العدل. التربية الاستشهادية تسهل على الإسلامي قبول وضع الضحية وقبول الهزيمة في عالم السياسة. ونحن نعاين هذا الخطاب يعود والنهضاوي يبحث عن وضع المسكين المضطهد.
ليس عليه أن ينكر تاريخه وأن يقبل على نفسه وضع الدونية لقد شارك في إدارة الدولة وقدم خدمات للناس يمكن تقييمها بموضوعية وخرج من تجربته نظيفا بلا سرقات مما أتقن جماعة التجمع خاصة.
المحاكمات الجارية للقيادة النهضوية بينت بالكاشف أن خصومهم لم يجدوا عليهم رذيلة تدينهم .بل إن كل ملف يفتح وآخرها ملف الغنوشي تكشف أن النهضويين أبرياء من الاعتداء على المال العام.
شارك نواب النهضة في وضع الدستور وخضعوا للآراء المتضادة وانتهوا إلى القبول بالاختلاف وصيغ دستور بإجماع وهم الأغلبية وخضعوا لإحكام الصندوق الانتخابي فلماذا يرتبك النهضوي من تهمة التفرد بالحكم؟!
اتهم الاستئصاليون حزب النهضة بالاغتيالات السياسية ولكنهم عجزوا عن إقامة الحجة (وهم يؤجلون التصريح بالحكم في القضية لكي تظل باب رزق يكسبون منه)بما رفع حزب النهضة فوق كل شبهة إرهاب فلماذا يخجل النهضوي من تاريخ حزبه وقيادته؟
قيادة الحزب حين حكمت وضعت السلفية الإرهابية المشبوهة في قائمة التنظيمات الإرهابية وقاومتها على أساس ذلك فلماذا يرتبك النهضوي أمام تهمة الارهاب؟
اتهمت النهضة بتسفير المقاتلين إلى بؤر الارهاب لكن التحقيق الذي فتحه الاستئصاليون أنفسهم كشف أن منظومة بن علي هي التي قامت بذلك وصدرت أحكام الإدانة فلماذا يرتبك النهضوي.
شارك نواب النهضة في وضع الدستور وخضعوا للآراء المتضادة وانتهوا إلى القبول بالاختلاف وصيغ دستور بإجماع وهم الأغلبية وخضعوا لإحكام الصندوق الانتخابي فلماذا يرتبك النهضوي من تهمة التفرد بالحكم؟ أو أخونة الدولة؟
إن تفاهة التهم والإشاعات المصوبة ضد قيادات الحزب تنظفهم وترفع قدرهم عند كل عاقل فلماذا يشعر النهضوي بأنه مدان مسبقا؟
آن الأوان لقلب الطاولة
أعداء النهضة ليسوا أحرص على الدولة من النهضة هذه قناعة لبداية جديدة تبني ما بعد الانقلاب وتقتضي شجاعة سياسية بل جرأة في الخطاب تختلف عن المسكنة والذلة التي تظهر لنا في منشورات كثير من منتسبي الحزب.
أعداء النهضة من الاستئصالين التجمعيين واليسار هم المدانون بما فعلوا بالثورة وبالدولة بواسطة نقابتهم وبواسطة ماكينتهم الإعلامية. يكفي أن نذكر أن نقابات اليسار هي من أغلقت المشافي في وجه المرضى حتى ماتوا أمام الأبواب بلا رحمة.
إذا كان لنا أن ننحاز ونلتزم فإن أول التزامنا هو مقاومة الاستئصال ولذلك لن نشارك في حرب مغلوطة ضد حزب اثبت كفاءته الديمقراطية في أعسر أزمات الديمقراطية
ليتوقف هذا الإرباك ..فاللعبة المكشوفة هناك أطراف وصلت إلى السلطة ومنافعها في غياب حزب النهضة وهي تتمرس في مواقعها وترفض كل شريك قادم من الأعماق أعني حزب النهضة وما تخريب الثورة أو دعم الانقلاب إلا جزء من دفاعها عن مكاسبها وخطاب إدانة النهضة وتشويهها وهو السيرة المتبعة منذ ظهور الإسلاميين. إنه صراع اجتماعي (طبقي) ضد الأطراف الصاعدة (لنقرأ ابن خلدون).
وإذا كان لنا أن ننحاز ونلتزم فإن أول التزامنا هو مقاومة الاستئصال ولذلك لن نشارك في حرب مغلوطة ضد حزب اثبت كفاءته الديمقراطية في أعسر أزمات الديمقراطية وما محاربيه إلا طلاب منافع ومواقع يبذلون فيها تاريخ البلد ومستقبله. ونحن أعلم بتاريخهم ومواقعهم منهم. يكفي أن يخرج النهضوي من وضع المسكين المقهور الهارب إلى الجنة من مواجهة الدنيا.