في أغسطس/آب 2001، أسس رجب طيب أردوغان، إلى جانب نواب منشقين عن حزب الفضيلة الإسلامي -الذي تم حله بقرار صدر من المحكمة الدستورية التركية في 22 يونيو/حزيران 2001- حزب العدالة والتنمية، وبلغ عدد أعضائه المؤسسين 63 شخصا.
عند تأسيسه، طرح الحزب –الذي سيفوز لاحقا بكلّ الانتخابات التي عرفتها تركيا منذ 2002 إلى الآن- خططا استراتيجية، من بينها الوصول إلى إنتاج طاقة نووية قبل عام 2023، وهو العام الذي يواكب مئوية تأسيس الجمهورية التركية الحديثة.
لم يكن مجرد حبر على ورق أو كلام يتم اللجوء إليه زمن الانتخابات، فقد بدت الخطوات حثيثة للوصول إلى هذا الهدف وتنفيذ هذه الخطط، حتى يتم احياء الذكرى الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، والأتراك يمتلكون مفاعل نووي على أراضيهم، ما سيعود بالنفع الكبير لاقتصادهم.
دخول تركيا النادي النووي
جاءت سنة 2023، وتحقّق معها الحلم المنتظر، إذ صدق رجب طيب أردوغان ومن معه الوعد، ودخلت تركيا فعليا النادي النووي، وفق ما أكده الرئيس أردوغان أمس الخميس، في كلمة ألقاها خلال مشاركته عبر اتصال مرئي، في حفل تزويد محطة “أق قويو” بأول وقود نووي، برفقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قال الرئيس التركي إن بلاده دخلت نادي دول الطاقة النووية في العالم، عبر محطة “أق قويو” في ولاية مرسين، وأوضح أنه مع تزويدها بالوقود النووي اكتسبت محطة “آق قويو” هويتها بوصفها منشأة نووية، على أن تدخل جميع وحدات “آق قويو” الخدمة تباعا حتى عام 2028، وستوفر المحطة 10 % من احتياجات تركيا من الكهرباء.
تعرض مشروع المحطة لتأخير دام سنوات منذ رسا العقد على روسيا في 12 مايو/أيار 2010
ستسمح محطة أكويو النووية لتركيا بالانضمام إلى النادي الصغير للدول المنتجة للطاقة النووية للأغراض المدنية، لكن هل يكتفي أردوغان بذلك، أم عنده نية الدخول نادي الدول المنتجة للطاقة النووية للأغراض العسكرية؟
في سبتمبر/أيلول 2019، تحدّث أردوغان عن الأسلحة النووية، قائلا “يمتلكون صواريخ ذات رؤوس نووية، ليسوا واحدا أو اثنين بل أكثر، ولكن يرفضون امتلاكنا الصواريخ ذاتها، هذا أمر لا أقبله”، وأشار في تصريحه إلى “إسرائيل”، بصفتها دولة غير عضو في اتفاقية منع الانتشار النووي، لافتا إلى أنها حصلت على أسلحة نووية، وأن ذلك جعلها دولة محصّنة.
أكّد ذلك التصريح حينها وجود إرادة فعلية لدى النظام التركي بامتلاك أسلحة نووية، خاصة أنها ترى أن أمنها القومي ومصالحها الإقليمية مهدّد في ظلّ وجود دول قريبة منها تمتلك أسلحة نووية، لذلك ترى الحصول على هذا السلاح مهم للحفاظ على التوازنات العسكرية الاستراتيجية في المنطقة.
ويعزّز تسريع العمل في محطة “أكويو” النووية، وإصرار أنقرة على تطوير عمل ومجال منظومتها الصاروخية المحلية وتطوير منظومتها الدفاعية، وتشجيع الدراسات والبحوث في المجال العسكري وتنمية علاقاتها مع روسيا والصين، فضلا عن توتر العلاقات التركية الأمريكية، هذا الطرح.
❞نعم، لقد دخلت #تركيا ?? الآن في العصر النووي ⚛️❝
الرئيس #أردوغان برفقة الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين في حفل تزويد محطة “أق قويو” بأول وقود نوويhttps://t.co/Tu2eFmegGD pic.twitter.com/1yTIVgfih6
— Anadolu العربية (@aa_arabic) April 27, 2023
تركيا، حاليا، عضو في معاهدة منع الانتشار النووي، ومعاهدة حظر التجارب النووية بأشكالها كافة، وهذه المعاهدات تحظر عليها المضي في برنامج نووي ذي طبيعة عسكرية، لكن إن أرادت الحصول على السلاح النووي يمكنها أن تنسحب من هذه المعاهدات، رغم العواقب الوخيمة لذلك.
ويوجد بالفعل قنابل نووية في تركيا حاليا، لكنها ليست تحت تصرفها المباشر، فهي من بين خمس دول فقط تمتعت بحق تخزين قنابل نووية أميركية على أراضيها بموجب اتفاقيات منظّمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”؛ هي: إيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا، وهذه القنابل مخزّنة في قاعدة إنجرليك الجوية التركية.
تضم قائمة الدول المؤكد امتلاكها أسلحة نووية؛ كلاً من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين والمملكة المتحدة والهند وباكستان وكوريا الشمالية و”إسرائيل”. الخمس دول الأولى هي أعضاء دائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتُقر المعاهدة أنها دول نووية، أما الدول الأربع الأخرى فهي لم توقّع على معاهدة حظر الأسلحة النووية.
كانوا ينتظرون نبأ شرا ليحتفلوا بسقوطه ففاجأهم اليوم السلطان العثماني الطيب #اردوغان بإعلان #تركيا دولة نووية رسميا. pic.twitter.com/SGJgigRRJk
— سارة أردوغان (@sarahArdogan) April 28, 2023
تمتلك روسيا أكبر ترسانة من السلاح النووي، تقدّر بـ 7آلاف رأس نووي، فيما تملك الولايات المتحدة 6800، وفق أرقام نشرها معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، أما فرنسا فتحوز على 300 رأس نووي، تليها الصين بواقع 270، ثم بريطانيا التي تمتلك 215، وباكستان 140، والهند 130، فيما يوجد 80 رأسا نوويا لدى “إسرائيل”، وأخيرا كوريا الشمالية التي تقدر ترسانتها النووية بـ20 رأسا نوويا.
وترفض أغلب هذه الدول امتلاك تركيا لأسلحة نووية، وفي حال عزمت أنقرة على ذلك، فإنها ستجد صعوبات كبيرة وعرقلة من هذه الدول، لذلك عليها الاعتماد على كفاءاتها إن أرادت امتلاك سلاح نووي إسوة بدول المنطقة.
محطة “أق قويو”
نعود الآن للحديث أكثر عن محطة “أق قويو” التي تلبي جميع المتطلبات الحديثة للمجتمع النووي العالمي المنصوص عليها في معايير الأمان للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجموعة الاستشارية الدولية للسلامة النووية، ونادي منظمات التشغيل الأوروبية.
تنسب محطة “أق قويو”، إلى بلدة “أق قويو”في إقليم مرسين جنوبي تركيا على بعد 140 كيلومترا عن ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي نتاج شراكة تركية روسية، ووضع حجر الأساس للمحطة النووية الرئيس التركي ونظيره الروسي في الثالث من أبريل/نيسان 2018، وهي جزء من خطة الرئيس أردوغان “رؤية 2023″، التي ستتزامن مع مرور 100 عام على إقامة الدولة التركية الحديثة.
سيكون لهذا البرنامج أثر كبير على الاقتصاد التركي، خاصة أنَّ الطلب على الكهرباء في اقتصاد تركيا المتوثِّب يتنامى سنويا بما نسبته أكثر من 5%
تعرض مشروع المحطة لتأخير دام سنوات منذ رسا العقد على روسيا في 12 مايو/أيار 2010، وقد نشأ على 4 مراحل، وتتكون المحطة من 4 وحدات بقدرة إنتاج للطاقة تبلغ 4800 ميغاوات، ويعد المشروع أكبر استثمار لتركيا، حيث تبلغ تكلفة بنائه 20 مليار دولار أميركي.
بدأت أعمال البناء الوحدة الأولى رسميا في نيسان 2018، أما بدء بناء الوحدة الثانية في المحطة فقد كان في 8 أبريل/ نيسان 2020، ومعها اكتسبت أعمال تأسيس المحطة زخمًا وبعدًا جديدًا، كما جرى بدء العمل في صب المنصات الخرسانية الأولى لوحدة الطاقة الثالثة في 10 مارس/ آذار 2021، فيما تم وضع حجر الأساس للوحدة الرابعة والأخيرة في 21 يوليو/ تموز 2022، لتبدأ بعد ذلك مراحل البناء المكثّفة في المشروع.
أول محطة نووية إسلامية عُثمانية ✌️بالأمس لمح الزعيم #اردوغان عن رغبة #تركيا إمتلاكها النووي واليوم يفتتح أكبر وأول محطة نووية إسلامية لـ توليد الطاقة في العالم “يا الله بسم الله” ??? pic.twitter.com/vDf2Rq1POS
— اسراء أردوغان – Esra Erdoğan (@EssraTurke) April 27, 2023
مع استقبال واستكمال عمليات وصول الشحنة الأولى من الوقود النووي إلى المنشأة في 27 أبريل/ ابريل الحالي، حصلت المحطة على وضع “منشأة نووية”، وهو ثمار 5 سنوات من المجهودات والعمل الدؤوب في جميع الوحدات الأربع.
دفع اقتصادي مهم
أكد الرئيس التركي أن جميع وحدات “آق قويو” ستدخل الخدمة تباعا حتى عام 2028، وستوفر المحطة ما يقرب من 35 مليار كيلوواط/ ساعة من الكهرباء سنويًا عند تشغيل كامل وحداتها، ما نسبته 10% من احتياجات تركيا من الكهرباء.
من المقرر أن يتم هذه السنة تشغيل الوحدة الأولى من محطة توليد الكهرباء، على أن تتواصل أعمال البناء والتأسيس في الوحدات الثلاثة الأخرى، واستكمال الجاهزية لتصبح تلك الوحدات جاهزة للعمل بحلول نهاية عام 2026، بفاصل عام واحد بين كل وحدة.
ستتألف المحطة الأولى، من 4 وحدات، كل منها بمفاعل توليد للماء المضغوط من طراز في في إي آر-1200 بتصميم روسي (VVER-1200 tipi “III+”)، بقوة 1200 ميغاواط وطاقة إجمالية تبلغ 4800 ميغاواط، لتتحول تركيا بذلك إلى واحدة من الدول المنتجة للطاقة الكهربائية من الطاقة النووية.
من المرتقب أن تقوم المحطة بنقل الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقة النووية إلى شبكة الكهرباء العامة لأول مرة في تاريخ تركيا، التي سعت منذ نصف قرن إلى تحقيق هدفها في توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية.
يوم نووي تاريخي في تركيا..
تركيا تدخل رسميا نادي الدول النووية.. بطاقة حاليا ولاحقا لكل حادث حديث..
بدء تدفق الوقود النووي في شرايين محطة “أق قويو” في ولاية مرسين:
– لم تكلف المحطة خزينة الدولة أي أعباء مالية.
– تم تمويلها بنظام تمويل خاص مشترك.
– القيمة الاستثمارية للمحطة… pic.twitter.com/dZDHj5pRiM
— Hamza Tekin حمزة تكين ?? (@Hamza_tekin2023) April 27, 2023
سيكون لهذا البرنامج أثر كبير على الاقتصاد التركي، خاصة أنَّ الطلب على الكهرباء في اقتصاد تركيا المتوثِّب يتنامى سنويا بما نسبته أكثر من 5% وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنقرة ما تزال تعتمد على موارد الطاقة المستوردة من أجل تلبية 73% من احتياجاتها الراهنة من الطاقة.
من المرتقب أن ستساهم المحطة النووية الجديدة بخفض واردات تركيا من الغاز الطبيعي بقيمة 1.5 مليار دولار سنويا، وستؤثر إيجابيا على زيادة دخلها القومي الذي بلغ السنة الماضية 15 تريليونا و6 مليارات و574 مليون ليرة (نحو 866 مليار دولار).
سيعمل المشروع النووي على تسهيل تحرك تركيا بعيدًا عن إمدادات الطاقة المستوردة، وتعزيز أمنها الطاقي، كما سيؤدي تطوير مثل هذا المرفق الكبير إلى خلق فرص عمل لآلاف الشباب بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فضلا عن تعزيز الاقتصاد المحلي في البلاد.