في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقعت الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا (المطالب بالانفصال)، اتفاق الرياض الذي رعته المملكة العربية السعودية، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، وأيضًا الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي.
الهدف الظاهر للاتفاق بحسب تصريحات المسؤولين حينها هو رأب الصدع والحفاظ على الوحدة اليمنية، لكن بعد أربع سنوات من توقيعه، يبدو أنه جاء لتمزيق اليمن وإعطاء شرعية للانفصاليين وتسليمهم الجنوب اليمني.
ينص أحد بنود الاتفاق على دمج القوات العسكرية والأمنية تحت إطار وزارة الدفاع الحكومية وترتيب إعادة الانتشار تحت إشراف التحالف، لكن الانتقالي تنصل من هذا البند وعرقل تنفيذه، بل وزاد على ذلك عقب الاتفاق بالسيطرة على محافظة شبوة التي كانت تحت سيطرة قوات الجيش الوطني ومناطق جنوبية أخرى.
قرار تشكيل هذه الهيئة جاء عقب مغادر العليمي العاصمة المؤقتة عدن بعد أربعة أيام من وصوله إليها لأداء صلاة عيد الفطر في إجازة رسمية لم يحدد مدتها ووجهتها
وفي ظل الصراع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي على الوحدة اليمنية، شكلت الرياض مجلس القيادة الرئاسي بمشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي، في أبريل/نيسان 2022، بدفع الرئيس عبد ربه منصور هادي لنقل السلطة لصالح المجلس الرئاسي الذي خدم المشروع الانفصالي وساهم في تسليمه الهيئات والمؤسسات القيادية في الدولة.
وآخرها أصدر رشاد العليمي مساء الخميس قرارًا بإنشاء هيئة العمليات المشتركة وتعيين قائد عسكري موالي للمجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، رئيسًا لها، وتعيين نائب له من قيادات الجيش الوطني الحكومي، وأن يكون مقر الهيئة مدينة عدن الخاضعة لمليشيات الانتقالي.
أثار هذا القرار استهجان اليمنيين لوجود ذات المؤسسة التي أنشأها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي في 2019 (قيادة العمليات المشتركة) تحت إشراف وزارة الدفاع، ويرأسها صغير بن عزيز رئيس هيئة الأركان، ومقرها في محافظة مأرب شمال اليمن.
يرأس الهيئة الجديدة اللواء الركن صالح علي طالب الذي كان يعمل قائدًا لعمليات القوات الجنوبية الموالية للمجلس الانتقالي الانفصالي الذي يتزعمه عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي، في حين شغل نائبه اللواء الركن يوسف الشراجي العديد من المواقع العسكرية في القوات الحكومية كان أبرزها قائد للواء 35 وقائد للمحور العسكري لمحافظة تعز جنوب غربي اليمن.
وفي قرار التشكيل أكد العليمي أن الهيئة تتبع وزارة الدفاع اليمنية في كل مهامها وبما لا يتعارض أو يخل بالهيكل التنظيمي للوزارة وهيئة الأركان، لكنه لم يذكر الهدف من إنشائها ولم يحدد القوات التي ستتعامل الهيئة معها.
قرار تشكيل هذه الهيئة جاء عقب مغادر العليمي العاصمة المؤقتة عدن بعد أربعة أيام من وصوله إليها لأداء صلاة عيد الفطر في إجازة رسمية لم يحدد مدتها ووجهتها، لكنه ظهر الأربعاء الماضي في لقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العاصمة المصرية القاهرة، أثار الجدل، إثر نشر الصحف المصرية في خبر اللقاء تأكيد القاهرة على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، فيما حذفت وكالة سبأ الحكومية حديث الرئيس المصري عن الوحدة اليمنية، من خبر اللقاء.
ما يدفع بالكثير من اليمنيين للتشكيك في دوافع تشكيل الهيئة وأهدافها، إذ يرى مراقبون أنها تهدف إلى سحب البساط من مهام رئيس الأركان صغير عزيز ونقل مركز العمليات من مأرب إلى عدن، فهي لا علاقة لها بالحرب، فتنسيق عمليات المليشيات وشرعنة العمليات تتبع وزارة الدفاع، هكذا قال الكاتب والصحفي اليمني أنيس منصور رئيس مركز هنا عدن للدراسات.
نقل القرار العسكري
من جانبه يرى الكاتب والباحث السياسي اليمني نبيل البكيري أن قرار العليمي بإعادة تشكيل هيئة العمليات المشتركة بالصورة التي أشرنا لها مسبقًا، يعزز الاعتقاد بأن هذه الخطوة تستكمل مخططًا لنقل القرار العسكري العملياتي بشكل كامل، من محافظة مأرب (محور ارتكاز المواجهة مع الحوثيين) إلى مدينة عدن المحاطة بحشد من المليشيات الموالية للانتقالي ذات الأجندة المناطقية والانفصالية الممولة والموجهة من الخارج.
وثمة هدف آخر وراء تشكيل هذه الهيئة وهو وضع القرار العسكري تحت وصاية مليشيات الانتقالي المسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن، بحيث تبقى الهيئة وقيادتها مشغولة بأمنها الشخصي ومكانتها ومركزها، وبذلك لن تنجح في أداء دورها في مناخ معادٍ ومعطل لجهود استعادة الدولة.
“قرار رشاد العليمي إنشاء هيئة للعمليات المشتركة وتعيين المليشياوي صالح علي طالب رئيسًا لها قرار عبثي”
وللأسباب السابقة الذكر ستعمل الهيئة بإشراف مباشر من الإمارات التي ترعى مشروع الانفصال وبدعم القوى والمكونات السياسية في عدن بقيادة عيدروس الزبيدي، على تحييد ما تبقى من مقدرات الجيش اليمني، حسب مراقبين.
فمهام الهيئة غير محددة، وكذلك أطرافها، في ظل تعدد المليشيات والقوات العسكرية المتعددة الولاءات، أبرزها الأحزمة الأمنية والمقاومة الجنوبية والنخب الشبوانية والحضرمية وقولت دفاع شبوة، وهذه القوات موالية للانتقالي، وألوية العمالقة السلفية التي يقودها أبو زرعة المحرمي عضو مجلس القيادة الرئاسي التي لم تحسم أمر ولائها بين الرياض وأبو ظبي، والمقاومة الوطنية التي يرأسها طارق صالح وهو أيضًا عضو في المجلس ونجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فضلًا عن قوات درع الوطن التي تعمل تحت قيادة رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة، وقوات الجيش الوطني الموالية للحكومة اليمنية التي تعمل تحت إطار وزارة الدفاع.
من جانبه قال عبد الله العكيمي، وهو شيخ قبلي: “قرار رشاد العليمي إنشاء هيئة للعمليات المشتركة وتعيين المليشياوي صالح علي طالب رئيسًا لها قرار عبثي”، وأضاف “المليشاوي صالح طالب عميل مزدوج، يعمل في النهار مع الانتقالي وفي الليل مع الحوثي”، مؤكدًا أن تعيينه رئيسًا لهيئة العمليات المشتركة يوضح لليمنيين الصورة القاتمة التي يرسمها العليمي لمستقبل اليمن.
ومن زاوية أخرى فإن تشكيل هيئة العمليات هذه جاء نتيجة فشل اللجنة العسكرية والأمنية التي شكلها مجلس القيادة في 30 مايو/أيار 2022، في توحيد التشكيلات المسلحة وفق رؤية وطنية وتحت سيادة القانون، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية.
“فمن الواضح أن ما يحصل منذ 2017 إلى اليوم هو إعادة بناء الجيش الجنوبي السابق وهيكلة وحداته تدريجيًا، كأن الهدف هو التمهيد لدولة مستقبلية بعيدة كل البعد عما يسمى الجمهورية اليمنية التي يشهد جيشها تفكيكًا مستمرًا”، يقول عبد السلام محمد رئيس مركز أبعاد للدراسات.
وأضاف عبد السلام متعجبًا “انتظرنا دمج كل القوات في إطار جيش وأمن واحد، فجاء قرار إنشاء هيئة عمليات للتنسيق بين تلك المكونات، وهو قرار يعترف بالأمر الواقع ويقر بفشل الدمج”.
خطوة إيجابية
هناك جانب من السياسيين اليمنيين بارك هذه الهيئة واعتبر هذا القرار خطوة إيجابية في تشكيل غرفة مشتركة لكل القوات الموحدة على الأرض التي لا ترضخ جميعها لوزارة الدفاع، في ظل حكومة المناصفة بين المجلس الانتقالي (انفصالي) والحكومة اليمنية ومجلس القيادة.
خصوصًا أن قرار تشكيل هذه الهيئة جاء أيضًا بعد ثلاثة أيام من لقاء جمع وزير الدفاع في الحكومة الشرعية محسن الداعري، بنائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، الذي شدد فيه الأخير على أهمية بقاء القوات العسكرية في جبهات القتال مع الحوثيين “في حالة جاهزية قصوى”، في عموم الجبهات، وردع أي اعتداءات من الحوثيين، وضبط النفس لإفساح المجال أمام جهود إحلال السلام التي تبذل من المبعوث الأممي ودول الإقليم والعالم، وهو ما يربط إنشاء الهيئة في قراءة أخرى بمخرجات هذا اللقاء.
وفي أول تعليق حكومي على تشكيل الهيئة، أكد رئيس هيئة الأركان وقائد العمليات المشتركة صغير بن عزيز في تدوينة على تويتر أن “تشكيل الهيئة يأتي في سياق جهود رشاد العليمي لتوحيد مختلف تشكيلات القوات المسلحة تحت قيادة وزارة الدفاع في إطار تحقيق أهداف “شعبنا الإستراتيجية” وفي مقدمتها استعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين سلمًا أو حربًا”.
يقول الخبير العسكري والإستراتيجي محمد الكميم: “لا يحقق تشكيل الهيئة طموح اليمنيين بدمج القوات العسكرية، لكنه يعد خطوة إيجابية حتى تستطيع اللجنة الأمنية والعسكرية إنهاء كل المظاهر المسلحة وسد الثغرات والاختلالات التي واجهت مجلس القيادة في الماضي”.
ويضيف “قرار تشكيل هذه الهيئة المشتركة إيجابي بكل المقاييس، إذا قسنا أن جميع القوات الموجودة على الأرض لا تخضع لوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، لأن هذه الهيئة ستنظم كل هذه القوات تحت قيادة وزارة الدفاع”، “فالهيئة الجديدة، ستعمل على تنظيم الأعمال القتالية في المستقبل، وستعيد تنظيم التعاون بين القوات والتشكيلات المختلفة، وستؤطر لعمل عسكري أفضل مما كان”، حسب محمد الكميم.
لكن الكميم أكد أن نجاحها سيتحقق في حال قامت بعملها بحرفية ومهنية عالية، وتمكنت من صياغة الأهداف واللائحة التنظيمية التي ستنظم عملها، بحيث تستطيع توحيد تلك القوات في إطار عمليات قتالية منظمة ومرتبة ومنسقة، تستطيع من خلالها تحريك القوات في أي اتجاه، وفي أي زمان ومكان.
في المقابل سيتحرك الحوثيون في مساحة واسعة من ميدان أفرغ لهم بفعل الصراع السياسي داخل معسكر الشرعية، وأيضًا بفعل خلاف الحلفاء الإقليميين، أبرزهم السعودية والإمارات
وفي ذات السياق أكد عبد السلام محمد رئيس مركز أبعاد للدراسات أن هيئة عمليات مشتركة في إطار وزارة الدفاع وهيئة الأركان، ستكون بمثابة غرفة عمليات حرب تنسق من عدن بين كل المكونات العسكرية، حال فشلت الهدنة مع جماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء، وعادت الحرب إلى الواجهة مرة أخرى.
لكن من الصعب على القوات الموالية للائتلاف الحكومي، ضد جماعة الحوثيين، أن تتحرك بخفة وتحت تنسيق غرفة العمليات التي ستواجه الكثير من الصعوبات أهمها تعدد التشكيلات المسلحة المتناقضة والعمل من منطقة تحت سيطرة فصيل عسكري لا يؤمن بالدولة، بحسب حديث عبد السلام.
في المقابل سيتحرك الحوثيون في مساحة واسعة من ميدان أفرغ لهم بفعل الصراع السياسي داخل معسكر الشرعية، وأيضًا بفعل خلاف الحلفاء الإقليميين، أبرزهم السعودية والإمارات.
فالحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده الرياض، كانت تسعى لاستعادة العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية الأخرى من قبضة الحوثيين، لكنها اليوم لم تعد قادرة على حماية مناطقها من هجمات الحوثيين أو مواجهة المشاريع الانفصالية التي يتبناها المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا.
العودة إلى نقطة الصفر
وفي سيناريو آخر قد ينذر تشكيل هذه الهيئة بتعثر المفاوضات الجارية بين السعودية والحوثيين برعاية عمانية، التي يعول عليها لإنهاء الحرب في اليمن، فقد خفت الحديث عن عودة السلام في البلاد عقب تداول أنباء عن مطالب واشتراطات جديدة لجماعة الحوثيين قد تعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر، لتحقيق مكاسب أكبر على الأرض أبرزها طلب الجماعة الاعتراف بها أولًا كطرف شرعي دون أن تسلم السلاح أو أي منطقة تحت يدها، بل إنها تريد أن تكون شريكًا في الموارد والتعويضات بنسبة كبيرة، وتشترط الجماعة أيضًا أن تتولى صرف رواتب الموظفين، بالإضافة إلى مطالبتها بنسبة كبيرة من إيرادات النفط بمناطق الحكومة واستئثارها بالإيرادات في مناطق سيطرتها.
يأتي هذا أيضًا بالتزامن مع تهديد جماعة الحوثيين، بجولة جديدة من الحرب، لن تكون كسابقاتها، وهجمات كبرى داخل الأراضي السعودية والإماراتية، حال فشلت الهدنة ولم تصل المفاوضات إلى حلول ترضي جميع الأطراف، ما يدفع مجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي إلى محاولة توحيد القوات الموالية للمجلس، استعدادًا لأي مواجهة قادمة من جهة، ورسالة تهديد وضغط على الحوثيين للموافقة على مخرجات المفاوضات الجارية من جهة أخرى.
وبلا شك فإن أي مواجهة جديدة بين الجانبين ستصب في صالح الحوثيين، مع ميل موازين القوة لصالح الجماعة التي تبدو أكثر تماسكًا، مقابل الانقسامات داخل معسكر الشرعية والتحالف، فضلًا عن امتلاك جماعة الحوثيين قدرات عسكرية متطورة أبرزها امتلاكها صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة، تمكنها من استهداف مواقع عسكرية وإستراتيجية سواء في اليمن أم داخل الأراضي السعودية والإماراتية.