بعد أسبوع من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان الفائت، بدأت عمليات النهب تنتشر على نطاق واسع في ظل انعدام الأمن وغياب السلطة، ليتحول الأمر بطريقة سريعة من نهب المارة إلى المصانع وفروع المصارف.
لا توجد إحصائية رسمية لعمليات نهب فروع البنوك، لكن من واقع ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي – نشر مُعزز بصور ومقاطع فيديو – فإن النهب طال قرابة 15 فرعًا للبنوك التجارية وصرافة مالية واحدة على الأقل في الخرطوم، إضافة إلى معظم فروع المصارف في الجنينة بولاية غرب دارفور.
وفي 19 أبريل/نيسان المنصرم، طمأن بنك النيل عملاءه بعدم تأثير، ما وصفه بالتخريب الجزئي الذي طاله فرعه بالخرطوم بحري ـ السوق، على حساباتهم وأموالهم، وهو أول وأيضًا آخر مصرف تجاري يُطمئن عملاءه.
فاقم هذا الصمت مخاوف عملاء المصارف من فقدان مدخراتهم، رغم انشغال السودانيين بالفرار من العنف الذي تفشى في العاصمة الخرطوم وشح إمداد المياه الجارية والأغذية وانقطاع الكهرباء لساعات طوالٍ، وربما هذا ما دفع بنك السودان المركزي إلى بث تطمينات لا تزيل الشكوك.
النهب جعل كثيرًا من المودعين يخشون على أموالهم، في ظل عدم قدرتهم على سحبها بعد تعطل عمل النظام المصرفي في العاصمة الخرطوم منذ اندلاع الاشتباكات
يوجد في السودان 38 مصرفًا، بمجموع فروع منتشرة في كل ولايات السودان يبلغ 871 فرعًا، إضافة إلى 19 صرافة و10 شركات تحويل مالية خارجية و9 شركات تحويل مالية داخلية.
ومن جملة الـ38 مصرفًا، توجد 8 بنوك خارجية و25 مصرفًا تجاريًا تمتلك الحكومة واحدًا وتشترك في ملكية الـ24 المتبقية، وبقية البنوك الـ5 الأخرى متخصصة تمتلك الحكومة ثلاثة منها وتشترك في ملكية الاثنين.
من الذي ينهب في وضح النهار؟
ظل الجيش يتهم الدعم السريع التي صنفها قوات متمردة على الدولة، بنهب المحال التجارية والمصانع وفروع المصارف، وفي بعض الأحيان يحدد مصرفًا بعينه وفي أحيان أخرى يتركها عامة، فيما ينفي الدعم السريع هذه التهم.
وظهر بعض المدنيين وهم ينهبون مصارف، مثل نهب بنك الخرطوم – فرع سوبا شرقي الخرطوم، حيث أسرعت قوة من الدعم السريع إلى تطويق المكان وتحدث قادتها إليهم، دون أن يوضح مصير الأموال إلى أين تذهب، خاصة أن مراكز الشرطة والبنوك نفسها لا تعمل.
النهب الذي قضى على ودائع مالية معتبرة، جعل كثيرًا من المودعين يخشون على أموالهم، في ظل عدم قدرتهم على سحبها بعد تعطل عمل النظام المصرفي في العاصمة الخرطوم منذ اندلاع الاشتباكات
ونُشر خلال الأيام الفائتة، مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر قوة من الدعم السريع توزع أموالًا على مواطنين، قد تكون منهوبة من المصارف وربما لا، فمن المعروف أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” سخي مع عناصره.
وقال الجيش في 19 أبريل/نيسان المنصرم، إن قوات الدعم السريع نهبت بنك السودان المركزي ـ فرع البلدية القريب جدًا من مقر قيادة القوات المسلحة، مشيرًا إلى أنه طاردها وتمكن من القبض على بعض المسروقات وهي مبالغ مالية طائلة، تم التحفظ عليها تمهيدًا لتسليمها لرئاسة البنك.
ولاحقًا، تحدث البنك المركزي في 30 أبريل/نيسان، عن حريق جزئي ومحدد نشب في فرعه بشارع البلدية قبل ثلاثة أيام، وجرى السيطرة عليه، بعد أن أحدث أضرارًا في الكلادن الخارجي للمبنى دون أن تقع أضرارًا كبيرة.
وفي ذات اليوم، أي أمس الأحد، قال الجيش إن قوات الدعم السريع لجأت إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة بعد فشل خططها في الاستيلاء على السلطة بالقوة، حيث عمدت إلى نهب بنك التضامن ـ فرع السوق الشعبي أم درمان، إضافة لمحال تجارية.
ومن المؤسف، غض الطرف عن نهب المصارف، فكل ما يعيشه السودان من أهوال سببه رئيس ونائبه – أي قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه في المجلس حميدتي – حاول كل منهما أن يستغل الآخر من أجل الانفراد بالحكم، وبعد أن يئسا من تقاطع طرقهما زجا بآلاف الجنود في معارك داخل المناطق الحضرية.
تطمينات زائفة
قال بنك السودان المركزي، الأحد 30 أبريل/نيسان في بيان، إن ما جرى تداوله من عمليات نهب أو سرقة بعض فروع البنوك التجارية لا تؤثر على ودائع الجمهور فيها، وطمأن جمهور المودعين وأصحاب الحسابات بأن أموالهم في الجهاز المصرفي بأمان.
كما أعلن انتظام العمل بمعظم فروعه وفروع المصارف التجارية في الولايات، لتقديم الخدمات المصرفية بما في ذلك خدمات السحب والإيداع النقدي.
ربما يكون الحل الوحيد في هذا الموقف، أمام البنك المركزي، اللجوء إلى طباعة النقود لتغطية المنهوبات وتمويل الحرب وإعادة الأعمال، ما يؤدي إلى آثار كارثية على الاقتصاد
وتحدث عن بذله جهودًا مستمرة من أجل عودة جميع الخدمات المصرفية بشكل طبيعي في جميع أرجاء السودان لتمكين المواطنين من إجراء معاملاتهم المصرفية عبر وسائل الدفع المختلفة بما يشمل خدمات الدفع الإلكتروني مثل تطبيقات الهاتف الجوال ونقاط البيع والمقاصة الإلكترونية.
ويبدو أن البنك المركزي يهدف، عبر هذا البيان، إلى حماية النظام المصرفي من الانهيار المحتمل في ظل عدم اهتمام الجيش حاليَّا بمنع نهب البنوك لانشغاله بالمعارك الحربية واختفاء قوات الشرطة، أكثر من طمأنة العملاء بأمان أموالهم، لا سيما أن ثقة السودانيين في المصارف متدنية بعد أزمة السيولة في 2018.
صحيح أن القوانين المصرفية في كل العالم، تحرص على عدم تعرض البنوك لأي مخاطر لأنها تستمد كينونتها من أموال المودعين التي تستثمرها في مجالات تراها مربحة، وتعمل البنوك المركزية على عدم تأثر ودائع الجمهور حال ظهرت مخاطر على بنك ما، إلا أن ما تتعرض له بنوك السودان حاليَّا ليس سوء استخدام في الاستثمار وإنما نهب في وضح النهار.
موجة نهب تجتاح البنوك والمحال التجارية في العاصمة والأقاليم .
بسبب الفوضى الحالية لم يتم التعرف على هويات بعض النهابين، هل هم من المقاتلين أم من المدنيين أم من جميع الأطراف…#الخرطوم#السودان pic.twitter.com/bnI2YTZDoE
— Mahdi Suleiman (@mahdoosh8383) April 30, 2023
ويمكن للبنوك أن تُغطي الأموال المنهوبة من أرباح استثماراتها أو من الاحتياطي النقدي الذي تودعه لدى البنك المركزي، لكن إذا لم تكن هذه الاستثمارات والاحتياطات النقدية كافية حال توسع نطاق النهب وهو مرجح، فقد يلجأ البنك المركزي لحمايتها من الانهيار إلى حلول ستكون قاسية على كل السودانيين مثل زيادة طباعة النقود أو تقييد سحب الأموال، هذا إن لم يتعرض المصرف المركزي لعمليات نهب أيضًا.
وربما يكون الحل الوحيد في هذا الموقف، أمام البنك المركزي، اللجوء إلى طباعة النقود لتغطية المنهوبات وتمويل الحرب وإعادة الأعمال، ما يؤدي إلى آثار كارثية على الاقتصاد الذي يعيش في أزمات متواصلة، مثل تدهور قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار السلع التي تضاعف ثمنها منذ اندلاع القتال.
أدخلت الحرب المندلعة طوال 17 يومًا دون توقف، السودان في نفق مظلم، يهدد قدرة الدولة على البقاء، نظرًا لامتلاك طرفي القتال أسلحة فتاكة وانتشار واسع وعدم استعداد للتفاوض.