العالم على وشك أن يشهد أشرس هجوم في الحرب الروسية الأوكرانية، بعدما أعلنت كييف عزمها شنّ هجوم الربيع، الذي تحيطه بكثير من الغموض، ضمن مساعيها لتحقيق مكاسب كبيرة وإلحاق خسائر فادحة بالجيش الروسي في حالة نجاح هجومها، أما في حالة فشله ربما يكون الأخير ويحسم الحرب لصالح الروس.
مؤخرًا انتهى ما لا يقلّ عن 11 ألف جندي أوكراني من التدريبات الأمريكية، وعادوا من قاعدة المارينز في ألمانيا، وهم على استعداد لبدء الهجوم الذي يرمي إلى استعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا، وهذا التدريب الأمريكي ليس سوى جزء من الجهد الغربي لتحسين فعالية الجيش الأوكراني.
مثلًا، وضعت بريطانيا حوالي 10 آلاف مدني أوكراني في معسكر تدريبي مدته 5 أسابيع، كما تخطط لتدريب 20 ألف آخرين هذا العام، هذا بالإضافة إلى مئات الجنود الذين تدرّبوا في فنلندا وأستونيا وكذلك في بولندا على استخدام الدبابات، وما لا يقل عن 1000 جندي أوكراني يستفيدون من التدريب الألماني مطلع مايو/ أيار الجاري.
كما تلقت أوكرانيا مؤخرًا أسلحة متطورة من حلفائها الغربيين، وقوات جديدة مدربة حديثًا في الغرب، ما أدى إلى تزايد التوقعات باقتراب وقت الهجوم.
ومع ذلك، قد ينقلب هجوم الربيع ضد أوكرانيا بمخاطر هائلة، بما أن السخاء الغربي مرهون بنجاح هذا الهجوم، ويبدو كذلك، فإذا فشلت أوكرانيا في تحقيق نصر حاسم ربما يضعف هذا الدعم الغربي، وقد تتعرض كييف لضغوط متزايدة للدخول في محادثات سلام جادة لإنهاء الصراع أو تجميده.
حظوظ كييف
لا شيء يغير المخاطر حول هجوم أوكرانيا المضاد، لأن الغرب يضغط بشدة على أوكرانيا لاستعادة الأراضي وتحريرها من السيطرة الروسية، وإثبات قدرتها على استخدام المساعدة العسكرية الغربية المتقدمة بشكل فعّال وناجح، لهذا يجب أن تثبت كييف أن هذا الصراع المنهك لن ينتهي إلى نفق مسدود.
أهداف أوكرانيا لم تتغير؛ أولها استرجاع حدودها المعترف بها دوليًّا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي احتلها روسيا عام 2014، وللقيام بذلك عليها أن تضرب بقوة في هذا الهجوم من أجل استعادة أراضيها ودحر الروس إلى ما وراء حدودهم الأصلية.
قد يبدو أن كييف تحيط الهجوم المضاد بسرّية زائدة وتكتُّم حتى أمام الحلفاء، لأنها تريد جعله مخيفًا، لكن خطط الجيش الأوكراني سوف نعلم عنها لاحقًا في ميدان الحرب، وهو فعليًّا بدأ في التحرك شرق نهر دينبرو، ما أثار تكهُّنات بأن تقدم الجيش قد يكون علامة مبكرة على الهجوم الذي طال انتظاره.
وما كشف عنه تسريب “وثائق البنتاغون”، الذي لا يزال مصدره مجهولًا، يؤكد أن الولايات المتحدة تصارع بشدة من أجل الحصول على رؤية واضحة لاستراتيجية القتال، بالتالي انغمست في التجسُّس على كبار القادة العسكريين والسياسيين في أوكرانيا، بحسب ما أظهرته بعض الوثائق التي يقول مسؤولون أمريكيون إنها صحيحة.
التسريبات نفسها قيّمت الجيش الأوكراني بأنه “في حالة يرثى لها”، كما عانى من نقص حاد في ذخائر الدفاع الجوي، وتكشف الوثائق عن أزمة للولايات المتحدة ضمن الائتلاف الغربي ضد روسيا، إذ يتضح وجود ارتباك وتخبُّط في عملية تسليح أوكرانيا، في خضمّ ما نراه من تقدُّم ممنهج وأكثر انضباطًا لروسيا المتهيّبة للحسم العسكري.
وبينما يقول مسؤولون أوكرانيون إن هدفهم هو اختراق الدفاعات الروسية وخلق انهيار واسع النطاق في الجيش الروسي وجعل هذا الهجوم حملة مدمرة، يقدّر مسؤولون أمريكيون أنه من غير المرجّح أن يؤدي الهجوم إلى تحول كبير لصالح أوكرانيا.
ألغام ومعيقات
أكثر ما يقلق الروس هو استهداف موسكو عسكريًّا، وقد نجحت كييف في اختراق الداخل الروسي واغتيال مجموعة من الشخصيات بمن فيهم نجلة أليكسندر دوغين في موسكو، والصحفي الحربي الروسي فلادين تتارسكي في سان بطرسبرغ.
ولا ننسى أيضًا الإهانة الكبرى التي شعر بها الروس في البحر الأسود، بدءًا بتدمير فرطاقة موسكفا وانتهاءً بتفجير جسر القرم، وممّا لا شكّ فيه أن الأوكرانيين يخططون لتوجيه إهانة جديدة للروس عما قريب.
وإلى حين اندلاع هجوم الربيع، الذي تعدّ مكاسبه الكبيرة غير مضمونة أو غير مرجحة بالضرورة، تحوم الشكوك حول مدى قدرة الجيش الأوكراني على تخطي حقول الألغام التي زرعها الجيش الروسي في كل مكان حول الأراضي التي يسطير عليها، وسيعتمد التقدم الأوكراني على ما إذا كانت قوات كييف قادرة على نشر معدّات إزالة الألغام التى قدّم الغرب الكثير منها.
كما من المحتمل أن يعيق نجاح أوكرانيا قدرتها على استخدام “إمدادات غير كافية من الأسلحة الغربية”، إذ قال جورج باروس من معهد دراسة الحرب لمجلة “نيوزويك” إن هناك “تباينًا كبيرًا” بين نوع المساعدة التي تتلقاها أوكرانيا من الحلفاء الغربيين وما تحتاجه قواتها بالفعل.
الردّ الروسي
في الطرف المقابل تعمل روسيا بجهد لسدّ الفجوات القتالية، من خلال دعم قدرة القوات في الجبهة على استخدام سلاح المدفعية والمسيَّرات لاستهداف الجيش الأوكراني بشكل فعّال.
ولإثبات أنهم ما زالوا قادرين على نشر الأسلحة الأحدث في ميدان المعركة، بدأ الروس بالقصف بواسطة القنابل الانزلاقية شديدة الانفجار، التي تعتمد على الجاذبية وأجهزة التوجيه للوصول إلى أهدافها دون إحداث ضجيج.
وإن لم تكن هناك بوادر عن إطلاق تعبئة عسكرية جديدة، رغم أن هذا الخيار يبقى مفتوحًا بما أن مرسوم بوتين ما زال ساري المفعول، فإن القيادة الروسية تخشى من حدوث رد فعل سياسي داخلي، وبدلًا من ذلك كثّفت جهودها في الأشهر الأخيرة لتشجيع الرجال على التطوع والعمل كجنود متعاقدين.
بعد ذوبان الثلوج، يتوقّع مجتمع الاستخبارات أن تدخل كل من أوكرانيا وروسيا في وضع “التجديد، إعادة الإمداد وإعادة التشكيل”، لذا هما على أهبّة الاستعداد لهجوم الربيع.
لكن الحلفاء الغربيين يخشون أن أوكرانيا تملك ربيعًا وصيفًا واحدًا لحسم هذه المعركة، ولا يشكّكون في أن الرد الروسي سيشمل التصعيد في حملة الضربات على البنية التحتية التي ستكون مؤذية للغاية، لكنها حتمًا لن تكسر إرادة الأوكرانيين المقاومة.