ترجمة وتحرير: نون بوست
أميرات دبي الهاربات
لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم
في موقع بعيد من بحر العرب وفي إحدى ليالي شهر شباط/ فبراير من سنة 2018، كانت الشيخة لطيفة بنت محمد آل مكتوم – الابنة الهاربة لحاكم دبي – تتأمل النجوم خلال رحلةٍ مضنية.
فمنذ أن انطلقت بقارب وجيت سكي قبل بضعة أيام، غمرتها الأمواج العاتية وبللت ما لديها من أغراض في حقيبتها قبل أن تصعد على متن يخت استأجرته للهروب لتمضي أيامًا تعاني من الغثيان بسبب دوار البحر. ولكن في تلك الليلة كان البحر أكثر هدوءًا، وشعرت بإحساس غير مألوف: لقد كانت حرة.
كانت لطيفة البالغة من العمر 32 عامًا بقوامها الممشوق وعينيها السوداوين وشعرها المربوط كذيل الحصان تجلس بجانب صديقتها تينا جوهياينن، وهي مدربة فنون قتالية فنلندية ساعدتها في التحضير للهروب.
كانت الليلة باردة، وكانت المرأتان ترتديان قمصان هودي. حثّت لطيفة صديقتها على النوم على ظهر السفينة معها، ولكن جوهياينن كانت متعبة ووعدتها بأنها ستفعل ذلك مرة أخرى: فمن الآن فصاعدًا، ستكون هناك فرص كثيرة لتأمّل النجوم.
لأكثر من نصف حياتها، كانت لطيفة تخطط للهروب من طُغيان والدها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة. ويعتبر الشيخ محمد حليفًا للحكومات الغربية ومشهورًا بتحويل دبي إلى قوة حديثة.
وقد وضع علنا المساواة بين الجنسين في صميم خطته للدفع بالإمارات العربية المتحدة إلى قمة النظام الاقتصادي العالمي متعهّدا “بإزالة كل العقبات التي تواجهها المرأة”. ولكن بالنسبة لابنته، كانت دبي “سجنًا مفتوحًا” حيث يتم معاقبة المتمردين بوحشية.
تعرّضت لطيفة في سن المراهقة للضرب المُبرح بسبب تحديها لوالدها. ورغم كونها بالغة، كان يمنعها من مغادرة دبي وظلت تحت الرقابة المستمرة من قبل الحراس. أدركت لطيفة أن الهروب يمثل تحديًا “لا تُحمد عقباه”. وحول ذلك كتبت “سيكون أفضل أو آخر شيء أفعله. لم أعرف الحرية الحقيقية من قبل.
وبالنسبة لي، إنها شيء يستحق أن أموت من أجله”. (استُمدت تفاصيل تجربة لطيفة من مئات الرسائل ورسائل البريد الإلكتروني والنصوص والرسائل الصوتية التي أرسلتها إلى أصدقائها على مدار عقد من الزمان).
حافظت لطيفة على سريّة خطتها لسنوات بينما كانت تمهّد الطريق لهروبها: كانت تتدرب على الرياضات الخطرة، وتجهّز جواز سفر مزوّر، وتهرّب النقود إلى شبكة من المتآمرين. وبحلول الوقت الذي كشفت فيه عن المخطط لصديقتها جوهياينن، كانت قد استأجرت بالفعل يختًا سينتظرها قبالة الساحل لينقلها إلى الهند أو سريلانكا، حيث كانت تأمل السفر إلى الولايات المتحدة وطلب اللجوء. وكل ما تحتاجه هو المساعدة للوصول إلى نقطة الالتقاء على بُعد ستة عشر ميلًا من الشاطئ في المياه الدولية.
كانت جوهياينن امرأة قوية وصريحة وذات عظام خد عاليتين وعيون زرقاء تشبه الجليد. لقد ترعرعت بالقرب من لطيفة وأشرفت على إعطائها دروسا في فنون الكابويرا داخل حدود القصر، وأرادت مساعدتها على رؤية العالم. قالت لي “لقد كنت متحمسة للغاية. أخيرًا، سنتمكن من القيام بذلك معًا”. لقد وعدت بمرافقة لطيفة طوال رحلتها إلى الحرية.
قبل الانطلاق، تسللت لطيفة إلى شقة جوهياينن، التي تحولت إلى مستودع لمعدات الغوص، وأجهزة الاتصال عبر الأقمار الصناعية، وأجزاء القوارب التي جمعتها المرأتان، وجلست أمام مسجل الفيديو.
كانت ترتدي قميصًا أزرقًا فضفاضًا، وسجلت شهادة لمدة 40 دقيقة، ليتم نشرها في حالة القبض عليها.
قالت في مقطع الفيديو إن والدها “مجرم كبير” مسؤول عن تعذيب وسجن العديد من النساء اللواتي عصينه. وقالت إن شقيقتها الكبرى تعيش في الأسر تحت التخدير بعد محاولتها الهروب قبل 18 سنة، وقُتلت عمتها بسبب العصيان.
كانت لطيفة تحاول الهروب لتطالب بحياة “لا يتم إسكاتها فيها”، وحيث يمكنها أن تستيقظ في الصباح وتفكر، “وتفعل ما تريده، وتذهب إلى أي مكان ترغب فيه، وتكون أمامها جميع الخيارات في العالم”. (نفى محامو الشيخ محمد ارتكابه أي مخالفات، لكنهم رفضوا الرد على الأسئلة المفصّلة).
على متن اليخت، كتبت لطيفة رسالة نصية إلى أحد أصدقائها قائلة “أشعر حقًا بالحرية الآن. أعلم أنني مستهدفة ولكنني حرة تمامًا”. بعد أسبوع من الرحلة، اكتشف القبطان أن هناك سفينة أخرى تتعقبهم على ما يبدو، وطائرة صغيرة تحلق في سماء المنطقة.
لقد كان الهاربون على بعد حوالي ثلاثين ميلاً من سواحل الهند، وكان وقود اليخت على وشك النفاد. كان القبطان يخشى أن يتم تحديد موقع لطيفة فأرسل رسالة نصية إلى صديق له في الثالث من شهر آب/ مارس قال فيها “سوف يقتلونها”.
في اليوم التالي، حلّقت طائرة أخرى في السماء. وقالت جوهياينن إنه بحلول الليل، كان كل شيء هادئًا لكن لطيفة ظلت صامتة. وفي حوالي الساعة 10 ليلا، نزلت السيدتان إلى مقصورتهما، وقامت لطيفة بفرش أسنانها في الحمام الضيق. وعندما خرجت، اهتز اليخت بسلسلة من الانفجارات. وسُمع صوت نقر الأحذية فوق سطح السفينة، فصاحت لطيفة “لقد وجدوني”.
اختبأت الصديقتان في الحمام وأرسلتا سلسلة من نداءات الاستغاثة. وسرعان ما تصاعد الدخان من خلال فتحات التهوية وأجهزة الإنارة. وبينما كانتا تكافحان من أجل التنفس، اعتذرت لطيفة من صديقتها وعانقتها، ثم خرجتا من الغرفة.
اخترقت بنادق الليزر الهجومية الظلام من جميع الاتجاهات. قبض رجال ملثمون على السيدتين وأجبروهما على الصعود إلى سطح السفينة، حيث كان القبطان وطاقمه مقيدين وعلامات الضرب واضحة عليهم.
كانت الأرض مغطاة بالدماء، وكانت يدا لطيفة مقيدتين خلف ظهرها وألقيت على الأرض، لكنها قاومت من خلال الركل والصراخ والتشبث بالحواجز. وبينما كان الرجال يسحبونها بعيدًا، سمعت جوهياينن صراخها وهي تقول “اقتلوني هنا، لا تعيدوني”. ثم اختفت الأميرة في البحر.
محمد بن راشد آل مكتوم
كان قصر زعبيل، المقر الملكي للشيخ محمد، عبارة عن حصن له أعمدة بيضاء يقع في أراض محاطة بأشجار النخيل مع نوافير متقنة وطواويس تتجول في كل مكان. عندما بُني هذا القصر في منتصف الستينات، كان محاطًا برمال جرداء وسط الصحراء ولكنه الآن يفصل الدوامة المستقبلية لوسط مدينة دبي عن أسواق المدينة القديمة – يوازن بين الحداثة والماضي – كما هو حال ساكنيه. وعندما يستقبل الشيخ محمد الضيوف، فإنه يحب أن يذكرهم بكيفية انبثاق المدينة من الرمال. وقد أخبر طاقم التصوير “كل هذا لم يكن موجودا في سنة 2000″، مشيرًا إلى المدينة وهو يرفع ذراعه “لكن انظر الآن”.
عندما وُلد الشيخ محمد في سنة 1949، كان ميراثه عبارة عن ميناء ساحلي صغير، ودبي واحدة من سبع إمارات صحراوية خاضعة لسيطرة الإمبراطورية البريطانية. وقد حكمت عائلته من مجمع سكني مصنوع من الطين والمرجان حيث كانوا ينامون على السطح في الصيف، ويرشون الماء على أنفسهم لمقاومة الحرّ. وتؤكد سيرة الشيخ محمد الذاتية بعنوان “قصتي” الطفولة المتأصلة في التقاليد البدوية.
عند بلوغه سن الثامنة، كان يصطاد في الصحراء باستخدام الكلاب والصقور. وتُظهر إحدى الصور القديمة صبيا صغيرا، له أذنان كبيرتان، يداعب طائر صيد ضخم يقف على معصمه. وتصف السيرة الذاتية والدته بأنها شخصية ذات عفّة أسطورية – “بمظهر ملكي يسحر كل ما حولها” – ولكنها أيضًا امرأة قوية يمكنها إطلاق النار “أفضل من العديد من الرجال” وركوب الخيل “كما لو كانت قد ولدت لتمتطي ظهر الخيل”، وكان اسمها لطيفة.
في سن العاشرة تقريبًا، رافق محمد والده الشيخ راشد في رحلة إلى لندن. وعند هبوطه في مطار هيثرو، حدّق في المطار المزدحم – “رمز الاقتصاد القوي الذي يدعمه” – وقال في نفسه “نحن، في دبي، لدينا القدرة على أن نصبح مدينة عالمية”. شاهد والده في وقت لاحق يجادل في مقر داونينغ ستريت بأن دبي يجب أن تبني مطارًا دوليًا خاصًا بها.
أعلنت بريطانيا انسحابها من الخليج في سنة 1968، وأصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة الجديدة مصدرًا رئيسيا للنفط. في ذلك الوقت، كان الشيخ محمد قد عاد من التدريب العسكري في إنجلترا لتولي دور قيادي في حكومة والده. وبعد مرور نصف قرن، يُشاد به باعتباره عبقريًا حديثًا قام بتحويل دبي إلى مركز تجاري مزدهر، مع مطار أطاح بمطار هيثرو منذ فترة طويلة باعتباره المركز الدولي الأكثر ازدحامًا في العالم
عندما توفي الشيخ راشد في سنة 1990، خلفه نجله الأكبر بحُكم العُرف الشيخ مكتوم المعروف باعتداله، ولكن لم يشكّك أحد في من كان يدير البلاد بالفعل.
كان الشيخ محمد هو الذي ابتكر مبادرة السماوات المفتوحة التي رحبت بالمسافرين العالميين وأطلق شركة طيران الإمارات وأدخل سياسة الإعفاء الجمركي التي حوّلت دبي إلى واحدة من أكثر مراكز الشحن ازدحامًا في العالم وشبكة من المناطق الخالية من الضرائب التي جذبت البنوك والشركات الدولية لتصبح دبي المركز الأول في الخليج الذي يمكّن الأجانب من امتلاك العقارات.
نتيجة لطفرة العقارات، تباهى الشيخ محمد بثروات دبي ;سلسلة من المعالم المهيبة بما في ذلك برج العرب، الذي كثيرًا ما يوصف بأنه أفخم فندق في العالم؛ وبرج خليفة، أطول مبنى في العالم.
إلى جانب امتلاكها أكبر عدد من الأرخبيلات من الجزر الاصطناعية، بما في ذلك اثنان على شكل شجيرة النخيل وأخرى على شكل خريطة للعالم، وكلها شاسعة للغاية بحيث يمكن رؤيتها من الفضاء
تولى الشيخ محمد العرش رسميًا بعد وفاة أخيه في سنة 2006.
وعلى الصعيد المحلي، روّج لصورة الزعيم العربي التقليدي، ونصّب نفسه باعتباره رجل عائلة مخلص، ومؤلفًا غزير الإنتاج للشعر النبطي، وبطل فرسان القدرة على التحمّل. أما على الصعيد الدولي، فقد كان حريصا على التقرّب من الغرب
في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة شريكا استراتيجيا حاسما في الحرب على الإرهاب.
واتخذت دبي إجراءات صارمة ضد تمويل الإرهاب من خلال بنوكها وأصبحت أكبر ميناء بحري أمريكي خارج الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، استثمرت الحكومة الإماراتية عشرات المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة وبريطانيا، وجمع الشيخ محمد محفظة عقارية عالمية ضخمة.
يعتبر الشيخ محمد أحد أكبر مالكي الأراضي في بريطانيا، مع مجموعة من المنازل التي تشمل قصر دالهام، وهو مبنى كبير جديد ذو طابع كلاسيكي يغطي مساحة 3300 فدان من حدائق سوفولك، ومنزل ريفي بقيمة 75 مليون جنيه إسترليني في مدينة سَري.
كما أنه يمتلك أكبر فريق لسباقات الخيول الأصيلة في العالم، من خلال إسطبلات جودولفين في نيوماركت – وهي أساس الصداقة القيّمة التي كانت تربطه بالملكة إليزابيث، التي كانت تعشق سباق الخيل.
في ظل تنامي مكانته، سعى الشيخ محمد إلى مواجهة تصور الإمارات العربية المتحدة كدولة استبدادية قمعية. أصدرت حكومته قانونًا يضمن المساواة بين الرجل والمرأة في الأجور مقابل العمل المتساوي وتم ترقية تسع نساء إلى مناصب وزارية.
وفي رسالة بمناسبة يوم المرأة الإماراتية السنة الماضية، وصف الشيخ محمد المرأة بأنها “روح البلاد وعزمها”.
مع ذلك، يرفض العديد من الخبراء هذه التغييرات باعتبارها غير كافية. قال نيل كويليام، الزميل المشارك في برنامج شؤون الشرق الأوسط في مركز أبحاث تشاتام هاوس، إن “هناك نساءً يشغلن مناصب بارزة للغاية حاليا، ولكن في الواقع كل ذلك مجرد واجهة زائفة. يُتوقع من النساء أن يتصرفن ضمن حدود ضيقة للغاية، وإذا خرجن عنها فإنهن يجلبن العار للعائلة”.
لا تزال المرأة الإماراتية خاضعة لوصاية الرجل، وغير قادرة على العمل أو الزواج دون إذن. ويمكن للرجال الزواج بعدة نساء وأن يطلقوا زوجاتهم من جانب واحد، في حين تحتاج المرأة إلى أمر من المحكمة لطلب الطلاق. ولا يزال بإمكان أقارب الضحية العفو عن الرجال الذين يقتلون النساء، مما يحول دون معاقبة مرتكبي جرائم الشرف، لأنه غالبا ما تكون الضحية في مثل هذه الحالات مرتبطة بالجاني.
داخل الأسرة الحاكمة في دبي، تلعب النساء دورًا مزدوجًا مؤلمًا: إذ يتم تمجيدهن كرموز للنهوض بالمرأة بينما يُلزمن بشكل خاص بـ “صيانة شرف” العائلة الحاكمة. تزوج الشيخ محمد من ست نساء على الأقل أنجبن له العديد من الأطفال. ووفقًا لحسين إيبش، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، فإن عصيان النساء في دائرة الأمير يثير سؤالًا “خطيرًا سياسيًا” في صفوف الرعية: كيف يمكنك حقًا أن تُملي علينا ما يجب فعله بينما لا يمكنك التحكم في عائلتك؟ ويتطلب منطق السلطة المطلقة سحق مثل هذه التمردات بسرعة وعلانية. وقال إيبش إن “هذه هي السلطة الذكورية الأدائية. هل تريد مشاهدتي وأنا أتحكم في عائلتي؟ تفضل بكل سرور”.
لطيفة بنت محمد آل مكتوم داخل القصر
أمضت لطيفة العقد الأول من حياتها وهي لا تعلم أن لديها أخوات. تزوجت والدتها حورية لامارا الجزائرية من الشيخ محمد وأنجبت منه أربعة أطفال. لكن لطيفة لم تترعرع مع عائلتها الأصلية.
فقد تم أخذها هي وشقيقها الأصغر وهما رضيعان وقُدّما كهدايا إلى عمتهما التي لم تنجب أطفالا.
تتذكر لطيفة أن الحياة في قصر عمتها كانت “خانقة بشكل رهيب”. فقد كانت تعيش مع العديد من الأطفال الآخرين تحت رعاية المربيات اللاتي جعلوهم يحفظون القرآن ولم يسمحوا لهم بالخروج من غرفهم.
ونادرا ما كانت عمتها تزورها، وعندما تفعل كانت تعاملهم بقسوة. وتتذكر لطيفة أنها اقتحمت ذات مرة الحضانة وضربت الأطفال حتى غطت الكدمات أجسادهم. (رفضت حكومة دبي التعليق على هذا الحادث).
كتبت لطيفة “أتذكر عندما كنت طفلة، كنت دائمًا أشاهد الناس في الخارج من وراء النافذة”. ومن وقت لآخر، كان المصورون يأتون إليها ويكسونها “كالدمية، بالجواهر والفساتين ومستحضرات التجميل”، كما تتذكر. وكانوا يعطونها جراء لتلعب معها، والتقطوا صورًا علمت لاحقًا أنها أرسلت إلى والدتها.
ولكن عندما تنتهي جلسة التصوير، يتم تجريدها من كل هذه الأشياء وإعادتها إلى غرفتها. وفي الليل، كانت تحلم بأن تطيّر طائرة ورقية ضخمة تحملها إلى السماء.
كانت لطيفة تزور حورية وبناتها الأخريات شمسة وميثاء مرةً في السنة، وقيل لها إنهن عمتها وبناتها. وقد تركت شمسة، التي تكبرها بأربع سنوات، انطباعًا خاصًا لديها. كتبت لطيفة أنها كانت “مليئة بالحياة والمغامرة، ومغامرة حقيقية ولكنها أيضًا إنسانة عطوفة”. وعندما كانت لطيفة في العاشرة من عمرها، اكتشفت الحقيقة. دخلت شمسة إلى قصر عمتها وطالبت بإعادة أختها الصغرى وشقيقها إلى المنزل. كتبت لطيفة “لقد كانت شمسة الوحيدة التي قاتلت من أجلنا وأرادت عودتنا. لقد رأيت فيها الأم وأفضل صديق”.
أعيد الأشقاء إلى والدتهم، وكان الشيخ محمد يزورها من حين لآخر. ووصفه أحد الموظفين بأنه “أب شغوف”، يداعب بناته بالعناق والقبلات. لكن الشيخ كان غاضبًا أيضًا من التحديات التي تواجه سلطته. أخبرت لطيفة أصدقاءها أنها شاهدته ذات مرة يلكم شمسة بشكل متكرر على رأسها بسبب مقاطعتها له. (نفى محامو الشيخ محمد أنه كان عنيفًا مع بناته)
الشيخة شمسة بنت محمد بن راشد آل مكتوم
عندما كبرت شمسة، بدأت تغضب من القيود الملكية المفروضة على المرأة. فقد أرادت قيادة السيارة والسفر والدراسة وكرهت ارتداء العباءة التقليدية.
كتبت لطيفة “كانت شمسة متمردة وأنا كنت مثلها. لكن شمسة كانت عصبية بشكل كبير. اشتبكت شمسة ووالدها بسبب رفضه السماح لها بالالتحاق بالجامعة. وكتبت شمسة إلى أحد أقربائها “لم يسألني حتى عن اهتماماتي”.
وقد فكرت حتى في الانتحار، لكنها استعادت عزمها حاليا، وكتبت “أريد أن أعتمد على نفسي بالكامل. الشيء الوحيد الذي يخيفني هو أن أتخيل نفسي عجوزًا وأن أندم على عدم المحاولة عندما كنت في الثامنة عشر من عمري”.
في مطلع سنة 2000، بعد وقت قصير من إرسال الرسالة، ظهرت شمسة عند باب غرفة نوم لطيفة وأخبرتها أنها ستغادر وسألتها “هل ستأتين معي؟”. أصيبت لطيفة بالإحباط، فقد كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وكانت شمسة سندها الوحيد. ساد الصمت بينهما. وكسرته شمسة قائلة “لا عليكي”. واستدارت وغادرت بعيدا. حيال ذلك، كتبت لطيفة “ظلت تلك اللحظة محفورة في ذاكرتي. لأنني لو قلت نعم ربما كانت النتيجة مختلفة”
اشترى الشيخ محمد مزرعة لونغكروس إستيت، وهي مزرعة شاسعة تقع في ريف سَري. واستحوذ الشيخ على مساحة من المناظر الطبيعية التي أَسَرَتْه عندما كان طفلاً. وفي سيرته الذاتية “قصتي”، يتذكر القيادة في إنجلترا مع والده “لم أكن أتخيل مدى جمال هذه الأرض. لقد كانت هناك تلال خضراء تمتد مثل أمواج البحر”.
خلال فصل الصيف، عندما ترتفع درجات الحرارة في دبي بشكل كبير، كان الشيخ محمد يصطحب عددًا قليلاً من زوجاته وأطفاله المفضلين إلى إنجلترا. وفي سنة 2000، على الرغم من تمرد شمسة، سُمح لها بالانضمام إلى الحفلة في مزرعة لونغكروس. كانت تعشق إنجلترا – فقد كانت مكانها المفضل، كما أخبرت لطيفة.
كانت معجبة أيضًا بأحد الحراس البريطانيين لوالدها: وهو شرطي سابق وضابط جيش في أوائل الأربعينات من عمره يُدعى غرانت أوزبورن. ووفقًا إحدى صديقاتها التي تحدثت إليها كثيرًا في ذلك الصيف، حاولت شمسة التقرّب من أوزبورن لكنه رفضها.
كان الأمن في مزرعة لونغكروس مشددًا: فقد كان العقار مجهزا بكاميرات مراقبة إلى جانب دوريات الحراسة.
وفي إحدى ليالي شهر حزيران/ يونيو، عندما كان المنزل هادئا، تسللت شمسة عبر الظلام وصعدت إلى سيارة من طراز رانج روفر سوداء تُركت دون رقابة. وعلى الرغم من أنه لم يُسمح لها بالقيادة، إلا أنها تمكنت من تشغيل المحرك والانطلاق. وعندما وصلت إلى الجدار الخارجي، تخلت عن السيارة وتسللت عبر البوابة سيرًا على الأقدام.
بعد اكتشاف السيارة فارغةً، حلّق الشيخ محمد في صباح اليوم التالي بطائرة مروحية من قاعدته للفروسية في نيوماركت لقيادة عملية البحث.
وانتشر الموظفون في السيارات وعلى ظهور الخيل، لكنهم لم يعثروا سوى على هاتف شمسة المحمول، الذي سقط خارج البوابة.
لم يعثر أي أحد في مزرعة لونغكروس على أي دليل يقود إلى مكان وجودها – ولكن بالعودة إلى دبي، تمكنت لطيفة من التواصل مع أختها.
لقد حصلت على هاتف جديد، وكانت تقيم في نزل في جنوب شرق لندن، وتفكر في خطوتها التالية.
في 21 حزيران/ يونيو، دخلت شمسة إلى مكتب متواضع في أحد الشوارع الجانبية في ويست إند بلندن. استقبلها رجل له عينان زرقاوتان وذقن ناعمة، وهو محامٍ يُدعى بول سايمون، وجدته من خلال دليل الصفحات الصفراء.
أخبرته أنها هربت من العائلة المالكة في دبي وتريد طلب اللجوء. وكانت هذه المسألة خارج نطاق خبرة سايمون – فهو يتعامل عادةً مع قضايا الهجرة الروتينية، ومعالجة تأشيرات العمل وطلبات الجنسية – لكنه كان يعرف بما فيه الكفاية لينصح شمسة بأن طلبها سيُرفض بالتأكيد، وذلك “في ضوء العلاقات الودية” بين المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة.
قابلت شمسة سيمون مرتين أخرتين في الأسابيع التالية. وكانت تقيم مع صديقتها الأسترالية في “إليفانت آند كاسل”، وهو حي في جنوب لندن يضم مجمعات سكنية وشوارع مليئة بالقمامة. ومع أنها أخبرته أنها تخشى أن يجدها والدها ويجبرها على العودة إلى دبي – إلا أنه أخبرها أنه سيكون من الصعب مساعدتها ما لم تقدم جواز سفرها، الذي كان تحت سيطرة عائلتها.
كانت خيارات شمسة تَنفَدْ. وأخبرت لطيفة أن والدها زار صديقة لها في الإمارات، وعرض عليها ساعة رولكس مقابل المساعدة في تعقبها. وكانت شمسة تعلم أن هاتف صديقتها تحت المراقبة، لكنها استمرت في الاتصال بها على أي حال. شعرت لطيفة بالفزع، لكنها عللت قائلة “لم يكن لديها أي شخص آخر تتحدث معه”.
في أواخر ذلك الصيف، تواصلت شمسة مع ضابط الأمن أوزبورن وطلبت مساعدته. وهذه المرة، استجاب لها بحرارة، ورتب لاصطحابها إلى كامبريدج، حيث حجز لها غرفة لمدة ليلتين في فندق يونيفيرسيتي آرمز، أقدم وأروع فندق في المدينة. (قال أوزبورن إن هذه الشهادة تحتوي على “معلومات غير صحيحة وكاذبة” لكنه رفض الإشارة إلى التفاصيل).
في 19 آب/ أغسطس، ظهرت شمسة وأوزبورن على تسجيلات كاميرات مراقبة أحد الفنادق أثناء خروجهما منه وصعودهما إلى سيارة. كانت ثملة وتولى أوزبورن القيادة. قاد شمسة إلى جسر قريب، حيث توقف فجأة ونزل. لقد كان كمينًا. قفز أربعة رجال إماراتيين إلى السيارة، وانطلقت مسرعة. نُقلت شمسة إلى منزل والدها في نيوماركت، حيث قضت ليلة موحشة في منزل مانور دلهام هول. وفي الفجر، أُخرجت من البلاد متجهة إلى دبي.
في الأول من أيلول/ سبتمبر، عادت امرأة من مقاطعة سَري البريطانية تدعى جين ماري آلن من إجازتها لتجد رسالة غريبة على جهاز الرد الآلي الخاص بها تركها شخص قدم اسمًا يبدو أنه “شانسا”. وادعت المتصلة أنها “عادت إلى دبي رُغمًا عنها” وطلبت إبلاغ محاميها بول سيمون. لم تكن آلن تعرف المرأة – وقالت إنه على ما يبدو رقم خاطئ – لكنها بالتأكيد كانت امرأة في ورطة. وعلى خلفية ذلك، اتصلت آلن بالشرطة.
تحدّث ضباط الشرطة في سَري مع سيمون وعلموا عن اجتماعاته مع شمسة. عندما علموا أنها تنتمي إلى عائلة دبي المالكة، أحالوا الأمر إلى فرع الشرطة المحلي المتخصص، وهي وحدة شرطة تتعامل مع الأمن الوطني. اتصّل الضباط بممثلي العائلة الذين أصروا، بحسب سجل الشرطة، أنه “ليس لديهم معرفة بالاسم المُقدم أو أي حادث من هذا القبيل”. سواء صدّق الضباط ادعاءاتهم أم لا استنتجوا – بالتشاور مع سيمون – أن شمسة تمكنت من الحصول على هاتف ويمكنها الاتصال بالشرطة بنفسها إذا احتاجت إلى ذلك. أُغلقت القضية دون تسجيل أي جريمة. (رفض سيمون التعليق على هذا المقال، مشيرًا إلى سرية المعلومات المتعلقة بالعملاء).
بعد ستة أشهر من الاختطاف، تلقّى سيمون بريدًا إلكترونيًا يحتوي على رسالة من شمسة كتبت فيه “أنا مراقبة طوال الوقت لذا سأدخل في صلب الموضوع، لقد قُبض علي”. وأضافت “بول، أنا أعرف هؤلاء الناس، لديهم كل المال وكل السلطة، يعتقدون أنهم يستطيعون فعل أي شيء”. كانت شمسة محتجزة في أراضي القصر في دبي، حيث قالت إن حراس والدها “يحاولون إرهابها وإضعافها”. ولكنها وجدت طريقة لإرسال الرسائل، عن طريق إقناع أحد الحارسات بتهريب الملاحظات في شعرها وتسليمها إلى لطيفة والمؤيدين الآخرين. في إحدى الرسائل، أوصت شمسة سيمون بإعلام السلطات البريطانية “فورًا”.
عاد سيمون إلى الشرطة ونقل رسالة شمسة: رُحلت من البلاد قسرا وتم التعدي على قوانين المملكة المتحدة المتعلقة بالاختطاف (بينما ينفي محامو الشيخ محمد ذلك). عندما أعطى سيمون شهادته للضباط، أخبرهم بكل ما يعرفه – لكنه قال إن “نقص الكفاءة والخبرة” لديه خارج مجال قانون الهجرة يعني أنه لم يعد قادرًا على التصرف نيابةً عن شمسة. عرف تقريره طريقه إلى نظام دبي. تسرّب من شرطة سري إلى المستويات السرية للفرع الخاص، قبل أن يصل إلى مكتب محقق كبير في كامبريدج شاير، الذي صادف أن مكتبه أمام فندق يونفرستي آرمز، آخر مكان شوهدت فيه شمسة.
في صباح أحد أيام شباط/ فبراير 2001، كان كبير المفتشين ديفيد بيك يحتسي فنجانًا من القهوة وهو يدرس إحصاءات الجرائم الشهرية عندما سلمه ضابط من الفرع الخاص ملفًا. قرأها بدهشة متزايدة. أرسل ضابط صغير، تمّ إرساله إلى الفندق، نسخة من لقطات من كاميرات المراقبة تظهر شمسة وأوزبورن وهما يغادران معًا. كان لبيك ابنتان من عمر شمسة، وقد أخبرني أنه يعرف أن أواخر سن المراهقة يمكن أن يكون “وقتًا عصيبا” للعائلات. تساءل وهو يحدق في صور كاميرا المراقبة “هل تحاولين فقط إثارة المشاكل لوالدك؟ أم أنك جادة في هذا؟”.
اتصل بيك بسيمون، الذي أخبره أن شمسة لديها الآن هاتف؛ استطاعت لطيفة، التي تمكنت من حين لآخر من إرسال ملابس شقيقتها وأشياء أخرى، من تهريبه. وعندما اتصل بالرقم، أشار في مذكرة للشرطة، أن شمسة تحدثت عن تورط أوزبورن في القبض عليها وأعطت أسماء ثلاثة من الرجال الذين قالت إنهم نصبوا لها كمينًا على الجسر. وكان من بينهم رئيس جناح طيران دبي، الذي وفر طائرات هليكوبتر وطيارين للشيخ.
حسب شمسة، اقتادها الرجال إلى دلهام هول وتم تخديرها بالقوة. في اليوم التالي، نقلوها بطائرة هليكوبتر إلى فرنسا، حيث قابلوا موظاف آخر لدى والدها منذ فترة طويلة – رجل بريطاني يدعى ديفيد والش – وتم نقلهما على متن طائرة خاصة إلى دبي. (وتجدر الإشارة إلى أن والش رفض التعليق).
أكدت التحقيقات قصة شمسة. ووصف ضابط جمارك تلقيه اتصالا من طيار مروحية تابعة للشيخ محمد قرابة منتصف ليل يوم اختطاف شمسة. كان يعطي إخطارا برحلة جوية من دلهام هول إلى فرنسا في صباح اليوم التالي. ووفقًا لطيار آخر، فقد أسرَّ بأنه تلقى تعليمات بالتكتم على الرحلة، لأن العائلة “لم تكن تريد معرفة أي شخص آخر في المملكة المتحدة لما حدث”.
عندما توجه بيك إلى دلهام هول لمقابلة موظفي الشيخ محمد، قابله محامٍ أخبره بأدب أنه لا يوجد أحد على استعداد للتحدث معه. في هذا السياق، قال بيك “كان هذا هو أول دليل لدي أن الأمور ربما لن تسير بالسلاسة التي أريدها”.
كان بيك قد حدد بعد ذلك المشتبه به الرابع في اختطاف شمسة: محمد الشيباني، وهو رجل أنيق ومثقف شغل منصب رئيس المكتب الخاص للعائلة المالكة في دبي في المملكة المتحدة وقد اتصل به الشيباني بعد فترة وجيزة، وقدّم له يد المساعدة. عندما أخبره بيك أنه مشتبه به في التحقيق، أغلق الخط بسرعة. (ينفي الشيباني تورطه في الاختطاف ويقال إنه مشتبه به).
خلف الكواليس، كان مكتب الشيخ يضغط على الحكومة البريطانية بشأن التحقيق. وقد أدرك بيك ذلك من خلال مسؤول في وزارة الخارجية والكومنولث يدعى دنكان نورمان، الذي طلب تقريرًا عن الحادثة. كان المحقق حذرًا – فقد أخبرني دائمًا أنه يكره “الأمور السرية” – ولم ينقل سوى الخطوط العريضة للقضية. كان نورمان يريد معرفة المزيد من المعلومات. كتب بيك في مذكراته، “لقد أخبرني منذ ذلك الحين أن وزير الخارجية طلب إطلاعه على أي تطورات”.
أخبرني نورمان، الذي أصبح دبلوماسيًا كبيرًا، أنه لا يتذكر قضية شمسة.
كما قال ويليام باتي، الذي كان حينها رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، إنه لا يتذكر شمسة – لكنه أقر بأن الحكومة حذرة من أي شيء قد يثير عداء الأسرة الحاكمة في دبي. صرح قائلا “الإمارات العربية المتحدة هي من إحدى الشركاء التجاريين الرئيسيين وحليف استراتيجي. محمد بن راشد هو رفيق الملكة الراحلة في سباقات الخيل. يملك الكثير من المصالح هنا، ونريد تشجيع الاستثمار هنا، ونفضل ألا يتم التقاضي هنا بشأن قضايا تتعلق بشرف العائلة”.
في نهاية السنة، تسرّبت أخبار تحقيق بيك إلى صحيفة الغارديان. وذكرت الصحيفة أن شمسة أعطت للمحققين رواية عن اختطافها عبر الهاتف. بعد فترة وجيزة، فقدت شمسة أي اتصال بالعالم الخارجي ووضعت تحت التخدير الشديد. كتبت لطيفة لاحقًا: “كان يومًا صعبًا جدًا بالنسبة لي”.
عاد بيك من خلال ملاحظاته وهو يكتشف ما يجب فعله بعد ذلك. وفي إحدى المذكرات، استشهد بحادثة أخرى لفتت انتباه الحكومة البريطانية في سنة اختفاء شمسة ذاتها. في نيسان/أبريل من تلك السنة، جدّت “عملية اختطاف” منفصلة كان أفراد العائلة المالكة الإماراتية في المملكة المتحدة متورطين فيها.
الشيخة بشرى بنت محمد آل مكتوم
ظهرت الشيخة بشرى بنت محمد آل مكتوم في لندن في ربيع سنة 2000. وهي مغربية في السابعة والعشرين من عمرها ذات شعر كستنائي يصل إلى خصرها، تزوجت من الشيخ مكتوم – شقيق محمد، الذي كان يكبرها بثلاثة عقود – عندما كانت لا تزال مراهقة. مع تقدّمها في العمر، باتت تشعر بالإحباط من قيود الحياة في دبي.
أقامت بشرى وأبناؤها الثلاثة الصغار في مبنى قصر من الجص الأبيض في ساحة لونديس في بلجرافيا. أجرت مقابلة مع مجلة “هلو”، تشير إلى مهمتها: “أريد أن تتحلى النساء في بلدي بالشجاعة لإظهار ما بوسعهن القيام به”.
نُشرت المقابلة على سبع صفحات، مع صورة لبشرى جالسة على تنجيد ذهبي في الجينز أبيض ضيق وحذاء من الجلد اللامع.
كانت بشرى رسامة، وقد عينت رجلا لإدارة علاقاتها العامة يُدعى نيك هيور لتنظيم معرض كبير لأعمالها، تلاه مزاد لجمع الأموال لصالح منظمة أطباء بلا حدود. أخبرت هيور أنها تأمل أن يؤدي بروزها المتزايد في الغرب إلى دعم زوجها ضد تعديات شقيقه الأصغر – “الملتحي”، في محاولة للإشارة إلى الشيخ محمد. واصلت الاحتجاج: “إنه يدفع بزوجي إلى الظل”.
تخيلت بشرى أن المعرض سيحتشد به الإماراتيون الأثرياء الذين سيدفعون بسخاء مقابل لوحاتها.
كانت القطعة المركزية عبارة عن منظر طبيعي مرصع بالجواهر أطلقت عليه اسم “لا ناتير”، يصور تيارًا جبليًا مرصعًا بالتوباز، والزبرجد، والعقيق الأخضر، تحت نجوم من الألماس. لكن “لا ناتير” حصدت تسعة آلاف جنيه فقط – الأموال التي منحتها بشرى على ما يبدو لصديقها من مصفف الشعر لزيادة المزايدة. لم يحضر أي من الإماراتيين المدعوين. ويتذكر هيور أن ذلك كان علامة مبكرة على أن بشرى كانت في ورطة.
بعد المزاد، بدا سلوكها متهورا على نحو متزايد.
ذات مرة، دعت هيور إلى قصرها في شارع فوش في باريس، وظهرت مرتدية ثيابًا فضية ضيقة لأخذها إلى ملهى لي ليدو، رفقة أبنائها الثلاثة الصغار. شعر بالذعر بينما كانت الطاولة محاطة براقصين يرتدون ثيابا فاضحة، بينما تفادي حراس بشرى الإماراتيون النظر. في هذا السياق، قال هيور: “كان الوضع غير لائق”.
بدت بشرى وكأنها تريد جذب الانتباه. عندما زارها هيور على انفراد، وجدها “رزينة للغاية وهادئة ولطيفة” مع حنان غير متكلف تجاه أولادها. لكنها في الأماكن العامة “كانت متصنعة قليلا”.
في أحد أيام نيسان/ أبريل، تلقى هيور مكالمة من شقيق بشرى الأصغر، الذي كان يزورها في لندن: “الشيخة قد اختطفت!” كانت بشرى بالفعل في مطار فارنبورو على متن طائرة الشيخ مكتوم الخاصة، وقد جاء الحراس الإماراتيون من أجل أبنائها.
قال هيور إنه في الخلفية كان يسمع “المشاجرات التي تدور”، حيث كانت مربية الأطفال تكافح مع الرجال.
أدى الحادث إلى مواجهة في المطار. اتصلت المربية بالشرطة للإبلاغ عن اختطاف الأولاد؛ قامت شرطة سكوتلاند يارد بتعقبهم إلى المدرج، وتم احتجاز الطائرة.
أخبرني باتريك نيكسون، الذي كان سفيرا لبريطانيا لدى الإمارات العربية المتحدة في ذلك الوقت، أنه تلقى مكالمة من دبلوماسي إماراتي يطالبه بـ “الاتصال بالشرطة وإخبارهم بإخلاء المكان”. وقد رفض نيكسون، مقترحًا أن يرفع الدبلوماسي شكواه لدى وزارة الخارجية. بعد فترة وجيزة، سُمح للطائرة بالمغادرة.
ووفقًا لما ذكره موظف حكومي سابق، فإن المسؤولين في وزارة الخارجية يعتبرون أي حادث من هذا القبيل على أنه “نزاع عائلي آخر خاص بالإماراتيين”. وأضاف أن اختطاف بشرى كان سيثير مشكلة لفترة وجيزة فقط وسيُنسى. بعد إقلاع الطائرة، “كان من الممكن أن تكون المرأة بمعزل عن العالم الخارجي”، لذلك “لن يكون هناك الكثير من الضغط لفعل أي شيء”.
عندما تحدثت صحيفة “ديلي تلغراف” عن الحادثة في اليوم التالي، نفتها سكوتلاند يارد باعتبارها “مشكلة محلية إلى حد ما”. وقال متحدث باسم الشرطة في ذلك الوقت إن الضباط “أثبتوا بسرعة أن الأطفال في أمان”، وأن الوضع برمته كان مجرد “سوء تفاهم بين الأقارب”. لكن لاحقًا، علم نيكسون من مصادر في الإمارات أن بشرى كانت “محبوسة في فيلا في دبي”. أكد لي شخص على صلة بالعائلة المالكة ذلك: “لقد جعلوها أسيرة منزلها، وكانوا سيواصلون تخديرها بالمهدئات ليقولوا إنها مجنونة”.
في سنة 2007، بعد سنة من وفاة زوجها وتولي الشيخ محمد منصب الحاكم، انتشرت شائعات في دوائر القصر تفيد بوفاة بشرى.
كانت في الرابعة والثلاثين من عمرها آنذاك. قال البعض إنها توفيت وهي نائمة. لكن في الفيديو الذي سجلته لطيفة قبل هروبها، اتهمت والدها بقتلها.
قالت: “كان سلوكها فظيعًا للغاية. لقد شعر بالتهديد منها، لذلك قتلها”. كررت هذا الادعاء في عدة رسائل إلى الأصدقاء. في إحدى الرسائل، ادعت أن بشرى تعرضت للضرب حتى الموت على أيدي حراس والدها.
ينفي محامو الشيخ محمد ذلك، لكن رواية لطيفة حظيت بدعم مصدرين مقربين من العائلة المالكة، حيث قال أحدهما “لم يكن لديهم رحمة”. لقد قتلوها لأنها كانت تمثّل مشكلة بالنسبة لهم. كانت امرأة قوية تدافع عن حقوقها”. أخبرني عضو سابق في الطاقم الشخصي للشيخ “لقد قُتلت”.
بعد سنوات، تلقى هيور رسالة نصية من رقم غير مألوف في دبي. كان أحد أبناء بشرى يتزوج الذي قال إن هدية الزفاف التي ستعني له أكثر من غيرها هي لوحة لوالدته. كتب هيور مرة أخرى ليسأل عما إذا كانت موكلته السابقة على قيد الحياة.. جاء الرد مصحوبًا بقلب مكسور: “ماتت ماما بشرى سنة 2007”. “أتمنى أن ترقد روحها الجميلة بسلام”. تشبث هيور بـ “لا ناتير” وقام بتعبئة لوحة مغايرة وأرسلها بالبريد إلى الشخص الذي طلبها.
في ربيع سنة 2002، بعد سنتين تقريبًا من اختطاف شمسة، تلقى ديفيد بيك أخيرًا بيانًا باللغة الإنجليزية من الشيباني، رئيس مكتب العائلة المالكة في دبي في المملكة المتحدة، أكّد فيه أنه قاد سيارته إلى دلهام هول مع الرجال الثلاثة الذين ذكرتهم شمسة باسم خاطفيها، لكنه نفى أن تكون في السيارة. كتب “كانت الرحلة هادئة. أتذكر بعض المحادثات العامة حول الصقور. وقال إنه “بعد وصولهم بفترة وجيزة، غادر لأخذ وجبة جاهزة، وعاد ليجد أن “السيدة شمسة كانت وسط الطائرة”.
زعم الشيباني أنه لا يعرف المرأة، لكنه كتب أنها “بدت واثقة من نفسها ومرحة إلى حد ما. في الواقع، اعتقدت أنها كانت ثملة”. في صباح اليوم التالي شاهدها تغادر بطائرة هليكوبتر. إذا كانت هذه بالفعل شمسة، فقد قال “لم يتم أخذها من دلهام هول رغما عنها”. قرر بيك أنه بحاجة إلى مقابلة شمسة شخصيًا، وتقدّم بطلب للحصول على تصريح للسفر إلى دبي. أخبره المسؤولون في هيئة الادعاء الملكية أن طلبه يجب أن يمر عبر وزارة الخارجية. بعد عدة أسابيع، عرف أن طلبه رُفض.
كانت الأخبار مثيرة للاستياء، لكن أخبرني بيك أنه توقع ذلك نسبيا. قال: “لأنك شخص ثري وقوي، يمكنك بشكل فعال خرق أي قانون تريده في بلدنا”. أخبرني بن غن، رئيس شرطة كامبريدج شاير في ذلك الوقت، أن بيك قد توصل إلى “دليل واضح” على أن شمسة “اختطفت من الشارع”، لكن ملف القضية أغلق. كان يشك في أن “أطرافا سياسية تدخلت”.
لطالما أصرت وزارة الخارجية على أنها لا تتدخل في إنفاذ القانون؛ ورفض متحدث رسمي الرد على أسئلة تفصيلية حول قضية شمسة. رفض المسؤولون تقديم الملفات المتعلقة بالتحقيق، بحجة أن القيام بذلك من شأنه أن “يقلل من قدرة حكومة المملكة المتحدة على حماية وتعزيز مصالح البلاد”.
أوضح راج جوشي، الذي يرأس فرع هيئة الإدعاء الملكية الذي يتعامل مع الملاحقات القضائية الدولية في وقت طلب بيك، أن وزارة الخارجية عرقلت عمله بشكل روتيني. فعلى الرغم من أنه لم يكن متورطًا في قضية شمسة إلا أن جوشي اعتبر عرقلة تحقيق بيك “إهانة للعدالة”. أخبرني “إنه لأمر مؤلم حقًا أن نسمح للمصالح الاقتصادية وغيرها بالسيطرة على حقوقنا”.
لقد تحدثّت إلى بيك عبر تطبيق زوم في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. تقاعد منذ فترة طويلة، وهو يعيش بهدوء مع زوجته في بلدة ساحلية في يوركشاير. أخبرني “لقد أثرت القرارت التي كانت خارجة عن إرادتي على مسار ما حدث”. ومع ذلك، لم يحاول أبدًا التحدث إلى المشتبه بهما اللذان ذكرتهما شمسة وهما غرانت أوزبورن وديفيد والش، وكلاهما يعيش في بريطانيا. وقد استسلم لنتيجة الأبحاث دون اعتراض علني. قال وهو يهز كتفيه “تُتخذ هذه الأنواع من القرارات في مستويات أعلى من رتبتي. عليك فقط أن توافق عليها”.
في السنوات التالية، نمت علاقة بريطانيا بدبي بشكل وثيق. ضخ الشيخ محمد مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية في سباق الخيل البريطاني. غالبًا ما ظهر بجانب الملكة في أسكوت، وانضم إليها في الصندوق الملكي وحتى سافر لحضور الحدث في عربتها، التي كانت تسير على رأس الموكب الملكي.
أخبرني نيكسون، السفير السابق: “كان الشيخ محمد بن راشد دائمًا يتمتع بعلاقات ناعمة مع الملكة بسب استثماراته في نيوماركت. هذه العلاقة يحكمها المال، الذي بواسطته يحصل على ما يريد”.
في أحد أيام السبت من شهر حزيران/ يونيو 2001، كان كبير المفتشين كولين ساتون في منزله في سَري عندما تلقى مكالمة من غرفة الإرسال. تم الإبلاغ عن جريمة خطيرة في منطقة لونغ كروس حيث عقار الشيخ محمد: قالت عاملة في الجنس تبلغ من العمر عشرين عامًا إن سائقها قد أخذها من لندن واقتادها إلى عقار، حيث ادعت أنها احتُجزت وتعرضت للاغتصاب مرارًا وتكرارًا من قبل عضو في العائلة المالكة في دبي.
شرع ساتون في التحقيق، لكنه تلقى بعد ذلك مكالمة ثانية من زميل له في الفرع الخاص. وقال ساتون إن زميله أخبره أنه قد تم توضيح الأمر “من حكومة إلى حكومة. كان لدينا هذه المرأة التي تم إطلاق سراحها أخيرًا بعد أيام من تعرضها لكل أنواع الإساءات في هذا المنزل، وقيل لنا بما معناه أنه علينا ألا نقلق بشأن ذلك، لقد حصلت على أجر مقابل الوقت الذي قضته في ذلك المكان، وستستمر فعاليات الرياضة المفضلة لدى صاحبة الجلالة في هذا البلد”.
تقول شرطة سري إنه تم إرسال الضباط إلى لونغ كروس للتحقيق والوصول إلى الممتلكات بمساعدة الفرع الخاص، لكن لم يتم تأكيد هوية المغتصب المزعوم، ولم يتم توجيه أي تهم لأي شخص. في المقابل، صرح متحدث رسمي إن التحقيق كان شاملاً، ولا يوجد دليل على تدخّل الحكومة. لكن العديد من كبار المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية أخبروني أن الشكاوى الجنائية بشأن أفراد العائلة المالكة الخليجية في المملكة المتحدة غالبًا ما يقع تسويتها بعيدًا عن الرأي العام.
أخبرني ثلاثة سائقين عملوا مع العائلة المالكة في دبي لسنوات أنهم كانوا يرسلون بانتظام لاصطحاب عاملات الجنس من جميع أنحاء لندن وإحضارهن إلى دلهام هول عندما كان الشيخ محمد والوفد المرافق له في الإقامة خاصة بهم. قالوا إنه تم جمع مجموعات من النساء من فندق كارلتون تاور في لندن، المملوك لحاكم دبي. كان بعضهم من المهنيين ذوي الخبرة، لكن البعض الآخر كانوا شابات في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات من العمر، تم توظيفهن في النوادي الليلية، أو كن يكسبن المال لتمويل دراستهن. لم يتم إخبار النساء إلى أين يذهبن، وسُلبت هواتفهن قبل أن يدخلن العقار. لم يتمكن السائقون من تحديد ما يحدث بالضبط هناك، أو من كان متورطًا، ولكن عندما ينتهى الأمر، يتم الاتصال بهم مرة أخرى لإرجاع النساء.
وتجدر الإشارة إلى أن أحد السائقين رجل فظ في منتصف السبعينيات اسمه دجورو سينوباد، انتقل إلى إنجلترا من صربيا وعمل سائقًا في نيوماركت لمدة سبعة عشر عامًا، حتى نهاية سنة 2020. أخبرني أن بعض النساء الأصغر سنًا أصبحوا متضايقات عندما أدركن ما هو متوقع منهم. يتذكر هرب إحداهن إلى أرض دلهام هول وهي شبه عارية، ويطاردها أحد موظفي الشيخ محمد، الذي تبعها وضربها بعصا حيث “كانت في حالة صدمة. كانت هناك علامات على ظهرها حيث كان يضربها”. وأضاف قائلا إنه “عند عودتها إلى لندن، كانت تبكي طوال الطريق”.
وفي مناسبة أخرى، قال سينوباد إنه أعاد مجموعة من النساء إلى برج كارلتون في الصباح الباكر. نزلن جميعًا باستثناء واحدة – “فتاة إنجليزية شابة لطيفة”. وعندما ذهب للاطمئنان عليها، كانت تبكي، ولاحظ وجود دم على مقعدها. قال: “كانت ترتجف، مثل شخص يبكي ويئن مثل الكلب”.
أخبرني تريفور هولتبي، وهو سائق ثانٍ مخضرم: “بعض النساء لم يعجبهن ما كان عليهن فعله”، لكن السائق الآخر، غودوين نمرود، قال إن المرأتين بدتا قانعتين وحصلتا على تعويض جيد، وقال: “كانت الأظرف سمينة، وعندما كانوا في الجزء الخلفي من السيارة، يمكن – من حديثهم – معرفة أنهما في الخمسينيات”، وقال لي سائق في فندق كارلتون تاور: “لقد جعلني ذلك غير مرتاح، لكن لم يكن أحد يجبرهن أو يكبلهن لكي يذهبن إلى الغرفة”.
لم يقتصر هذا النمط على المملكة المتحدة؛ حيث قال حارس شخصي سابق كان يسافر مع الشيخ محمد إنه تم إحضار مجموعات من النساء إلى جناح الفندق حيث تم عزل الحاكم مع حاشيته كل ليلة تقريبًا، أينما كان. في دبي؛ ذكر مصدر مقرب من العائلة المالكة أن الشيخ محمد رؤيَ في مسكنه الخاص بقصر زعبيل، مستلقيًا مع حوالي عشرين شابة. (العديد من الموظفين السابقين الذين تحدثتُ إليهم فقدوا وظائفهم، في ظل ظروف شعروا أنها غير عادلة. رفع سينوباد دعوى فصل تعسفي، وينفي محامو الشيخ محمد أنه استغل عاملاتٍ جنسيًّا).
ومع ذلك اعتبر البعض ميول الشيخ محمد معتدلة مقارنة بميول أخيه الأكبر، فقد قال العديد من السائقين إنه عندما سافر الشيخ مكتوم إلى المملكة المتحدة على متن طائرته الخاصة، أحضر معه فتيات دون السن القانونية، واللاتي سيتم وضعهن في عدد من المنازل حول نايتسبريدج وإنفاق الأموال عليهن. وأخبرني كل من سينوباد وهولتبي أنهما أحضرا فتيات من هذه المساكن إلى منزل الشيخ مكتوم، وقالوا إن بعضهن كنَّ يحملن دمى ودببة، كما يتذكر هولتبي جمع الفتيات اللواتي سافرن في ثياب النوم الخاصة بهن.
قال كلا الرجلين إن هاتين الوظيفتين أصابتهما بالمرض، لكنهما لا يستطيعان تحمل تكاليف الاستقالة، وعندما اشتكيا للمديرين؛ تم إبعادهم عن تفاصيل الشيخ مكتوم، لكنهم ما زالوا يرون الفتيات الصغيرات يأتين ويذهبن؛ حيث قال نمرود: “كل السائقين كانوا يعرفون أن لديه هؤلاء الفتيات، وأنهن كنَّ دون السن القانونية”.
قابلتُ نمرود وسينوباد في حانة في نايتسبريدج في ظهيرة شديدة البرودة في يناير. نمرود، وهو رجل صغير يرتدي نظارة طبية، كان يرتدي قبعة صوفية ضد الطقس، وكان سينوباد يرتدي سترة زرقاء محبوكة، واحتسي السائقان الكاندي وشاركا ذكريات الشيخ محمد، الذي قالوا إنه عاملهما بلطف، ودعاهما في بعض الأحيان لتناول الطعام من طاولته الخاصة بمجرد الانتهاء من وجبته، فقد قال نمرود: “الشيخ محمد رجل لطيف، ولن يمر عليك دون أن يحييك”.
في البداية؛ اتفق معه سينوباد، ولكن عندما روى نمرود المزيد من استحقاقات صاحب العمل السابق، شعر بالارتباك؛ حيث قال سينوباد: “هذا كله لتغطية الجزء السيئ من الشخصية، فهم ليسوا صالحين، خاصة مع النساء والفتيات الصغيرات”، ثم شرد لوهلة، وقال: “من الصعب رؤيتهن يبكين في مؤخرة السيارة”.
القبض على الشيخة لطيفة بنت محمد آل مكتوم
ذات ليلة في حزيران/يونيو 2002؛ أخذت لطيفة مقصًا وقصّت شعرها الطويل حتى فروة الرأس، وغطت ملابسها بالعباية، وأخذت زوجًا من أحذية “سكيتشرز” الخفيفة ذات اللون الأزرق الرمادي، وعبأت حقيبة بها نقود، وماء، وقواطع أسلاك، ومطواة، ثم تسللت من منزل والدتها وقفزت من على الحائط. كانت في السادسة عشرة من عمرها، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها بمفردها؛ حيث كتبت في وقت لاحق أن خطتها كانت “العبور إلى عمان دون أن يلاحظها أحد، والعثور على محام هناك لمساعدة أختي المسجونة”.
استقلت لطيفة سيارة أجرة إلى منطقة قريبة من الحدود، حيث أوقفت راكب دراجة عابر وأقنعه ببيع دراجته، وركبت مع شروق الشمس في الصحراء، حتى وصلت إلى السياج وقطعت السلك للضغط من خلاله، وعندما توقفت سيارة تابعة للجيش بجانبها، واصلت التحرك، ولكن قبل أن تصل إلى مسافة بعيدة، قفز رجال يرتدون ملابس مموهة وألقوها في ظهرها.
نُقلت لطيفة إلى مركز للشرطة، حيث قابلها رجل “مبتذل” كان يعمل لدى والدها، وأخذها إلى منزلها، حيث تتذكر أنها تعرضت للضرب حتى تدفق الدم من أنفها، فيما كانت والدتها تشاهدها وهي – كما كتبت -: “كان وجهها مليئًا بالمكياج وأحمر شفاه أرجواني فاتر كما لو كانت تتوقع أن يزورها والدي”.
عندما انتهى الضرب؛ أعيدت لطيفة إلى السيارة واقتيدت إلى سجن صحراوي. وفي الداخل؛ تم نقلها إلى زنزانة وطُلِبَ منها خلع حذائها، ثم أمسكها أحد الحراس بينما ضرب آخر باطن قدميها بعصا خشبية ثقيلة؛ حيث كتبت في وصف مفصل لسجنها: “لم يكن بإمكانه أن يضربني أكثر مما فعل”. استغرقت جلسة التعذيب التالية خمس ساعات وتركتها غير قادرة على المشي، كان عليها أن تجر نفسها على الأرض لتشرب من صنبور بجوار المرحاض، وأعادت قدميها المكسورتين إلى حذائها الـ”سكيتشرز”، على أمل أن يكون كجبيرة لقدميها ونامت به. وأيقظها الحراس وهم يسحبونها من السرير لمزيد من الضرب. (ينفي محامو الشيخ أنه أساء معاملة لطيفة أو أنه سجنها).
بقيت لطيفة في السجن لمدة ثلاثة عشر شهرًا؛ حيث كانت تنام على فراش رقيق ملطخ بالدماء، في نفس الملابس التي كانت ترتديها منذ هروبها، ولم يكن لديها صابون أو فرشاة أسنان. في بعض الأحيان كانت الأنوار تُطفأ لأيام، لذا كان عليها أن تتنقل في زنزانتها في الظلام، وكتبت قائلة: “لقد عوملت أسوأ من أي حيوان”.
ذات يوم، في تموز/ يوليو 2003، تم إخراجها من زنزانتها ووضعها في سيارة كانت منتظرة. وكتبت “لم أكن أتحرك لمدة عام وشهر واحد، لذلك شعرت في السيارة كما لو أنني كنت في قطار أفعواني”. تم نقلها إلى المنزل، حيث استقبلتها والدتها – كما تتذكر – وكأن شيئًا لم يحدث، لكن عندما نظرت لطيفة في المرآة شعرت بالرعب من منظر عينيها الأجوفين وعظام الخد البارزة. لمدة أسبوع؛ كانت تستحم خمس مرات في اليوم، مستمتعة برفاهية استخدام الصابون والمناشف الجديدة، ثم انفجرت وكتبت “كنت حزينة للغاية وغاضبة ومكسورة القلب”، وصرخت مرارًا وتكرارًا أنها تريد رؤية شمسة. في النهاية، قالت، إنها هُدِّأت وأُخِذَت بعيدًا. بعد ذلك؛ تم حبسها لمدة عامين آخرين.
خرجت لطيفة من السجن في تشرين الأول/ أكتوبر 2005، قبل عيد ميلادها العشرين بقليل؛ قبل أشهر قليلة من أن يصبح والدها الحاكم الرسمي لدبي.
لسنوات؛ لم تثق لطيفة بأحد، فقالت: “قضيتُ الكثير من الوقت مع الحيوانات، مع الخيول، والكلاب، والقطط، والطيور”، بحسب ما ذكرت في فيديو الهروب. مُنعت من مغادرة دبي وكان برفقتها في كل مكان حراس؛ وأحيانًا نفس الحراس الذين ضربوها بالعصا في السجن، وكتبت: “إذا سمعت صوتًا خفيفًا، كنت أقفز من نومي، وأستعد للسحب والضرب”.
عادت شمسة إلى منزلها من السجن بعد ثلاث سنوات من خروج لطيفة، وكتبت لطيفة: “لقد كانت مجرد ظل لشخصيتها السابقة، مع فقدها لإرادتها القوية”. حاولت شمسة الانتحار ثلاث مرات: بقطع معصمها، وتناول جرعة دواء زائدة، ومحاولة إشعال النار في زنزانتها، وأُطلق سراحها بعد أن أضربت عن الطعام، والآن تم إعطاؤها المهدئات ومضادات الاكتئاب التي تركتها “مثل الزومبي”. كتبت لطيفة: “في البداية، شمسة لم تكن مرتاحة لفتح عينيها، لأنها بقيت في الظلام لفترة طويلة، كان لا بد من قيادتها من يدها”.
كان لقاء الأختين مؤلمًا، فقد كافحت لطيفة لتغفر لشمسة زلات الحكم الذي أدى إلى القبض عليها، وكتبت: “كدت أموت ودمرت حياتي من أجلها وما زلت مستاءة لأنها كانت متهورة للغاية، لكن في الوقت نفسه ليس لديها أي شخص آخر سيقاتل من أجلها”.
قررت لطيفة أن تقوم بمحاولة أخيرة لإنقاذ نفسها وأختها، فكتبت: “يجب أن أحدد كل نقطة فشل محتملة ولدي خطة لكل سيناريو يمكن أن ينحرف”، وأعلنت: “إذا علقتُ في هذا العمل، فأنا لست على استعداد للخضوع لسنوات أخرى من التعذيب، وتجريد الإنسان من الإنسانية واليأس، فبالنسبة لي، إما الحرية أو الموت، ولا شيء بينهما.. لا شيء على الإطلاق”.
تينا جوهياينن و الشيخة لطيفة
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، كانت تينا جوهياينن تعمل في مدرسة فنون قتالية في دبي عندما تلقت بريدًا إلكترونيًا من لطيفة تطلب دروسًا في الكابويرا؛ حيث تم توجيه جوهياينن إلى نادي زعبيل، وهو مجمع ترفيهي خاص بجوار قصر الشيخ محمد، ووصلت لطيفة برفقة حراس اجتاحوا الملهى قبل دخولها للتأكد من عدم وجود رجال. لقد صدمت جوهاينن بكون لطيفة متواضعة، وحذرة من التواصل البصري. لكن بمجرد أن أصبحوا بمفردهم في النادي، وهو مكان يحيط به صدى صور الشيخ محمد والأطفال المفضلين، ألقت بنفسها في التدريب.
أخبرتني جوهياينن أن لطيفة أرادت أن تمارس التمارين بشكل عقابي كل يوم، فقد بدت مصممة على أن تصبح أقوى وأكثر رشاقة، وفي البداية كانت فخورة جدًا لظهور الإرهاق عليها، لكنها بدأت في النهاية بالاعتراف أنها لم تعد تستطيع الاستمرار، ثم طلبت المرأتان الطعام والتحدث.
اعتقدت جوهياينن أن لطيفة تبدو وكأنها غارقة في امتياز غير عادي، حيث تعيش في حياة ملؤها الرفاهية؛ “يا له من الكمال”، بحسب جوهياينن. ومع ذلك؛ كانت الأميرة مفتونة بالتفاصيل اليومية لحياة مدربتها، فكانت تحب أن تطبخ جوهياينن بالفواكه التي لم تجربها من قبل، مثل تفاح الكسترد وفاكهة النجمة، أثناء طرح الأسئلة.
نشأت جوهياينن في مزرعة زهور في وسط فنلندا، في مستوطنة صغيرة تحدها أكثر من مائة بحيرة، وبينما كان والداها يعتنيان بزهور التوليب، وقع عليها مهمة رعاية أشقائها الصغار، فغادرت في أقرب وقت ممكن، ودرست في لندن قبل الانتقال إلى دبي في عام 2001. لقد أعجبها انعدام الجذور في المكان، فقد عاشت في سلسلة من الشقق الشاهقة المفروشة، معتبرةً أنها تستطيع “حزم اثنين من الحقائب بسهولة” والمغادرة “في أي وقت تشاء”. وبعد عشر سنوات كانت لا تزال هناك.
سرعان ما ملأت العلاقة مع لطيفة حياة جوهياينن، حيث كانت تعمل في المبيعات بجوار العمل الإضافي في مدرسة فنون الدفاع عن النفس، لكنها وافقت على ترك وظيفتها اليومية حتى يتمكنوا من التدريب بدوام كامل، ثم سألت لطيفة عما إذا كان بإمكانهما البدء في القفز بالمظلات معًا أيضًا. في الفصل الأول؛ كانت لطيفة الطالبة الوحيدة التي قفزت بمفردها. بعد ذلك، قالت جوهياينن إنها “قفزت قفزة تلو الأخرى، كالمجانين”، وبدأت لطيفة ببدلة الطيران وهي تطير من بالونات الهواء الساخن، ولقد اتبعت نهجًا محمومًا بالمثل في تدريب الغوص؛ حيث قامت بآلاف الغطسات.
قالت لي جوهياينن: “كانت سبب بقائي في دبي”، ومع ذلك؛ ظل جزء كبير من حياة لطيفة لغزًا، فقد تعجبت قائلة: “لماذا كل هذه الحدة؟”. فهمت جوهياينن أن صديقتها سُمح لها بممارسة هوايات معتمدة، لكنها مُنعت من مغادرة دبي، أو الخروج بدون مرافق، وعندما تساءلت عن هذه القيود؛ تهربت لطيفة من الإجابة عليها بلطف، وبعد بضع سنوات؛ بدأ يُسمح لها بمقابلة لطيفة بمفردها، لكن حتى ذلك الحين لم تكن لديها أي فكرة عن الدور الذي تم تجنيدها من أجله.
عندما صقلت لطيفة خططها، حصلت على كتاب بعنوان “الهروب من دبي”، وصف فيه رجل يُدعى هيرفي جوبير كيف فر من الإمارات باستخدام معدات الغوص وزورق مطاطي للوصول إلى قارب تهريب في المياه الدولية؛ فقرأته وتعقبت جوبيرت، وأرسلت إليه بريدًا إلكترونيًا لطلب المساعدة، وكتبت: “لقد بدأت خططي للتحرر منذ سنوات عديدة”، معلنة أنها لا تخاف من الماء، ماهرة في الرياضات الشديدة، ومستعدة للقيام بأي تدريب قد يكون ضروريًا. إذا وافق على إخراجها عن طريق البحر؛ فقد علمت أنها ستحتاج إلى مساعدة للوصول في الموعد، وقالت: “سأقوم بترتيب سيدة لترافقني”، وأكدت له: “لا ينبغي أن يكون الأمر صعبًا”.
هيرفي جوبير و الشيخة لطيفة
كان جوبير مهندسًا بحريًا أمريكيًا فرنسيًا وضابطًا بحريًا سابقًا في الخمسينيات من عمره، وقد غادر دبي هربًا من تهم الاختلاس، التي أصر على أنها كاذبة، وادعى أنه عمل متخفيًا في المخابرات الفرنسية، وزرع جوًا من الغموض، معززًا بشعر أسود لامع، ولحية خشنة، ولهجة فرنسية ثقيلة. في البداية؛ كان متشككًا في هوية لطيفة، لكنها قدمت تفاصيل عن حياتها في سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني، وفي النهاية وافق على مساعدتها مقابل أجر”.
تبادلت لطيفة وجوبير المراسلات لأكثر من سبع سنوات. وفي ذلك الوقت، حسب حسابها، أرسلت له أكثر من خمسمائة ألف دولار، فلم يُسمح لها بامتلاك حساب مصرفي، لذلك ادخرت الأموال من مصروف الجيب، وتهربت من مرافقها في رحلات التسوق لتمرير حزم من النقود إلى مبعوثي جوبيرت. في بعض الأحيان كانت مطالبه ثقيلة، فقد كتبت له في عام 2014: “أنا أعاني من هذا بالفعل وأشعر وكأنني هامستر على عجلة”، ووعدته بإرسال جوهرة تزيد قيمتها عن خمسين ألف دولار، لكنها قالت له: “يجب أن تقابلني في منتصف الطريق بعد هذا لأنه بعد أن أعطيك هذا الماس لن يبق لي شيء”. (أخبرني جوبير أن أي أموال تلقاها من لطيفة كانت فقط لتغطية نفقاته، وكانت مشاركته في هذا الأمر بمثابة “إنقاذ لحقوق الإنسان”، كما قال، لذلك كان من المهم ألا يُرى أنه قد استفاد إذا تم القبض عليهم. وسيتم الدفع له بعد ذلك).
تصورت لطيفة مجموعة من سيناريوهات الهروب المتعثرة، عن طريق طائرة مائية، وزورق قتالي، وطائرة هليكوبتر، وطائرة خاصة، وسكوتر تحت الماء. درست ما أسماه جوبير “مستلزمات تجسس”: التشفير، والمراقبة المضادة، وطرق الهروب، والتنكر، حتى أنها تمكنت من الحصول على جواز سفر أيرلندي مزيف، وقامت بحفظه بعناية، وربطته تحت بدلتها الجافة عندما ذهبت للغوص.
في أحد فصول الربيع؛ كانت لطيفة تأمل أن يُسمح لها بالسفر إلى إنجلترا خلال موسم السباق، وأرسلت إلى جوبير صورًا من غوغل إيرث لعقار في قرية لونغ كروس، للبحث عن نقطة استخراج. بدت الأسباب غير قابلة للاختراق، لذلك خططوا لعملية اختطاف مزيفة، حيث كانت جوبير سينتزع لطيفة من حراسها الشخصيين أثناء خروجها للتسوق، ولكن عندما غادر فريق السباق إلى إنجلترا، طُلب منها البقاء والانتظار.
في النهاية؛ وافقت هي وجوبير على تكرار طريق هروبه؛ حيث اشترى جوبير يختًا يرفع العلم الأمريكي – يُدعى “نوسترومو” – بالإضافة إلى “جيت سكي” ومجموعة من أجهزة الملاحة التي تعمل من خلال الأقمار الصناعية، وحدد نقطة التقاء على بعد ستة عشر ميلاً من ساحل عمان، وخططت لطيفة لعبور الحدود بواسطة سكوتر تحت الماء، باستخدام جهاز إعادة التنفس، ثم اصطحاب زورق إلى القارب، وكانوا سيبحرون إلى الهند أو سريلانكا، وتستخدم لطيفة جواز سفرها المزور للسفر إلى الولايات المتحدة.
كانت لطيفة مكروبة بسبب كيفية إحضارها لشمسة؛ حيث قالت لجوبير: “إنهم يعطونها المهدئات وكذلك الأدوية النفسية كل يوم؛ عقلها هش ولا أثق في أنها لن تفزع”، ثم قامت شمسة بخطوتها دون سابق إنذار.
بعد مرور سبعة عشر عامًا على هروب شمسة، وبينما كانت الآن في السادسة والثلاثين من عمرها؛ قامت بعيدًا عن تدقيق حراسها بالحصول على هاتف خلوي سري آخر، وفي ربيع عام 2017؛ اتصلت بشرطة كامبريدجشير؛ حيث كان بيك قد تقاعد منذ فترة طويلة، لذا أخذ محقق جديد ملف شمسة، لكن المشرف آدم جالوب قال – في بيان – إنه على الرغم من بعض “خطوط التحقيق الجديدة”، فإن الأدلة لم تكن كافية لمتابعة مثل هذه “القضية المعقدة والفريدة من نوعها”. بعد فترة وجيزة تم تفتيش غرف شمسة ومصادرة هاتفها، وقالت لطيفة إنها وُضعت في جناح منفصل من المسكن، وزيدت المهدئات لها.
شعرت لطيفة أنها لا تستطيع انتظار أختها أكثر من ذلك، وأوضحت في فيديو الهروب الخاص بها: “الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها مساعدة نفسي، ومساعدتها، ومساعدة الكثير من الناس؛ هي المغادرة”. طلبت لطيفة من جوهياينن مقابلتها لتناول طعام الغداء في مطعم يُدعى سالاديشيس، على بعد بضعة مبانٍ من البحر، وكانت هادئة واختارت طاولة في الزاوية. وعندما جلسوا؛ أخبرت لطيفة صديقتها بكل ما حدث منذ فرار شمسة لأول مرة.
بحلول الوقت الذي انتهت فيه؛ كانت كلتا المرأتين تبكيان؛ حيث قالت لي جوهياينن: “شعرت بغضب شديد تجاه الأشخاص الذين فعلوا ذلك بها”، لذلك عندما أطلعتها لطيفة أخيرًا على خطة الهروب؛ ردت دون تردد: “أنا مستعدة للذهاب”.
في أحد أيام السبت من شباط/ فبراير 2018؛ غادرت لطيفة قصر والدتها عند شروق الشمس وطلبت من سائقها اصطحابها لمقابلة جوهياينن في مقهى في شارع الشيخ محمد بن راشد، وبينما طلبت جوهياينن الذهاب لتناول القهوة، دخلت لطيفة إلى الحمام وخلعت عباءتها وأسقطت هاتفها الخلوي في الصرف الصحي، ثم أسرعت المرأتان إلى سيارة أودي Q7 مستعارة وتوجهتا إلى الحدود.
كانت جوهياينن – منذ موافقتها على المساعدة في تحرير لطيفة – تلتقي بجوبير في مانيلا، حيث كان يعيش، وتضع خطة الهروب وتسلمه النقود لتسوية نفقاته، إلى جانب مجموعة من المجوهرات الماسية التي قالت لطيفة إنها تخطط لبيعها عندما تصل إلى أمريكا، فيما سافرت جوهياينن إلى إندونيسيا، وسريلانكا، والولايات المتحدة، وسنغافورة لإجراء الاستعدادات وتجميع المعدات: محرك زورق، ومعدات الغوص، وأجهزة الملاحة بالأقمار الصناعية من شركة “جارمين”، واثنين من الدراجات البخارية القوية التي تعمل تحت الماء. ولكن أثناء ممارسة السباحة تحت الماء في حمام السباحة بقصر؛ شعرت لطيفة بدوار خطير، لذا اقترحت جوهياينن خطة بديلة.
في منطقة هادئة قريبة من عمان؛ توقفت المرأتان وفتحتا صندوق السيارة، وأخرجتا عدة أكياس زرقاء كبيرة التي تحتوي على أثاث أيكيا، وصعدت لطيفة إلى حجرة الإطارات الاحتياطية الفارغة، ثم سحبت جوهياينن الغطاء ووضعت الأكياس فوقه. على الحدود، بعد عشرين دقيقة، مرتا بسلسلة من نقاط التفتيش قبل أن يفتح الحراس صندوق السيارة، فخفق قلب جوهياينن، حتى أغلقوا الغطاء ولوحوا لها.
بحلول الوقت الذي غادرت فيه جوهياينن الحدود وأوقفت السيارة، توقعت أن تجد صديقتها بشفاه زرقاء وبلا حياة، لكن لطيفة قفزت، مذهولة من الإثارة، والتقطت المرأتان صورًا ذاتية لهما، وهما تبتسمان وهما تلبسان أغطية الرأس ومن خلال الظلال العاكسة، وبينما كانتا تسير في اتجاه البحر.
التقيتا بشريك آخر، وهو كريستيان إلومبو، في إحدى ضواحي مسقط، العاصمة الساحلية لسلطنة عمان؛ حيث كان إلومبو مدرب الكابويرا السابق لجوهياينن، وهو فرنسي يتمتع ببناء قوي في أوائل الأربعينيات من عمره، وقال لي إنه لم يلتق بلطيفة من قبل، ولكن عندما أوضحت جوهياينن محنة صديقتها، فكر لمدة “ثانيتين” قبل أن يوافق على المساعدة، وقال: “كنت أعلم أن ضميري لن يسمح لي أن أفكر أن هناك شيئًا كان بإمكاني فعله ولم أفعله”.
كانت فكرة إلومبو هي إخفاء لطيفة في حجرة الإطارات الاحتياطية للسيارة، وسيارته أودي التي استخدموها للهروب. كانت وظيفته الأخيرة هي نقل المرأتين إلى “نوسترومو” على متن زورق مطاطي، لكن عندما وصلوا إلى الشاطئ، حثه الصيادون على العودة، فقد كانت هناك عاصفة قادمة، وكانت الأمواج العاتية تهطل على طول الشاطئ. أصر الثلاثة، وألقوا بالزورق إلى الخارج، فاستلم إلومبو عجلة القيادة، بينما كانت جوهياينن تنقل وترسل إحداثيات مشتركة إلى جوبير، فيما تشبثت لطيفة بجوانب المركب والموج يهزه ويحركه بعنف.
جعل البحر الهائج التقدم بطيئًا، وعندما أصبح واضحًا أن الزورق لن يصل إلى اليخت قبل حلول الظلام؛ انطلق جوبير وعضو آخر من طاقم اليخت على متن جت سكي لمقابلته، وسقطت المرأتان في الأمواج مرارًا وتكرارًا بينما كانتا تكافحان للتسلق، وبمجرد أن كانتا مستقرتين بأمان، لوح إيلومبو موداعًا، وصاح: “أراكم المرة القادمة!”.
عند العودة إلى الشاطئ؛ ذهب إلومبو لتناول المأكولات البحرية، وخطط للتخلص من الأدلة والاختباء في أوروبا. ولكن عندما انطلق لإلقاء الزورق، أحاط ضباط شرطة مسلحون بسيارته، حيث قال: “إذا عطست، سيطلقون النار عليك”، ثم نُقل إلومبو إلى الجناح الانفرادي في سجن عُماني، حيث سيُحتجز لمدة شهرين، وسرعان ما وصل المسؤولون لاستجوابه.
وصلت لطيفة وجوهياينن إلى نوسترومو عند غروب الشمس، وقد أصابهما الإرهاق والغثيان من الرحلة ما منعهما من الاحتفال. ومع ذلك؛ كتبت لطيفة وداعًا منتصرًا لوالدتها وإخوتها، وسرعان ما نشرت رسالة على إنستغرام تعلن فيها حريتها: “لقد هربتُ من الإمارات بعد أن حوصرت لمدة 18 عامًا”.
لكن لطيفة وجوهياينن سرعان ما بدأتا تفقدان الثقة في قائدهما؛ حيث قالت جوهياينن إن القارب كان قذرا، وامداداتهم مليئة بالصراصير، وكانوا يعيشون على العصيدة والبطاطا المسلوقة والفاصوليا، وكتبت لطيفة عن جوبير: “كان عقله دائمًا على المال والربح”.
اتصل جوبير بمحامية في فلوريدا بعد وقت قصير من الإبحار وطلب منها صياغة “اتفاق تسوية” يطالب بثلاثمائة مليون دولار من الشيخ محمد نيابة عن لطيفة. وبما أن لطيفة لم يكن لديها حساب بنكي، كتب جوبرت قائلاً أنه يجب أن “تُحوّل الأموال مباشرة إلى حسابي في الفلبين”، حيث وعد بتقسيمها بالتساوي مع لطيفة وجوهيانين. قالت لطيفة لجوهيانين إنها قد وافقت على الخطة فقط لإرضاء جوبرت، مع علمها أن والدها لن يدفع. (نفى جوبرت الضغط على لطيفة، وقال إن التسوية كانت فكرتها، وكان من المفترض أن تكون الدفعة من نصيبه مقابل مساعدتها في الهروب).
بعد مضي أسبوع في البحر، وعلى بعد ثلاثين ميلاً من ساحل الهند، كان يخت “نوسترومو” يعاني من نقص الوقود. أرسل جوبير إلى أحد أصدقائه قائلاً: “أنا على وشك النفاد”، في “بضعة أيام” سيكون خزان الوقود فارغًا. (أخبرني جوبير أنه كان لديه ما يكفي من الوقود للوصول إلى الوجهة الأصلية ولكنه كان يخشى أن يضطروا لتغيير الطرق. كما أصر على أن قاربه كان “نظيفًا” وأن الصراصير جزء لا يتجزأ من الإبحار).
عندما علموا أن “إلومبو” قد اعتقل، بدت لطيفة كأنها تجمدت؛ حيث قالت جوهياينن لي: “أصبح الوضع متوتراً ومُجهداً للغاية، لم نكن نتحدث إلى بعضنا البعض لأنه لم يكن هناك رد من أي شخص، وليس لدينا خطة، ووقودنا بدأ بالنفاد.”
وبناءً على توصية جوبير، تواصلت لطيفة مع مجموعة تُدعى “مُعتقلون في دبي”، مُتوسلةً للمساعدة في نشر قضيتها. وكتبت قائلة: “الوقت يمضي ولديهم هدف هو رأسي”. بدأ اثنان من المدافعين عن حقوق الإنسان في المنظمة هما ديفيد هاي ورادها ستيرلينغ في التحقق من هوية لطيفة. ثم في ليلة من أوائل شهر آذار/ مارس، تلقت ستيرلينغ سلسلة من الرسائل المذعورة: “أرجوك ساعدني، أرجوك أرجوك ساعدني هناك رجال خارج المبنى”. وعندما ردت عبر الرسائل النصية، لم تتلق أي إجابة.
لم يواجه الشيخ محمد صعوبات كبيرة في العثور على ابنته الهاربة، فقد تم اعتراض اتصالاتها، وبناءً على طلب الإمارات، أصدر الإنتربول مذكرات اعتقال لمن كانوا معها متهمًا إياهم بخطفها. عندما تم تحديد موقع اليخت قبالة ساحل غوا، تحدث الشيخ محمد مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ووافق على تسليم تاجر أسلحة مقيم في دبي مقابل القبض على ابنته، ثم نشرت الحكومة الهندية قوارب ومروحيات وفريق من القوات الخاصة المسلحة لاقتحام يخت “نوسترومو” واحتجاز لطيفة.
قرية “لامورنا كوف” الواقعة في “كورنوال” هي زاوية صغيرة في أقصى غرب إنجلترا، حيث تتكسر الأمواج الهائجة على طول شاطئها الهلالي. تعتبر المنطقة وجهة للمصطافين في فصل الصيف، وفي فصل الشتاء تظل معظم أكواخها المتناثرة المصنوعة من الجرانيت شاغرة. ولكن في ليلة 4 آذار/ مارس 2018، انعكست أنوار إحدى المنازل على المياه.
كان ساكن الكوخ، وهو ديفيد هاي، شخصية متناقضة في “كورنوال” الريفية، شخص طويل البنية ورياضي في أوائل الأربعينيات من عمره ببشرة سمراء تستمر طوال العام وشعر أشقر منحوت. كان هاي يعمل سابقًا لدى شركة استثمارية مقرها في الخليج، لكن أرباب العمل اتهموه بالاحتيال والافتراء، وقضى ما يقرب من عامين في سجون دبي. وعلى الرغم من أنه شهد لاحقًا بأنه تعرض للضرب والاغتصاب وأجبر على التوقيع على وثيقة باللغة العربية بدت وكأنها اعتراف، إلا أن الإدانة لا زالت تحوم فوق رأسه، وكان لا يزال يحارب تجميد أصوله، وتوجه إلى “لامورنا” منذ إطلاق سراحه قبل عامين، ومن هناك قام بالتوقيع لمساعدة منظمة “محتجزون في دبي”.
حلل هاي ورادها ستيرلينج رسائل لطيفة على الهاتف، قال هاي: “إنها حالة احتجاز رهائن، ماذا نفعل؟”، ثم قدموا تقريرًا عن شخص مفقود لشرطة “سكوتلاند يارد”، وأبلغا خفر السواحل الهندي بأن يختًا يرفع علم الولايات المتحدة اختفى. لكن لم تتبنى أي سلطة القضية، لذا تواصلا مع الشرطة وممثلي القصر في دبي. أخبرتني ستيرلينغ إنهم يأملون في إرسال رسالة: “نحن نعلم أن هذا قد حدث، نحن نراقب، لذا لا تبدأوا في إعدامهم جميعًا”.
مرت الأيام دون أي أخبار؛ ثم تلقى المشاركون في الحملة رسالة بريد إلكتروني من المحامي في فلوريدا، يحتوي على فيديو هروب لطيفة، مع تعليمات بنشره؛ حيث قالت لطيفة في الفيديو: “إذا كنت تشاهد هذا الفيديو، فهذا ليس أمرًا جيدًا. إما أن أكون ميتة أو أنني في موقف سيء للغاية”، ثم تابعت قائلة: “عن ماذا أتحدث؟ هل أتحدث عن جميع الجرائم؟ هل أتحدث عن كل الإساءات التي شهدتها؟”.
تفاجأ هاي وقال: “يا إلهي، يا إلهي، يا إلهي”، ثم نشر هو وستيرلينغ أجزاء من الفيديو على وسائل الإعلام وقاموا بتحميله على يوتيوب.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى نشرت عدة صحف قصة الأميرة الهاربة من دبي. في المقابل؛ لم يعلق الشيخ محمد على الأمر، لكن المشاركون في الحملة تلقوا أخبارًا عن جوهياينن وجوبير، فقد تمت حراسة يخت “نوسترومو” حتى وصوله إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث تم استجواب الثنائي لمدة تجاوزت أسبوع. وبعد نشر الفيديو؛ تم إطلاق سراحهما وتوجها إلى لندن حيث عقدا مؤتمرًا صحفيًا ضم ستيرلينغ وهاي. قالت جوهياينن لغرفة مليئة بالصحفيين: “أنا هنا أتحدث عن صديقتي لأننا يجب أن نحررها، يجب أن يتحرك المجتمع الدولي”.
أصبح كوخ هاي المواجه للبحر مركز قيادة لحملة تحرير لطيفة، وقد أبلغت المجموعة الأمم المتحدة عن اختطافها، ثم اتصلوا بقناة “بي بي سي” وبدأوا في إنتاج فيلم وثائقي عن الهروب. تم بث الفيلم في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018، بالتزامن مع عيد ميلاد لطيفة الثالث والثلاثين. وفي النهاية أصدرت حكومة دبي ردًّا قالت فيه إن لطيفة لم تحاول الهروب لكنها اختطفها جوبير، وأضافت قائلة: “سمو الشيخة لطيفة الآن بأمان في دبي، حيث تتجهز هي وعائلتها للاحتفال بعيد ميلادها اليوم في خصوصية وسلام”.
في الواقع؛ كانت لطيفة قد أمضت عيد ميلادها في السجن، وبعد أن اختفت من على متن “نوسترومو”، تم نقلها إلى متن قارب للبحرية الهندية، ثم إلى طائرة مروحية، ومن ثم إلى متن طائرة خاصة. وذكرت في أحد حساباتها أنه عندما كانت رهن الاحتجاز أُعطيت المهدئات مرتين، لكن لم يسفر ذلك عن أي تأثير. وعندما حاول ضابط إماراتي برتبة ملازم إخراجها من المروحية، غرزت أسنانها في ذراعه، لكنها شعرت بأنها تفقد وعيها بعد جرعة ثالثة.
وكتبت لطيفة قائلة: “أريدهم أن يشعروا بالحرج لأنهم جاؤوا بالقوات البحرية وعدة سفن حربية والقوات الخاصة المسلحة وثلاث حقن مهدئة وعملية استمرت ساعة لوضع امرأة غير مسلحة صغيرة على متن طائرة”. استعادت لطيفة وعيها في دبي، وكتبت قائلة: “أتذكر الدموع تنهمر على وجهي، كان أسوأ شعور في العالم، هو عودتي إلى حفرة الجحيم بعد أن أصبحت قريبة جدًا من الحرية”.
نُقلت لطيفة إلى سجن صحراوي يدعى العوير ووضعت في زنزانة ذات نوافذ معتمة. كان سجانيها في البداية يتصفون بالقسوة، ولكن بمجرد الكشف عن شهادتها بالفيديو، بدؤوا في مناشدتها للتراجع، كذلك قدموا لها الطعام على أطباق مذهبة في بعض الأحيان، فعلقت: “إنهم سخيفون للغاية”.
تعرضت لطيفة لضغوط كبيرة للمساعدة في تبديد المخاوف بشأن سلامتها بعد انتشار خبر اعتقالها، وبعد أن بثت قناة “بي بي سي” مقابلة مع جوهياينن في شهر أيار/ مايو، أحضرت اثنتان من الشرطيات زيًّا جديدًا لها وأخذاها إلى نادي زعبيل للقاء الشيخ محمد، وعند حضورها، تورمت عيناها من الدموع بينما طلب منها والدها أن تغسل وجهها. وتذكرت قوله لها: “آمل أنك تدركين بأنك مهمة بالنسبة لنا”، ثم أمر أحد الحضور بالتقاط صورة، لكن لطيفة طأطأت رأسها، ثم سألها قائلاً: “لماذا لا تبتسمين؟”. وقالت أنه عندما لم ترد، خرج والدها ثم أعيدت إلى السجن.
ُنقلت لطيفة إلى فيلا خاصة بها في وقت لاحق من ذلك الشهر، وعندما وصلت لاحظت “الجدران والكاميرات العالية بشكل غير اعتيادي”، ووجدت أن جميع النوافذ كانت مغلقة، وتم تكليف خمسة من رجال الشرطة بدوريات في الخارج بينما تواجدت اثنتان من الشرطة النسائية في المنزل. وفي داخل المنزل، التقت بكارولين فرج، رئيسة تحرير قناة “سي إن إن العربية”. طلبت كارولين من لطيفة الوقوف لالتقاط صورة والظهور في مقطع فيديو، وقالت: “دعي العالم يعرف أنك على قيد الحياة”، لكن لطيفة رفضت قائلة بأنها محتجزة، فتابعت كارولين بنشر قصة أدت إلى تصريح من العائلة بأن لطيفة كانت “تحظى بالرعاية في المنزل” لكنها لم تذكر لقاءهما. (تؤكد قناة “سي إن إن” بأن كارولين أُبلغت أن الاجتماع كان غير رسمي).
لم تستقبل لطيفة أي زوار لمدة ستة أشهر. وفي شهر أيلول / سبتمبر؛ قامت بإضراب عن الطعام لمدة عشرين يومًا، لكن ذلك لم يلق أي رد. وأخيرًا، في السادس من شهر كانون الأول / ديسمبر، سمعت طرقًا على باب غرفة نومها، إنها الأميرة هيا أصغر زوجات الشيخ محمد محملة بالهدايا؛ حيث قالت هيا في وقت لاحق إن لطيفة بدت شاحبة اللون و”ضعيفة”، وتابعت قائلة: “فتحت الباب ثم نظرت إلي وعانقتني وانفجرت في البكاء.” زارتها هيا بعد أسبوع ودعتها لتناول الغداء في اليوم التالي، وأدركت لطيفة حينها أنها إذا “تصرفت بشكل جيد” فسيتم إطلاق سراحها.
اصطحبتها هيا بعد ظهر اليوم التالي وأخذتها إلى قصر مسوَّر، وتعرفت لطيفة في داخل القصرعلى ماري روبنسون، المفوض السامي السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والرئيسة السابقة لإيرلندا. وكانت الأميرة هيا، وهي نفسها سفيرة الأمم المتحدة السابقة للنوايا الحسنة، قد دعت روبنسون لتقييم حالة لطيفة دون علمها.
أحضرت هيا ابنتها الجليلة البالغة من العمر 11 سنة، وأشارت إلى أنها ولطيفة تشتركان في حب رياضات المغامرة، وقالت مازحة: “بالتأكيد إنه جين آل مكتوم”. اصطحبت الجليلة لطيفة إلى الخارج، إلى بيت مليء بالكلاب الصغيرة، ثم بدأن بمداعبة الحيوانات عبر القضبان بينما هيا وروبنسون يشاهدان من بعيد.
كتبت لطيفة بأن الجليلة سُئلت خلال الغداء عما تريد أن تصبح عندما تكبر، وقالت: “لم يتحدث معي أحد على انفراد أو يسألني عن وضعي”. ثم تطوعت قائلة بأنها كانت ترغب دائمًا في دراسة الطب ولكن لم يُسمح لها بالالتحاق بكلية الطب أو مغادرة البلاد منذ أن كانت في الرابعة عشرة من عمرها. كتبت لطيفة أن روبنسون “بدت غير مهتمة، لقد قاطعت الحديث وشاركت قصصها الخاصة”، وطُلب من لطيفة بعد الوجبة الوقوف لالتقاط الصور. في البداية رفضت لكن هيا قالت لها: “إنها فرصة تحدث مرة واحدة في العمر”، فوافقت على ذلك مع نيتها بعدم الابتسام لأنها “كانت تعلم أن ذلك سيستخدم في الدعاية”.
أرسلت الحكومة الإماراتية الصور إلى الأمم المتحدة بعد ذلك بمدة قصيرة، حيث تظهر لطيفة وهي جالسة بجانب روبنسون وتبدو شاحبة في حالة ذهول وترتدي سترة داكنة، مستشهدة بها كدليل على أن لطيفة كانت “تتلقى الرعاية والدعم اللازمين”. أخبرت روبنسون قناة “بي بي سي” في ذلك الوقت إن لطيفة امرأة “ضعيفة”، وقد تورطت في خطة تتضمن “طلب كبير للغاية بقيمة ثلاثمائة مليون دولار”، وتابعت قائلة إن لطيفة كانت “مضطربة” و”صورّت مقطع فيديو هي نادمة عليه الآن”. عندما سمعت لطيفة برواية روبنسون عن الاجتماع، شعرت بالهزيمة. وكتبت قائلة: “مكثت في الفراش يومًا كاملاً وأنا أبكي، شعرت باستغلالي”. (في مقابلة جرت بعد سنوات، قالت روبنسون إنها تعرضت “لخداع كبير” لاعتقادها بأن لطيفة مصابة باضطراب ثنائي القطب، ولم تسأل عن ظروفها، قائلة: “لم أرغب حقًا في التحدث معها و زيادة الصدمة في فترة الغداء الجميلة”.) أظهرت هيا إشارات للمصالحة، حيث أرسلت سلال من الهدايا والمجوهرات والملابس ولوازم فنية وكتب، ثم زارتها مرة أخرى. لكن لطيفة استقبلتها بفتور، وعند ذلك توقفت عن المجيء.
غضب ناشطو “لامورنا كوف” بسبب تدخل روبنسون، وازداد التوتر عندما اتهم هاي جوبير بمحاولة بيع المجوهرات التي أوكلتها إليه لطيفة، حيث ناقش جوبير وزوجته مسألة بيع المجموعة، التي تتألف من تسعمائة وخمسين ماسة ماركوايز مقطوعة ومدورة، وذلك في سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني مع مشترين محتملين من “كريغزلست”، وكتبت زوجته في إحدى الرسائل: “لقد بعت القلادة بالفعل، وما زال لديَّ الخاتم والأقراط والسوار”.
قطع هاي وجوهياينن علاقتهما مع جوبير، لكن ستيرلنغ انحازت إلى جانبه، حيث اتهمت هاي “بالافتراء الكامل والاعتداء”، بينما يؤكد جوبير أن لطيفة أعطته المجوهرات كجزء من مدفوعاته، وأن معظمها قد سرقتها القوات الخاصة التي داهمت يخت “نوسترومو”. ونفى بيع المجوهرات قائلاً إنه أدرجها في “كريغزلست” فقط لقياس درجة خسارته.
تحالف هاي وجوهياينن في معسكر واحد، بينما ستيرلنغ وجوبيرت تحالفا في المعسكر الآخر. وفي ربيع سنة 2019، وفي فترة انقسام الفريق، عادت جوهياينن إلى مزرعة والديها للزهور لقضاء إجازة. وخلال وقت متأخر من إحدى الليالي، أضاء هاتفها برسائل من شريك جديد مع لطيفة. وقد كتب الشخص قائلاً: “مرحبًا سيدة تينا، أتمنى أن تجيبي، أنا خائف من مساعدة السيدة لطيفة ولكنها لطيفة جدا معي”.
سأل الشريك جوهياينن أسئلة للتحقق من هويتها قبل إرسال صورة لها: وهي رسالة مكتوبة بخط اليد من لطيفة، مع سرد مصور لاختطافها، وكتبت لطيفة خلال الأسابيع الأربعة التالية عشرات الرسائل الأخرى إلى جوهياينن وهاي توثق تجربتها، وكتبت قائلة: “لن أسمح لأي شخص بمحو ما يقرب من نصف عقد من التعذيب والسجن، هم يهاجمونني بالأكاذيب، وسأدافع عن نفسي بالحقائق”.
من زاوية أخرى؛ كانت قد خططت لموقف المملكة المتحدة، وأحيانًا كانت تشعر بالراحة لمعرفة أن أنصارها كانوا هناك.، فقد تذكرت كيف طلبت من جوهياينن أن تنام تحت النجوم معها على متن يخت “نوسترومو”. وكتبت قائلة: “يجب أن نفعل ذلك في مياه أكثر ودية في يخت نظيف ولطيف”.
تمكن الناشطون من تهريب هاتف محمول إلى الفيلا في شهر نيسان/ أبريل. وقد أخفت لطيفة ذلك وحبست نفسها في الحمام أثناء جريان الماء لإخفاء صوتها. حيث تبادلوا الآلاف من رسائل “الواتساب”، وسجلت لطيفة عشرات الرسائل الصوتية التي توثق محنتها. كما صوّرت سلسلة من مقاطع الفيديو ليتم نشرها في حال فقدان الاتصال.
تمتلئ غرفة الدردشة الجماعية الخاصة بهم بالرسوم التعبيرية وخطط السفر والمناقشات حول الأفلام والكتب والموسيقى. كانت لطيفة تحلم بزيارة هاواي، حيث سمعت أن هناك أربعمائة نوع مختلف من المانجو و”الفواكه التي يشبه طعمها فطيرة الشوكولاتة ومثلجات الفانيليا”. مكّنها هاي من تسجيل الدخول إلى منصة “نتفلكس”، حيث كانت تحب أفلام الرعب، وفي إحدى المرات أخافت نفسها بشكل كبير لدرجة أنها اضطرت للنوم مع تشغيل الإضاءة لعدة ليال. وعندما أرسل صورًا لغروب الشمس فوق البحر في “لامورنا”، كانت مذهولة للغاية لدرجة أنها حلمت شراء الخليج بأكمله.
كافح هاي حالة الأرق، وغالبًا ما كان يجلس مستيقظًا خلال الساعات الصغيرة التي يتبادل بها الرسائل مع لطيفة. وقد أخبرني قائلاً: “كان الأمر برمته يتعلق بإبقاء عقلها مشغولاً ومنحها الأمل”. وقال بأنه اشترى بيض الدجاج وفقسه في حاضنة، ثم بدأ بإرسال تحديثات لها عن التقدم المحرز “مثل الحصول على لعبة تماغوتشي”. كانت سعيدة للغاية لدرجة أنه استمر في العمل، وانتهى به الأمر بإنتاج أكثر من أربعين دجاجة وبطة وطاووس، والتي وعدها بالمحافظة عليها حتى تحريرها. أرسلت له قطة من نوع “سفينكس” ذات عيون خضراء وخالية من الشعر عن طريق أحد الوسطاء. يقول هاي إن القطة – التي تدعى شيخة، لكنها معروفة بشكل محبب باسم أليان – أصبحت تعويذة يطلق عليها “لطيفة الصغيرة”.
كانت لطيفة تقود الحملة من وراء الكواليس، فلقد راجعت الملفات المقدمة إلى الأمم المتحدة، وصممت الشعارات، وابتكرت إستراتيجيات جريئة على نحو متزايد. قال لي هاي إنها كانت “متسلطة”. في حزيران/ يونيو؛ تعلقت لطيفة بأمل جديد، وذلك عندما سافر الشيخ محمد إلى المملكة المتحدة لحضور سباق أسكوت؛ حيث تم تصويره مع الملكة والأمير وليام – ولكن لأول مرة منذ سنوات عديدة، لم تكن الأميرة هيا بصحبته. بدأت التقارير تنتشر عن هجر الزوجة الصغرى للحاكم، واستنتجت لطيفة أنه إذا لم تعد هيا تحت سيطرة الشيخ محمد، فيمكنها أن تؤكد أن ابنة زوجها محتجزة ضد إرادتها: “لقد رأت ذلك عينيها”.
بحلول الوقت الذي لوحظ غيابها في أسكوت، كانت الأميرة هيا قد هربت منذ شهرين. في نيسان/ أبريل 2019، بعد أن اكتشف زوجها أنها كانت على علاقة مع حارسها الشخصي؛ حيث فرت إلى لندن، واستقرت مع طفليها في قصر من العصر الجورجي الحديث في حدائق قصر كنسينغتون. في شهر تموز/ يوليو من تلك السنة، بدأت حملة قانونية ضد الشيخ محمد، طالبة الحماية القضائية لها ولأطفالها.
في المحكمة، استشهدت بإساءة معاملة شمسة ولطيفة كدليل على التهديد الذي يشكله الشيخ. قالت هيا إنها صدقت في البداية تأكيدات زوجها بإنقاذ لطيفة من محاولة ابتزاز، لكن عندما أصبحت فضولية بعد زيارة لطيفة، قال لها “توقفِ عن التدخل”. بدأ الشيخ بنشر قصائد تحتوي على إشارات ضمنية إلى هيا؛ حيث قال في إحدى الأبيات: “روحي شفيت منك يا فتاة”؛ “عندما يظهر وجهك، لا أشعر بالسعادة”. وتُركت ملاحظات تهديدية في قصرها: “سنأخذ ابنك – ابنتك لنا – انتهت حياتك”. وذهبت أكثر من مرة إلى الفراش ووجدت مسدسًا على وسادتها.
في آذار/ مارس؛ هبطت إحدى مروحيات الشيخ محمد خارج قصرها، وأعلن الطيار أن لديه أوامر بنقلها إلى سجن العوير، وتشبث ابنها البالغ من العمر سبع سنوات بساقها في رعب. كانت تعتقد أنه لو لم يفعل، لكان قد تم جرها بعيدًا، لقد ظلت خائفة حتى في لندن. ونشر الشيخ المزيد من القصائد المهددة لها، بما في ذلك قصيدة بعنوان “لقد عشت وماتت”، وأخبرها أنها وأطفالها “لن يكونوا آمنين أبدًا في إنجلترا”.
ردت المحكمة العليا بجعل أطفالها في وصاية المحكمة، ومنع ترحيلهم من البلاد، التوصية بالشروع في عملية تقصي الحقائق للتأكد من ادعاءات هيا. وعادة ما يتم الاستماع إلى إجراءات الأسرة في بريطانيا بشكل خاص، لذلك تم حجب مزاعم هيا عن الرأي العام، لكن محاميها لديهم الآن ذريعة لاستدعاء شمسة ولطيفة للإدلاء بشهادتهم في محكمة بريطانية.
ولقد أرسلت لطيفة رسالة صوتية إلى هاي وجوهاينن بعد ذلك بوقت قصير، بدت خلالها مذعورة؛ حيث قالت: “أبي يريد أن يراني”. ووصفت في رسائل لاحقة نقلها إلى مكتب الشيخ محمد في الصحراء؛ حيث قابلها في غرفة الرسم وأعلن أن شمسة أصبحت الآن حرة. وعندما غادر الغرفة، دخلت شمسة. قالت لطيفة: كان من الصعب التعرف عليها؛ حيث كانت مشرقة وحيوية، ممتنة لوالدها وشاكرة لله. قالت شمسة إن الشيخ محمد أعطاها هاتفًا خلويًا وأخبرها أنها حرة في السفر – لكن كل ما تريده الآن هو البقاء في المنزل والصلاة.
شعرت لطيفة بالحيرة، لكنها سمحت لشقيقتها الكبرى أن تعانقها، ووصفت أسرها على متن نوسترومو وبدأت في البكاء، وحذرت شمسة من احتمال التنصت على الغرفة؛ حيث همست: “كوني فقط حذرة، كوني محترمة”.
لكن لطيفة نفد صبرها؛ حيث صرخت في شمسة: “لديك عشر ثوان؛ قولي لي ماذا تريدين! لأنني ذهبت إلى السجن مرات عديدة من أجلك. كدت أموت من أجلك”. بدت شمسة مصدومة، فقد قالت: “أنا في حيرة من أمري؛ أشعر أنني أريد الهروب وبعد ذلك أريد البقاء”.
عندما عاد الشيخ محمد، أخبر لطيفة أنها “غالية” وأنه “يريد أن يبدأ صفحة جديدة”. بعد ثلاثة أيام، تم إحضارها هي وشمسة مرة أخرى أمام والدهما. هذه المرة، طلب منهم أن يؤكدوا للمحامين أنهم لا يريدون السفر إلى إنجلترا للإدلاء بشهادتهم، ثم غادر وجاء محمد الشيباني الذي أصبح مديرًا لديوان حاكم دبي؛ إذ قالت لطيفة إنه أمضى أربع ساعات في حثها هي وشمسة على رفض الاستدعاء: “أخبرهم أنها مسألة عائلية ونحن نعمل على حلها داخل الأسرة”.
تغير سلوك شمسة بشكل كبير منذ لقائهما السابق؛ حيث بكت، وقالت للشيباني: “مهما حدث لي، أنا لا أهتم، لكني لن أؤذي أختي؛ لذا فإن كل ما تريده أختي سأفعله”. عندما تفكر لطيفة في وحشية حبس شمسة، شعرت بالأسف للصراخ في وجهها، لكنها أخبرت الشيباني أنها لن تتعاون أثناء احتجازها بمعزل عن العالم الخارجي. وفي وقت لاحق، سمعت – في الفيلا الخاصة بها – أن هاتف شمسة قد سرق.
أرسل الشيخ محمد بيانًا إلى المحكمة العليا، قال فيه إنه عرض على بناته الاختيار بشأن الإدلاء بشهادتهن، وكتب: “كل من شمسة ولطيفة كانا مصرين على عدم رغبتهما في القيام بذلك”، ونفى اختطاف أي من المرأتين، وأضاف: “حتى يومنا هذا أعتبر أن عودة لطيفة إلى دبي كانت مهمة إنقاذ”، ودعمًا لقضيته؛ حيث قدم إفادة من شقيقتهما الكبرى “ميثاء”، لاعبة التايكوندو التي كانت من بين أوائل النساء الإماراتيات اللائي شاركن في الأولمبياد. وكتبت: “أخواتي شمسة ولطيفة ليسا مسجونين في دبي؛ حيث تعيش شمسة معي أنا والدتنا، بينما تعيش لطيفة في مسكنها الخاص لأن هذا هو اختيارها، وقد تم استيعاب ذلك. ونقضي أنا وشمسة الوقت بانتظام مع لطيفة”.
بعد عودتها إلى الفيلا؛ تعرضت لطيفة لضغوط متجددة لإظهار أنها حرة؛ حيث عرض عليها الحراس اصطحابها للتسوق لشراء الكتب حتى يمكن تصويرها؛ لقد كان الرفض مؤلمًا لهذا العرض، كتبت: “أتوق إلى الهواء النقي وضوء الشمس”، لكنها كانت تعلم أنها إذا تعاونت فستخاطر بإفشال قضية هيا.
في شباط/ فبراير 2020، افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم منتدى المرأة العالمي بدبي بوعد أن بلاده “ستقود العالم” في “نمو المرأة وتقدمها”. واجتمع ثلاثة آلاف مشارك من أكثر من ثمانين دولة للاستماع إلى متحدثين من بينهم إيفانكا ترامب، التي أشادت بـ “التزام الشيخ محمد الثابت” بالنهوض بالمرأة؛ ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، التي قبلت رسومًا قدرها مائة وخمسة عشر ألف جنيه إسترليني للتحدث عن المساواة بين الجنسين. كتبت لطيفة لهيا: “إنه سيرك”. لقد أصدرت الحكومة قانونًا جديدًا، يتيح للنساء الحصول على أوامر تقييدية ضد العنف المنزلي- مع أنه لم يصل إلى حد تجريم الاغتصاب الزوجي وحافظ على حق أولياء الأمور الذكور في تأديب نسائهم.
بينما كان حاكم دبي يستقبل كبار الشخصيات في المنتدى، كان سلوكه الخاص قيد التدقيق في المحكمة العليا في لندن. وأدلت جوهياينن بشهادتها خلال جلسات استماع مغلقة حول اختطاف لطيفة العنيف. وصف بيك، مفتش الشرطة، كيف أُغلق تحقيقه في اختفاء شمسة؛ حيث قال: “ظل هذا الحادث الذي لم يُحل لغزًا ومصدرًا للإحباط بالنسبة لي لمدة ثمانية عشر سنة”. في ظل عدم وجود شهادة مباشرة من لطيفة، قبل القاضي فيديو هروبها كدليل شاهد، مشيرًا إلى أن روايتها تحمل “صدى قويًا من الحقيقة حول هذا الموضوع”. كما تم قبول تصريحات هيا حول شروط “فيلا السجن” الخاصة بلطيفة. (رفضت الأميرة هيا التعليق على هذا المقال).
في آذار/ مارس، نشرت المحكمة استنتاجاً مفصلاً للوقائع مشيرة إلى أن الشيخ محمد استخدم “الصلاحيات الكبيرة جدًا التي بحوزته لتحقيق أهدافه الخاصة”، التي تتمثل في خطف بناته وسجنهن، وتعريض هيا “لحملة تخويف وترهيب”، “وجادل الشيخ محمد بأن النتائج كانت أحادية الجانب، لأن منصبه كحاكم إمارة منعه من المشاركة في عملية تقصي الحقائق، وهو ما رفضه القاضي ووصفه بأنه “على الأقل مخادع”، مشيرًا إلى أن الشيخ قدم إفادة شاهدين.
بالنسبة إلى قضية لطيفة، جاء الحكم بتبرئتها. ومع ذلك بدت غير مبالية عندما نقل هاي لها الأخبار. قال لها: “إنه جيد للغاية بالنسبة لك”، مضيفًا: “وجد القاضي أنكِ أنتِ وشمسة مخطوفتان”. أجابت: “حسناً، أتمنى أن يساعدني ذلك على الخروج. دعنا نرى.”، بدت مشتتة، وأخبرته أن قدمها تؤلمها.
يبدو أن أعصابها بدأت تنهار، فقد كتبت “أنا في كابوس دائم”. قالت إن الحراس لم يسمحوا لها حتى بفتح النافذة؛ شعرت أنها كانت تموت “موتًا بطيئًا جدًا” بالاختناق. ثم ذكرت أن طبيبًا نفسيًا زارها، وظهر جنبًا إلى جنب مع مسؤولي الأمن التابعين لوالدها للضغط عليها للامتثال لرغباته.
كان الشيخ محمد يحاول أيضًا تقديم إغراء لطيف حيث وصل، ذات يوم، طرد إلى الفيلا يحتوي على نسخة من مذكراته، مكتوب عليها “والدك الذي يحبك دائمًا”، مما جعل لطيفة تنهار. ثم سمحت لنفسها بالتفكير: “ربما انتهت الحرب أخيرًا”. قال هاي إن لطيفة بدأت تخبره بأنها قلقة على صحة والدها: “إنه رجل عجوز، يجب أن أعتني به”. لقد كانت قلقة من أن الكشف عن انتهاكاته يعتبر خيانة. قال لي هاي: “كان الأمر مثل متلازمة ستوكهولم”.
قالت لطيفة إنها عرضت صفقة على أحد مسؤولي الأمن التابعين لوالدها: إذا تم الإفراج عنها “سأعيش حياتي بشكل طبيعي وبهدوء وستتوقف الحملة”. لكن مر أسبوع ولم تتلق أي رد. وكتبت: “بصراحة أشعر بالتعب واليأس”. في النهاية، أخبرها أحد حراسها أنه يجب عليها البقاء في الأسر لمدة عام آخر، وأعطاها ساعة توقيت لقياس الوقت.
كانت لطيفة في حالة ذهول وخائفة من “فقدان الاتصال والبقاء في الظلام”. في حزيران/ يونيو، بدأ هاتفها في التعطل. لقد قرأت عن بيغاسوس، أداة القرصنة الإسرائيلية التي تتيح للحكومات استخراج البيانات من جهاز الهدف عن بُعد. وكتبت: “لقد أصبت بالذعر، كنت ارتجف حرفيًا”.
انزعجت هيا، وكتبت إلى محامٍ معني بالقضية: “إنها تكافح حقًا”. وأضافت: “أنا قلقة بشكل متزايد من أنها ستستسلم”. لقد كانت لطيفة تخشى عواقب الإفصاح عن المزيد من الأدلة حول تصرفات والدها. أخبرتني هيا: “كانت شجاعتها تتراجع تدريجيًا”. بعد أيام قليلة أرسلت رسالة أكثر حزمًا إذ كتبت في 21 تموز/ يوليو 2020: “لن أصدق أنني حرة حتى أكون على أرض المملكة المتحدة”، ولكن بعد ذلك اليوم، لم يُسمع عنها شيئ مرة أخرى.
لعدة أشهر، استمر هاي في الكتابة إلى لطيفة، لكنه لم يتلق أي رد. وكتب في وقت مبكر من السنة التالية: “أفتقدك أنا وألين”، وتابع: “نحن نحاول جميعًا بذل قصارى جهدنا ولم نستسلم بعد، أتمنى أن تري هذا يومًا ما”.
بعد أن أصبحت قناة واتس آب صامتة، انضمت جوهياينن إلى هاي في خليج لامورنا لمعرفة ما يجب فعله بالفيديو الذي سجلته لطيفة. كانت قد أخبرتهم في العام السابق: “مهما حدث، تذكروا أنني لن أستسلم أبدًا؛ لذا دعونا نتفق على أنكم ستستمرون في افتراض أنني على قيد الحياة وأنني سجنت رغما عني”. ومع ذلك، في الأشهر الأخيرة قبل أن تفقد الاتصال، كانت تقاوم أي ترويج إضافي.
كان هاي مصرًا حيث قال: “إما أنهم قتلوها أو تم تخديرها في مكان ما وتعاني، نحن بحاجة إلى القيام بشيء كبير ومثير يجذب انتباه العالم”. بعد سبعة أشهر من فقدان الاتصال، أرسلوا نسخًا من مقاطع فيديو لطيفة إلى الأمم المتحدة، وسمحوا لبي بي سي ببثها.
شوهدت لقطات لطيفة وهي تهمس في الكاميرا وهي تجلس على جدار الحمام في جميع أنحاء العالم: “أنا رهينة. وقد تم تحويل هذه الفيلا إلى سجن”، بينما طالبت الأمم المتحدة الإمارات العربية المتحدة بإثبات أن لطيفة على قيد الحياة. لقد كسرت الحكومة البريطانية صمتها أخيرًا؛ حيث أعرب بوريس جونسون، رئيس الوزراء، ودومينيك راب، وزير الخارجية، عن قلقهما بشأن سلامتها.
اشتدت الضغوط على الشيخ محمد في أيار/ مايو 2021، عندما نشرت المحكمة العليا قرارًا آخر: تم اختراق هواتف الأميرة هيا ومحاميها وحراسها ومساعدها باستخدام برنامج بيغاسوس، وكان الشيخ محمد هو الجاني “الأكثر احتمالا في العالم”. اكتشفت هيا أن هاتفها قد تعرض للاختراق أيضًا، وظهر رقم لطيفة في قائمة مسربة لأهداف بيغاسوس الظاهرة. (وقد نفى الشيخ محمد تورطه في أي عمليات اختراق، ويشكك صانعو البرمجيات في القائمة). أمرت المحكمة في النهاية الشيخ محمد بدفع أكثر من 550 مليون جنيه إسترليني، وتعد هذه القضية أكبر تسوية طلاق في تاريخ بريطانيا، ومنعته من رؤية أطفالهم، والكشف عن استخدامه “سلطته الهائلة” لتعريض هيا “لدرجة مفرطة” من سوء المعاملة.
في تلك السنة، انتشر خبر أن الملكة ألغت دعوة الشيخ محمد للانضمام إليها في رويال بوكس في أسكوت، لقد بدا أخيرًا أن المزاج السياسي قد تغير. وانتهز هاي وجوهاينن الفرصة لتقديم طلب إلى الحكومة البريطانية لتجميد أصول الشيخ في المملكة المتحدة وفرض عقوبات سفر بسبب “معاملته القاسية وغير الإنسانية والمهينة” للأميرة لطيفة.
في 20 أيار/ مايو، قامت مدرّسة بريطانية في دبي تُدعى سيونيد تايلور بنشر صورة على إنستغرام، مع وصف توضيحي يقول “أمسية جميلة” حيث كانت الصورة لثلاث نساء على طاولة في مركز تجاري مهجور، وكانت لطيفة بجانب تايلور منحنية إلى الأمام وبوجه خالي من التعبير وترتدي ملابس سوداء.
كان الشعور الأولي لهاي هو الارتياح حيث اعتقد على الأقل “إنها على قيد الحياة، وتتمتع بالقليل من الحرية”. مع ذلك، بدا هذا بالضبط مثل نوع الصور المفتعلة التي كانت لطيفة تقاومها دائمًا. عرفت جوهياينن تايلور: لقد كانت واحدة من عدد قليل من النساء اللائي وافقن على قضاء بعض الوقت مع لطيفة بعد سجنها لأول مرة. كان وجه لطيفة في الصورة غامضًا.
في اليوم التالي، تلقى نشطاء خليج لامورنا أول سلسلة من الرسائل من نيري شان، الشريك في شركة محاماة عالمية تُدعى تايلور ويسينج، يأمرهم بالتوقف عن الدفاع عن لطيفة. قال شان إن لطيفة أخبرته بأنها “تريد الآن أن تعيش حياة طبيعية وخاصة إلى أقصى حد ممكن”. قالت إنها شعرت بالضيق بسبب نشر مقاطع الفيديو الخاصة بها، ولم ترغب في “المزيد من الدعاية”. وطُلب من هاي وجوهياينن التوقيع على اتفاق بعدم التحدث علنًا عن لطيفة، وحذف الأدلة التي قدمتها، وهو ما رفض هاي الامتثال له، ما لم تتمكن الشركة من إثبات أن لطيفة لم تتصرف تحت الإكراه. أخبرني هاي: “أعلم أنها ليست فقط وراء هذه الرسائل، إنه الأب”. (رفض شان التعليق).
في اليوم التالي، نشرت سيونيد تايلور صورة أخرى لـ “لطيفة”، جالسة في مطعم على الواجهة البحرية في دبي وهي تبتسم للكاميرا وكتبت “طعام لذيذ في مطعم بايس ماري مع لطيفة في وقت سابق”. في الشهر التالي، ظهرت صورة لتايلور ولطيفة وهي ترتدي بنطالًا فضفاضًا وقميصًا مصبوغًا مجعدًا على ما يبدو في مطار مدريد. وبعد فترة وجيزة، أصدر مكتب المحاماة تايلور ويسينج بيانًا باسم لطيفة، قائلًا: “لقد زُرت مؤخرًا 3 دول أوروبية في إجازة مع صديقتي، وطلبت منها أن تنشر بعض الصور على الإنترنت لتثبت للنشطاء أنني أستطيع السفر لأعيش حياتي بسلام”.
في نفس الوقت تقريبًا، تعرّض النشطاء لخيبة أمل أخرى، وكانوا قد تلقوا المساعدة من ابن خال لطيفة، ماركوس الصابري، الذي قطع العلاقات مع العائلة المالكة وكان يعيش في الكاتدرائية الإنجليزية بمدينة جلوستر حيث كان يعمل حلاقًا ويدير مطعمًا للفلافل. لكن في آب/ أغسطس، بعد توقيع الاتفاق الذي عرضه تايلور ويسينج، تمت دعوته للقاء لطيفة في أيسلندا إلى جانب تايلور وشان. وكتب بعد ذلك على تويتر: “كان لدي لقاء مؤثر مع ابنة عمتي، كان من المطمئن أن أراها سعيدة للغاية”.
كانت جوهياينن غاضبة حيث قالت “حتى تستطيع فقط أن تعيش حياتها الهادئة وكأن هذا لم يحدث أبدًا؟، اعذرني؛ لقد حدث هذا – وتم اختطافي أيضًا”. لكنها اتفقت هي وهاي على أنه من غير المقبول الاستمرار في الدفاع عن إطلاق سراح لطيفة. وقال هاي: “لقد قابلها ماركوس، ونتلقى رسائل من المحامين تقول توقفوا وهي تظهر في جميع أنحاء العالم – فهل سنقوم، مع ذلك، بحملة تقول أطلقوا سراحها؟ وأضاف: “يبدو الأمر مثيرًا للسخرية، ومن الواضح لي أنها أبرمت صفقة. لقد كانت تنهار”. وعلى مضض، أعلن هو وجوهياينن أن حملتهما قد انتهت.
في صباح أحد أيام تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قابلني هاي في مطار نيوكواي في كورنوال وقادني إلى لامورنا. في كوخه، قادني إلى مكتبه، وكانت هناك نافذة صغيرة مليئة ببقايا الملح مطلة على البحر. وكان المصباح الكهربائي مضاء على أرفف ملفات الأدلة المصنفة بدقة من الحملة. ولفت ألين،قطة سفنكس، حول كاحلينا ونحن نتحدث.
سجّل هاي الدخول إلى حاسوبه وتصفحت الرسائل التي كانت قد حفظتها من هاتف لطيفة السري، في ملفات بأسماء رمزية مثل “وصفات كعكة القرفة” و”دونات الكاسترد”؛ لقد كرس هو وجوهياينن أكثر من ثلاث سنوات لقضية لطيفة، وشعر بالغضب لأن دبي كانت تمحو عملهما. قال: “إنهم يريدون إعادة صياغة التاريخ”، وتابع: “وهم يفعلون ذلك”.
لقد بدا أن صور لطيفة تخفف من مشاكل السمعة التي قد يواجهها الشيخ محمد؛ حيث تم تعيين وزير الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة رئيسًا للإنتربول. وافقت إدارة بايدن على صفقة أسلحة بمليارات الدولارات ومضت قدمًا في تعاون في مجال الطاقة النظيفة بقيمة مائة مليار دولار، معلنةً أن دولة الإمارات العربية المتحدة “شريك أساسي للولايات المتحدة”. وقد تدفق قادة العالم على معرض دبي إكسبو الربيع الماضي، وتم اختيار الإمارة لاستضافة قمة التغير المناخي في دورتها الـ 28.
في السنة الماضية، كشفت الأمم المتحدة عن تطور غير متوقع. التقت لطيفة بأحد خلفاء ماري روبنسون، الرئيسة التشيلية السابقة ميشيل باشليت، في باريس. ونشر حساب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على موقع تويتر أن “لطيفة أبلغت المفوض السامي أنها بخير وعبرت عن رغبتها في احترام خصوصيتها”. وقد نُشرت صورة لطيفة تقف بجانب باشيليت خارج محطة مترو باريس. أخبرني هاي إنه شعر بالارتياح. إذا كانت باشيليت متورطة، فربما يمكنه أن يضع قضية لطيفة جانبًا.
لكنه ظل يسأل نفسه: إذا كانت لطيفة طليقة حقًا، فلماذا لم ترسل له أو ترسل إلى جوهياينن رسالة نصية واحدة؟ خاصة أنها أصرت على أنه إذا فقدوا الاتصال بها “فقط تأكد من أنني مسجونة وأنتظر”. كان التفكير المتناقض مرهقًا، وغياب لطيفة ترك “فجوة كبيرة”. كما أخبرني هاي؛ لقد اشتاق لرفقتها في وقت متأخر من الليل، وشعور بالهدف الذي استمده من النضال إلى جانبها. وقال: “الأمر أشبه بموت شخص ما، وأنا حرفيا جالس على طرف الأرض، أنظر إلى البحر”.
قابلت جوهياينن بعد شهر في مقهى مشرق في جنوب لندن، بالقرب من المنزل الذي كانت تقيم فيه مع صديق؛ حيث كانت هي أيضًا تكافح لإعادة توجيه نفسها منذ أن فقدت الاتصال بلطيفة. لم تستطع العودة إلى دبي، ولم تعد فنلندا موطنًا لها؛ حيث قالت لي: “لا يوجد حلّ مهما كان”. بعد وقت قصير من لقائنا، اشترت تذكرة ذهاب فقط إلى تايلاند، وتعتزم البقاء طليقة إلى أن تحدد ما يجب القيام به بعد ذلك.
في نيسان/ أبريل، كتبت إلى لطيفة أحثها على التحدث معي، ثم تلقيت خطابًا من مكتب محاماة في لندن يرفض هذا الطلب. وفي نفس اليوم، ظهر حساب جديد على إنستغرام باسم لطيفة آل مكتوم؛ حيث نشر الحساب منشورًا، إلى جانب صورة لطيفة في النمسا، وهي تقف خارج منتزه سواروفسكي كريستال وورلدز مرتدية معطفا منفوخا وحذاء ثلج: “علمت مؤخرًا بشأن استفسارات وسائل الإعلام عن مقال يلقي بظلال من الشك على حريتي، يمكنني أن أفهم ذلك من المنظور الخارجي لرؤية شخص ما صريحًا يختفي عن الأنظار وجعل الآخرين يتحدثون نيابة عنها، خاصة بعد كل ما حدث والذي يظهرني وكأنني تحت السيطرة. أنا حرة تمامًا وأعيش حياة مستقلة”.
أخبرتني ممرضة عملت لمدة سنتين في فريق شمسة من المرافقين أن لطيفة تعيش في منزلها وتتجول في دبي، دون ارتداء العباءة. وقالت: “أعتقد أنها تفاوضت على شيء ما وهي الآن تدير حياتها الخاصة، ضمن حدود مقبولة”. قال الكثيرون ممن تحدثت معهم إنه “ليس لديها فكرة” عما حدث لشمسة. اعتبرت لطيفة “امرأة رائعة”، لكنها أشارت إلى أنها جلبت المتاعب لنفسها. قالت: “في أي عائلة، إذا خالفت قواعد ثقافتك، فلن تكون تجربة رائعة”.
مع ذلك، رفضت لطيفة لسنوات التفكير في أن حملتها يمكن أن تنتهي بهذه الطريقة. وكتبت بعد فترة وجيزة من اتصالها مع هاي وجوهياينن من الفيلا الخاصة بها: “لن يكون هناك استنتاج يقول إن “لطيفة سعيدة مع عائلتها الإماراتية أبدًا”. أريد أن أعيش وأكون وأموت كشخص متحرر بالكامل، وستكون روحي سعيدة بذلك وهو ما أحتاج إليه. إنه قدري والاستنتاج الوحيد الذي سأقبله”.
المصدر: نيويوركر