يمضي القتال الذي اندلع بين الجيش والدعم السريع في 15 أبريل/نيسان الفائت، إلى تعقيد أوضاع السودان الذي كان يعاني من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية وإنسانية، خاصة بعد ظهور شواهد قوية تشير إلى وجود استنفار في دول غرب إفريقيا للمشاركة في الحرب لصالح قوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وقال الجيش، الخميس 5 مايو/أيار الحاليّ، إنه لاحظ استنفار قيادة قوات الدعم السريع لعناصر ومرتزقة غير سودانيين من غرب إفريقيا، مرجعًا إليهم سلوكيات وصفها بالغربية على قيم وعادات الشعب السوداني، وتتمثل في: نهب الممتلكات العامة والخاصة والجنوح إلى تدمير وتخريب المنشآت الحيوية وانتهاك حرمات المنازل.
وبعد أن أشار إلى ملاحظته باستخدامهم سيارات مدنية قال إنها مسروقة من مواطنين، أعلن عن استعداده لتسهيل ترحيل الأجانب إلى بلدانهم بسلام، وفي اليوم التالي، أعلن قتله قناصًا أجنبيًا بمنطقة الخرطوم بحري العسكرية، ولم تكن بحوزته أوراق ثبوتية تحدد جنسيته.
وأسرعت قوات الدعم السريع لنفي حديث الجيش باستعانتها بمقاتلين أجانب، واعتبرت هذه الادعاءات بمثابة إساءة بالغة لشعوب تربطها بها علاقات أخوية وأزلية.
ورغم هذا النفي، فإن اتهامات تجنيد قوات الدعم السريع مقاتلين من دول غرب إفريقيا قديمة، لكن ما يُعاظم المخاوف التحشيد الذي يجري في هذه الدول للانخراط في القتال الدائر الآن، في ظل عدم سيطرة معظم دول جوار السودان على حدودها بسبب الاضطرابات الداخلية.
مرتزقة من النيجر وتشاد وإثيوبيا ومالي والكاميرون يقاتلون مع ميلشيات الدعم السريع
ضد الجيش السوداني
— سالم محمد 2 (@L1JmG9xosh7fgo1) May 6, 2023
جذور تجنيد الأجانب
في 4 يناير/كانون الثاني 2017، وبنحو غير متوقع، استنجد وزير الداخلية آنذاك عصمت عبد الرحمن بالجيش لطرد ثلاثة آلاف أجنبي مسلحين بأسلحة ثقيلة يعملون جنبًا إلى جنب مع مسلحين سودانيين في التنقيب عن الذهب بجبل عامر، بولاية شمال دارفور.
نفت قوات الدعم السريع، وجود أجانب في جبل عامر الذي خضع لسيطرتها الكلية في ذات العام، لينتهي الجدل باستقالة الوزير بعد أقل من شهرين من استنجاده بالجيش، دون التحقق من تصريحه الذي أدلى به أمام نواب البرلمان، بسبب نفوذ قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي بدأ يتشكل.
يُرجح أنه، بعد بسط الدعم السريع سيطرتها على مناجم الذهب في جبل عامر، بدأت في حملة تجنيد أفراد من القبائل العربية ذات الامتداد بين السودان وتشاد والنيجر وربما مالي، بجانب حملات التجنيد المحلية، إلى أن وصل عدد قواتها إلى 100 ألف مقاتل.
70% من المجندين التشاديين في الدعم السريع من المناطق الريفية، ليس لديهم أي توجه أيديولوجي وإنما يذهبون للدول المجاورة بحثًا عن لقمة العيش
وطالب القيادي في الحزب الشيوعي طارق عبد المجيد، في يناير/كانون الثاني هذا العام، بإبعاد الأجانب في قوات الدعم السريع إلى بلدانهم (النيجر ومالي).
ونشر موقع العربي الجديد تحقيقًا استقصائيًا في 16 سبتمبر/أيلول، أكد فيه انضمام ما يصل إلى 6 آلاف من القبائل العربية التشادية وبعض الجماعات غير العربية إلى قوات الدعم السريع في الفترة من 2013 إلى 2021، إضافة إلى ألف مقاتل تمرسوا في القتال ضمن الجماعات التشادية المسلحة.
ويقول مدير مركز رصد الصراعات في الساحل الإفريقي، محمد علي كيلاني، إن انضمام التشاديين إلى الدعم السريع سببه تشابه التركيبة السكانية والاجتماعية بين البلدين، فالقبائل المشتركة بين البلدين تنتقل بشكل مستمر بحثًا عن الاستقرار.
ويعتقد رئيس دائرة حماية حقوق الإنسان والحريات والمفوض باللجنة التشادية الوطنية لحقوق الإنسان (حكومية) العابد مصطفى البشير، وفقًا لما نقل عنه تحقيق موقع العربي الجديد، أن 70% من المجندين التشاديين في الدعم السريع من المناطق الريفية، ليس لديهم أي توجه أيديولوجي وإنما يذهبون للدول المجاورة بحثًا عن لقمة العيش والسبيل الوحيد بالنسبة لهم هو الانخراط في الحركات المسلحة.
إغراء المال والإيديولوجيا
انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، تسجيلات صوتية ومقاطع فيديو، من أفراد القبائل العربية في دول تشاد والنيجر، تدعو إلى القتال لصالح الدعم السريع ضد القوات المسلحة السودانية.
وهذا ما أكده رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، قائلًا إن هناك تحركات في مناطق مثل دول الساحل ومالي والنيجر وتشاد، لجهات وأشخاص باحثين عن الثروة والارتزاق للاستفادة من الحرب، وهناك عدد غير قليل منهم يدعم قوات الدعم السريع.
مضيفًا “هذه ليست سياسة رسمية لهذه الدول، لكن هؤلاء هم الأشخاص الذين يحاولون العثور على فرص للاستفادة من الحرب الأهلية في السودان، وهي في كثير من الأحيان فرص للسرقة والنهب والإثراء”.
وتوقع الصحفي السوداني أحمد حمدان، مشاركة مرتزقة من دول غرب إفريقيا في قتال السودان، حال استمرت الحرب لفترة طويلة، ويقول لـ”نون بوست”: “يوجد أكثر من سبب يجعل المقاتلين من غرب إفريقيا يدخلون السودان للقتال في صف قوات الدعم السريع، أولًا: جنود الدعم السريع لديهم امتدادات عرقية في عدد من دول غرب إفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي وليبيا، ومتوقع أن تأتي مجموعات قبلية من هذه الدول للقتال إلى جانب أخوتهم في الدعم السريع”.
قد يكون إغراء المال حافزًا قويًا لانضمام أفراد القبائل العربية ذات الامتداد بين إقليم دارفور غرب السودان والدول الأخرى، إلى قوات الدعم السريع
ويشير حمدان إلى أن السبب الثاني لانخراط مرتزقة ليس لهم أجندة عرقية أو سياسية في القتال، هو الطمع في الغنائم، ومؤكد أنهم سيأتون إلى السودان إذا طال أمد الحرب للنهب والسرقة، وقد يوجهون أسلحتهم إلى قوات الدعم السريع نفسها إذا حاولت منعهم من الحصول على المكاسب التي جاءوا من أجلها.
وتحدث حمدان عن وجود مرتزقة داخل السودان وتحديدًا في إقليم دارفور، يعرفون باسم “الكسابة”، وهم منظمون في شكل عصابات لديهم قادة وزعماء، وقد استعان بهم نظام الرئيس المعزول عمر البشير في حربه ضد الحركات المسلحة، إذ كانوا يتقدمون الجيش في الهجمات التي يشنها على القرى والمناطق التي يُعتقد أنها تُشكل قاعدة اجتماعية للحركات، فينهبونها ويسلبون سكانها حتى حيواناتهم الأليفة.
ويضيف “الجيش يعلم خطورة هذه المجموعات على الخرطوم وبقية المدن التي قد ينتقل لها الصراع، لذلك يحذر منهم ويتهم الدعم السريع بأنهم يقاتلون إلى جانبه، ولا أستبعد تورط هذه المجموعات في عمليات النهب التي طالت المتاجر والمصانع وغيرها بالخرطوم خلال هذه الحرب”.
ويتابع “هذه المجموعات حال دخولها كطرف في الصراع سيطول أمده وتعقد المشهد أكثر فأكثر، وعندها لن تقف الفوضى عند الخرطوم وحدها وإنما ستنتقل إلى غالب الولايات القريبة منها، مثل الجزيرة ونهر النيل والشمالية”.
في النهاية، قد يكون إغراء المال حافزًا قويًا، لانضمام أفراد القبائل العربية ذات الامتداد بين إقليم دارفور غرب السودان والدول الأخرى، إلى قوات الدعم السريع في السابق، لكن هناك مخاوف من أن يكون الانضمام في الفترة المقبلة بدوافع أيديولوجية، وعندها سيقاتلون بشراسة.
#بتوجيهات إماراتية تم إعداد كتيبة يمنية من مرتزقة #الانتقالي المدعوم إماراتيا لإرسالهم إلى #السودان للإنضمام الى مليشيات الدعم السريع المدعومه من #الإمارات. pic.twitter.com/oKDl8Ooix7
— عبدالمعين البعداني✒ (@abdualmoaen) May 6, 2023
ويحتمل تسرب مقاتلين أجانب في ليبيا إلى السودان، للمشاركة في العمليات العسكرية بجانب قوات الدعم السريع التي كانت قبل اندلاع الاشتباكات تُسيطر على حدود البلدين، ويدعم هذا الاحتمال تبادل المصالح بين حميدتي وقائد ميليشيا الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، والاثنان تدعمها الإمارات.
تتحدث تقارير صحفية عن دعم حفتر لحميدتي بعتاد حربي، ويتوقع حال فشلت محاولات الدعم السريع المستميتة للسيطرة على المطار، استقبال الدعم العسكري من حلفائها، وعندها لن يتوانى خليفة حفتر في تشجيع المرتزقة لمغادرة ليبيا إلى السودان.