أكملت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني 6 أشهر من عمر حكومتها في ظل مساعٍ حثيثة يطمح إليها رئيس الوزراء لإجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية، وهو ما تعهد به في البرنامج الحكومي الذي صوت عليه البرلمان العراقي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وخلال 6 أشهر من عمر الحكومة العراقية، أحدث السوداني نقلة وصفها مراقبون بـ”الجيدة” على صعيد الإصلاحات الاقتصادية في مزاد بيع العملة التابعة للبنك المركزي، وفي الإصلاحات الاقتصادية من خلال أتمتة الجمارك والضرائب والبطاقة التموينية وغيرها.
وكان رئيس الوزراء قد تعهد قبل أشهر بمنحه فرصة للوزراء والمسؤولين الحكوميين للعمل ومن ثم تقييم عملهم، في حين تعهد باستبدالهم بآخرين في حال تقصيرهم.
جملة إقالات
في الوقت الذي كانت الأروقة السياسية والإخبارية حافلة بالحديث عن ترقب التعديلات الوزارية في حكومة السوداني، أقر مجلس الوزراء منتصف الأسبوع الماضي جملة إقالات لمسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، إذ كشف النقاب عن إقالة 57 مديرًا عامًا في 4 وزارات هي: الموارد المائية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والكهرباء وأمانة بغداد، في الوقت الذي شملت الإقالات 30 مديرًا عامًا أصالة و27 كانوا يتولون مناصبهم بالوكالة.
وعن مبررات هذه الإقالات، قال المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء ضياء الناصري إن تقييم أداء المديرين العامين استغرق وقتًا كبيرًا وتطلب تدقيق قرابة 300 ألف وثيقة مع مختلف الهيئات والقضاء.
تقييم أداء المدراء العامين إستغرق وقتا كبيرا وتطلب تدقيق قرابة 300 الف وثيقة مع مختلف الهيئات والقضاء والنزاهة، اما تقييم أداء الوزراء سيحتاج الى بعض الوقت حسب ما يقرره رئيس الحكومة @mohamedshia وأما الأسماء المتداولة فهي غير صحيحة وهدفها ارباك الوضع السياسي والضغط على #الوزراء
— ضياء الناصري (@AlnaseriDhya) May 3, 2023
وتابع الناصري في تغريدة على تويتر “تقييم أداء الوزراء بحاجة لبعض الوقت بحسب ما يقرره رئيس الحكومة”.
وفي السياق، أكد المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي أن السوداني أقال المديرين العامين قبل الوزراء لحكمة وصفها بـ”المهمة”، وتتمثل بأن المديرين العامين هم الذين يتولون تنفيذ الأعمال للوزارات، مبينًا أن إقالة بعضهم لم يبقِ حجة للوزراء في تبرير فشلهم، وأن الجميع سيخضع للتقييم من الوزراء ومستشاري السوداني.
وأوضح مصدر حكومي لـ”نون بوست” أن حملة الإقالات التي شملت 57 مديرًا عامًا تعد الوجبة الأولى، مبينًا أن الحملة ستشمل ما يقرب من 400 مدير عام في مختلف الوزارات والهيئات.
وتابع المصدر أن الإقالات هذه لن تتسبب بأزمة سياسية في البلاد، فقد أفضت اتفاقات سياسية قبل أسابيع إلى هذه الإقالات، لا سيما أن كثيرًا من المديرين المقالين أمضوا سنوات طويلة في الخدمة مع تأشير الكثير من السلبيات في عملهم.
خلافات سياسية
على الجانب الآخر، كشف مصدر من داخل أروقة الحكومة لـ”نون بوست” أن ما يشاع عن إقالة 400 مدير عام بعيد عن الصحة، موضحًا أن الأسابيع القادمة ستشهد إقالة قرابة 100 مدير عام بإجمالي إقالات لن يتجاوز 160 مديرًا عامًا، وأن الإقالات ستشمل جميع الوزارات العراقية والهيئات دون استثناء.
وتابع المصدر أن سبب تقليص عدد الإقالات من 400 إلى زهاء 160 مديرًا عامًا يرجع للخلافات السياسية الكبيرة التي حدثت داخل تحالف إدارة الدولة خلال الأسابيع الماضية، خاصة أن جميع المقالين يتبعون كتلًا سياسية، وبالتالي، رفضت العديد من الكتل المساس ببعضهم بعد تعهد السوداني بأن يكون بدلاء المقالين من داخل الوزارة، وهو ما حدا ببعض الكتل السياسية لرفض إقالة بعض المديرين لعدم امتلاكها من يصلح لشغر هذه المناصب فورًا.
في السياق، يرى الباحث السياسي رياض العلي أن السوداني يسعى حثيثًا لإحداث تغييرات إيجابية في العمل الحكومي وهو ما يراه لازمًا لإخراج العمل المؤسسي مما وصفه بـ”وضع الرتابة” الذي يعتري العمل الحكومي منذ سنوات طويلة.
إلا أنه – وفق العلي – يبدو أن السوداني لا يزال مكبلًا بالاتفاقيات السياسية ضمن تحالف إدارة الدولة، خاصة أنه لا يمتلك كتلة سياسية كبيرة يمكن أن تدافع عنه تحت قبة البرلمان، في ظل الخلافات الكبيرة التي تعتري تحالف الإطار التنسيقي – الذي يضم جميع القوى السياسية الشيعية باستثناء التيار الصدري – بشأن محاولات السوداني الخروج من عباءة الاتفاقيات السياسية وتطبيق الإصلاحات الوطنية التي يراها ضرورية.
استهداف التيار الصدري
وعلى الرغم من أن الحديث عن استبدال نحو 160 مديرًا عامًا بالعراق لم يتضح حتى الآن، فإن العديد من الباحثين يربطون ذلك بسعي كتل سياسية معينة داخل تحالف الإطار التنسيقي لإقصاء المديرين العامين التابعين للتيار الصدري.
في غضون ذلك، يرى الباحث السياسي حسن العبيدي أن ائتلاف دولة القانون وكتلًا سياسيةً أخرى تسعى لاستبعاد العشرات من المديرين العامين التابعين للتيار الصدري من خلال موجة الإقالات المرتقبة، خاصة أن التيار الصدري لم يعد له تمثيل حكومي بعد انسحابه من العمل السياسي واعتزاله المستمر منذ أكثر من 6 أشهر.
ويتابع العبيدي في حديثه لـ”نون بوست” “في حال استهدفت الإقالات مديرين تابعين للتيار الصدري، فإن ذلك يشير لاحتمالية عودة التيار الصدري لواجهة الأحداث، لا سيما مع ما صرح به خطيب مسجد الكوفة التابع للتيار الصدري”.
وكان خطيب مسجد الكوفة هادي الدنيناوي، قد حذر أمس الجمعة 5 مايو/أيار مما أسماها الطبقة السياسية العليا في العراق من التمادي في خدمة مصالحها الحزبية والفئوية والشخصية على حساب الشعب العراقي.
وقال الدنيناوي في الخطبة المركزية للتيار الصدري بمسجد الكوفة بمحافظة النجف (جنوب العراق): “الطبقة السياسية التهت بسن القوانين التي تخدم مصالحها الحزبية والفئوية والشخصية، ونحن نعتقد أن سبب هذا كله هو سكون الحليم وليس سكوته، فـ آل الصدر لا يسكتون واحذروا غضبة الحليم إذا غضب”.
تعديل وزاري
لا يبدو أن الأشهر القادمة في العراق ستشهد استقرارًا سياسيًا كما هي عليه الأحوال في البلاد منذ تولي السوداني، فتصريحات السوداني بشأن تعديلات وزارية مرتقبة تسببت بمشكلات سياسية كبيرة داخل تحالف إدارة الدولة، في ظل سعي حثيث من قادة التحالف لعدم كشفها أمام الرأي العام.
وكان السوداني قد أكد صراحة – في مقابلة تليفزيونية مع القناة الرسمية – عزمه إجراء تعديل وزاري قريب، مبينًا أن التعديل الوزاري حق دستوري لرئيس الوزراء ولن يتنازل عنه، وفق قوله.
وأضاف السوداني – خلال المقابلة – أنه سيذهب قريبًا إلى البرلمان لأجل ذلك، وأن الكتل السياسية التي سترفض التعديل الوزاري ستكون مسؤولة أمام الشعب، وفق نص المقابلة.
ووفق مراقبين، يعكس حديث السوداني وجود خلافات سياسية كبيرة داخل تحالف الإطار التنسيقي، لا سيما بينه وبين ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وكشف مصدر صحفي حكومي لـ”نون بوست” أن السوداني يرمي إلى تعديل وزاري يشمل ما لا يقل عن 9 وزراء على الأقل، في الوقت الذي يبدو أن المالكي وبحكم نفوذه الكبير داخل تحالف الإطار التنسيقي لوح للسوداني بإمكانية محاصرة حكومته واحتمالية طرح الثقة بها في البرلمان، وهو ما قد يؤدي بالسوداني في ظل عدم وجود كتلة سياسية داعمة له إلى إجراء تعديل وزاري مصغر يشمل عددًا قليلًا من الوزراء، لإثبات جدية السوداني وتعهداته.
ويربط البعض نية السوداني بإجراء تعديل وزاري مع ضغوط أمريكية في ظل وجود بعض الوزراء المحسوبين على فصائل مسلحة كانت الإدارة الأمريكية قد فرضت عقوبات عليها، بما يعني إمكانية إقالة السوداني لوزيري التعليم العالي والبحث العلمي نعيم العبودي ووزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي.
من جهته، يستبعد الباحث السياسي غازي فيصل أن إقالة السوداني لبعض الوزراء المنضوين تحت “محور المقاومة” يرتبط بالضغوط الأمريكية، مشيرًا إلى أن وفي حال شملهم التعديل، فإن ذلك ناجمًا عن فشلهم في تحقيق الإنجازات المطلوبة على مستوى معطيات المنهاج الحكومي ولا علاقة له بالضغوط الأمريكية، وفق قوله.
ومما يؤكد وجود خلافات بين السوداني والمالكي بشأن التعديل الوزاري حديث نوري المالكي لإحدى وسائل الإعلام المحلية التي نفى فيها علمه بإجراء تعديل وزاري بعد عطلة عيد الفطر التي انتهت قبل نحو أسبوعين، وقال المالكي خلال المقابلة: “سمعت عن تغيير وزاري ولم أسمع من رئيس الحكومة أو من الإطار التنسيقي”.
وعن موعد التعديل الوزاري، أوضح المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي أن “توقيت إجراء التعديل الوزاري يحدده رئيس الوزراء وفق ما يراه مناسبًا، حين تتوافر الظروف الموضوعية التي تُحوّل التعديل إلى خطوة تضاعف نجاح الحكومة”، مشيرًا إلى أن إقرار الموازنة العامة للبلاد يعد أولوية لدى الحكومة، وفق قوله.
ويذهب في هذا المنحى الخبير الاقتصادي محمد الحمداني الذي يرى أنه لا مجال لأي تعديل وزاري في حكومة السوداني ولا إمكانية لإقالة المزيد من المديرين العامين قبل إقرار الموازنة العامة للبلاد لعام 2023 التي تعد عصية على الإقرار حتى هذه اللحظة.
وعن ذلك، يشير الحمداني إلى أن أي أزمة سياسية تعني أن الموازنة لن تقر، وبالتالي سيواجه السوداني مشكلة مالية كبيرة في ظل سعيه لتنفيذ عشرات المشاريع الضرورية التي نص عليها البرنامج الحكومي، مضيفًا أن مشكلة أخرى لا تزال تشكل ورقة ضغط سياسية بالضد من السوداني، لا سيما من تحالف السيادة الذي يطمح لإقرار قانون العفو العام، بما يعني أن أي تعديلات وزارية أو إقالة مديرين عامين إضافيين سيعيق التصويت على الموازنة.
أما عن الموازنة وموعد إقرارها، فيرى الحمداني في ختام حديثه لـ”نون بوست” إمكانية كبيرة في إعادة الموازنة للحكومة مرة أخرى، خاصة أن اللجنة المالية ترى أن سعر النفط الموضوع في مسودة الموازنة والبالغ 70 دولارًا مبالغ فيه للغاية، في ظل التذبذب الكبير في أسعار النفط، وفي ظل الكلفة التي تذهب للشركات النفطية المستخرجة للنفط من حقول البلاد، بما يعني أن العجز المالي للبلاد سيكون انفجاريًا، وهو ما لا تؤيده اللجنة المالية.