ما الذي يمكن أن تسفر عنه التهديدات الصريحة التي وجهها مدير جهاز الأمن لدولة جنوب السودان، وإلى أي مدى يمكن أن يمضي في وعيده بملاحقة المتمردين على سلطة المركز “لإي مكان”؟
كان “محمد عطا” مدير الأمن قال في خطابه أمام قوات الدعم السريع في نيالا جنوبي دارفور إنهم صبروا كثيرًا على إيواء جنوب السودان للمتمردين السودانيين، وأنه قد آن الأوان لملاحقتهم “في أي مكان” في إشارة إلى إمكانية ملاحقتهم داخل حدود دولة جنوب السودان.
وساق عطا يوم الجمعة تحذيرات لدول مجاورة للسودان من عواقب إيوائها المتمردين ضد نظام الخرطوم وخصّ من بينها دولة جنوب السودان، وأردف ذلك بالقول: “إن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ستلاحق المتمردين في أي مكان”، وأشار مدير الأمن إلى نفاد صبر الحكومة في الخرطوم حيث قال: “إن الخرطوم صبرت كثيرًا على دولة الجنوب وهي تأوي المتمردين للانطلاق منها لزعزعة استقرار الأراضي السودانية احترامًا للجوار واتفاق السلام”، لكنه استدرك قائلاً: “حان الوقت لملاحقة المتمردين الذين يعتدون على بلادنا في أي مكان”.
وكانت جبهات القتال بين القوات الحكومية والحركة الشعبية في مناطق التوترات قد شهدت تصعيدًا في العمليات العسكرية على إثر تعليق الجولة التاسعة من مباحثات السلام التي استضافتها أديس أبابا في الأسابيع الماضية، وإذ تبادل الطرفان إصدار البيانات التي تؤكد سيطرتهم على مناطق في جنوب كردفان، فقد وصل دوي القصف إلى كادوقلي حاضرة ولاية جنوب كردفان التي استهدفت الحركة الشعبية أحياء منها بالقصف الصاروخي عدة مرات خلال أيام.
وإذ بدت جوبا منشغلة بواقع الاقتتال الداخلي بين الجيش الشعبي وقوات رياك مشار فقد شهدت البلاد اضطرابًا أمنيًا عظيمًا لاسيما مناطق إنتاج النفط، لكن في غمرة ذلك خرج المتحدث الرسمي باسم الجيش الشعبي باتهامات للحكومة السودانية أنها شنت غارات جوية على مناطق داخل الأراضي الجنوبية وهي ذات الاتهامات التي ظلت السلطات في الدولتين تتبادلاها منذ استقلال جنوب السودان، إذ يتهم كل طرف الدولة الأخرى بإيواء متمردين خارجين على سلطته، ذاك رغم توقيع الخرطوم وجوبا لاتفاقات تقضي بعدم دعم وإيواء أي بلد لمتمردي البلد الآخر، وإذ أكد فيلب أقوير: “أن قوات مشار موجودة الآن فى الأراضى السودانية والجميع يعرف ذلك”، فسرعان ما جاء الرد الشمالي اتهامات من ذات الشاكلة حين قال عطا: “إن الخرطوم صبرت كثيرًا على دولة الجنوب وهي تأوي المتمردين للانطلاق منها لزعزعة استقرار الأراضي السودانية”.
نحو خواتيم شهر نوفمبر الماضي حملت صحيفة الشرق الأوسط تصريحات للمتحدث باسم الجيش الشعبي أكّد خلالها: “أن طائرات (أنتينوف) تابعة لسلاح الجو السودانى قامت بعمليات قصف عشوائى على منطقة خور تنباك فى مقاطعة المابان بولاية أعالى النيل داخل أراضى بلاده”، ومضي أقوير إلى القول: “إن القصف أدى إلى سقوط 7 أشخاص بينهم طفلة وأغلبهم لاجئين من ولاية النيل الأزرق التابعة للسودان والذين لجأوا إلى دولة جنوب السودان بسبب الحرب الدائرة في الأراضى السودانية منذ أكثر من 3 سنوات”.
تشابهت النبرات في حديث الرجلين اللذين يمثلان جهات ومؤسسات أمنية بين طرفي السودان، حيث أشار المسئول الأمني السوداني إلى أنهم غضوا الطرف عن إيواء جوبا لمتمردين سودانين احترامًا للجوار، فقد أشار فيلب أقوير إلى ذات المعني وهو يقول: “نحن نحترم الحوار بين قيادات البلدين”، لكنه يستدرك ذات استدراكات محمد عطا وهو يتوعد بملاحقة المتمردين “في أي مكان”، حيث قال: “لكننا كجيش سنعمل على الدفاع عن أراضينا بكل قوة وسنسقط أى طائرة عسكرية من الخرطوم تنتهك المجال الجوى فى جنوب السودان ونصد أى هجوم سواء جوى أو بري”.
وكان الجيش الشعبي قد اتهم الخرطوم بأنها مازالت تقدم الدعم والتجهيرات العسكرية والتشوين لقوات نائب رئيس الجنوب السابق “رياك مشار” وهو الاتهام الذي تبادله الخرطوم بمثله، لولا أن فيلب أقوير قال لصحيفة الشرق الأوسط: “إن قواتنا أسرت ثلاثة متمردين في المعارك التي دارت الأسبوع الماضي حول مواقع تقع تحت سيطرة الجيش الشعبي في منطقة الرنك في أعالي النيل، لقد سجل الأسرى اعترافات واضحة بأن الجيش السوداني قام بتدريبهم في معسكرات في ولايات النيل الأزرق وسنار والنيل الأبيض، ومدهم بالأسلحة والذخائر وأرسلهم إلى مناطق الرنك وتم صدهم وقتها، ثم أعادوا تنظيم الصفوف من منطقة التبون في ولاية النيل الأبيض داخل الأراضي السودانية وأُرسلوا مرة أخرى وتمت هزيمتهم”.
وهذه هي الاتهامات التي أنكرها متحدث باسم الجيش السوداني جملةً وتفصيلاً، نافيًا أن تكون قواته قامت بقصف مناطق داخل أراضي دولة جنوب السودان.
تصاعد الاتهامات بين جوبا والخرطوم على هذا النحو ينذر بإنحدار متسارع في العلاقات بين البلدين، بالرغم من الزيارة التي وصل خلالها الرئيس “سيلفا كير” إلى الخرطوم في الأسبوع الأول من نوفمبر الماضي، وهي الزيارة التي وصفت بـ “سيطرة الملف الأمني عليها”، لاسيما وأنها الأولى منذ اندلاع تمرد القائد “رياك مشار”، وقد أكد محلون سياسيون في الخرطوم وقتها أن سلفاكير يحاول مناقشة ذات الاتهامات التي ظلت متبادلة بينهم وبين سلطة الخرطوم (دعم وإيواء متمردين من الجانبين)، وأن سلفاكير سيحاول تحييد الخرطوم حتى تمسك عن دعم قوات رياك مشار، لكن تجدد الاتهامات يشير إلى أن أن جوبا والخرطوم لم تتجاوزا مربع تبادل الاتهامات وإعادة اجترارها.