شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم الثلاثاء 9 مايو/أيار 2023 سلسة غارات على قطاع غزة استهدفت عددًا من المنازل والوحدات السكنية، أسفرت عن استشهاد 13 فلسطينيًا من بينهم 3 من قادة سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) وهم: أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس جهاد الغنام وقائد المنطقة الشمالية خليل البهتيني وطارق محمد عز الدين أحد قادة العمل العسكري بالضفة الغربية، بجانب نساء وأطفال، فيما أصيب 20 آخرين بعضهم إصابات بالغة.
استيقظ أهالي غزة عند الساعة الثانية فجرًا على أصوات انفجارات هائلة هزت القطاع ورفح شاركت فيها 40 طائرة مقاتلة وفق المتحدث باسم جيش الاحتلال، كانت تستهدف في المقام الأول منازل قادة المقاومة الثلاث، ما أدى إلى استشهادهم رفقة زوجاتهم وعدد من أبنائهم في عملية وحشية تضاف للسجل الإجرامي لدولة الاحتلال.
????Netanyahu oversees operation as 11 senior Islamic Jihad commanders are killed. #Israel #Gaza #IDF pic.twitter.com/9BugTKRjiO
— KrisiAnn (@krisiannc) May 9, 2023
وأطلق جيش الاحتلال على تلك العملية اسم “السهم الواقي”، فيما ذكر موقع صحيفة “يسرائيل هيوم” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان قد أقرّ يوم الجمعة 5 مايو/أيار 2023 شنّ العدوان على القطاع وتصفية القادة العسكريين لحركة الجهاد الإسلامي الذين شاركوا في إطلاق الرشقات الصاروخية على المستوطنات الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي، كما عرض الموقع صورًا لنتنياهو داخل مقر قيادة جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك” وهو يستعرض المواقع المزمع استهدافها خلال تلك العملية.
إدانات واسعة وتوعد بالرد من فصائل المقاومة، فيما أوقفت سلطات الاحتلال الدراسة في مستوطنات “غلاف غزة” ومنطقة وسط النقب لمدة يومين، كما حث جيش الاحتلال المستوطنين داخل غلاف القطاع على دخول الملاجئ فورًا وحتى إشعار آخر، تحسبًا لرد الفعل الانتقامي من المقاومة الفلسطينية.
غزة تحت القصف.. غارات إسرائيلية مكثفة على القطاع وسقوط شهداء وجرحى pic.twitter.com/1sh14Hr6C1
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 9, 2023
عملية نوعية
العملية نوعية في تنفيذها وأهدافها، فهي ليست كبقية الهجمات التي شنتها وتشنها قوات الاحتلال على مناطق متفرقة في القطاع، لكنها هذه المرة تستهدف أهدافًا بعينها، ففي محافظة رفح تم استهداف منزل أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس جهاد غنام بمنطقة الجنينة شمال شرق مدينة رفح، بطائرة انتحارية، أسفر عن ارتقاء شهيدين (هو وزوجته) و3 إصابات، كذلك تم استهداف موقع مهاجر غرب رفح بحزام ناري بأكثر من 31 صاروخًا.
وفي محافظة خانيونس، استهدف المحتل موقع حطين التابع لسرايا القدس غرب المحافظة بعدة غارات قوية ومتتالية، كذلك مرصد لسرايا القدس في خزاعة شرق المحافظة، أما في محافظة الوسطى، فتم استهداف موقع يتبع لسرايا في منطقة المطاحن بين خانيونس ودير البلح، وموقع آخر في منطقة المغراقة بالقرب من وادي غزة.
كما استهدف منزل قائد المنطقة الشمالية خليل عماد البهتيني في محافظة غزة بصاروخ، استهدف الطابق الأول من البيت ما أدى إلى استشهاده وبعض أفراد العائلة، فضلًا عن استهداف منازل مواطنين عاديين في شارع الشهداء وعمارة الدولي بالقطاع، ما أسفر عن استشهاد عدد منهم.
هؤلاء الأطفال الأقمار كانوا من أهداف مجزرة الاحتلال في غزة فجر اليوم .. يا رب رحمتك ولطفك pic.twitter.com/Axh8qMwCBb
— Tamer Almisshal | تامر المسحال (@TamerMisshal) May 9, 2023
اللافت هنا أن تلك العملية استهدفت قادة بارزين في صفوف الجهاد الإسلامي، فالشهيد جهاد شاكر غانم المولود عام 1948 في جنوب رفح، كان أحد المؤثرين في عمليات المقاومة التي نفذتها الحركة خلال السنوات الأخيرة، وكان يشغل مناصب رفيعة في الجناح العسكري لها، فيما اعتبره جيش الاحتلال مسؤولًا عن التنسيق ونقل الأموال والأسلحة بين الجهاد وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
كذلك الشهيد خليل صلاح البهتيني، الذي تولى قيادة المنطقة الشمالية في سرايا القدس خلفًا للشهيد بهاء أبو العطا، الذي اغتالته يد الغدر الإسرائيلية وزوجته في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، وتربطه علاقات جيدة مع قادة الجهاد، كما أنه كان ضمن وفدها المشارك في الاجتماعات التي دعت لها المخابرات المصرية في القاهرة لبحث سبل التهدئة، فيما يتهمه الجيش الإسرائيلي بالتخطيط لشن هجمات في عمق “إسرائيل”، وإطلاق صواريخ في المستقبل القريب.
أما الشهيد الثالث فهو القيادي طارق عز الدين، المحرر من سجون الاحتلال ضمن صفقة “شاليط” عام 2011، ويتمتع بحضور قوي داخل حركات المقاومة بشكل عام، فيما تتهمه الاستخبارات الإسرائيلية بأنه مسؤول عن توثيق العلاقة بين الجهاد الإسلامي في غزة والضفة، ونقل الأموال، بجانب توجيه الهجمات ضد أهداف داخل العمق الإسرائيلي انطلاقًا من غزة.
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أوضح أن تلك العملية كان مقرر لها الثلاثاء 2 مايو/أيار 2023، لكن تم تأجيلها لأسباب تتعلق بالطقس والأحوال الجوية، كذلك لحين اجتماع القادة الثلاث في مكان قريب في وقت واحد، إذ كشفت بعض المصادر الإعلامية أنهم كانوا يستعدون للسفر إلى القاهرة للاجتماع مع مسؤولي المخابرات العامة هناك في غضون ساعات، وهو السبب في أن يكونوا جميعًا بأماكن متقاربة على عكس المتعارف عليه.
منزل عائلة غنام الذي دمرته طائرات الاحتلال في رفح جنوب قطاع غزة، فجر اليوم. pic.twitter.com/HzzrX6gnP3
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) May 9, 2023
إرضاءً لبن غفير وإنقاذًا لسمعة حكومة نتنياهو
القراءة الأولى لتلك العملية تذهب في اتجاه محاولة نتنياهو إرضاء وزير الأمن القومي في حكومته، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي كان قد طالب بشن حملة عسكرية واسعة وإجرامية في الضفة الغربية وتشديد ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين مقابل عودة حركة “المنعة اليهودية”، التي يقودها للتصويت لصالح الائتلاف الحاكم في الكنيست، حسبما ذكرت قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية مساء الأحد 7 من الشهر الحاليّ.
وكان وزراء ونواب الحركة اليهودية قد قرروا عدم التصويت لصالح المشروعات التي تطرحها الحكومة في البرلمان الإسرائيلي بسبب ما أسموه “الرد الضعيف” على رشق الداخل الإسرائيلي بعشرات الصواريخ من قطاع غزة، هذا بجانب غضب بن غفير من استبعاد نتنياهو له في المشاورات التي عقدتها الحكومة والأجهزة الأمنية والاستخباراتية لبحث الرد على عمليات المقاومة.
القناة الإسرائيلية أشارت إلى محاولة نتنياهو امتصاص غضب وزير أمنه القومي المتطرف عبر وسطاء للتواصل، متعهدًا بإرضائه في أقرب وقت، لكن الأخير رفض كل تلك المحاولات قبل استجابة رئيس الحكومة لمطالبه المتشددة، لافتًا إلى أن الممارسات على الأرض خير دليل على حسن نية نتنياهو، في إشارة إلى استهداف غزة والمقاومة الفلسطينية بشكل وحشي.
وكانت حركة الجهاد الإسلامي قد استهدفت عددًا من المستوطنات الإسرائيلية برشقات صاروخية خلال الأيام الماضية ردًا على استشهاد المناضل خضر عدنان بعد إضرابه عن الطعام داخل سجنه، فيما تعرضت حكومة الاحتلال إلى انتقادات حادة من عناصر اليمين المتطرف في الداخل بسبب رد الفعل الباهت على تلك الضربات، مطالبة بأن تكون أكثر شراسة.
تشير العمليات التي نفذتها قوات الاحتلال خلال الفترة الأخيرة إلى الاعتماد بشكل كبير على إستراتيجية الاغتيالات الدقيقة بعيدًا عن العمليات العسكرية العامة والشاملة، وهي الإستراتيجية التي تعكس تحولًا نوعيًا كبيرًا في عقلية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وتفرض تحديات جسام على المقاومة والشارع الفلسطيني بشتى أطيافه.
وفي سياق مواز، يحاول نتنياهو إنقاذ سمعته الملوثة شعبيًا، وصورة حكومته المشوهة، حيث التظاهرات الحاشدة أسبوعيًا رفضًا لسياساته وتغولاته على القضاء وتعريض حياة المستوطنين للخطر والتهديد بسبب الصبغة اليمينية المتطرفة التي صبغ بها حكومته، وذلك من خلال البحث عن انتصارات نوعية من قبيل استهداف قيادات بارزة في صفوف المقاومة الفلسطينية، بما يعيد له بريقه الشعبي المتراجع ويغض الطرف قليلًا عن فساده الداخلي.
تزامنا مع بدء الغارات الإسرائيلية على قطاع #غزة.. بن غفير على تويتر: آن الأوان! pic.twitter.com/buJYJ6ZBpY
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 9, 2023
إحراج للوسيط المصري
العملية برمتها تضع القاهرة في مأزق سياسي كبير، وتوقع الجانب المصري في إحراج لافت، حتى لو حاولت حكومة الاحتلال استبعاد ذلك عبر الادعاء بأن العملية كانت مقررة من أسبوع ولم تنفذ إلا اليوم، فكل التسريبات والتصريحات الإعلامية تشير إلى إبلاغ جيش الاحتلال الاستخبارات المصرية بالعملية، كما أن استهداف القادة الثلاث قبل ساعات من اجتماع لهم مع مسؤولين أمنيين مصريين يمثل استخفافًا واضحًا بالوسيط المصري، حلقة الوصل الأبرز بين الفلسطينيين والإسرائيليين لبحث سبل التهدئة.
وحاول الجانب المصري من خلال قمتي العقبة وشرم الشيخ الأخيرتين اللتين شارك فيهما ممثلون عن السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، تهدئة الأجواء بين الجانبين، في محاولة لتجنب التصعيد في الوقت الحاليّ، وهو ما لم يلتزم به نتنياهو الصديق المقرب من رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي يضع الأخير على وجه الخصوص في حرج آخر.
وتمارس القاهرة خلال الآونة الأخيرة ضغوطًا قويةً على المقاومة الفلسطينية لضبط النفس وعدم الانجرار وراء الاستفزازت الإسرائيلية بين الحين والآخر، وهو ما استجابت له تلك الفصائل، إلا أن التطرف في الانتهاكات الإسرائيلية دفع المقاومة إلى التخلي عن تلك الالتزامات لتبدأ الرد – ولو بشكل طفيف – على استهدافات المحتل.
اللافت هنا، وبحسب التقارير الإعلامية، أن جيش الاحتلال أبلغ القاهرة أن أي رد من قطاع غزة سيواجه برد عنيف وأن جيشها جاهز للذهاب لعملية عسكرية مفتوحة، فيما أبلغت قيادة قطاع غزة الجانب المصري أنه لا مجال الآن للحديث عن ضبط الوضع وأن العدو سيدفع ثمن عدوانه.
كما أكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، محمد الهندي، أن عملية الثلاثاء لن تمر مرور الكرام، وأن “المقاومة مستمرة ومتصاعدة، وهي التي ستحدد نهاية هذا الصراع”، فيما شدد القيادي داود شهاب على الرد بالمثل “وبالكيفية المناسبة ولن يتأخر الرد، وكل المدن والمستوطنات في العمق الصهيوني ستكون تحت نيران المقاومة” على حد قوله، كذلك أعلنت ألوية الناصر صلاح الدين (الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية): “الجهوزية والنفير العام لدى كل مقاتلينا ومجاهدينا للرد على جرائم الاغتيال الجبانة وصد العدوان المستمر والمتصاعد على قطاع غزة المقاوم”.
من جانبها نعت حركة المقاومة “حماس” شهداء الجهاد والقضية الفلسطينية، فيما حمل الناطق باسم الحركة حازم قاسم، الاحتلال الإسرائيلي تداعيات عدوانه على القطاع، مشددًا على أن المقاومة ستواصل الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومقدساته، قائلًا: “الاحتلال واهم إن ظن أن هذه الجرائم الإجرامية يمكن أن توقف نضالنا المشروع ضد احتلاله وعدوانه”، لافتًا إلى أن “الاحتلال يصعّد من عدوانه على قطاع غزة ويستهدف الآمنين في بيوتهم”.
وعلق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، على العملية بقوله: “اغتيال القادة بعملية غادرة لن يجلب الأمن للمحتل بل المزيد من المقاومة”، مشددًا على أن “العدو أخطأ في تقديراته وسيدفع ثمن جريمته”، مشددًا على أن “المقاومة وحدها ستحدد الطريقة التي تؤلم العدو الغادر”، كما أوضح أن “العدوان يستهدف كل شعبنا والمقاومة موحدة في مواجهته”.
ويهدد وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، حركة حماس، إذا حاولت الاصطفاف إلى الجهاد في الرد على تلك العملية، لافتًا إلى أنها إذا شاركت في الرد فسيكون قادتها هدفًا للاغتيال، وعلى رأسهم رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، على حد قوله، في محاولة لإضعاف المقاومة التي نجحت خلال الفترة الماضية في توطيد لحمتها في مواجهة الاحتلال.
وتضيف دولة الاحتلال بتلك العملية جريمة وحشية جديدة إلى سجلات انتهاكاتها التي لا تتوقف، وسط صمت عربي فاضح، اللهم إلا بيانات شجب وإدانة على استحياء لحفظ ماء الوجه، علمًا بأن المحتل ما تجرأ على هذا التغول والتحولات النوعية في انتهاكاته من عمليات عسكرية شاملة إلى اغتيالات ممنهجة في العمق الفلسطيني دون غطاء إقليمي وفرته له الأنظمة العربية المطبعة التي تحولت إلى خنجر في ظهر القضية الفلسطينية والشعب الأعزل.