تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها المستمرة على قطاع غزة التي أسفرت عن ارتقاء 16 شهيدًا بينهم 3 من قادة سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي)، رفقة زوجاتهم وعدد من أطفالهم، بجانب عدد من المواطنين، فيما جرح أكثر من 20 شخصًا بعضهم بإصابات خطيرة.
وفجر اليوم أغار جيش المحتل على بلدة قباطية جنوبي مدينة جنين بالضفة الغربية، ما أسفر عن ارتقاء شهيدين (راني قطنات 25 عامًا وأحمد عساف 18 عامًا)، فيما اندلعت مواجهات بين قوات الاحتلال وبعض الشبان الفلسطينيين في العيساوية بالقدس.
وبشهداء اليوم والأمس ترتفع حصيلة الشهداء في الضفة وقطاع غزة منذ بداية العام الحاليّ إلى 128 شهيدًا بينهم 24 طفلًا و6 سيدات، في ظل إصرار ممنهج من حكومة نتنياهو على الانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني في ظل صمت عربي مخز وتجاهل دولي فاضح.
حالة من الخوف والقلق تخيم على الشارع الإسرائيلي الذي اضطر في معظمه، لا سيما سكان مستوطنات غلاف غزة، إلى الاختباء داخل الملاجئ، في انتظار رد الفعل الانتقامي حسبما أعلنت فصائل المقاومة، وسط إعلان حالة الطوارئ القصوى داخل الجيش الإسرائيلي تحسبًا لأي سيناريوهات غير متوقعة.. فما خيارات المقاومة في الرد على مجزرة غزة الأخيرة؟
مشهد جديد للغارات الإسرائيلية على قطاع غزة pic.twitter.com/kE66IChWC5
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) May 10, 2023
قلق وخوف بين المستوطنين
نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” تقريرًا الثلاثاء 9/5/2023، تطرقت فيه إلى حالة الرعب والخوف التي تسيطر على المستوطنين الإسرائيليين منذ بداية العملية الإجرامية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، لافتة إلى إجلاء مئات العائلات من سكان “سديروت” على متن 25 حافلة إلى فنادق في البحر الميت، رفقة عناصر من قيادة الجبهة الداخلية.
واستعرض التقرير شهادات بعض المستوطنين الفارين من ويلات الانتقام المتوقع من الفلسطينيين، حيث قالت المستوطنة رامونا سيغ، وهي من سكان “سديروت” التي تم إجلاؤها مع عائلتها: “عاملة اجتماعية اتصلت بي وأخبرتني أنني سأذهب في إجازة بسبب الوضع الأمني، هناك شعور بالخوف، هناك الكثير من القتلى في غزة، وبمجرد وجود صواريخ هنا، تكون كارثة كبيرة”.
فيما وصفت المستوطنة حنان ما يحدث بأنه “أمر غير سار، يضع الجميع في حالة من الغموض، لكنه لا مفر منه”، فيما قال رئيس ما يسمى “المجلس الإقليمي لساحل عسقلان”، إيتامار رابيفو: “تم الإعلان اليوم عن عطلة، وأغلقت الطرق، وأعلن عن طرق بديلة، وأغلقنا أيضًا الشواطئ، وألغينا جميع التجمعات المخطط لها”، مضيفًا “نحن نستعد لتقديم الاستجابة اللازمة للسكان”.
وتتم عملية الإجلاء من خلال برنامج يدعى “هبة الريح” بالتنسيق بين السلطات المحلية ووزارة الأمن، المسؤولة عن تمويل الإقامة في غرف النزلاء والفنادق والنزل، فيما أوضحت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن “البرنامج تديره السلطات المحلية، ويسمح لكل مستوطن من التجمعات القريبة من حدود غزة بأخذ قسط من الراحة بمساعدة الدولة في بيوت الضيافة التي تحددها السلطات مسبقًا، وهذا مبني على عقود مختومة وتخطيط مسبق، وكل منطقة حسب خصائصها”.
واضطرت حكومة الاحتلال إلى تعليق الدراسة في المدارس والجامعات القريبة من القطاع، كما فرضت قيودًا أمنيةً على التحركات وناشدت المواطنين البقاء في منازلهم أو داخل الملاجئ وعدم التحرك العشوائي إلا وفق التعليمات الصادرة عن الجهات الأمنية.
فيما أشارت بعض المصادر إلى إخلاء الجزء الأكبر من سكان المستوطنات القابعة في مرمى صواريخ المقاومة، كما وضع الجيش الإسرائيلي المزيد من الحواجز الإسمنتية وإجراءات وقائية أخرى على الطرق على نطاق 5 كيلومترات من حدود غزة بسبب مخاوف من صواريخ فلسطينية مضادة حسب موقع والا الإسرائيلي.
عاجل | مراسل #الجزيرة: السلطات الإسرائيلية تطلب من السكان الإسرائيليين في غلاف غزة الدخول فورا إلى الملاجئ
— الجزيرة – عاجل (@AJABreaking) May 10, 2023
إطالة أمد الرد.. الخيار الأكثر رعبًا
في الوقت الذي ينتظر فيه الإسرائيليون الضربة الانتقامية الأولى من المقاومة الفلسطينية ردًا على تلك المجزرة، تتصاعد المخاوف في الداخل الإسرائيلي من تأخير الرد وإطالة أمده، فكلما تأخر زادت الأعباء على كاهل الحكومة والجيش الإسرائيلي وزاد قلق وترقب المستوطنين وزادت مدة بقائهم في الملاجئ.
يعلم الإسرائيليون جيدًا أن المقاومة خاصة حركة الجهاد الإسلامي التي سقط منها 3 من أكبر قادتها، لن تدع مجزرة 9 مايو/أيار 2023 تمر مرور الكرام، فلا بد من رد يتناسب وحجم ما خلفته من خسائر، وعليه فإن قيامها بالرد وتفريغ حالة الغضب والاحتقان الذي تخيم على أجوائها هو السبيل الوحيد لإعادة الحياة الطبيعية للشارع الإسرائيلي والسماح للمختبئين في الملاجئ بالخروج لمباشرة حياتهم اليومية العادية، أما ما دون ذلك فالأمر غير محسوب ولا يمكن الاطمئنان له، فهو بمثابة مقامرة ومغامرة قد تكلف الإسرائيليين الكثير من الخسائر في الأرواح.
وفي هذا السياق يشير الكاتب المتخصص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي، إلى أن نتنياهو معني بإنهاء العملية العسكرية بأسرع وقت ممكن وهو مستعد لاستيعاب رد محدود للمقاومة ليحافظ على ما يعتبره إنجازًا، منوهًا أن إطالة أمد انتظار الرد وإبقاء حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية ينسف مزاعم “إسرائيل” أنها ردعت المقاومة، فما بالك لو أفضى رد المقاومة إلى مواجهة طويلة الأمد؟
وفي تغريدة له على حسابه على توتير نقل النعامي عن قائد المستوطنين في “غلاف غزة” دعوته لجميع المستوطنين بعدم التراخي في الاختباء داخل الملاجئ، لأنه قد تنقلب الأمور في ثانية، من صفر إلى 100 صاروخ على حد قوله، مضيفًا “حالة انعدام اليقين إزاء ردود المقاومة غير مسبوقة، هذه المرة الأولى في تاريخ المواجهات بين غزة والصهاينة الذي يسود فيه هذا الحذر وما يصاحبه من شلل لمظاهر الحياة لديهم”.
الرأي ذاته ذهب إليه مراسل قناة “الجزيرة” في غزة، إلياس كرام، الذي قال إن الصمت الفلسطيني أقوى من الصواريخ، كاشفًا عن عمليات إجلاء بالجملة للمستوطنين من مستوطنات الغلاف، إذ يبدو أن تأخير الرد قد تحول إلى تكتيك جديد للمقاومة في مواجهة الاحتلال.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” قد كشفت في تقرير آخر لها أن “إسرائيل” لم تتوقع أن يتأخر رد حركة الجهاد الإسلامي لساعات طويلة، لكن رغم انتظارها المثير للأعصاب في “إسرائيل”، فمن المتوقع أن ترد، ربما قريبًا، وأضافت “كانت “إسرائيل” على أهبة الاستعداد منذ عدة ساعات، لكن من المتوقع وصول الرد في نهاية المطاف وربما حتى الليلة (الماضية)”، منوهة إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في البداية لم تقدّر أن الرد من غزة سيتأخر لساعات عديدة.
وأرجعت الصحيفة العبرية تأخر رد المقاومة على مجزرة الثلاثاء إلى التنسيق والتخطيط ودراسة الموقف بين فصائل المقاومة المختلفة بشأن الرد من قطاعات مختلفة مثل لبنان بجانب القطاع، مؤكدة في الوقت ذاته أن “الانتظار الطويل للرد في إسرائيل، يثير القلق بين الجمهور الإسرائيلي”.
جيش الاحتلال يطلب من مواطنيه في محيط غزة الدخول إلى الملاجئ.
وبعد ذلك شن غارات في أرجاء قطاع غزة تستهدف منصات صواريخ تابعة للجهاد.
إسرائيل معنية بجر المقاومة إلى استنفاذ ردها من أجل انهاء المواجهة بأسرع وقت.
كلمة السر بالنسبة لهم: تجنب مواجهة طويلة الأمد.
— د.صالح النعامي (@salehelnaami) May 10, 2023
خيارات المقاومة
تتأرجح خيارات المقاومة الفلسطينية في الرد على مجزرة غزة – بعيدًا عن تكتيك إطالة الأمد – في 3 سيناريوهات رئيسية، الأول: أن تتولى حركة الجهاد الإسلامي وحدها مسؤولية الرد في إطار الانتقام لاغتيال قادتها البارزين، وبما يجنب القطاع مغبة توسيع دائرة الاستهداف الإسرائيلي إذا شاركت فصائل المقاومة الأخرى، حتى إن دعمت بقية الفصائل هذا الخيار بشكل أو بآخر دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي.
أما السيناريو الثاني فانخراط بقية الفصائل وعلى رأسها حماس في استهداف الداخل الإسرائيلي، وهي الخطوة التي ربما تزيد من وتيرة التصعيد خاصة بعد التحذيرات الإسرائيلية المتواصلة بشأن تبعات اشتراك حماس في الرد، كما جاء على لسان وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي هدد الحركة أنها إذا شاركت في الرد فسيكون قادتها هدفًا للاغتيال، وعلى رأسهم رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف.
وكانت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية جيلا غامليل قد صرحت لإذاعة الجيش الإسرائيلي أن هناك محاولات لجر “إسرائيل” إلى حملة أكبر بكثير في قطاع غزة، مضيفة أن “إسرائيل” لا تنتظر ولا تتوقع لكنها جاهزة لأي سيناريو، بحسب تعبيرها، وفي السياق ذاته هناك بعض الأصوات داخل الكيان المحتل ترجح انخراط حماس في الرد الانتقامي على ما حدث في غزة، كما ذهبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي لفتت إلى أن ذلك من شأنه أن “يؤدي إلى تصعيد أوسع، والتقدير في “إسرائيل”، أن الدخول في حملة قد تستمر لعدة أيام ليس في مصلحتها في الوقت الحاليّ”.
فيما يأتي السيناريو الثالث وهو الأكثر حضورًا خلال الآونة الأخيرة والمتعلق بالمقاومة الفردية التي يقوم بها فلسطينيون غير مؤدلجين ولا تنظيميين داخل العمق الإسرائيلي، وقد تكون تلك الإستراتيجية هي الأنجع والأشد تأثيرًا وأثرًا في مواجهة سياسة الاغتيالات التي تتبعها قوات الاحتلال مؤخرًا، فلا يفل الحديد إلا الحديد، وحتى يتم تجنيب التصعيد العام ضد مناطق فلسطينية بعينها، كالضفة والقطاع وجنين والقدس، تسفر عن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، قد يكون هذا النوع من المقاومة هو الأشد إيلامًا للإسرائيليين والأفدح في خسائره وتداعياته كما حدث الأشهر الثلاث الماضية.
على كل حال، فإن حالة الرعب التي تخيم على المستوطنين وجيش الاحتلال جراء تباطؤ وتأخير رد الفعل الانتقامي المتوقع من المقاومة، حققت بشكل ملحوظ الأهداف المنشودة منها حتى الآن، لكنها ليست كافية، فهي سلاح ذو حدين إذا ما تجاوزت المساحة الزمنية المقبولة، لتبقى خيارات الرد هي الكلمة الفصل في مواجهة العربدة الإسرائيلية، وحتى لا تتحول مثل تلك المجازر إلى نزهة مسلية لجيش الاحتلال يقوم بها بين الحين والآخر كلما أرادت الحكومة غض الطرف عن أزماتها الداخلية أو تبحث عن انتصار زائف، في ظل صمت مخز وفاضح – كالعادة – للعرب تحديدًا والمجتمع الدولي بوجه عام.