بعد نجاح المخطط الذي يبدو الآن مؤكدا أن إسرائيل قد وافقت عليه إن لم تكن قد شاركت في صنعه بشكل مباشر في مصر، والذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي من سدة السلطة بعد عام واحد من أول انتخابات رئاسية في تاريخ مصر، يبدو الآن أن هناك مخطط ما شبيها تُحاك خيوطه الآن بين رام الله والقاهرة و -غالبا- تل أبيب لإسقاط حماس في غزة.
تمرد غزة أعلنت عن أولى نشاطاتها بفعالية لإطلاق صافرات في شكل من أشكال التعبير السلمي عن اعتراضهم على سلطة حماس في غزة.
معطياتٌ كثيرة تشير إلى أنّ «تمرّد غزة» لا تصنع قرارها بيدها، وعلى الأرجح تلقّنها القيادات العسكرية المصرية وسلطة رام الله ذلك بالحرف الواحد، رغم أن المتمرّدين ينكرون ذلك ويؤكدون «الهوية المستقلة» غير التابعة لأجندة هنا أو هناك. وهم في الوقت نفسه لا يمكنهم أن ينكروا أو يخفوا اتصالاتهم غير المنقطعة مع الحاكم المصري الحالي، لكونه الزعيم الذي تخلّص من عدوّهم اللدود «الإخوان» إلى غير رجعةٍ، على ما يبدو.
والجدير بالملاحظة التناقض في كلام المتمرّدين في ما يتعلق بحلولهم الذهبية للتمرّد على “الفاشية الحمساوية”، فبحسب تصريحات صحفية أطلقها عبدالرحمن أبوجامع مسؤول تمرد غزة (والمقيم في رام الله!!): “إن لم تتخلّ حماس عن الحكم بعد أن يطلب الشعب منها ذلك، فسوف نستعين بمصر، وسنطلب الجلوس مع قياداتها العسكرية قريباً”، نافياً في الوقت نفسه إملاء العسكر قراراته وشروطه على حركتهم التمرّدية. ويدل تصريح أبو جامع على إيمان بأنّ الجيش المصري الذي “حرّر ملايين المصريين من بطش الإخوان” قادر على تحرير غزة من قبضة «حماس» وطيّ صفحة الظلم الذي لا يتوافر بالمطلق في الضفة الغربية. ويتابع أبو جامع: «أدارت مصر غزة سابقاً، وأعتقد أن لديها المقدرة الكافية على إعادة غزة إلى حضن الشعب بعدما سرقتها «حماس» منه».
وهي تصريحات تنافي تماما وتناقض الدعايا الإعلامية المصرية التي دأبت في الشهور الأخيرة من حكم الرئيس مرسي على إلصاق تهمة الرغبة في سيطرة مصر على القطاع إلى غزة، وهو ما يبدو أنه واقع لا يخجل الناشط المقرب من القيادة العسكرية في مصر وقيادة فتح والمقرب كذلك من إسرائيل، لا يخجل من الإعلان عنه.
من المقرر أن يحزم أبو جامع أمتعته الأسبوع المقبل، ويغادر رام الله متوجّهاً إلى مصر للإعداد لمؤتمرهم الأول الذي ستحتضنه القاهرة الشهر المقبل، بمباركة الأحزاب والقيادات المصرية المتتبّعة لخطواتهم لحظةً بلحظة في قطاع غزة. وسيخطّ هذا المؤتمر «معاً لوحدة فلسطين» عناوين المراحل القادمة وسبل إنجاح التمرّد في غزة، كي ينعم الجيش المصري بجوّ من الهدوء، بعد أن يفلح في القضاء على بذرة «حماس» في غزة. وأكد أبو جامع فتح قنوات الاتصال بين حركته ومسؤولي «تمرّد» المصرية محمود بدر ومحمد عبد العزيز، حيث التقت مسؤولة الاتصال السياسي في «تمرد غزة» عبير أبو سمرة واثنان آخران من الحركة ذاتها مع كلًّ من بدر وعبد العزيز قبل نحو خمسة أيام. وشرح عرّاب التمرد لتلاميذه الفلسطينيين خطط إسقاط التجربة المصرية على الغزيّة، وآليات إجبار «حماس» على مغادرة أروقة السلطة.
ويرى كثيرون أن هؤلاء المقنّعين يعانون من تيهٍ جليّ ويخوضون معركة خاسرة، نظراً إلى تحدّثهم بذات النفس الفتحاوي الاستعلائي المحقّر لشأن «حماس» ومقاومتها في غزة، رغم نفيهم الدائم أن سلطة رام الله تمثّل ظهرهم الحامي لهم وتغطّي أنشطتهم مالياً. ويقول أبو جامع: «نحن لا نتلقى أي مؤازرة من السلطة، لكن إن أردتم أن تتواصلوا مع القيادة، فبإمكاني إيصالكم إلى السيد الرئيس وعزام الأحمد، وصولاً إلى محمد دحلان».
ومع تصريحات قريبة لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية حذر فيها من الاقتراب من اعتبار غزة إقليما “متمردا”، فإن المتمرّدون الغزيون وقائدهم في رام الله قد قرروا أن يكون الجيش المصري، «محب الخير لغزة»، كما يقولون، منقذهم الأول من «الجبروت الحمساوي»، عبر تدخله في غزة، حتى وإن وصلت الأمور إلى الحسم العسكري وإراقة الدماء.
القيادي في حركة حماس صلاح البردويل قال في تصريحات صحفية أنه “لا توجد حركة تمرد عندنا في فلسطين حتى نسميها حركة..هي كلمة أطلقت في وسائل الإعلام يُراد تضخيمها لتصبح واقعا”. لكنه عاد مُقرا بوجودها قائلا “إنها حركة بمصطلح كيفي ونوعي بصبغة واستنساخ مصري لاستئصال التيار الإسلامي من العالم الإسلامي”.
ورغم أن المتحدث باسم “تمرد” قوس البارودي نفى للتليفزيون الألماني في تصريحات سابقة حدوث أي اعتقالات في صفوف حركته، إلا أنه وصف في الوقت نفسه حماس بأنها “حركة ظالمة”.
وبعد ما جرى في مصر، من تحول أسلوب تمرد إلى انقلاب عسكري بين عشية وضحاها، خاصة مع ارتباطهم القوي بدول الخليج وبالتالي بإسرائيل، يبدو أن الحل الذي من الممكن أن تنتهجه حماس سيكون حلا قاضيا على مثل هذا التوجه في غزة وهو الحل الذي سيكون مقبولا بالنسبة للرأي العام العربي والعالمي خاصة بعد الطريقة التي تم بها إسقاط الإخوان المسلمين في مصر. إلا أن صلاح البردويل يتابع تصريحاته قائلا “لدينا قرار بعدم التدخل أو قمع الناس المظاهرات السلمية”