ترجمة وتحرير نون بوست
في يوليو من العام 2007، وقف “راؤول كاسترو” الرئيس المؤقت لكوبا آنذاك، متحدثًا عن مساوئ الاقتصاد الكوبي، وتكلم باستفاضة عن صناعة الألبان بالتحديد، ومدى تكلفة الآليات المتبعة فيها لاستخراج الألبان وطرحها للمستهلكين، بالطبع، كانت تلك المعلومات معروفة للكوبيين الذين يعيشون بظل واحد من أسوأ اقتصادات العالم المركزية، ولم يكن يبغي كاسترو من تكرار الحديث عنه سوى إعطاء الإشارة لتحوّل جذري في الاقتصاد الكوبي.
بعد أن انتقلت السلطة من فيدل كاسترو رسميًا إلى أخيه عام 2008، بدأت الحكومة مجموعة إصلاحات لإرخاء قبضة الدولة، وهي إصلاحات لاتزال تتعرقل كثيرًا نظرًا لنفوذ الحرس القديم في النظام الكوبي، وبالنظر لقرب انتهاء عهد كاسترو بالكامل – حيث قال راؤول كاسترو بأنه سيترك الحكم عام 2018 – تحتدم النقاشات اليوم حيال مستقبل كوبا واقتصادها.
حتى اليوم، تنظر إدارة أوباما ببعض الشك إلى تلك الإصلاحات، ورُغم ذلك فقد أرخى البيت الأبيض القيود المفروضة على السفر إلى كوبا، دون المساس بالعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الجزيرة منذ عقود.
بيد أن أوباما قد يلعب دورًا اليوم في التحول الذي يجري في كوبا، لاسيما قطاع ريادة الأعمال الناشيء فيها، إذا خفف تلك العقوبات وعمل مع من لهم مصلحة في المنظومة الأمريكية من توسيع التجارة مع كوبا، يمكن للبيت الأبيض أن يبدأ تلك العملية بإزالة كوبا أولاً من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتسهيل سفر الأمريكيين إلى هناك لدعم المشاريع الاستثمارية، وهو تحول من شأنه أن يعزز دور الأمريكيين الكوبيين في اقتصاد الجزيرة، وسيقلل تدريجيًا من قدرة الحكومة الكوبية على توجيه اللوم المستمر لواشنطن باعتبارها سبب ضعف اقتصادها.
قبل وصول كاسترو للسلطة عام 1959، كان اقتصاد البلاد معتمدًا بشكل كبير على الولايات المتحدة، حيث اشترت الولايات المتحدة معظم إنتاجها من السكر، واعتمدت بشكل كبير على السياح الأمريكيين نظرًا لجوها الاستوائي وقُربها الجغرافي.
بعد نهاية حكم “فولجينسيو باتيستا”، الديكتاتور الذي حمى مصالح الأمريكيين، بسطت حكومة “فيدل كاسترو” يدها على كل شيء تقريبًا في الاقتصاد، إذ استحوذت على أراضي وأسهم الشركات الأمريكية، وتعهدت بمنح السكن والصحة والتعليم لجميع المواطنين، ولكن الشيوعية التي رفع كاسترو رايتها لم تجلب سوى حالة اقتصادية أسوأ، زادها سوءًا انهيار حليفها السوفيتي عام 1991.
التسعينيات تحديدًا هي مرحلة خاصة، كما يسميها الكوبيون، إذ اضطرت الحكومة الكوبية إلى السماح بوجود بعض المستثمرين الأجانب وفتح الباب أمام القطاع الخاص، في عام 1999، وجدت كوبا في حُكم الرئيس الفنزويلي “هوجو تشافيز” منفذًا هامًا لإعادة تعزيز قبضتها على الاقتصاد، وهي خطة متعثرة منذ عامين نظرًا للصعوبات الاقتصادية التي تمر بها فنزويلا، والتي تمنح كوبا نفطًا مدعّمًا مقابل خدماتها الطبية والذي قد لا يستمر طويلًا.
جعلت تلك الأزمة تطبيق الإصلاحات أمرًا ملحًا أكثر من ذي قبل، وهو ما دفع راؤول كاسترو إلى السرعة في تطبيقها، رُغم تحذيرات الحرس القديم من السقوط في اقتصاد مفتوح ليبرالي، وتحويل المجتمع الكوبي إلى مجتمع غير متساو، وفتح الباب أمام النفوذ الأمريكي ليهدد استقرار الحكم.
في الحقيقة، لا يبدو أنه يمكن حماية منجزات الاقتصاد الكوبي تلك، إذا ما استمرت الأحوال الاقتصادية والديمغرافية كما هي، إذ إن كوبا على رأس مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية نظرًا لتعليمها الجيد، ومتوسط أعمارها الطويل، وهو إنجاز لم تحققه بلدان في أمريكا اللاتينية سوى الأرجنتين وشيلي.
تُعَد المرتبات في كوبا اليوم فقط 28٪ مما كانت عليه قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، طبقًا لإحدى الدراسات، وهو هبوط أدى إلى هجرة الآلاف إلى الولايات المتحدة وبلدان أخرى في أمريكا اللاتينية، بحثًا عن معيشة أفضل، أضف إلى ذلك هبوط معدلات المواليد، مع ارتفاع أعمار كبار السن.
القطاع الزراعي أيضًا يعاني من الأساليب العتيقة والسياسات العقيمة؛ وهو ما دفع إلى تمرير قانون استثمار لإصلاحها من البرلمان الكوبي في مارس الماضي لانزال ننتظر نتائجه على الأرض، علاوة على ذلك، تعهدت الحكومة الكوبية بالتخلي عن نظام العملتين (إذ ترتبط كوبا بالدولار نظرًا لتوافد السياح الأمريكيين عليها منذ التسعينيات)، وهو إصلاح قد يؤدي إلى التضخم.
على الناحية الأخرى، تبدو الطبقة الجديدة من موظفي القطاع الخاص، البالغة اليوم نصف مليون من بين 11 مليون كوبيًا، في نمو مطرد يحمل الأمل لكوبا، وهم مصدر للابتكار بأعمالهم المختلفة، لاسيما المطاعم الخاصة التي تضطر لشراء جميع المأكولات من السوق السوداء.
معظم تلك المشاريع الاقتصادية الصغيرة يقوم بها كوبيون كانوا يعملون بالخارج واستثمروا أموالهم هنا، وهم يكافحون بوجه البيروقراطية القديمة التي لا تستطيع جلب المنتجات الأساسية بشكل رسمي نظرًا للعقوبات، وهو ما يعني أنهم مستهدفون نظرًا لاعتمادهم على السوق السوداء ومعرفتهم بخباياها؛ لذلك، تحاول السلطات باستمرار التضييق على هذه المشاريع، بل وتجبر بعضها على الدخول في شراكات مع الدولة.
الرسالة من النظام واضحة: نريد تحسنًا عامًا في الأحوال، ولكن لا نريد أفرادًا أثرياء بعينهم.
قد تلعب واشنطن دورًا هامًا لتعزيز كفة الإصلاحيين، وتسهيل إنشاء الأعمال على الكوبيين للحصول على التمويل والتدريب، وهو تفاعل من شأنه أن ينجح فقط إذا ما تخلت واشنطن عن هدفها المُعلَن في تغيير النظام الكوبي.
قد يكون التغيير الاقتصادي في كوبا بطيئًا، ولكنه بالقطع سيؤدي إلى مجتمع أكثر انفتاحًا، أما الاستمرار في سياسة المقاطعة القديمة، فإنه لن يؤدي إلا لتعزيز حُجَج وسياسات الحرس الكوبي القديم.
المصدر: نيويورك تايمز