اعتبر رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة، بدر جاموس، أن قرار إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية “بمثابة قتل للعملية السياسية”، باعتباره “تجاوزًا لجرائم النظام، وتجاهلًا لمطالب الشعب بالتغيير”، في وقت يعوّل فيه السوريون على بصيص أمل في الخلافات التي لا تزال موجودة بين بعض الدول العربية بما يخصّ الملف السوري، الذي يتفق الجميع على أنه دخل منعطفًا تاريخيًّا بعد التطبيع الإقليمي الواسع الذي حظيَ به النظام مؤخرًا.
المعارضة غاضبة
ومنذ بداية الأسبوع الحالي، تسارعت خطوات التطبيع مع نظام الأسد، حيث كانت البداية مع قرار مجلس وزراء الخارجية العرب يوم الأحد بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ثم الدعوة الرسمية التي وجّهتها المملكة العربية السعودية إلى بشار الأسد لحضور القمة العربية القادمة، التي ستستضيفها الرياض في 19 مايو/ أيار الجاري، وأخيرًا اللقاء التاريخي الذي جمع وزيرَي خارجية تركيا والنظام في موسكو يوم الأربعاء.
وضعت سلسلة تطورات قوى الثورة والمعارضة السورية في أزمة غير مسبوقة، إلى حدّ دفع رئيس هيئة التفاوض بدر جاموس إلى إعلان هذا الموقف المتقدم، الذي هاجم من خلاله الموقف العربي، واعتبره بمثابة دعوة للشعب السوري من أجل استئناف ثورته للحصول على حقوقه.
قال جاموس: “إن ما حدث هو قتل للعملية السياسية، ودفع للشعب السوري لمواصلة ثورته المحقّة حتى الحصول على حقوقه المشروعة، وتجاهُل كامل لصوت الشعب لحساب المصالح بين الدول”.
وأضاف في تغريدة له: “إن عودة النظام إلى الجامعة العربية دون الإفراج عن أي معتقل، أو عودة أي لاجئ، أو حتى تقديم أي خطوة إيجابية في التعامل مع القرارات العربية أو الأممية ذات الصلة بالعملية السياسية، هو تجاهل خطير لتطلعات الشعب السوري وحقوقه، وسيعمل على تعقيد المشهد السوري أكثر، ولن يساهم في تحقيق الاستقرار والسلام المنشودَين في سوريا”.
ورغم السخط الكبير تجاه هيئة التفاوض ومؤسسات المعارضة الرسمية، إلا أن تصريح جاموس يعبّر إلى حد كبير عن موقف الغالبية العظمى من السوريين المعارضيين للنظام، الذين يرون في هذه التطورات إمعانًا من الدول العربية في خذلان الشعب السوري، وردّة غير مبررة، رغم كل ما يُساق من تبريرات لقاتلهم والمسؤول عن كل ما حدث في سوريا منذ 12 عامًا.
وفي هذا السياق، يسخر الكثير من السوريين المعارضين من تبرير الدول العربية قرار إعادة تعويم النظام بمعالجة خطر المخدرات التي تتدفق من سوريا، ويرون أنه مكافأة للنظام، بل أبعد من ذلك، فإن هناك من يرى أنه إفصاح علني عن موقف هذه الدول الحقيقي المعادي أصلًا للثورة السورية والربيع العربي بشكل عام، وسعي لإطلاق رصاصة الرحمة عليها وعليه.
وإلى جانب ذلك، فإن الكاتب والسياسي السوري المعارض محيي الدين اللاذقاني، يعتبر أن توجيه الدعوة لرئيس النظام السوري من أجل حضور القمة العربية، هو من أجل التهرُّب من حرج لقائه بشكل ثنائي ومباشر من قبل الحكّام العرب.
ويقول في تصريح خاص لـ”نون بوست”: “توجيه الدعوة لبشار الكيماوي قبل القمة هو بحدّ ذاته فضيحة سياسية للداعي والمدعو، فهو اعتراف ضمني بأن هناك في القمة من هم محرجون من تواجد سفّاح، ولا يريدون مصافحته ولا الظهور معه في أي صورة، وهذا يثبت أن التطبيع قضية شكلية، لأن العودة إلى عضوية الجامعة العربية لا تعني الكثير، لكن قبول التعامل مع الأسد كشخص متّهم بجرائم حرب هو الأساس، وحتى الآن لم يظهر معه علنًا غير محمد بن زايد رئيس الإمارات”.
مبررات متغيرة
يرى سوريون كثر أيضًا أن تركيز الدول العربية على قضية المخدرات الهدف منه التهرُّب من الذريعة السابقة التي لطالما ركزت عليها الدول المطبّعة، وهي السعي لإبعاد نظام الأسد عن حضن إيران، بعد توقيع اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران، حيث تراجعَ الحديث عربيًّا وبشكل واضح في هذا الجانب مؤخرًا.
أمر يتفق معه اللاذقاني، الذي يضيف أن “الخوف من إيران ومحاولة الدخول في علاقات طبيعية معها، اقتضى هذه العودة”، مشيرًا أنه كان لتدخُّل الصين في مصالحة إيران والسعودية تأثيره البارز على هذا المسار، وبالنهاية ليس على العرب أسهل من تبديل مواقفهم، ومن غير المستبعَد أن يبدّلوا الموقف الحالي لاحقًا في حال عادت الولايات المتحدة للتشديد على منع تعويم الأسد، والإصرار على تطبيق كامل العقوبات المفروضة عليه.
لكن إبعاد النظام السوري عن إيران ووقف تهريب المخدرات لم يكونا كل المبررات العربية للتطبيع مع النظام، حيث كانت قضية اللاجئين في دول الجوار هاجسًا رئيسيًّا أيضًا، خاصة بالنسبة إلى لبنان والأردن.
وتستضيف الدولتان نحو 3 ملايين لاجئ سوري، وتقول حكومتهما إنهم يشكلون عبئًا كبيرًا على الدولة والمجتمع، بينما يعتبَر الهاجس مضاعفًا بالنسبة إلى الأردن الذي يعتبَر بوابة تهريب المخدرات السورية إلى دول الخليج والعالم.
الوزير الأردني السابق، الدكتور سميح معايطة، يقول بهذا الصدد: “إن الأهداف النهائية للمبادرة العربية هي تفكيك عقد الأزمة السورية”، مؤكدًا أن هذا يحقق مصلحة أردنية مباشرة.
ويضيف في تصريحه لـ”نون بوست”: “سيستفيد الأردن بلا شك من عودة الأشقاء السوريين إلى وطنهم، لأن هذا سيخفّف من أعباء الأزمة السورية عليه أمنيًّا واقتصاديًّا، إلى جانب مساهمة المبادرة العربية أيضًا في وقف حرب المخدرات الطائفية التي يتعرّض لها الأردن منذ سنوات من قبل الميليشيات والفاسدين”.
مصالح متباينة
لكن ماذا عن مصلحة الشعب السوري في كل ما يحدث؟ ولماذا يتم تجاهل حقوقه وتضحياته وإهدارها على مذبح مصالح الآخرين بهذه الطريقة؟
سؤال مرير يطرحه السوريون بكل قوة اليوم، أمام تدافع الدول العربية والأقليمية للتطبيع مع النظام وإعادة إنتاجه، ولا يبدو أنه من السهل إقناعهم بالإجابات المقدمة له حتى الآن.
لكن مع ذلك، يؤكد المعايطة أنه لن يتم إعطاء النظام أي شيء إلا ضمن سياق خطة متكاملة يقدّم فيها ما عليه، بينما يلفت الكاتب المصري الدكتور سعيد صادق إلى أن بلاده تأخذ بعين الاعتبار وبقوة مصلحة الشعب السوري وحقوقه، في تعاملها مع المبادرة العربية المطروحة للحل في سوريا.
<img alt="وزير الخارجية المصري وبشار" data-align="center" data-caption="وزير الخارجية المصري، سامح شكري زار دمشق والتقى الأسد لتقديم الدعم الإنساني في كارثة الزلزال” data-entity-type=”file” data-entity-uuid=”14aae98c-5549-4aae-9381-3f86cd7ac031″ src=”/sites/default/files/inline-images/1_304.jpg”>
ويوم الثلاثاء اعتبرت الخارجية المصرية أن ما حدث حتى الآن من تطورات في تطبيق المبادرة العربية، لا يكفي للتطبيع مع النظام السوري “الذي ما زال مطالبًا بتنفيذ التزاماته وتحمل مسؤولياته”، وهو تصريح ينسجم والسياق العام لموقف القاهرة الحذر من الاندفاع في التطبيع، على الأقل كما هو واضح في العلن.
ويضيف في حديث مع “نون بوست”: “هناك حسابات جعلت القاهرة، خاصة أمام أوضاع مشابهة في ليبيا والسودان، تمتنع عن اتخاذ مواقف شديدة التحيُّز لطرف على حساب طرف آخر، فمصر وقفت مع حفتر في ليبيا ما جعل موقفها صعبًا مع حكومة طرابلس، وموقفها الداعم لبرهان في السودان أحرجها مع حميدتي، لذلك رغم دعمها لعودة بشار، إلا أنها لا تهلّل وتطبّل حتى لا تفقد ثقة الشعب السوري، أي أنها تمسك العصا من الوسط”.
صادق الذي كشف عن وجود بعض الخلافات بين مصر من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى بخصوص الملف السوري، أكّد أن ما تريده القاهرة “هو تطبيق قرارات مجلس الأمن، وإعادة الإعمار، لتعود سوريا دولة مستقرة، ولذلك تشدد على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوى الأجنبية منها، ومنع التنظيمات الإرهابية من البقاء فيها، متمسّكة في الوقت نفسه بالحفاظ على موقفها كوسيط محايد لم يشارك مثل الدول الأخرى في الصراع، وتتفهّم مطالب الشعب السوري، ولعلّ ما يزيد من رصيدها بهذا السياق هو عدم تعرض اللاجئين السوريين الذين يقيمون على أراضيها لأي مضايقات حكومية أو شعبية”.
السوريون يصنّفون المواقف
والواقع إن السوريين المعارضين لنظام الأسد بدأوا يصنّفون اليوم الدول على أساس موقفها من إعادة تعويم النظام، بجانب تعاملها مع قضية اللاجئين المقيمين على أراضيها بالنسبة إلى الدول التي تستضيف لاجئين سوريين.
لذلك لا يخفي الكثير منهم الامتنان لمصر بهذا الخصوص، حتى وإن كان مع التحفظ، في وقت كانوا يعوّلون فيه أن تتمكن دولة قطر من اجتذاب مزيد من الدول العربية إلى صفّها، بعد أن أعلنت تمسكها بموقفها الرافض لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
ومع بداية الحديث العربي رسميًّا عن عودة النظام للجامعة العربية، سجّلت 4 عواصم رفضها لهذه الخطوة، وهي طرابلس الغرب وصنعاء والكويت بالإضافة إلى الدوحة، قبل أن تتراجع جميعها تحت الضغط السعودي على ما يبدو.
ووضع قرار وزراء الخارحية العرب يوم الأحد الماضي، بعودة سوريا إلى الجامعة، حدًّا لكل آمال المعارضة بعرقلة هذه الخطوة، بل إن الصدمة الكبيرة كانت في أن القرار اتُّخذ حتى قبل أن يبادر نظام الأسد للقيام بأي خطوة من جانبه، الأمر الذي اُعتبر بمثابة قفز على منهجية “الخطوة مقابل خطوة” التي يقول العرب إن مبادرتهم للحل في سوريا تقوم عليها، وفتح باب التطبيع واسعًا من دون مقابل أو ثمن.
ورغم أن الوزير الأردني سميح معايطة يؤكد أن “إعادة تأهيل سوريا عربيًّا ودوليًّا عبر حل سياسي، وفتح الأبواب لإعادة الأعمار، وتخفيف الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري، لا يتم دون تعامل مباشر بين الحكومة السورية والمجتمع الدولي”، وهو تفسير متداول عربيًّا بشكل واسع للخطوات التي قطعت باتجاه النظام، إلا أن ذلك لا يبدو مقنعًا للمعارضة السورية، التي لا يتردد بعضها عن التشكيك حتى بوجود إرادة عربية لتحقيق حل سياسي عادل في سوريا بالفعل.
ولذلك يقول السياسي السوري المعارض محيي الدين اللاذقاني، إنه “لا توجد مبادرة عربية غير ما يتحدث به الأردن منذ عام، وهو ليس أكثر من صدى لاستراتيجية المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، التي أسماها “خطوة مقابل خطوة”، الأمر الذي يعني 1000 عام أو أكثر للوصول إلى حل سياسي جدّي”.
يختم اللاذقاني: “علينا أن نتذكر بهذا السياق أن بيان السعودية الأول عن الحوار مع النظام لم يتضمن أية إشارة للقرار 2254، ومصر وحدها حرصت على ذكره وضمّنته قرار العودة للجامعة العربية، وهذا أيضًا ليس ضمانة بالنظر إلى سياسة تعتمد “استراتيجية الرز”، والمختصر المفيد أن العرب وتحديدًا دول الخليج والأردن يريدون التفاوض على حل لتجارة المخدرات، وليس على حل سياسي ينصف الشعب السوري”.
بينما يحمّل العرب المتحمسون للتطبيع مع النظام السوري المعارضة المسؤولية عن هذا التوجه، ويرددون أن “الأسد انتصر” لتبرير موقفهم، بينما يبدي المتعاطفون منهم مع الثورة الشعبية وضحاياها الأسى وهم يقولون إنه لم يعد هناك مناص من التطبيع مع النظام، والتعاون معه من أجل مصالح دول الجوار والمنطقة.
بينما يحاول الطرفان إقناع المعارضة بأن مصلحة الشعب السوري “محفوظة” في المبادرة العربية، الأمر الذي لا يقنع قوى الثورة والمعارضة التي تشعر اليوم بالغضب الشديد والحسرة تجاه ما يصفونها بالهرولة العربية اتجاه نظام ارتكب بحقّ شعبه كل الجرائم، قبل أن يلحق الأذى بجيرانه، بدءًا من تصدير الإرهاب واللاجئين وانتهاءً بتصدير المخدرات، متسائلين بمرارة كبيرة: “لماذا يكافئ الأشقاء العرب بشار؟”.