خلال سبعينيات القرن الماضي، بدأ التيار النيوليبرالي بالصعود، مع سيطرت فئة قليلة من الأغنياء تدريجيًا على الاقتصاد العالمي في مجالات مختلفة، ولم يكن القطاع العسكري بمعزل عن هذا التغيير الكبير، إذ مسته عمليات الخصخصة أيضًا.
ومع الشروع بخصخصة العمليات والمؤسسات العسكرية، برزت الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة التي تضم في صفوفها مقاتلين قدامى، شركات تعمل بمنطق السوق وتقدم خدماتها لمن يدفع أكثر.
تركز نشاط هذه الشركات في البداية على توفير الأمن والحراسة، وعملت أيضًا في مجال النفط والتعدين، ثم تطور الأمر لتؤدي هذه الشركات الخاصة مهام أمنية وعمليات عسكرية خاصة، أي أنها أصبحت تشارك مباشرة في النزاعات والحروب.
غزو العراق وأفغانستان كان مرحلة فاصلة في تاريخ هذه الشركات، فعقب الإطاحة بنظامي طالبان وصدام حسين، وعدم قدرة الجيش الأمريكي النظامي على حسم حرب الشوارع لصالحه، برزت شركة “بلاك ووتر” التي تأسست على يد الضابط السابق في القوات البحرية الخاصة “المارينز” إريك برنس.
شغلت هذه الشركة الأمريكية الخاصة الرأي العام لسنوات، لما اقترفته من جرائم بحق المدنيين في أكثر من 40 دولة يتوزع فيها المرتزقة التابعون لها، لكن في السنوات الأخيرة، أخذت شركة روسية جديدة المشعل منها وزاحمتها في بشاعتها.
شركة فاغنر الروسية، أسسها ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الروسية ويقودها حاليًّا صديق للرئيس فلاديمير بوتين، وتنشط في كل من أوكرانيا وسوريا وليبيا وعدد من الدول الإفريقية، اتُهمت مرارًا بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.
ارتأينا أن نتحدث في هذا التقرير المطوّل عن هذه الشركة التي أصبحت بمثابة عصا بوتين الغليظة واللاعب الروسي الأكثر نفوذًا في إفريقيا، والأداة الأبرز لتعزيز نفوذ الكرملين في العديد من بقاع العالم، عسكريًا ومدنيًا، قبل أن تتمرد عليه ويصبح مستقبلها غامضًا.
سنحاول رصد بدايات الشركة، ومن ثم نعرج قليلًا إلى تدخلها في السياسات الخارجية العسكرية والاقتصادية للكرملين في مختلف المناطق، وحقيقة وجودها في أكثر من 13 دولة، وشبكة علاقاتها التي نسجتها مع دول ثالثة تعمل لديها أو معها، مثل الإمارات، ومستقبل المجموعة بعد محاولة الانقلاب الأخيرة ضد القيادة الروسية.
البدايات
يوم 9 ديسمبر/كانون الثاني 2016، خلال الاحتفال بيوم “أبطال الوطن” في قاعة سانت جورج بالكرملين، برزت صورة ضمت جنرالات أربع خلف الرئيس الروسي فلادمير بوتين، أحدهم يسمى “ديمتري أوتكين”.
خلال هذا الحفل حصل أوكتين – البالغ من العمر 53 سنة – من يد بوتين على النجوم الذهبية المسماة “وسام المجد” الذي يُعتبر أعلى وسام في روسيا ويقدم فقط لأبطال الاتحاد السوفيتي سابقًا، والاتحاد الروسي حاليًّا، ما يؤكد الحظوة الكبيرة لهذا الضابط لدى بوتين.
خدم العميد دميتري أوتكين – وهو من قدامى المحاربين في حروب الشيشان – في لواء القوات الخاصة الثاني في المديرية العامة للاستخبارات العسكرية الروسية، تحديدًا في الوحدة رقم 700، حتى العام 2013 الذي تقاعد فيه وتوجه إلى العمل الخاص، حيث شارك في مغامرة الفيلق السلافي (شركة أمنية روسية خاصة تأسست سنة 2012).
لم تدم مغامرته في هذه الشركة طويلًا، حيث هلك كثير من أعضائها، ما دفعه للعودة إلى موسكو ليؤسس هناك شركة أمنية جديدة حملت اسم “فاغنر”، ويُقال إنه أعطاها هذا الاسم تيمنًا بلقبه أو اسمه الحركي السابق حين كان ضابطًا.
من الصعب تتبع مسار أوتكين بدقة، لكن يُعرف عنه أنه من أشد المعجبين بـ”الرايخ الثالث” وأدولف هتلر، ففي إحدى صوره النادرة، ظهر عليه وشم “النسر النازي” الذي يمثل الشعار الرسمي للنازية خلال الحرب العالمية الثانية وإلى الآن، وقيل أيضًا إن تسمية مجموعته العسكرية الخاصة فاغنر جاء على اسم “ريتشارد فاغنر”، الملحن المفضل لهتلر.
اعتمد ديمتري أوتكين في تأسيس المجموعة، على علاقاته الوثيقة بمنظمة “ذئاب الليل”، وهي كيان متطرف قومي يُعرف عنه تعصبه العرقي للبيض ويُعَدُ ناديًا للدرجات النارية لكنه يخضع لعقوبات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تشكلت مجموعته العسكرية في البداية من قدامى المحاربين وعناصر سابقة في وحدات النخبة العسكرية، ممن حصلوا على تدريب جيد، واستخدمت قاعدة تدريبية في مولكينو، في منطقة كراسنودار جنوب روسيا، وهي ليست بعيدة عن شرق أوكرانيا، وفقًا للعديد من التقارير الإعلامية، وتوجد هذه القاعدة جنبًا إلى جنب مع قاعدة عسكرية روسية.
مع توسع نشاط المجموعة وتزايد عدد القتلى في صفوفها، تم توسيع عملية الانخراط فيها من خلال تجنيد سجناء روس وعناصر مدنية روسية وأجنبية، ليفوق عددها عشرات آلاف المرتزقة الباحثين عن المال، إذا كان المقاتلون يتلقون ألف دولار في الأسبوع خلال التدريبات، مع وعود بأن تتلقى عائلاتهم 60 ألف دولار إن قتلوا في المعارك.
يمر المرتزق بعدة مراحل للعمل مع فاغنر، ففي البداية يتم فحص لياقته البدنية، ثم الفحص الطبي وأغلب حالات الرفض تكون بسبب الالتهاب الكبدي، ثم فحص تعاطي المخدرات، بعد ذلك يكتب المرتزق كل التفاصيل الخاصة بأسرته وأصدقائه ومعارفه ومن يجب أن تدفع لهم الشركة التعويض حال موته خلال العمل.
يطلب منه أيضًا إمداد الشركة بكل كلمات المرور الخاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد ذلك يجري “لقاء عمل” مع مسؤول أمني متخصص، وفي حالة اجتياز كل هذه المراحل يتم ضم المرتزق للشركة ويبدأ في تلقي راتبه بعد استلام رقمه الشخصي.
انتشار المجموعة في شبه جزيرة القرم
في مارس/آذار 2014، وافق مجلس الاتحاد الروسي على تدخل القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية بعد سقوط الحكومة الأوكرانية الموالية لها، وذلك بمبرر حماية المواطنين الروس في منطقة شبه جزيرة القرم، لكن تلك القوات سيطرت على معظم المنطقة التي نظمت استفتاءً أقر التبعية لموسكو وسط غضب غربي.
خلال غزوها لشبه جزيرة القرم وضمها، لم ترسل روسيا قوة عسكرية كبيرة إلى هناك، إذ استخدمت قواتها المتمركزة أصلًا في المنطقة، مدعومةً من ميليشيات محلية، فكانت العملية سريعة وتمت دون إراقة دماء في البداية.
لم تكن القوات التي سيطرت على البنية التحتية الحساسة ومباني الإدارة في القرم ترتدي أي علامات تدل على انتمائها للجيش الروسي، لكن هناك مجموعات منظمة كانت ترتدي بذلات خضراء مميزة، تبين فيما بعد أنها تابعة للمجموعة شبه العسكرية التي تسمى “فاغنر”.
دخل عناصر فاغنر إلى شبه جزيرة القرم لأول مرة في فبراير/شباط 2014، حيث سيطروا على المنشآت ونزعوا سلاح الجيش الأوكراني بما يتماشى مع الخطة العسكرية الروسية، مع ذلك عملوا على عدم الاقتراب من المدنيين، حتى لا يثيروا الشكوك.
يفغيني بريغوجين زعيم فاغنر
تمت السيطرة على شبه جزيرة القرم بسرعة، ومن ثم توجه عناصر فاغنر إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا حيث بدأ الصراع بين الحكومة الأوكرانية والقوات الموالية لروسيا، وبمساعدتهم، تمكنت القوات الموالية لموسكو من زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتم شل عمل مؤسسات الحكومة المحلية، فضلًا عن الاستيلاء على مخازن الذخيرة والسيطرة على البلدات.
نفذ عناصر فاغنر هجمات تسلل واستطلاع لجمع معلومات استخبارية ورافقت كبار الشخصيات، وكان لها دور كبير في بسط الموالين لروسيا سيطرتهم على تلك المنطقة، ومع ذلك نفى الكرملين أي علاقة له مع هذه المجموعة شبه العسكرية.
لم تسند لفاغنر في تلك الفترة، مهمة تسهيل سيطرة الروس على شبه جزيرة القرم ودونباس فقط، إنما أسندت لهم أيضًا مهمة تصفية قادة موالين لروسيا، وقد ارتكبت فاغنر العديد من الجرائم وأشرفت على عمليات الإعدام والاغتيالات خارج نطاق القضاء.
قائد فاغنر الحاليّ وعلاقته بالكرملين
لا يجيز الدستور الروسي إنشاء شركات عسكرية خاصة أو جيش مرتزقة، إذ ينص على أن مسؤولية الأمن والدفاع عن البلاد تقع على عاتق الدولة دون غيرها، فيما يحظر القانون الروسي على المواطنين الروس العمل كمرتزقة، مع ذلك فإن القانون يسمح للشركات التي تديرها الحكومة بإنشاء وامتلاك قوات أمن مسلحة خاصة، وهي ثغرات قانونية تمثل منطقة رمادية شبه قانونية تتيح لمجموعة فاغنر العمل.
واصلت المجموعة نشاطها في شرق أوكرانيا، وواصلت روسيا نفي علاقتها بها، في الأثناء برز اسم جديد على الساحة، وهو يفغيني بريغوجين – الذي يعد أحد أبرز الأوليغارش الروس – بعد أن وضع يده على مجموعة فاغنر، وأصبح يُعرف كمالك للشركة.
يذكر أنه في سبتمبر/أيلول 2022، أقر يفغيني بريغوجين بأنه أسس مجموعة “فاغنر” عام 2014 للقتال في أوكرانيا، وقال في منشور له: “الآن أقدم إليكم اعترافًا (..)، هؤلاء الرجال الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب عربية أخرى والأفارقة والأمريكيين اللاتينيين المعدومين، لقد أصبحوا إحدى ركائز أمتنا”.
برز اسم بريغوجين، في وسائل الإعلام الغربية خاصة في 2016 بعد أن فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية، لدور إحدى شركاته “وكالة الأبحاث على الإنترنت” في التأثير بالانتخابات الأمريكية التي أدت إلى وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض.
انطلق زعيم فاغنر من لا شيء ليتحول في وقت قصير لأحد كبار الأغنياء في روسيا، بل وكسب مكانة خاصة في مربع القرار حتى إنه يصنف ضمن الشخصيات التي تشكل الدائرة الضيقة جدًا للرئيس الروسي فلادمير بوتين.
ينحدر بريغوجين – على غرار بوتين – من مدينة سان بطرسبورغ، ثاني أكبر مدن روسيا، التي عرف بها في مرحلة من سنوات شبابه كمنحرف، حكم عليه خلالها بالسجن 12 عامًا، قضى منها 10 سنوات بتهم تتعلق بالسرقة والانتماء إلى عصابة.
خروجه من السجن، جاء مع انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991، وظهور نظام جديد في روسيا، ما دفعه لمحاولة استغلال الفرص المتاحة للعمل في التجارة، وبدأ عمله ببيع شطائر النقانق قبل أن يخلق سلسلة متاجر للبقالة، ثم انتقل بعد ذلك إلى إنشاء مطاعم، من بينها المطعم العائم “نيو أيلاند” المفضل لدى بوتين.
بالوقت، فتح له فلاديمير بوتين، بوابة الكرملين، ليصبح “طباخه” عبر شركته، ليُعرف فيما بعد من طرف وسائل الإعلام الغربية بـ”طباخ بوتين”، وتعود علاقتهما ربما إلى التسعينيات من القرن الماضي، عندما كان بوتين يعمل في مكتب عمدة سان بطرسبرغ، وكان يتردد حينها على مطعم بريغوجين الذي كان يحظى بشعبية بين المسؤولين المحليين.
ساعده ذلك في حصول شركته “كونكورد” للطعام على مئات الملايين من العقود الحكومية لتوفير وجبات الأكل لأطفال المدارس والموظفين الحكوميين، كما حصد عقودًا لتوريد وجبات إلى الجيش الروسي بقيمة تعادل مليار دولار أمريكي على الأقل في عام واحد.
ويخضع بريغوجين حاليًّا، فضلًا عن العديد من شركاته، لعقوبات أمريكية وأوروبية نتيجة تورطهم في جرائم ارتكبت بحق مدنيين في العديد من المناطق، على رأسها أوكرانيا، وتدخلهم في الانتخابات الأمريكية سنة 2016.
ارتبط اسم بريغوجين بوحدة معلومات مضللة تعرف باسم “مصنع ترول” في سانت بطرسبرغ، وذكرت الأخبار أن المصنع ينتج موادًا وينشرها عبر الإنترنت بهدف تشويه سمعة المعارضة السياسية الروسية وتلميع صورة الكرملين من جهة أخرى، وكان هذا المصنع جزءًا من محاولة روسية للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفقًا لتحقيق أجراه المستشار الخاص روبرت مولر.
تدخل في السياسات الخارجية والعسكرية والاقتصادية للكرملين
تتعارض إدارة جيش من المرتزقة مع الدستور الروسي، وفق ما قلنا في البداية، لكن رغم ذلك فإن فاغنر توفر للكرملين قوة يستطيع إنكارها والتنصل منها في كل وقت، ما سمح لها بالتدخل في سياسات موسكو الخارجية والعسكرية والاقتصادية لموسكو.
بمرور الوقت، تطورت فاغنر إلى ما وراء الخدمات العسكرية الخاصة، إلى شبكة من العلاقات والشراكات مع شركات وقادة في العديد من الدول الإفريقية والعربية، فالمجموعة تعمل في تلك المنطقة الرمادية بين الأنشطة غير القانونية إلى حد ما، ويغطون المنطقة بأكملها.
استعانت موسكو بهذه المجموعة، نتيجة مساعيتها لتخفيف الأعباء والمهام عن كاهل جيشها النظامي، فضلًا عن رغبتها في تنفيذ عمليات وأنشطة خارجة عن القوانين والمواثيق المعهود بها، دون التورط علانية بها.
أظهرت تسريبات لسجل مكالمات بريغوجين نشرت سنة 2020، علاقته فوق العادية بدائرة الرئيس الروسي بوتين المقربة
أسندت لها مهمة ارتكاب جرائم لصالح روسيا تخشى هذه الأخيرة فعلها في العلن، لما فيها من مخالفات للقانون الدولي والمعايير الإنسانية، كما أسندت لها نفس المهام من حلفاء موسكو باعتبارها شركة تقدم خدمات تكنولوجية وتدريبية.
شاركت فاغنر منذ تأسيسها في العديد من الصراعات في جميع أنحاء العالم، لا سيما في سوريا وفي العديد من البلدان في إفريقيا، مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية فيها، كآبار النفط والغاز ومناجم الذهب والألماس وغيرها من الثروات الباطنية، خدمة لمصالحها ومصالح الكرملين.
وبفضل الجيش الروسي تجاوزت القدرات العسكرية لفاغنر “نظيراتها لدى أي شركة أمنية غربية خاصة”، وخصوصًا الشركة الأمريكية “بلاك ووتر” التي عملت لحساب الحكومة الأمريكية في العراق واتُهمت كثيرًا بالإفلات من المحاسبة.
نفهم من هنا أن دور مرتزقة فاغنر تجاوز العسكري إلى الاقتصادي، إذ جنت المجموعة أموالًا طائلةً من عملها غير القانوني، ما عاد بالفائدة على الاقتصاد الروسي الذي يعاني في السنوات الأخيرة نتيجة العقوبات الكثيرة التي فرضها عليه الغرب.
كما يمكن فهم السياسة الخارجية لروسيا من خلال تحركات مرتزقة فاغنر، إذ أسندت لهم أيضًا مهمة دعم الدبلوماسية الروسية في العديد من الدول، رغم أن الكرملين ينفي صحة ذلك، فإن العديد من المؤشرات والحقائق فضحت هذا الأمر.
وأظهرت تسريبات لسجل مكالمات بريغوجين نشرت سنة 2020، علاقته فوق العادية بدائرة الرئيس الروسي بوتين المقربة، وفسرت النفوذ الذي بات يحظى به، حيث رصد تواصله مع مدير مكتب بوتين 144 مرة، ومع كبير موظفي الكرملين 99 مرة، بينما تواصل مع نائب وزير الدفاع 54 مرة وتحدث مع مستشار بوتين للسياسة الخارجية وسفيره في أمريكا 3 مرات.
الانتشار في سوريا
ارتبط وجود فاغنر في دول عديدة بالسياسة والاقتصاد فضًلا عن الوجود العسكري كما أشرنا، وقد تزايد الحديث عنها والتركيز على أعمالها سنة 2015، مع بداية انتشارها في سوريا لدعم قوات نظام بشار الأسد في حربه ضد شعبه.
يوم 30 سبتمبر/أيلول 2015، بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية، استجابة لطلب الأسد، وذلك من أجل قمع السوريين الذين انتفضوا ضد النظام.
نشرت موسكو في البداية 21 طائرة هجوم أرضي من نوع سوخوي-25، و12 مقاتلة اعتراضية من نوع سوخوي-24، و6 قاذفات متوسطة من نوع سوخوي سو-34، و4 سوخوي سو-30 متعددة الأدوار، بالإضافة إلى 15 مروحية (متضمنة مي-24 هايند الهجومية) في مطار باسل الأسد الدولي قرب اللاذقية.
كما تضمنت القوات الروسية كذلك 6 دبابات من طراز تي-90 و15 قطعة مدفعية و35 عربة جند مدرعة و200 من مشاة البحرية (مع منشآت إسكان تسع 1.500 فرد)، ورصدت أيضًا قاذفات بي إم-30 سميرتش قرب اللاذقية.
لم تنجح ضربات روسيا الجوية في كبح جماح الثوار، فكان عليهم الاستعانة بقوات برية للسيطرة على الأرض، دون الدفع بالجنود النظاميين إلى ساحات المعارك، وكان الحل شركة “فاغنر” التي خبروها في ساحات المعارك بأوكرانيا.
عاد مرتزقة فاغنر مجددًا إلى سوريا، بعد أن خرجوا منها سنة 2013 دون تحقيق أهدافهم (كانوا يعملون ضمن الفيلق السلافي)، لدعم نظام بشار الأسد في مواجهة المدنيين العزل الذين خرجوا للشوارع، للمطالبة بإسقاط النظام، ونفهم من هنا أن مرتزقة فاغنر كانوا يقاتلون مكان الجيش الروسي النظامي، وذلك حتى تتجنب القوات النظامية الخسائر البشرية في صفوفها.
كانت المهمة الأولى لفاغنر هي تدريب قوات النخبة السورية، كما اعتمد عليهم لأداء العديد من المهام الأمنية، منها تأمين البنية التحتية الحيوية للنظام السوري، وتأمين المناطق ذات الأهمية مثل حقول النفط أو البنى التحتية الأخرى المتعلقة بالطاقة والهجوم على أخرى، فضلًا عن حماية المسؤولين السوريين رفيعي المستوى، وإعطاء إحداثيات للطيران والمدفعية.
لكن أبرز عملية شاركوا فيها في البداية كانت في مارس/آذار 2016، وهي العملية التي قال فيها الجيش السوري إنه حرر مدينة تدمر التاريخية من عناصر تنظيم الدولة، وارتكبت فاغنر في تلك العملية جرائم ضد الإنسانية.
في مارس/آذار 2016، نقلت عن مصادر أمنية روسية وجود 2500 من المرتزقة بسوريا، بينهم 1600 مقاتل خصصت لهم موازنة بقيمة 350 مليون دولار منذ بدء العملية، وقد أسندت العمليات القذرة لهم، ليتجنب الكرملين المحاسبة.
كان لدى فاغنر سرايا قتال واستطلاع، فضلًا عن سرايا دبابات ومدرعات مقاتلة ومجموعة ناقلات جنود مصفحة ومجموعة مدفعية مدمجة شملت مدافع ذاتية الحركة وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة، كما كانوا يستعملون الطائرات لنقل المواد اللوجيستية والأشخاص بين مناطق عملياتها المختلفة.
لم يكن أمام فاغنر أي خطوط حمراء ولا قواعد محددة، فكل شيء متاح لهم في ظل التسهيلات الكبيرة التي قدمها لهم نظام بشار الأسد، وبفضلهم تمكن الروس من إنشاء موطئ قدم لمصالحهم دون التورط بشكل كبير في الصراع السوري.
حصلت فاغنر على موارد مالية كبيرة من نظام بشار الأسد ومن منشآت النفط والغاز التي تسيطر عليها شرقي سوريا
تورط مرتزقة فاغنر في العديد من الجرائم والمجازر بحق السوريين، إذ استهدفوا المواقع المدنية لا سيما المدارس والمستشفيات والمؤسسات الدينية، كما استهدفوا العاملين في المجال الطبي والإعلامي والدفاع المدني.
كما تسببت الهجمات الدموية التي نفذها مرتزقة فاغنر على مناطق شمال وشرق سوريا في عمليات نزوح كبيرة للسوريين، ووضعت موسكو وحليفتها دمشق عراقيل أمام وصول المساعدات الإنسانية، ما دفع بالفارين من الحرب إلى عبور الحدود إلى تركيا بأعداد كبيرة.
ارتبط وجود فاغنر في سوريا بحميميم، وهي القاعدة الرئيسية لروسيا في سوريا، إذ تعمل القوات الروسية داخلها وفاغنر خارجها، ومهمتها هناك جمع المعلومات الاستخبارية على الأرض، والتنسيق مع النظام في دمشق.
فضلًا عن قاعدة حميميم الجوية، تتمركز مجموعة فاغنر بالقرب من المدن الكبرى وداخلها إلى جانب الوحدات السورية في مناطق التمركز السكاني الرئيسية، وحول حقول النفط الإستراتيجية بهدف ضمان انسياب النفط لتشغيل آليات النظام القتالية والتأكد من وصول موارده المالية إلى جيب النظام.
مثلت فاغنر أكبر داعم لنظام بشار الأسد، إذ مكنت قواته من السيطرة على مناطق كثيرة وآبار نفط متفرقة، وساعدته على جني أرباح كثيرة في تجارة المخدرات والاتجار بالبشر، كل ذلك بعلم روسيا وتنسيق مباشر مع الكرملين.
التدخل في ليبيا إلى جانب حفتر
على عكس التدخل الأول الذي فشلت فيه، استفادت مجموعة فاغنر هذه المرة كثيرًا من عملها في سوريا، إذ حصلت على الخبرة القتالية على الأرض، وجربت تكتيكات مختلفة للقتال، فضلًا عن تجريب معداتها العسكرية أمام أهداف حقيقية.
ليس هذا فحسب، إذ حصلت أيضًا على موارد مالية كبيرة من نظام بشار الأسد ومن منشآت النفط والغاز التي تسيطر عليها شرقي سوريا، ما ساهم بشكل كبير جدًا في توسيع نشاطها وزيادة أعداد مقاتليها من خلال فتح باب الانتساب إلى فاغنر للسوريين والسماح لهم بالعمل معها داخل سوريا وخارجها.
بعد تزايد صيتها عالميًا، وسعت فاغنر عملياتها بعيدًا عن سوريا وأوكرانيا، وكانت وجهتها هذه المرة ليبيا، وقد استخدمت المجموعة قاعدة حميميم الجوية، لنقل مئات المرتزقة التابعين لها إلى ليبيا للقتال إلى جانب حليف الكرملين اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، ظهر مقاتلو فاغنر لأول مرة في ليبيا، وكانت مهمتهم في البداية تقديم مساعدات فنية لإصلاح المركبات العسكرية، فضلًا عن المشاركة في عمليات عسكرية محدودة، لكن دورهم تدعم في أبريل /نيسان 2019، عندما انضموا إلى قوات تابعة لخليفة حفتر، الذي شن حينها هجومًا عسكريًا على الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس.
عمل عناصر المجموعة، وفق تقرير أممي صدر منتصف سنة 2020، في وحدات المدفعية والرصد والقنص كما قدموا مساعدات فنية في العمليات الإلكترونية، ومعظم أعضاء المجموعة من روسيا، لكن يوجد بينهم عناصر من بيلاروسيا ومولدوفا وصربيا وأوكرانيا وسوريا، وقدرت الأمم المتحدة عددهم في ليبيا بـ800-1000 عنصر، فيما قدرتهم جهات أخرى بأكثر من 7 آلاف مقاتل.
خلال حربهم إلى جانب حفتر، ارتكب مرتزقة فاغنر جرائم حرب، لا سيما القتل العمد للمدنيين وتصفية معارضي حفتر، كما تورطوا في زرع الألغام والفخاخ الخادعة في المناطق المدنية، ومن المعروف أن زرع الألغام دون وضع علامات عليها يعد جريمة حرب.
يذكر أن تمويل مرتزقة فاغنر الروسية في ليبيا، جرى من الدخل الناتج عن صناعة النفط في هذا البلد العربي، إذ منحهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر عائدات مالية مهمة من الآبار النفطية التي يسيطرون عليها في أماكن متفرقة في ليبيا.
رغم هزيمة حفتر في الحرب ضد الحكومة الشرعية في طرابلس ووجود اتفاق دولي يقضي برحيل القوات الأجنبية في ليبيا التي لا يرتبط وجودها باتفاق رسمي، بقيت عناصر فاغنر في ليبيا، وتمركزت في محافظتي سرت (شرق طرابلس) والجفرة (جنوب شرق طرابلس)، فضلًا عن قاعدة القرضابية الجوية بسرت ومينائها البحري، وقاعدة براك الشاطئ شمال سبها.
الانتشار في إفريقيا والسيطرة على الثروات الباطنية
لم تقتصر وجهة فاغنر على سوريا وليبيا فقط، إنما شملت دولًا إفريقيةً أخرى، منها السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وزيمبابوي وأنغولا ومدغشقر وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق وربما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مقابل الحصول على امتيازات وتراخيص لاستغلال هذه المعادن والثروات وتوريد أسلحة وتقنيات وخدمات عسكرية.
نهاية سنة 2017، توجه عدد من مرتزقة فاغنر إلى السودان، بمقتضى عقد مع الرئيس السابق عمر البشير، وتولت فاغنر تدريب أفراد من الجيش السوداني، وأيضًا قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، مقابل صفقات تضمنت على الأخص مجموعة من امتيازات تعدين الذهب لشركة “إم-إنفست” (M-Invest)، وهي شركة روسية مرتبطة برئيس شركة فاغنر.
عملت فاغنر في السودان لضمان مصلحتين روسيتين هناك: أولهما تعدين الذهب وتهريبه لتخفيف وطأة العقوبات الدولية ضد السلطات الروسية، وثانيهما الحصول على قاعدة بحرية على البحر الأحمر، تحديدًا في بورتسودان.
رغم رحيل عمر البشير عن السلطة، بقي عناصر فاغنر هناك، ونجحت المجموعة في التكيف بظل الحكومة الانتقالية الجديدة إلى أن دعمت الانقلاب العسكري قبل نهاية عام 2021، الذي أتى بحكومة أكثر اهتمامًا بمواصلة تعزيز العلاقات مع روسيا.
خلال وجودها في إفريقيا، استغلت مجموعة فاغنر خبراتها القتالية لدعم العديد من القادة وحمايتهم
يوجد عناصر من مجموعة فاغنر بجمهورية إفريقيا الوسطى أيضًا، وذلك منذ سنة 2018، وتكفل فاغنر أمن المؤسسات المختلفة، وتلعب دورًا كبيرا في تدريب الحرس الرئاسي والجيش، إذ يشرف عناصرها على تدريب أفراد الحرس الرئاسي والجيش ويحرسون الرئيس فوستين أرشانج تواديرا.
فضلًا عن ذلك يحمي عناصر المجموعة مناجم الذهب والألماس، التي يقع معظمها شمال شرق البلاد، منها مناجم قرب مدينة بامباري، في مناطق نفوذ تحالف متمردي “سيليكا”، وغالبيتهم من المسلمين، ويحصلون على نسبة مهمة من العائدات.
أما في موزمبيق، فتنتشر فاغنر في شمال البلاد، تحديدًا في مقاطعة كابو ديلغادو، الغنية بحقول الغاز الطبيعي، ويتراوح أفراد المجموعة المنتشرين هناك ما بين 160 و300 عنصر منذ سبتمبر/أيلول 2019، مزودين بطائرات دون طيار وأدوات عسكرية عالية التقنية لتحليل البيانات.
وينتشر مرتزقة فاغنر في بلدة “موسيمبوا دا برايا” الساحلية، ومنطقتي ناكالا ونامولا القريبتين من كابو ديلغادو، التي تستثمر بها كبرى الشركات العالمية 60 مليار دولار لاستغلال حقول الغاز البحرية، وهي أكبر استثمارات في إفريقيا.
مؤخرًا، تحول عناصر من فاغنر إلى دولة مالي لدعم المجلس العسكري الجديد، وحمايته خاصة بعد انسحاب الجيش الفرنسي، كما وقع مسؤولون في الكاميرون اتفاقية دفاعية مع روسيا في أبريل/نيسان 2002، اعتبرها البعض مقدمة محتملة لنشر فاغنر.
خلال وجودها في إفريقيا، استغلت مجموعة فاغنر خبراتها القتالية لدعم العديد من القادة وحمايتهم، فضلًا عن استغلال شركاتها الإعلامية للقيام بحملات تضليل وتبييض صورة موسكو والترويج لها بين الأفارقة الذين سئموا القوى الاستعمارية التقليدية.
ترتبط الإمارات بعلاقات قوية مع روسيا، وهو ما يفسر مساعداتها المتواصلة لها للالتفاف على العقوبات الدولية
مكنت فاغنر موسكو من الوصول إلى المواد الخام القيمة في الدول الإفريقية – التي تشمل الألماس والنفط والذهب واليورانيوم والسيليكون والمنغنيز – وهي المواد التي مكنت روسيا من مقاومة العقوبات الغربية المتتالية.
كما مكنتها أيضًا من نسج تحالفات مع أنظمة إفريقية عدة، ساندتها في محافل دولية عديدة وكسرت حالة العزلة التي فرضتها الدول الغربية على الكرملين، نتيجة تورط مسؤولين روس في العديد من الجرائم ضد الإنسانية.
علاقات كبيرة مع الإمارات
هناك سؤال مهم يتبادل إلى ذهن القراء، يتمحور حول ماهية الأطراف الممولة لمجموعة فاغنر، في البداية أجبنا عن جزء من هذا السؤال وبينا أن التمويل من قيادة موسكو مباشرة ومن بعض أعمال مالك المجموعة، لكن هناك ممول ثالث كشفته العديد من التحقيقات وهو دولة الإمارات العربية المتحدة.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، نقل موقع “فورين بوليسي” عن المفتش العام لعمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” أن الإمارات تساعد في تمويل مرتزقة فاغنر الروسية في ليبيا، خدمة لمؤامرات أبو ظبي في نشر الفوضى والتخريب في البلاد.
جاء هذا التقرير بعد تقارير سابقة أشارت إلى وجود تنسيق ميداني في ساحة القتال بين الإمارات وفاغنر، رغم أن الإمارات حليف أساسي للولايات المتحدة الأمريكية التي تعادي هذه المجموعة وتسعى للحد من نشاطها وفعاليتها.
عن ماهية هذا الدعم، كشفت تقارير أن شركات طيران مقرها الإمارات عمدت إلى نقل مرتزقة فاغنر الروس إلى مناطق الصراع في الخارج، خاصة إلى إفريقيا الوسطى وليبيا ومالي، وفي جميع هذه البلدان اتهم مرتزقة فاغنر بارتكاب جرائم حرب.
كما وفرت دبي – كمركز رئيسي لتجارة الذهب في العالم – الطرق الرئيسية لفاغنر لمبادلة الذهب بالمال، وسمحت لشركات تابعة لهذه المجموعة بتأسيس متاجر لها في الإمارات، ما مكن المرتزقة الروس من عائدات مالية كبيرة ساهمت في دعم أنشطتها.
تشير هذه التقارير إلى تعاقد قادة الإمارات مع ميليشيات فاغنر لاستخدامها في حروبها وتدخلاتها العسكرية الخارجية، دون أن تتورط مباشرة في هذه النزاعات، وهو نفس المبدأ الذي اعتمده الروس من البداية، ففاغنر الوسيلة الأسلم لتحقيق أهدافهم.
يُذكر أنه في يناير/كانون الثاني 2023، صنفت الولايات المتحدة الأمريكية فاغنر “منظمة إجرامية كبيرة عابرة للحدود”، مسؤولة عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وشددت واشنطن العقوبات عليها وعلى كيانات مرتبطة بها، وهو الأمر نفسه بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وترتبط الإمارات بعلاقات قوية مع روسيا، وهو ما يفسر مساعداتها المتواصلة لها للالتفاف على العقوبات الدولية، ففي أواخر مارس/آذار الماضي، كشفت عدة وسائل إعلام ومنظمات غير حكومية أبرزها غلوبال ويتنس، الطرق الرئيسية التي يستخدمها المتعاملون في تجارة المواد الخام أو المحروقات، وموسكو أيضًا، لاستغلال ثغرات موجودة في نظام العقوبات الغربية المفروضة على روسيا والالتفاف عليها، تمر هذه الطرق غالبًا عبر دولتين هما سويسرا، وبشكل خاص الإمارات العربية المتحدة.
محاولة انقلاب فاغنر
لم تكن مجموعة فاغنر مفعولًا بها في كل الأوقات، بل كانت فاعلًا في العديد من الفترات والأماكن، ولسنوات عديدة بقيت العلاقات بين موسكو والمنظمة على درجة كبيرة من التقدم، لكن حرب أوكرانيا المتواصلة منذ فبراير/شباط 2022 وعدم قدرة السلطات الروسية على حسم المعركة والخسائر الكبيرة التي تكبدتها فاغنر، أثرت على هذه العلاقات.
لم ترض فاغنر أن تبقى في الهامش والتضحية بمسلحيها في الجبهات الأمامية، وفق ما أكده قادتها، إذ اتهم زعيمها قيادة الجيش الروسي بعدم تقديم الدعم الكامل للمسلحين في جبهات القتال وحملها مسؤولية الخسائر المتواصلة، كما اتهم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بإصدار الأمر بقصف مقار قواته.
عدم استجابة السلطات الروسية لمطالب فاغنر، دفع المجموعة إلى محاولة الانقلاب على الكرملين، إذ أقدم “أمير الحرب” الروسي يفغيني بريغوجين خلال يومي 23 و24 يونيو/حزيران الماضي على مغامرة نحو موسكو للسيطرة عليها، بعد أن كان الحليف الأول لنظام فلاديمير بوتين وعصاه الغليظة التي يضرب بها بعيدًا عن القانون.
من المستبعد أن يضحي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتقدم الذي حققته فاغنر في إفريقيا وسوريا أيضًا
امتدت المغامرة لساعات قليلة فقط، إذ سرعان ما أعلن بريغوجين سيطرة قواته على المنشآت العسكرية في مقاطعة روستوف (جنوبي روسيا)، وهدد بالتوجه إلى العاصمة موسكو، وتحركت أرتال بالفعل تجاهها، رغم تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه أحجم عن ذلك بعد واسطة من بيلاروسيا.
تراجعت عناصر المجموعة بعد أن تقدمت أكثر من 700 كيلومتر نحو موسكو، واتجه قائدها إلى مكان مجهول بعد أن ظهرت أنباء قالت إنه توجه إلى بيلاروسيا، لكن قيادة البلاد نفت ذلك فيما بعد وإلى الآن لا يُعلم مكان وجوده.
عقب محاولة الانقلاب، تم تفتيش منزل قائد “فاغنر” يفغيني بريغوجين في سان بطرسبورغ، وهناك تم الكشف عن مروحية مركونة في الحديقة ورزم من الدولارات والروبلات وسبائك ذهب وأسلحة عديدة، بالإضافة إلى عدد من جوازات السفر بأسماء مختلفة وخزانة تحتوي على شعر مستعار.
مستقبل المجموعة
تؤكد التطورات الأخيرة، توتر العلاقات بين فاغنر وممول نشاطها الأبرز الكرملين (قدم الكرملين لفاغنر بين مايو/أيار 2022 ومايو/أيار 2023، ما يعادل مليار دولار، كرواتب للمقاتلين ومكافآت تحفيزية)، لكن كيف سيؤثر ذلك على مستقبل المجموعة؟
نعلم جيدًا أن فاغنر فتحت الأبواب أمام الروس في العديد من الدول الإفريقية، من ذلك ليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى والسودان، لذلك ليس من السهل أن تضحي موسكو بهذه المجموعة، فمصالح النظام تقتضي المحافظة عليها.
سيعمل الروس الآن على حصر الصراع مع زعيم المجموعة فقط، أي أن موسكو ستحصر الخلاف مع بريغوجين حتى لا تخسر مرتزقة فاغنر ككل، فخسارة هؤلاء المرتزقة يعني خسارة الروس أبرز أسلحتهم غير القانونية في الخارج.
رفع الغطاء عن فاغنر، سيضعف موقف الروس في القارة الإفريقية، وسيجعل روسيا لقمة سائغة للقوى الغربية هناك، خاصة أن دول الغرب يترصدون الفرصة منذ فترة، ومن الصعب أن يجدوا فرصة مواتية لتقليم أظافر الروس أفضل من هذه.
من المستبعد أن يضحي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتقدم الذي حققته فاغنر في إفريقيا وسوريا أيضًا، لذلك سيبقي دعمه للمجموعة، على أن تكون أكثر ولاءً للكرملين، وألا تتحرك عكس رغباته، كما حدث في العديد من المرات السابقة.
من المرتقب إعادة تأهيل فاغنر لأدوار قادمة في إفريقيا وآسيا وربما أمريكا اللاتينية، حتى تضمن مصالح روسيا في تلك المناطق، على أن تحافظ على أدوارها السابقة التي ساهمت في دعم اقتصاد روسيا وتقوية نفوذ الكرملين في الخارج.