ترجمة حفصة جودة
قدم المعتقل القابع في معسكر خليج غوانتنامو الأمريكي، الذي أصبح حقل تجارب لبرنامج تعذيب المخابرات الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، السرد الأكثر شمولية وتفصيلًا لآليات التعذيب الوحشية التي تعرّض لها.
صنع أبو زبيدة سلسلة من 40 رسمة تؤرّخ للتعذيب الذي تعرّض له في عدد من المواقع السوداء للمخابرات الأمريكية بين عامَي 2002 و2006 وفي سجن غوانتنامو، وفي غياب أي بيان رسمي عن برنامج التعذيب الذي عملت المخابرات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي على إخفائه لسنوات، تقدِّم لنا الصور نظرة ثاقبة وفريدة على فترة مروعة من التاريخ الأمريكي.
هذه الرسومات التي أرفقها أبو زبيدة بكلماته، تصف التعذيب الوحشي والانتهاكات الجنسية والدينية والترويع النفسي طويل المدى الذي اُرتكب ضده وضد غيره من المعتقلين، حيث رسم أبو زبيدة تلك الصور من ذاكرته في زنزانته بسجن غوانتنامو، وأرسلها إلى أحد محاميه، البروفيسور مارك دينبيوكس.
جمع دينبيوكس وطلابه في مركز السياسة والأبحاث بكلية الحقوق في جامعة سيتون هول، صور وكلمات أبو زبيدة في تقرير جديد، وقد نشرت “الغارديان” التقرير كاملًا بعنوان “الجلادون الأمريكيون: انتهاكات المخابرات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في المواقع السوداء وغوانتنامو تُعرض لأول مرة مرفقة بصور لم تُنشر من قبل”.
يقول دينبيوكس: “يمثل أبو زبيدة الوجه النموذجي لبرنامج التعذيب الأمريكي، فقد كان أول شخص يتعرض للتعذيب بموافقة وزارة العدل، بناءً على حقائق تعلم المخابرات الأمريكية أنها خاطئة، لكن رسوماته تكشف فشل التعذيب وانتهاكاته”.
صنع أبو زبيدة سلسلة من 40 رسمة تؤرّخ للتعذيب الذي تعرّض له في عدد من المواقع السوداء للمخابرات الأمريكية بين عامَي 2002 و2006 وفي سجن غوانتنامو
يأتي هذا التقرير الجديد في وقت حرج لأبو زبيدة المحتجز في سجن غوانتنامو وفقًا لشروط “كافكا”، فهو يُعرف بأنه “السجين الأبدي” لأنه لم يُتهم بأي جريمة حتى الآن، ولم يُعرض عليه إطلاق سراحه أيضًا.
في الأسبوع الماضي، دعت هيئة تابعة للأم المتحدة لإطلاق سراحه فورًا، لأنها ترى أن استمرار اعتقاله قد يعدّ جريمة ضد الإنسانية، كما قالت الممثلة القانونية الدولية للمعتقل، هيلين دوفي، إن الحكم الصادر عن مجموعة الأمم المتحدة التي تعمل على الاعتقال التعسفي تتوافق مع الشهادة المرئية لأبو زبيدة عن التعذيب.
وتضيف: “هذه الرسومات تصوير قوي لما حدث له، واستثنائية نظرًا إلى أنه لم يكن قادرًا على التواصل مباشرة مع العالم الخارجي”.
يضيف دينبيوكس أن هذا المزيج من تدخل الأمم المتحدة ورسومات أبو زبيدة يمنحنا بارقة أمل لمعالجة المأزق القانوني لأبو زبيدة، ويقول: “ما أبقاه حبيسًا كان الصمت والظلام، والآن يشعّ بعض الضوء على السجين الأبدي”.
تعدّ رسومات أبو زبيدة سجلًّا بصريًّا فريدًا للتعذيب الذي انتهجته الحكومة الأمريكية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كانت هناك لقطات مصورة لتعذيب أبو زبيدة التقطتها المخابرات الأمريكية لكنها دُمّرت في انتهاك صريح لأوامر المحكمة، بينما لا يزال تقرير مؤلَّف من 6700 صفحة -كتبته لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ- سرًّا رغم مرور أكثر من عقد على اكتماله.
ورغم أن تقرير مجلس الشيوخ لم يُنشر مطلقًا، إلا أن نتيجته معروفة: فشلت الانتهاكات ضد أبو زبيدة وغيره من المعتقلين في استخراج أي معلومات جديدة، بمعنى آخر: لم يكن التعذيب مجديًا.
اُعتقل أبو زبيدة (52 عامًا) في باكستان في مارس/ آذار 2002، وسُلّم لأحد المواقع السوداء التابعة للمخابرات الأمريكية في بولندا ولتوانيا ودول أخرى، كان أول ضحية لما أصبح بعد ذلك استخدامًا واسع النطاق من قبل أمريكا للتعذيب ضد المشتبهين بالإرهاب، ونُقل أبو زبيدة إلى غوانتنامو عام 2006 حيث لا يزال محتجزًا حتى الآن.
زعمت الولايات المتحدة في البداية أنه فرد بارز نشط في تنظيم القاعدة، لكنها اضطرت بعد ذلك الاعتراف بأنه لم يكن حتى عضو بالجماعة، يقول دينبيوكس: “لقد اتفق الجميع على أنهم عذّبوا الشخص الخطأ، لكنهم استمروا في ذلك للحصول على تصريح بتعذيب الآخرين”.
كانت صور أبو زبيدة دقيقة للغاية، حتى أنهم نقّحوا صور عملاء المخابرات ومكتب التحقيقات لحماية هوياتهم، يكشف ذلك مدى انتهاك الحكومة الأمريكية للقوانين الدولية وحتى توجيهاتها الخاصة باستخدام ما أسمته “تقنيات التحقيق المعززة”.
من بين هذه الصور التي تُنشر لأول مرة، تلك الصورة التي تكشف عن عملاء ملثّمين يهددون أبو زبيدة باغتصابه شرجيًّا، كما وصف أيضًا تقنية التعذيب العنيفة التي اُستخدمت ضده وتُعرف باسم “الضرب بالجدار”.
في صورة أخرى، رسم أبو زبيدة نفسه مقيّدًا عاريًا أمام محقِّقة، وتكشف صورة أخرى الحرّاس وهم يهددونه بتدنيس القرآن (وهي تقنية لم توافق عليها وزارة العدل رسميًّا).
يقول دينبيوكس: “لم تتم الموافقة على الانتهاك الجنسي أو التجريد من الملابس أو الإذلال بحضور محققة، ولم تتم الموافقة أبدًا على تعريض الشخص لتعذيب طويل المدى لحدّ الإنهاك أو أسوأ”.
في شهادته، يصف أبو زبيدة تقنيات التعذيب المختلفة طويلة المدى بـ”الدوامة”، تعرّض أبو زبيدة كذلك للإيهام بالغرق ومحاكاة الغرق 83 مرة، حيث سجّل المعتقل تقنيات مختلفة لتلك الطريقة، من بينها وضعه في صندوق بحجم الكفن وملأه بالماء حتى أنفه، يقول أبو زبيدة أنه ظل مرعوبًا من الغرق طوال اليوم.
تصف ملاحظات أبو زبيدة الانتهاكات التي عانى منها شخصيًّا كأول ضحية لبرنامج التعذيب الأمريكي، لكن دينبيوكس يقول إن موكله قدّم هذه الشهادة ليس فقط لتسليط الضوء على معاناته وحده، بل الكثيرين الذين تعرضوا لنفس هذه التقنيات.
وفقًا لملخّص تقرير مجلس الشيوخ عام 2014، فإن 119 شخصًا على الأقل كانوا ضحايا هذا البرنامج.
الضرب بالجدار
يقول أبو زبيدة: “في بعض الأحيان كانوا يلفون منشفة بشريط لاصق حول عنق السجين، ويبدأون بضربه في الجدار الأسمنتي أو الخشبي، كانوا أيضًا يدخلون فجأة زنزانة السجين ويبدأون في ضربه بالحائط دون أي منشفة، ويتعمّدون ضربه بقوة في رأسه من الخلف وظهره عدة مرات لفترة طويلة حتى يسقط مغمى عليه”.
“بعد ذلك يوقظونه بالماء البارد ويواصلون ضربه حتى لو لم يغمَ عليه، ثم يبدأون بصفعه على وجهه بينما يسألونه بعض الأسئلة ويطلقون شتائم بذيئة، ويواصلون ضربه بقوة على رأسه وظهره وأردافه حتى تخور قواه ويسقط على الأرض”.
الإيهام بالغرق
يصف أبو زبيدة الإغراق قائلًا: “لم يكن الإيهام بالغرق باستخدام الماء واللوح فقط، لكنهم كانوا يضعون السجين في كفن خشبي لفترة طويلة حتى يتبوّل على نفسه، كانوا يقيدون يدَيه خلف ظهره أو من الأمام، عند تقييده من الأمام يتركونه كذلك عدة أيام غارقًا في فضلاته”.
“أما عند تقييده من الخلف فإنهم يتحدثون معه من فتحة صغيرة أعلى الكفن، ويسألونه عن بعض الأشياء، وعندما ينكرها أو يقسم أنه لا يعلم شيئًا، يبدأ شخص آخر بسكب الماء البارد من فتحه أخرى، ولأن الكفن مصنوع من الخشب فقد كان الماء يتسرب منه لكن ببطء شديد”.
في تلك الأثناء سأله المحقق وهدده ثم تركه هكذا حتى وصل الماء إلى أنفه وفمه حتى بدأ يتحرك بعصبية ويسعل لإيقاف الغرق، فيأتي المحقق مرة أخرى ويتوقف الشخص الآخر عن سكب الماء، يبدأ الماء في التسرب من الصندوق، فيعيدون الكرّة، ويبقى هكذا مرتعبًا من الغرق طوال اليوم.
الدوامة
يقول أبو زبيدة: “تكشف هذه الصورة عن دوامة الألم والضغط والجوع والبرد التي يضعون المعتقل فيها خلال 24 ساعة من التعذيب الشديد، والذي قد يستمر لأسابيع أو شهور، حيث يستخدمون طريقة تعذيب معينة، في تلك الحالة كان الضرب بالعصا في البرد الشديد حتى يكون الألم مضاعفًا، وكانوا يضربون السجين حتى يكاد أن يغمى عليه أو يفقد وعيه بالفعل”.
“بعد ذلك يوقظونه بقوة ويركزون على طريقة تعذيب أخرى لمدة ساعة، ثم طريقة ثالثة لمدة ساعة أخرى، حتى ينتهون من كل طرق التعذيب، بعد ذلك يبدأون مرة أخرى بالطريقة الأولى للمرة الثانية ثم المرة الثالثة، وهكذا طول اليوم أو طوال فترة التعذيب أيًا كانت مدتها”.
المحققة
يقول أبو زبيدة: “كنت أجلس على الكرسي لأسابيع طويلة، وكنت عاريًا تمامًا وأشعر بجوع شديد، كنت أشعر كذلك بالتجمد بسبب البرد الشديد، حتى كدت أشعر أنني أهلوس بسبب الضغط العصبي والجسدي، وبالإضافة إلى الحرمان من النوم اعتقدت أنني أهلوس حقًّا”.
“في تلك الأثناء دخلت امرأة ترتدي ملابس خفيفة كأننا في الصيف، وجلست بجانبي بينما كان هناك رجلان يرتديان ملابس ثقيلة كأننا في القطب الشمالي، لم أتحرك مطلقًا حتى أنني لم أغطِّ أعضائي التناسلية، لأنني في البداية كنت أعتقد أنني أهلوس”.
“لكن عندما تحدثوا معي، غطيت أعضائي التناسلية وصرخت بهم: “على الأقل أعطوني ما أستر به نفسي أمام تلك المرأة، ألا تشعرون بالخجل من أنفسكم؟”، لكنهم لم يمنحوني سوى دلو من الماء شديد البرودة سكبوه فوق رأسي”.
“لم أستطع أن أتحدث لفترة من الوقت، حيث كانت شفتاي ترتعشان بشدة وكذلك بقية جسمي، ظلت المرأة جالسة تحدق بي وتنتظر أن أجيب عن سؤالها الأول، لقد انتظرَتْ لنصف ساعة دون إجابة مني حتى غادرت وهي ترتعد من البرودة والغضب”.
التهديد بالاغتصاب
يقول أبو زبيدة: “هذه الصورة تكشف عن تهديد المعتقل بالاغتصاب، كانوا يضعون السجين على الأرض بطريقة كما لو أن رجلًا سيضاجعه بالفعل، ثم يبدأون في استخدام كلمات جنسية قذرة ويصفون جمال وحجم ونعومة مؤخرته، ثم يبدأون بترهيب السجين باستخدام أيديهم أو العصي حول المناطق الحسّاسة قرب فتحة الشرح، وعندما يقاوم السجين يعيدونه إلى الوضعية نفسها، ويقولون بصوت عالٍ إنهم سيضعون تلك العصا الكبيرة في مؤخرته لثقبها، يمكنك أن تتخيل ما يشعر به السجين من معاناة وخوف وألم وإهانة”.
تدنيس القرآن
يقول أبو زبيدة: “أعتقد أن الحوار في الصورة كافيًا، فالمحقق يقول: “اختر! هل أضع القرآن في دلو فضلاتك أم في ذلك الدلو المليء بدم الحيض”.
التهديد بالمثقاب الكهربائي
يقول أبو زبيدة: “كنت أسمع صوت المثقاب الكهربائي يتحرك بقوة وعنف، لم يكن هناك أي صوت آخر يغطي عليه، كانوا يفتحون باب زنزانتي -التي أجلس بداخلها 24 ساعة في اليوم- فقط عند دخول المحققين (الجلادين)”.
“في أحد المرات فتحوا باب زنزانة الشخص الذي سيتعرض للتعذيب بالمثقاب، لذا كان بإمكاني أن أسمع صوت المثقاب وصوت الرجل الذي يتعرض للتعذيب وهو يصرخ ويبكي في رعب ويتوسل إليهم، عندما كانوا يغلقون المثقاب بعد عدة ساعات كنت أستطيع سماع الرجل وهو لا يزال يبكي ويصرخ ويتوسل، ثم أسمع صوت جلاده يصرخ فيه ويهدده بثقب رأسه أو قدمه أو مؤخرته أو بطنه”.
“هل ثقبوا رأسه أم معدته أم قدمه أم مؤخرته؟ هل استخدموا المثقاب الكهربائي حقًّا؟ كانت كل هذه الأسئلة تدور في رأسي لأيام وشهور، حتى جاء اليوم الذي عادوا فيه لاستخدام تلك الطريقة مرة أخرى”.
“كنت أسمع نفس الأصوات المرتعبة، لتعود أسئلة جديدة إلى رأسي: هل هو الشخص نفسه؟ ألم يمت؟ ألم يقتلوه؟ أم أنه شخص مختلف عن الأول؟ من هو هذا الشخص الثاني؟ ومن سيكون الثالث؟ هل سيكون أنا؟”.
المصدر: الغارديان