تسود حالة ترقب شديدة في تركيا وخارجها بانتظار ما ستتمخض عنه الانتخابات المقررة يوم غدٍ 14 مايو/أيار، وتتداول الكثير من الأطراف الغربية سيناريوهات مظلمة عن مستقبل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، خاصة في حال استمرار الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته.
مع ذلك، تُثار العديد من الأسئلة في الأوساط الاقتصادية، بما في ذلك ما سيحدث في الاقتصاد التركي؟ وما وضع الليرة التركية مقابل الدولار؟ وكيف سيؤثر ذلك على بورصة إسطنبول بعد الانتخابات؟
في الوقت الذي يشرح فيه الحزب الحاكم سياسته الاقتصادية على أنها استمرار للنموذج الموجه للتصدير بفائدة منخفضة، تقدم المعارضة إستراتيجية لرفع أسعار الفائدة بأسلوب أكثر تقليدية واتباع سياسات نقدية جديدة وتحرير البنك المركزي من النفوذ السياسي لمحاربة التضخم.
في المقابل، يعتقد كل من المستثمرين المحليين والأجانب أن السياسات ستكتسب أهمية على المدى الطويل، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، فإنهم يتوقعون أن المدى القصير سيكون أكثر صعوبة في ظل تزايد الطلب على العملات الأجنبية في تركيا بشكل سريع خلال العام الماضي، إذ يتجه المستثمرون إلى الودائع بالعملات الأجنبية لحماية أموالهم من التضخم.
سيناريوهات ما بعد الانتخابات
يتوقع المراقبون والمستثمرون بشدة أن يتسبب فوز أي من التحالفين الرئيسيين (تحالف الجمهور أو تحالف الأمة) في ارتفاع الدولار مقابل الليرة التركية على المدى القصير، فقد شهدت الليرة التركية خسائر كبيرة في العام الماضي، ففقدت أكثر من 70% من قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2020.
وتشير العديد من البنوك الكبرى والتقارير إلى استمرار انخفاض قيمة الليرة التركية، إلا أن معهد التمويل الدولي (IIF) وهو اتحاد عالمي للصناعة المالية مقره الرئيسي في واشنطن، يجادل بأنه لا ينبغي الإفراط في التشاؤم تجاه استمرار انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار خاصة في حال فوز المعارضة.
من جانبه توقع بنك HSBC البريطاني أن تضعف الليرة التركية بغض النظر عن كيفية انتهاء الانتخابات، وتوقع البنك أن يصل سعر صرف الدولار إلى 24 ليرة تركية في نهاية العام الحاليّ، مشددًا على أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة يمكن أن تحدث تغييرات في الاقتصاد والسياسة النقدية من المحتمل أن يكون لها تأثير على التوقعات المتوسطة والطويلة الأجل لليرة التركية.
كما توقع بنك مورجان ستانلي (Morgan Stanley) الأمريكي أنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات، سيرتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية إلى 25 بحلول يونيو/حزيران المقبل، وقد يصل إلى 27 ليرة في نهاية العام الحاليّ، وأشار البنك في تقريره الصادر في 5 أبريل/نيسان الماضي إلى أنه في السيناريو الذي يفوز فيه تحالف الجمهور/الشعب في الانتخابات، ستستمر سياسة الفائدة المنخفضة، وستظل الظروف المالية وأسعار السوق تحددها الأدوات البديلة وأنظمة القطاع المصرفي.
ورغم تدفقات الأموال المشروطة إلى تركيا من الشركاء الإقليميين مثل روسيا وبعض دول الخليج والخطوات التنظيمية وإدارة الاحتياطيات النشطة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تحرك تصاعدي في التضخم وركود في عام 2024 حتى يتم تقديم إطار عمل جديد للسياسة الكلية.
أما في سيناريو فوز تحالف الأمة المعارض فإنه من المتوقع أن يرتفع سعر الفائدة إلى 30-35% في المرحلة الأولى، مع ذلك قد يكون هناك ارتفاع مبدئي في سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية خلال الفترة الأولى، لكن البنك توقع انتعاشًا سريعًا بعد النصف الثاني من عام 2024 وستبدأ عملية تخفيض التضخم مع بداية عام 2024.
أما بنك أمريكا للأوراق المالية (Bank of America)، فقد صرح أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية يجب أن يرتفع بنسبة 15-25% من أجل تحقيق التوازن في الاقتصاد، ويمكن تحقيق إعادة التوازن هذه من خلال تشديد الأوضاع المالية وانخفاض كبير في الإنفاق.
وأضاف البنك أن نموذج البنك، الذي تتم فيه مقارنة أرقام رصيد الحساب الجاري المحققة مع المعايير طويلة الأجل، يظهر القيمة العادلة للدولار مقابل الليرة التركية عند مستوى 24 ليرة، وهذا يدل على أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة قد يرتفع أيضًا فوق هذا المستوى لأن العملات غالبًا ما يتم تداولها فوق قيمتها العادلة، وأكد البنك أنه بغض النظر عمن يفوز في الانتخابات، فإنه يُقدّر أن هناك حاجة إلى زيادة بنسبة 15 إلى 25% في الدولار مقابل الليرة التركية حتى يستقر الاقتصاد.
أما بنك Wells Fargo، وهو أحد أكبر البنوك في الولايات المتحدة، فقد أشار في تقرير أعده عن الانتخابات التركية إلى أنه إذا بقي الرئيس أردوغان في منصبه، فمن المرجح أن تظل الليرة التركية عند المستويات الحاليّة حتى نهاية فترة الانتخابات، لكن على المدى الطويل، ما لم تتغير الاتجاهات الاقتصادية وأطر السياسة النقدية، فقد يحدث انخفاض كبير في قيمة الليرة حتى منتصف عام 2024، في المقابل في حال فوز المعارضة في الانتخابات، سترتفع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار.
ووفقًا للتقرير الذي أعده الاقتصادي بريندان ماكينا، فإن فوز أحزاب المعارضة يمكن أن يؤدي إلى عودة السياسة النقدية الأكثر تقليدية، وقد يؤدي هذا إلى مكاسب كبيرة لليرة التركية، وأن البنك المركزي التركي سيعود إلى نظام تحديد الفائدة التقليدي.
وبحسب التقرير، بعد فوز المعارضة، يمكن أن ترتفع الليرة التركية بنسبة 20% بنهاية الربع الثاني، وفي هذا السيناريو، ذُكر أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية يمكن أن يغلق هذا العام عند المستوى 15 وستستمر الليرة في تعزيز قيمتها في عام 2024، مع ذلك أشار التقرير إلى أن السيناريو الأساسي استند إلى انتصار تحالف الرئيس أردوغان، حيث تشير تقديرات البنك إلى أن احتمالية إعادة انتخاب أردوغان تتراوح بين 55 و60%.
أخيرًا، شارك الاقتصاديون في بنك ستاندرد تشارترد (Standard Chartered) الواقع في إنجلترا توقعاتهم عن مستقبل سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية في حال استمرار السياسات الحالية، وتشير تلك التوقعات إلى ارتفاع قيمة الدولار لتصل إلى 36 ليرة تركية بحلول نهاية العام.
باختصار، إن الفكرة الشائعة لدى جميع التقارير والبنوك الغربية هي أنه في السيناريو الذي يفوز فيه التحالف الحاكم في الانتخابات، سيرتفع الدولار مقابل الليرة التركية دون قيد أو شرط، أما في سيناريو فوز تحالف الأمة المعارض، بينما تم الاتفاق على أنه ستكون هناك زيادة على المدى القصير، يُعتقد أنه يمكن إعادة تقييم الليرة التركية بسياسات اقتصادية مختلفة على المدى الطويل، وهذا يعني أن مستقبل الاقتصاد التركي سيشهد تقلبات حادة خلال الفترة المقبلة.
ما الذي سيحدث لبورصة إسطنبول؟
أما فيما يتعلق ببورصة إسطنبول، تشير التوقعات إلى أن فوز تحالف الأمة المعارض سينعكس سلبًا على بورصة إسطنبول بسبب الفائدة المرتفعة التي قد يتم اللجوء إليها لمواجهة التضخم المرتفع في البلاد.
على الجانب الآخر، في حال استمرار تحالف الجمهور في الحكم، فمن الممكن أن تستمر البيئة الاستثمارية الإيجابية مع فائدة منخفضة، ما يدفع المستثمرين الذين يسعون لتحقيق عوائد أفضل لمدخراتهم للاستثمار في سوق الأسهم بدلًا من التحوط ضد التضخم.
وفي كلتا الحالتين من المتوقع أن يزداد انخفاض الليرة التركية أمام الدولار خلال الفترة المقبلة، لكن سوق الأسهم يمكن أن يكون شريان الحياة ضد هذا الوضع، لذا يمكن القول إن سوق الأسهم قد يتأثر سلبًا ببيئة أسعار الفائدة المرتفعة، لكن قد يكون هناك أيضًا انعكاسات إيجابية على المدى الطويل نتيجة التغييرات في السياسات الاقتصادية.
على مستوى التحالفات
يقول تحالف الجمهور إن المئوية الجديدة للجمهورية التركية ستكون مئوية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وسيبدأ عصر ينتعش فيه اقتصاد البلاد من خلال جني ثمار المكاسب التي تحققت حتى الآن، ولتحقيق ذلك سيتولى فريق اقتصادي قوي مهام الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها بعد انتخابات 14 مايو/أيار، وسيحدث الفريق المذكور إطار سياسة الاقتصاد الكلي بالتشاور مع القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، وسيشارك مع الجمهور التدابير التي يجب اتخاذها وفقًا للظروف والاحتياجات الجديدة.
سيتم وضع خطة عمل جديدة للاقتصاد كخريطة طريق لمدة خمس سنوات، موضع التنفيذ من أجل تنفيذ مجموعة شفافة وفعالة من السياسات المحددة، كما سيتم التحرك بشكل حاسم نحو أهداف النمو المرتفع وزيادة العمالة المؤهلة وخفض التضخم إلى خانة الآحاد، وسيتم تطوير التنافسية في جميع المجالات كاقتصاد مفتوح من خلال دعم الابتكار وريادة الأعمال تحت قيادة القطاع الخاص.
خلال الأسابيع الماضية دارت اجتماعات داخل تحالف الجمهور لوضع رؤية بشأن من سيقود الفريق الاقتصادي المذكور أعلاه، وبالفعل التقى الرئيس أردوغان شخصيًا بوزير المالية السابق محمد شيمشك مرتين على الأقل لإقناعه بإدارة الاقتصاد في البلاد، إلا أن الأخير اعتذر وقال إنه لا يريد العودة إلى السياسة النشطة وأن لديه ازدحامًا في برامج أعماله في الخارج.
مع ذلك، لا تزال مصادر حزب العدالة والتنمية تقول “إنه سيساعدنا”، وأردوغان لم يفقد الأمل بعد في شيمشك، وربما يعود تمسك أردوغان بإعادة شيمشك لإدارة الاقتصاد إلى الصلات والعلاقات الواسعة التي يملكها الأخير في الدوائر المالية في عاصمة المال بالعالم (لندن)، وربما قدرته على إقناع هذه الدوائر المالية بعودة تركيا إلى الاقتصاد “الأرثوذكسي” الذي يؤكد على دور الأسواق في تخصيص الموارد وتحديد الأسعار وعلى دور السياسة النقدية في استقرار الاقتصاد.
إلى جانب ذلك هناك بعض الأسماء المطروحة لتولي إدارة الاقتصاد خلال المرحلة المقبلة مثل وزير الخزانة والمالية السابق لطفي علوان، ورئيس لجنة التخطيط والموازنة في البرلمان جودت يلماز، ومحافظ البنك المركزي التركي شهاب كافجيوغلو، ويجيت بولوت، وجميل إرتيم، وأريشة آريجان رئيسة مجلس إدارة بورصة اسطنبول.
الاقتصاد التركي سيشهد تقلبات حادة على الأقل على المدى القصير بغض النظر عن نتيجة الانتخابات
على مستوى تحالف الأمة المعارض، فقد عقد الفريق الاقتصادي الخاص به عدة اجتماعات خلال الفترة الماضية لوضع سياساته الاقتصادية وما يجب فعله في حال فوزه في الانتخابات والأولويات التي يجب معالجتها، وحضر الاجتماع الأخير الذي عُقد في 7 مايو/أيار بإسطنبول، سيلين سايك بوك الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري وفائق أوزتراك المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري ونائب رئيس مجلس الإدارة، وعن حزب الديمقراطية والتقدم حضر إبراهيم تشاناكجي رئيس السياسات الاقتصادية والمالية وبوراك دالجين رئيس الصناعة وريادة الأعمال وسياسات التحول الرقمي، وبولنت شاهينالب رئيس الشؤون الاقتصادية للحزب الديمقراطي وعلي عارف أكتورك عضو المجلس الإداري العام، وكريم روتا رئيس السياسات الاقتصادية لحزب المستقبل وسيركان أوزكان المتحدث باسم الحزب، إضافة إلى بيلغا يلماز رئيس السياسات الاقتصادية للحزب الجيد وبيرول أيدمير المستشار الرئيسي للحزب، وعن حزب السعادة صبري تكير نائب رئيس الحزب وموسى أوزتورك عضو المجلس الإداري العام.
خلال الاجتماع، تم تحديد المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد والمستثمرون المحليون والأجانب، وتم الاتفاق على مجموعة من النقاط منها تحرير البنك المركزي من النفوذ السياسي لمحاربة التضخم وخلق بيئة أعمال واستثمار يمكن التنبؤ بها وتشكيل لجنة لتقييم الوضع والأضرار لتحديد الثغرات الخفية في القطاع العام، إضافة إلى وضع سياسة ضريبية جديدة، كذلك تم وضع جدول زمني لتحديد الأولويات وتنفيذ الإجراءات الاقتصادية بعد الانتخابات.
كما تم الاتفاق على تعيين بيلغا يلماز رئيس السياسات الاقتصادية في الحزب الجيد والمقرب من ميرال أكشينار وزيرًا للمالية والخزانة في حال الفوز في الانتخابات.
بعد اجتماع الطاقم الاقتصادي حذر كمال كليجدار أوغلو في تغريدة على تويتر من يتلاعبون ببورصة إسطنبول ويضرب صغار المستثمرين، قائلًا إنه سيأمر بإجراء تحقيق في البورصة، إذا فاز في الانتخابات، كما سبق أن وعد بإغلاق صندوق الثروة التركي الذي يسيطر على بورصة إسطنبول.
في الختام، يمكن القول إن الاقتصاد التركي سيشهد تقلبات حادة على الأقل على المدى القصير بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فعلى سبيل المثال أدى إعلان محرم إنجه انسحابه من خوض الانتخابات الرئاسية إلى صعود سريع في بورصة إسطنبول خلال ساعات معدودة، حيث ارتفع مؤشرا (BIST 100 وBIST 30) بنسبة 7.87%، كما ارتفع مؤشر البنوك في البورصة (BIST bankacılık Endeksi) إلى 9.8%، وهذا يدل على هشاشة الوضع الاقتصادي بسبب حالة عدم اليقين التي تخيم على مستقبل البلاد.