بدأ الناخبون الأتراك التصويت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، اليوم الأحد، بعد إتمام عملية التصويت في الخارج، الأسبوع الماضي، وسط مشاركة واسعة، بعدما واصلت التحالفات السياسية التركية، حتى اللحظات الأخيرة، تحركاتها في جميع الولايات استعدادًا للانتخابات البرلمانية والرئاسية، قبل التزام الجميع بفترة الصمت الانتخابي التي تحظر فيها الدعاية الانتخابية، حتى مساء يوم الانتخابات.
وبدأت عمليات التصويت بيسر وسهولة، بعدما استكملت الهيئة العليا للانتخابات التركية، المعنية بالإشراف على مراحل العملية الانتخابية وتطبيق الإجراءات اللازمة، استعداداتها للانتخابات العامة والرئاسية، بداية من توزيع البطاقات الانتخابية على مراكز الاقتراع، وتجهيز مراكز اقتراع في منطقة الزلزال، داخل كرفانات في مناطق معلن عنها سلفًا، وانتهاءً باتخاذ التدابير المخصصة لضمان سير وسلامة عملية الاقتراع (كانقطاع التيار الكهربائي أو الهجمات الإلكترونية في أثناء الاقتراع وفرز الأصوات).
في هذا التقرير، نشير في نقاط سريعة إلى أهم المعلومات التي يجب معرفتها فيما يتعلق بسير عملية الانتخابات.
– يمثل، اليوم الأحد (14 مايو/أيار 2023) أحد أهم التواريخ التي لن تُمحى بسهولة من ذاكرة أجيال عدة من الأتراك، مستقبلًا، بسبب خصوصية الاستحقاق الانتخابي الأكبر والأشد سخونة وتعقيدًا، بحكم مشاركة أكبر عدد من الأحزاب السياسية والتكتلات الانتخابية وحدة التنافس بين المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية والمتنافسين على 600 مقعد في الجمعية الكبرى (البرلمان).
– يمارس 60 مليونًا و697 ألفًا و843 ناخبًا، بينهم 4 ملايين و904 آلاف و672 ناخبًا يصوتون لأول مرة (من إجمالي 64 مليونًا و113 ألفًا و941 مواطنًا تركيا) حقهم السياسي، اليوم، إذ يدلي الناخبون بأصواتهم منذ الثامنة صباحًا (بالتوقيت المحلي) حتى الخامسة عصرًا.
– اعتمد 191 ألفًا و884 صندوق اقتراع، ينتشرون في 87 دائرة انتخابية على مستوى البلاد، وإن كانت المدن الكبرى (إسطنبول وأنقرة وإزمير) تحظى – بحكم أهميتها وكثرة الناخبين فيها – بوضعية خاصة، إذ تضم دوائر عدة، ولا يجري التعامل مع كل منها كدائرة واحدة.
– الفائزون (الرئيس الـ18 منذ تأسيس الجمهورية وأعضاء البرلمان رقم 28 خلال الفترة التاريخية نفسها) سيدخلون بتركيا للقرن الثاني من عُمر الجمهورية، بعد شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، وسيواجهون جملة من التحديات السياسية والاقتصادية وملفات السياسة الخارجية، التي ستفرض نفسها بقوة على الحكومة الجديدة.
– تتبنى الأحزاب السياسية التركية، المشاركة في الانتخابات التشريعية 24 حزبًا (و5 تحالفات انتخابية) أفكارًا متعددةً (سياسية واقتصادية واجتماعية) لكن بموجب نظام التمثيل النسبي، يجب على الحزب السياسي الراغب في الحصول على مقعد برلماني اجتياز العتبة الانتخابية (7% من الأصوات) في حال خوضه الانتخابات بمفرده، أما إن كان ضمن تحالف فيجب أن يتجاوز إجمالي أصوات هذا التحالف العتبة الانتخابية.
– وفقًا للمادة الثانية من قانون الانتخاب، لا يتعين على كل حزب سياسي يخوض الانتخابات ضمن تحالف أن يتجاوز بمفرده عتبة الـ7%، بل سيتم اعتبار جميع الأحزاب داخل التحالف قد تجاوزت العتبة الانتخابية في حال تجاوز إجمالي الأصوات التي حصل عليها التحالف الـ7%، وإذا تجاوز العدد الإجمالي لأصوات التحالف العتبة الانتخابية، يُحسب عدد نواب الأحزاب المكونة للتحالف بقسمة إجمالي عدد النواب الذي حصل عليه التحالف على نسبة الأصوات التي حصل عليها كل حزب.
– المحظورات الانتخابية اليوم، هي: حظر نشر الاستطلاعات واستطلاعات الرأي وعدم السماح بالتنبؤات الإخبارية والتعليقات على الانتخابات ونتائجها في وسائل الإعلام حتى الساعة الـ6 مساءً ومنع الوزراء والنواب من إقامة المآدب الرسمية والترحيب والوداع والمراسم حسب بروتوكول ومنع موظفي الخدمة المدنية من المشاركة في جولات الوزراء والنواب والمرشحين فيما يتعلق بالدعاية الانتخابية وحظر حمل السلاح باستثناء المسؤولين عن حفظ الأمن والنظام، بالإضافة إلى حظر بيع المشروبات الكحولية من الساعة 06.00 صباحًا حتى الساعة 12 ليلًا، ويمكن إقامة حفلات الزفاف بعد الساعة الـ6 مساءً، وإغلاق جميع أماكن الترفيه العامة مثل المقاهي والمطاعم ومقاهي الإنترنت يوم الانتخابات.
– بمجرد انتهاء عمليات التصويت، تبدأ خطوات فرز الأصوات بمعرفة اللجان المشرفة، مع تجميع الأصوات الصحيحة والباطلة التي يحصل عليها كل حزب مشارك في الانتخابات، ثم توثيق النتيجة النهائية في كل لجنة، وتسليم ممثلي الأحزاب والمراقبين نسخًا منها، على أن يتم تجميع الأصوات على مستوى اللجان الفرعية والدوائر الانتخابية بالولايات، ولاحقًا على المستوى العام (الهيئة العليا للانتخابات) لإعلان النتائج النهائية للانتخابات التركية.
صراع الرئاسة
– فيما تنافس الأحزاب الصغيرة التي تخوض الانتخابات (أو التي تخشى مشكلات قانونية، كحزب الشعوب الديمقراطي والكردي) في المعركة الانتخابية تحت راية الأحزاب الكبرى، فإن الصراع على رئاسة الجمهورية ينحصر بين الرئيس التركي الحاليّ رجب طيب أردوغان (الفائز في انتخابات الرئاسة السابقة، 24 يونيو/حزيران 2018، بنسبة 52.38%) وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو، أقوى مرشحي المعارضة (بعد انسحاب محرم إنجه، 58 عامًا، الذي سيظل اسمه موجودًا في أوراق الانتخاب دون الاستفادة من الأصوات التي سيحصل عليها)، فضلًا عن ضعف قدرات وشعبية المرشح القومي المتطرف سنان أوغان، 55 عامًا.
– بينما تخوض الأحزاب والتكتلات الانتخابية الانتخابات العامة (الرئاسة والبرلمان) مدعومة بقواعدها التصويتية التقليدية، لا توجد تقديرات حاسمة توضح مصير ما يسمى بـ”الأصوات المترددة” (ما يقارب 10%) وأصوات الناخبين الجدد من الشباب (نحو 8%) على عكس الوضوح النسبي لأصوات المرأة والمجنسين.
– يتولى أردوغان، 69 عامًا، السلطة (رئيسًا للحكومة ثم رئيسًا للجمهورية والحكومة معًا) منذ أكثر من 20 عامًا، فيما يحاول رئيس حزب الشعب الجمهوري منذ عام 2010، كمال كليجدار أوغلو، 74 عامًا، انتزاع مقعد رئاسة الجمهورية (مدته 5 سنوات، ويختار وزراء الحكومة)، لكن هذه الخطوة تتطلب حصوله على أكثر من 50% من الأصوات، كما أن توجه كليجدار أوغلو، الراغب في العودة بالبلاد إلى “النظام البرلماني” يتوقف على حصول تحالف “الأمة” المعارض على 400 مقعد برلماني، للقيام بالتعديل الدستوري المطلوب، في هذا الشأن.
بين نظامين
– على عكس النظام البرلماني الذي تحظى فيه الأحزاب بالدور الأساسي من واقع ثقلها البرلماني، ودورها في تشكيل الحكومة، وصلاحيات أخرى، يتراجع هذا الدور في النظام الرئاسي الذي تتمحور السلطة التنفيذية فيه خلف شخص الرئيس، ويكتفي فيه البرلمان بالمسؤولية التشريعية والرقابية.
وتطبيق النظام الرئاسي سيحوّل – على المدى البعيد – الخريطة الحزبية والسياسية والأيديولوجية في تركيا من أحزاب متعددة إلى تيارين رئيسييْن: يضم الأول الأحزاب والتيارات اليمينية أي الإسلامية والمحافظة والقومية التركية، ويشمل التيار الثاني الأحزاب والتيارات العلمانية واليسارية والقومية والكردية.
– يتم انتخاب المرشح الحاصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة (أكثر من 50%) رئيسًا للبلاد، وإذا تعذر حصول أي من المرشحين على الأغلبية في الجولة الأولى، يتم إجراء جولة ثانية (يوم الأحد التالي لانتخابات المرحلة الأولى) بمشاركة المرشحين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات في الاقتراع الأول.
وينتخب المرشح الذي يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة رئيسًا للجمهورية، وفي حال عدم مشاركة أحد المرشحين الحائزين على حق الترشح للجولة الثانية لأي سبب، يشارك بدلًا منه المرشح الحاصل على الترتيب الثالث في الجولة الأولى، وفي حال بقاء مرشح واحد فقط للجولة الثانية، يجري التصويت على شكل استفتاء، وإذا حصل المرشح على أغلبية الأصوات الصحيحة يتم انتخابه رئيسًا للجمهورية، أما في حالة عدم حصوله على أغلبية الأصوات الصحيحة فيتم تجديد الانتخابات الرئاسية فقط.
الإعادة واردة
– تشير المؤشرات إلى اتجاه أردوغان وكليجدار أوغلو إلى جولة إعادة في السباق الرئاسي، ويطرح البعض تساؤلات عدة، خاصة ما بعد الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات العامة (الرئاسية والبرلمانية) ومدى القناعة بالتداول السلمي للسلطة والإيمان بالديمقراطية وأدواتها، أم تستمر حالة الاحتقان السياسي والاستقطاب الكبير الذي ينعكس على تعاطي الأحزاب والتحالفات الرئيسية خلال الشهور الأخيرة (تظهره التصريحات النارية من أردوغان وكليجدار أوغلو) ما يعيد التذكير بفترة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز فيها الرئيس جو بايدن على الرئيس السابق دونالد ترامب، بما تشهده من شد وجذب، مستمر حتى الآن.
– بصورة أعم، توجد سيناريوهات أخرى (نجاح أردوغان في الرئاسة وخسارة تحالف الشعب التابع له في الانتخابات التشريعية، نجاح تحالف الشعب في الرئاسة والبرلمان، نجاح تحالف الأمة المعارض في الرئاسة والبرلمان) ورغم أن الانتخابات الرئاسية التركية (كأي ممارسة سياسية من هذا النوع) فيها فائز وخاسر، فمن الواضح أن كلا الطرفين لن يسلم بسهولة بالنتيجة، كون كليجدار أوغلو سيستخدم كل الوسائل والأدوات للتشكيك في شرعية فوز أردوغان، وتعزيز حالة الاحتقان السياسي والمجتمعي، الذي سيكون من تداعياته حدوث انقسام مجتمعي، الأمر نفسه بالنسبة أردوغان الذي يتصدر المشهد السياسي طوال الـ21 عامًا الماضية، ومن ثم لن يسهل عليه القبول بأي نتيجة تخالف توقعاته وطموحاته السياسية.
– جدد كلا المرشحين (في الساعات الأخيرة قبل فترة الصمت الانتخابي أمس السبت) تذكير أنصاره بالحاضنة الفكرية، حيث صلى أردوغان المغرب في مسجد آيا صوفيا، وسط تكبيرات المصلين، بينما زار منافسه كليجدار أوغلو، ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، في أنقرة، مبشرًا بـ”مستقبل ديمقراطي يعزز الحريات العامة”.
– أعلن رئيس الهيئة أحمد ينار، أن “النتائج غير النهائية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، سيتم الإعلان عنها، مساء يوم الاقتراع، كما هو معتاد”.
يبقى أن الانتخابات التركية (الرئاسية أو البرلمان) مفتوحة على جميع الاحتمالات، وعلى الأرجح ستكون نتائجها متقاربة للغاية، لأهميتها القصوى، ليس فقط للأتراك، بل للمنطقة والقوى الكبرى حول العالم، لكن تظل الخيارات مرتبطة بالأتراك أنفسهم، وحرصهم على الاستقرار من عدمه.