ترجمة حفصة جودة
تبدو إعادة تأهيل نظام بشار الأسد – حيث دُعي الرئيس المجرم إلى قمة جامعة الدول العربية في السعودية هذا الأسبوع – أمرًا منطقيًا للحكومات العربية المخزية، فهم يأملون في الحد من اعتماد دمشق على إيران وتشجيع اللاجئين على العودة والحد من تجارة المخدرات التي ترعاها الدولة وجذب المال لإعادة الإعمار.
لكن من منظور إنساني، هذا القرار مخزٍ تمامًا، فقد قُتل أكثر من 300 ألف مدني منذ أن صوب الأسد بنادقه نحو انتفاضة الربيع العربي الموالية للديمقراطية في 2011، فرّ أكثر من 14 مليون سوري – نصف عدد السكان – من منازلهم، ومن ظل منهم كان يعاني من نقص الغذاء حتى جاء زلزال فبراير/شباط.
لم ينته الصراع حتى الآن، وبحسب تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فقد قتل وجرح المزيد من مئات المدنيين في غارات جوية شنتها الحكومة السورية وروسيا بالقنابل العنقودية والصواريخ على مخيمات النازحين شمال غرب إدلب وفي درعا وحماة وشمال حلب، وأضاف التقرير “هذه الهجمات وغيرها ترقى إلى جرائم حرب”.
حذرت الأمم المتحدة من استمرار الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري والقتل داخل مراكز الاحتجاز، وقال التقرير: “لقد رأى العائدون سرقة منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم، يبدو بوضوح أن سوريا ما زالت غير آمنة للعودة، كما أن الميليشيات الإسلامية ترتكب انتهاكات مروعة أيضًا”.
لقد وُثقت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك الأسلحة الكيميائية في سوريا، ومع ذلك لا يبدو أن الأسد سيواجه العدالة قريبًا، إذا كان رفيقه المستبد فلاديمير بوتين يواجه تهمًا في المحكمة الجنائية الدولية لحربه ضد أوكرانيا، فلماذا لا يواجه جزار دمشق نفس التهم؟ إنه إهمال لا يمكن تفسيره.
بدلًا من ذلك يسامح حكام الخليج المستبدين الأسد ويكافئونه، فهم يهتمون بأسعار النفط والقصور وأندية الدوري الإنجليزي الممتاز أكثر من اهتمامهم بحقوق الإنسان ورفاهية وأرواح العرب.
إن الانتقال السلمي الذي يتضمن انتخابات حرة نزيهة وعزل الأسد، هو الحل الوحيد المناسب لإنهاء الصراع، يبدو هذا جيدًا غير أنه تفكير متفائل بشدة
الأمر لا يتوقف على الدول المجاورة فقط، ففي سوريا هناك الكثير من الخزي لمشاركته، لقد عرقلت أمريكا وحلفاؤها تدخلًا مباشرًا في 2013 كان بإمكانه وقف المذبحة، سمح ذلك لإيران وروسيا بالتدخل وحافظ على بقاء الأسد، أما العقوبات الغربية التي تهدف إلى الإطاحة بالنظام فلا تضر إلا المدنيين.
بالنظر إلى الإيجابيات، يرى المحللون أن عودة الأسد للحظيرة العربية، إضافًة إلى التقارب السعودي الإيراني بوساطة صينية، قد ينتج نظامًا أمنيًا محليًا في الشرق الأوسط، وقد تتسع الانفراجة ليحل السلام في اليمن ويستقر لبنان ويزول عبء اللاجئين عن الأردن وتركيا.
يجب التعامل مع هذه الاحتمالية بعناية، فالتطورات الأخيرة سرّعت من تنحية أمريكا التي كانت مهيمنة على المنطقة، وتركت السياسة الغربية في حالة يرثى لها، أما محاولات “إسرائيل” البغيضة للتطبيع – بالتحالف مع دول مستبدي الخليج لمواجهة إيران وشركائها مثل حزب الله – فهي إما معرضة للخطر وإما مرتبكة، بينما ينمو نفوذ الصين ويتردد صدى رؤيتها اللا أخلاقية في الخليج.
هل بداية عصر جديد من التحالف والوحدة العربية الفارسية أمر معقول أم مجرد أمانيّ؟ ستظل سوريا الأسد متزعزعة بشدة مهما حدث، ومقسمة بين الشمال الغربي الذي تديره تركيا، حيث يتحرك جهاديون بأريحية، والشمال الشرقي الخاضع لحكم الأكراد المعادين لدمشق، والجنوب والوسط الواقعين تحت سيطرة النظام، وهكذا سيظل الشعب في خطر مستمر.
يقول تشارلز جلاس – مراسل أمريكي مخضرم من دمشق -: “سوريا اليوم أشبه بسيرك متعدد الحلقات، حيث تشارك القوات المسلحة من تركيا وأمريكا وروسيا وإيران في صراع سري دون هدف واضح”، وربما نضيف القوات الإسرائيلية إلى تلك القائمة أيضًا.
تتجاهل الدعوة غير المشروطة لجامعة الدول العربية هذا الواقع المحموم، أما تكرار أنتوني بلينكن – وزير خارجية أمريكا – لوجهة النظر الغربية المستندة إلى قرار الأمم المتحدة لعام 2015 الذي يقول إن الانتقال السلمي الذي يتضمن انتخابات حرة نزيهة وعزل الأسد، هو الحل الوحيد المناسب لإنهاء الصراع، يبدو جيدًا، غير أنه تفكير متفائل بشدة.
يطيح تجدد العنف في غزة بمزيد من الأبرياء معظمهم من الفلسطينين، ومع ذلك ما زال الكثير من السياسيين والمعلقين ووسائل الإعلام في الغرب يتصرفون كما لو أنه لم يحدث شيء
يجب التعامل مع التقارب الإيراني السعودي بحذر أيضًا، فإيران منبوذة دوليًا، كما أن الملالى المكروهين محليًا يسعون للحصول على كل ما يمكنهم الحصول عليه ولن يتغير سلوكهم التخريبي ذاك، من ناحيتها ترغب الرياض في أن تتجنب الوقوع في قتال مع طهران إذا هاجمت “إسرائيل” المواقع النووية لإيران، فهي لم تعد تثق بالولايات المتحدة للدفاع عنها.
تنظر السعودية بشك أيضًا إلى الاحتجاجات الاقتصادية والاحتجاجات المناهضة للحجاب التي اندلعت في إيران منذ أشهر، فهي تخشى التمرد لافتقارها إلى الشرعية الديمقراطية.
إن هذا التقارب الإيراني السعودي مصمم لدعم الحكام، ولن يقدم في كلا البلدين شيئًا لدعم العدل والمساواة للشعوب، وعلى كل حال، فإن فكرة قمع الخصومات الدينية والتاريخية بنجاح لفترة طويلة يبدو أمرًا خياليًا.
مع ذلك، فمن اللافت للنظر أن هذه التطورات تحدث بشكل معارض ومستقل عن أمريكا – التي كانت حامية للسعودية لفترة طويلة – وعن أوروبا وبريطانيا من بعد الاستعمار، هذا التطور الذي يمثل قطيعة بارزة مع النظام العالمي بعد حرب 1945 بقيادة الغرب، جزء من تحول القوة نحو الشرق.
وبالإضافة لكارثة سوريا، ففشل القوى الغربية في الوصول لاتفاق نووي مع إيران قوّض من مصداقيتها الإقليمية، وكالعادة يقدم العراق إرثًا سامًا، وهناك فشلهم طويل المدى: وعود إقامة الدولة الفلسطينية التي لم يتم الوفاء بها.
لقد اشتدت معاناة المدنيين الفلسطينيين مع اقتراب “إسرائيل” من اليمين المتطرف دون أي فحص من الحكومات العربية أو الغرب، فقد شهدت الضفة الغربية أكثر من 100 حالة قتل ارتكبتها القوات الأمنية هذا العام.
من بين الأمور المثيرة للغضب أيضًا، هدم مدرسة ابتدائية فلسطينية مدعومة من الاتحاد الأوروبي وتعرض 58 مدرسة أخرى لخطر الهدم.
في الوقت نفسه، يطيح تجدد العنف في غزة بمزيد من الأبرياء معظمهم من الفلسطينين، ومع ذلك ما زال الكثير من السياسيين والمعلقين ووسائل الإعلام في الغرب يتصرفون كما لو أنه لم يحدث شيء، هذا ما يعنيه التطبيع في الشرق الأوسط حقًا، لقد أصبح قتل المدنيين أمرًا روتينيًا.
والقادة العرب ليسوا أفضل حالًا، فمصالحهم الخاصة ونرجسيتهم تعميهم عن الإنسانية المشتركة، لذا على ضحايا الأسد والمتظاهرات الإيرانيات والفلسطينين المقموعين ألا ينتظروا أي مساعدة من هذا الجانب أيضًا.
المصدر: الغارديان