بعدما طُرد الفلسطيني من أرضه وبيته قسرًا، لجأ إلى موطن آخر أنجب فيه الأبناء الذين بقوا يحفظون ما حفره الأجداد في ذاكرتهم عن تفاصيل النكبة الفلسطينية، لكن بعد 7 عقود ونصف ولد جيل جديد من الأحفاد يعايشون مجازر وأحداثًا سياسية تشبه بشاعتها تلك التي سمعوا عنها أيام النكبة.
سنويًّا، تحضر ذكرى النكبة الفلسطينية بحكاياتها المروعة بأشكال مختلفة وفي ميادين كثيرة، كالندوات المقامة على الأراضي الفلسطينية أو العربية أو الأوروبية والأمريكية التي لجأ إليها آلاف الفلسطينيين، إذ تُضَخّ القصص المصورة على لسان من عايش تلك الأيام القاسية.
تنصت الأجيال الجديدة لتلك الشهادات المروعة حتى يصاب بعضهم بالاستغراب والتعجب من هول الأحداث، فيتجرأ أحدهم بالهمس خلسة إلى أبيه: “هل هذه الحكايات حقيقية أم أكذوبة؟ وهل صحيح باع جدّي أرضه وقبض ثمنها؟”، لتنهره عين والده التي بقيت تحفظ مشاهد قاسية من وقت دخول العصابات الصهيونية إلى قريتهم وطردهم، وحتى وصوله وعائلته إلى خيمة في أرض لا يعرفون فيها سوى الذين رحلوا برفقتهم، وينتظرون فرج العودة إلى بيوتهم.
وبفعل الأحداث التي اختلط فيها الفلسطيني من الجيل الجديد بمجتمعات مختلفة، كان لا بدَّ من إطلاعه على أصل حكاية النكبة وتفاصيلها، عبر أسئلة يطرحها “نون بوست” ويجيب عنها بالتاريخ والشواهد.
ما هي النكبة الفلسطينية ومتى وقعت؟
النكبة، هي المحنة الإنسانية والمأساة المتعلقة بتشريد معظم الشعب الفلسطيني خارج دياره، (أكثر من 750 ألف فلسطيني)، وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية في 15 مايو/ أيار 1948، وهو التاريخ الذي أُعلن فيه إقامة دولة “إسرائيل” كوطن قومي لليهود على أنقاض الدولة الفلسطينية.
ما سبب اختيار اليهود فلسطين؟
يعتقد اليهود أنها الأرض التي وعد الله بها نبيه يعقوب (إسرائيل)، الوعد بحسب أقوال كُتُب اليهود كان في البدء إلى إبراهيم، وتجدد بعد ذلك إلى ابنه إسحاق، وإلى يعقوب ابن إسحاق وحفيد إبراهيم، وأُسندت أرض الميعاد لأولادهم، وكان وصفها في شروط من الأراضي من نهر النيل إلى نهر الفرات.
أين كان اليهود قبل احتلال فلسطين؟
وفقًا للكتابات المقدسة اليهودية التي أصبحت تُعرَف بالكتاب المقدس العبري، ينحدر اليهود من شعب إسرائيل القديم الذي استقرَّ في أرض كنعان، الواقعة بين الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن (1451 قبل الميلاد).
لكن لو جئنا إلى العالم الواقعي، فقد كان اليهود في القرن التاسع عشر موزعين في كل أنحاء العالم وخاصة أوروبا، ولعب الحاخامات دورًا في استقطابهم للهجرة إلى الأراضي المحتلة تحت مسمّى الدين اليهودي، كما فعل الحاخام يهودا شيلوم حين أسّس عام 1871 جمعيةً لاستعمار الأراضي في القدس، ودعا يهود العالم للاستيطان فيها، بحجّة أن “فلسطين هي السبيل الوحيد أمام اليهود”.
وقبل قيام “إسرائيل”، تعرّضت فلسطين لـ 5 موجات متتالية من الهجرات اليهودية، وذلك في أعقاب الأزمات المتعاقبة التي حدثت منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الثانية في المناطق التي تواجد فيها اليهود، وذلك من خلال استغلال الدين عبر حاخامات الصهيونية الدينية.
الموجة الأولى: حدثت ما بين عامي 1882-1903، إذ هاجر نحو عشرة آلاف يهودي من روسيا في أعقاب حادثة اغتيال قيصر روسيا وما تبعتها من عمليات اضطهاد لليهود هناك نتيجة اشتراكهم الاغتيال، إذ قدرت بما يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف مهاجر يهودي.
الموجة الثانية: (1905-1918) كان معظم أفرادها من روسـيا أيضًا، وقد قدر عددهم بما يتراوح بين 35-40 ألف يهودي.
الموجة الثالثة: (1919-1923) بعد حدوث الثورة البلشفية في روسيا، وبلغ عدد المهاجرين في هذه الموجة نحو 35 ألف مهاجر.
الموجة الرابعة: (1924-1932) هاجر نحو 62 ألف مهاجر بسبب قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسن قوانين حدت من الهجرة إليها.
الموجة الخامسة: (1933-1938) بلغ عدد المهاجرين في هذه المرحلة حوالي “174” ألف مهاجر يهودي.
ماذا عن موقف العرب؟
خرجت قوافل المتطوعين من أقطار الوطن العربي، للدفاع عن فلسطين، خاصة وأن الحكومات العربية كانت ترفض المشاركة في بداية المحنة الفلسطينية، ولكن بعد تحركات شعبية رضخت، لاسيما بعد خروج الإنجليز وتسليم فلسطين لليهود.
كانت الجيوش العربية ضعيفة ينقصها العتاد والسلاح والقيادة الصالحة الموحدة والتعاون الحقيقي مما أدى لهزيمتها أمام جيش الاحتلال المنظم، خاصة أن مشاركتهم وصفت بطابع النزهة العسكرية بمساعدة بلد شقيق، أكثر من كونها معركة تقرير مصير في المنطقة.
أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 “خطة التقسيم”، وتنص على قيام دولتَين مستقلتَين (عربية ويهودية)، وهو ما رفضته جامعة الدول العربية. وقرتت الدول العربية المجتمعة في القاهرة أن تضع تحت تصرف اللجنة العسكرية الفنية 10 آلاف بندقية، و3 آلاف متطوع (من بينهم 500 فلسطيني)، ومليون جنيه إسترليني إضافي.
مع بداية عام النكبة، 1948، قررت هذه اللجنة العسكرية العربية تشكيل قوة من المتطوعين العرب غير النظاميين باسم “جيش الإنقاذ العربي” تحت قيادة فوزي القاوقجي، بهدف مساعدة الفلسطينيين في مقاومة قرار التقسيم، كانت مؤلَّفة نحو 5 آلاف مقاتل، بينهم ألف فلسطيني.
لم يمضِ وقتٌ على تشكيل جيش الإنقاذ العربي لمساعدة الفلسطينيين في مقاومتهم ونضالهم، حتى بدأت ملامح الخيانات ترتسم في أهداف وجوده في الأراضي الفلسطينية التي تواجه نيران العصابات الصهيونية والانتداب البريطاني.
من دعم الصهاينة على احتلال فلسطين عام 1948؟
وعد بلفور وهي الرسالة التي أرسلها وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 إلى اللورد ليونيل والتر دى روتشيلد (أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية) يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وكان هذا الوعد بمثابة الخطوة الفعلية الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين استجابة لرغبات الصهيونية، واستغل اليهود تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، وقرار الجمعية العامة عام 1947م القاضي بتقسيم فلسطين، ليحققوا حلمهم بإقامة “إسرائيل” في 15 مايو/أيار 1948.
ما عدد القرى والبلدات الفلسطينية التي احتُلّت؟
سيطرت العصابات الصهيونية خلال النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، ودمّر اليهود 531 منها بالكامل وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقّى أخُضع إلى كيان الاحتلال وقوانينه.
هل ارتكب الاحتلال مذابح وقت التهجير؟
ارتكبت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحقّ الفلسطينيين، تمثل كل واحدة منها جريمة حرب وجريمة بحقّ الإنسانية، وتصنَّف في إطار جرائم الإبادة الجماعية؛ كما استخدمت هذه العصابات جميع أنواع الأسلحة والأساليب المحرّمة دوليًّا، بهدف تهجير العائلات الفلسطينية من أراضيها.
كانت العصابات الصهيونية تتلذذ في تعذيب الفلسطيني لإجباره على الرحيل، ومن ضمن القصص التي كانت تتكرر هي أن تعمد تلك العصابات إلى قتل رجل البيت، ثم تضعه على سيارة وتسير به في الأزقة والحارات، ما دفع الناس إلى الفرار خشية على أرواحهم، بالإضافة إلى حرق مجموعات رفضت الخروج من بيوتها.
كم عدد الشهداء والأسرى في معارك النكبة؟
وفق عدة مصادر تاريخية، بلغ عدد الشهداء نحو 15 ألف شهيد فلسطيني، وحوالي 3500 إلى 7 آلاف شهيد من الشهداء العرب.
أما الأسرى بحسب الصليب الأحمر الدولي وصل عددهم في أعقاب النكبة إلى 5 آلاف و204 أسرى، منهم 4 آلاف و702 فلسطيني، أما ما تبقى فهُم من الأردنيين والمصريين والسعوديين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين… إلخ، تمَّ إطلاق سراحهم في عملية تبادل أسرى في أواسط مايو/ أيار 1949.
بجانب العرب، كيف كان شكل المقاومة الفلسطينية وقت النكبة؟
كان لجيش الجهاد المقدس دور بارز في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وقت الهجرة، وهو عبارة عن قوات نظامية فلسطينية تشكّلت في صوريف بين القدس والخليل في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1947، أي بعد صدور قرار تقسيم فلسطين بشهر واحد.
تألّف من وحدات من قادة ومقاتلي الفصائل الفلسطينية المسلّحة التي اشتركت في الثورة فترة 1936-1939، وانضمّ إليه عدد من المجاهدين العرب، وكان فيه عشرات ممن اكتسبوا خبرات عسكرية من خدمتهم ضمن قوات الحلفاء في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، وخاض الجيش بقيادة عبد القادر الحسيني معارك ضد قوات الاحتلال البريطاني والصهاينة في منطقة القدس.
هل بقيَ أحد من الفلسطينيين وقت النكبة في بلداتهم المحتلة؟
بقيَ نحو 150 ألف فلسطيني فقط في المدن والقرى الفلسطينية التي قامت عليها “إسرائيل” بعد النكبة الفلسطينية، وصل عددهم في نهاية العام 2019 نحو مليون و597 ألف نسمة.
هل باع الفلسطيني أرضه؟ ولماذا تتردد هذه الشائعة دومًا؟
الفلسطيني الأصيل “كما لا يفرّط في عرضه، لا يفرّط في أرضه”، فالعرض والأرض في عُرفه وجهان لعملة واحدة.
وتروّج بعض أجهزة المخابرات العربية لهذه المعلومات الزائفة بقصد النيل من عزيمة الفلسطيني والتنكيل بسمعته وإضعاف روحه المعنوية، في إطار إلقاء اللائمة على الفلسطيني في محنته بدل توجيه تهم التخاذل والخيانة للحكومات العربية التي تطبّع مع دولة الاحتلال.
أين سكن اللاجئون الفلسطينيون بعد النكبة؟
في مخيمات “الأونروا” التابعة لوكالة الغوث سواء في فلسطين أو دول عربية، وبحسب سجلّات وكالة الغوث بلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين 58 مخيمًا تتوزّع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيمًا في لبنان، و19 مخيمًا في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.
ما الذي يعيق عودتهم إلى بيوتهم؟
بعد النكبة سنَّ الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من القوانين التي تعرقل عودة الفلسطيني إلى بلداته، بل شرّع قوانين تمكّنه من وضع اليد على العقارات الفلسطينية التي سرقها وقت رحيلهم، وساندت المحاكم الإسرائيلية في ذلك حين أمّنت غطاء قانونيًّا للسيطرة على العقارات والأراضي.
ومن أبرز القوانين قانون العودة، قانون أملاك الغائبين، قانون النكبة، قانون الجنسية… إلخ، وجميعها يأتي لصالح اليهودي الذي يأتي للعيش على الأراضي المحتلة، بخلاف الفلسطيني صاحب الحق.
كيف كانت فلسطين قبل النكبة؟
تناول عشرات الباحثين معالم الحياة في فلسطين قبل النكبة، فتوقفوا عند ما تميزت به من فنّ وفكر وثقافة واجتماع إنساني وصناعة وتجارة، كما شهدت انتشار المسارح والصحف والمجلات والإذاعات، وضمّت مدنًا حداثية يسكنها أكثر من 40% من المجتمع الفلسطيني.
ما هو حال البلاد بعد التهجير؟
سرقت العصابات الإسرائيلية مباشرة ما في البيوت والمؤسسات الرسمية، كالجامعات والمدارس والمراكز الثقافية والصحف، وكل ما تحتويه من مخطوطات وخرائط وكتب قديمة أو وثائق تدلّ على ملكية الفلسطيني لبلده قاموا بسرقته وتحريف ما فيه ونسبه إليهم.
ما أبرز المصطلحات التي باتت دخيلة على الفلسطينيين بعد النكبة؟
– الترانسفير: عملية تهجير الفلسطينيين وترحيلهم قسرًا من بيوتهم ومن منطقة إلى أخرى خلال احتلال فلسطين 1948، بهدف تفريغ الأرض الفلسطينية من أكبر عدد من سكانها عبر تشتيت المجتمع الفلسطيني والاستيلاء على ممتلكاته وإبعاده عن أرضه، للقيام بتوطين اليهود من شتى دول العالم في فلسطين.
– الخط الأخطر: هو الفاصل بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967، وقد حددته الأمم المتحدة بعد هدنة 1949.
– الأونروا: هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وتعمل على تقديم الدعم لقرابة 5 ملايين لاجئ فلسطيني مسجّلين لديها.
– التطهير العرقي: عمليات قتل وطرد وتهجير جماعي بحق الشعب الفلسطيني، أقدم عليها الاحتلال عام 1948 مستخدمًا القوة المفرطة والقتل الممنهَج، ما أدّى إلى تشريد عشرات الآلاف من الفلسطينيين خارج بيوتهم ووطنهم.