في 2 أبريل/ نيسان 2023، أوقفت جامعة قرطبة عالم الكيمياء الإسباني رافائيل لوكيه، أحد أكثر العلماء إنتاجًا واقتباسًا في العالم، لمدة 13 عامًا من دون أجر، بسبب عمله البحثي في الوقت نفسه لصالح جامعات أخرى منها جامعة الملك سعود، رغم عقده بدوام كامل مع الجامعة الإسبانية.
لم يكن لوكيه سوى واحد من مئات الباحثين والعلماء المرموقين الذين استهدفتهم الجامعات السعودية لرفع التصنيف الأكاديمي لجامعاتها، بعد أن جاء ترتيبها لعقود في ذيل جامعات العالم، وأطلقت في سبيل ذلك برامج رائدة تضمّنت توظيف أكثر العلماء شهرة في العالم، وتقديم آلاف الدولارات سنويًّا للباحثين مقابل إضافة اسم الجامعات السعودية إلى أبحاثهم.
سباق الجامعات
منذ عام 2008، أطلقت جامعة الملك سعود حملة رئيسية لتعزيز تصنيفها الدولي، كان الرجل الذي يقف وراءها هو عبد الله العثمان الحاصل على درجة الدكتوراه في علوم التغذية من جامعة أريزونا عام 1992، وكان وكيل وزارة في وزارة التعليم العالي السعودية قبل أن يُعيَّن رئيسًا لجامعة الملك سعود عام 2008.
تولى العثمان زمام الأمور في وقت تعرّضت فيه الجامعات السعودية لانتقادات في وسائل الإعلام السعودية، لضعف أدائها بين الجامعات في التصنيفات الدولي، فأطلق برنامجَين لتغيير الأمور، كان أحدهما برنامج “زمالة عالِم”، الذي يهدف -بحسب ما هو مذكور على موقعه الإلكتروني- إلى “زيادة عدد الباحثين المرموقين المنتسبين إلى الجامعة، وبدء أنشطة بحثية مشتركة بين الباحثين الدوليين الذين لديهم القدرة على النشر في مجلات “ناتشر” (الطبيعة) و”ساينس” (العلوم)”.
كانت عروض الجامعات السعودية، خاصة جامعتَي الملك عبد العزيز والملك سعود، عبارة عن مبالغ مالية تصل إلى 76 ألف دولار سنويًّا للإشراف على مجموعات بحثية.
وفي عام 2010، أُطلق برنامج آخر تحت اسم “أستاذ زائر” تضمّن الدفع لعلماء مرموقين، مقابل نشرهم 5 أبحاث سنوية باسم الجامعة في مجلات مفهرسة في قاعدة بيانات المجلات والأبحاث العلمية، بالإضافة إلى دفع مبلغ للأستاذ الزائر مقابل كل ورقة يشترك في تأليفها مع طاقم جامعة الملك سعود لزيادة الظهور في المجلات العلمية، كما كتبت الجامعة في لائحتها أنها ستدفع 100 ألف ريال للأستاذ الزائر لقاء زيارته الجامعة لأسبوعَين فقط، إضافة إلى تكاليف السفر والإقامة ومصروف يومي 2500 ريال.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2010، أوضح العثمان أن الجامعة طوّرت برنامج “استقطاب العلماء المميزين” الذين تُستخدم بحوثهم بكثرة من قِبل الباحثين الآخرين، لاستقطاب 100 عالم بارز من مختلف دول العالم عام 2011 للعمل في مجاميع بحثية، ومنحهم الجنسية السعودية تشجيعًا لهم، وهو النهج الذي سارت عليه جامعة الملك عبد العزيز بتفعيلها هذا البرنامج عام 2013، وبدأت اتصالاتها مع عدد من هؤلاء الباحثين بهدف “دعم مسيرة البحث العلمي في الجامعة” كما تقول.
بعد نجاح هذا البرنامج، تحوّل إلى برنامج سعودي وطني تموّله وزارة التعليم العالي، ويستهدف استقطاب 1000 عالم، ويتلقّى بموجبه أكثر العلماء استشهادًا بأبحاثهم في العالم عروضًا من الجامعات السعودية، خاصة جامعتَي الملك عبد العزيز والملك سعود، للعمل كأساتذة مساعدين، وكانت العروض عبارة عن مبالغ مالية تصل إلى 76 ألف دولار سنويًّا للإشراف على مجموعات بحثية.
لم تشترط العروض إقامة العالِم أو الباحث في السعودية أو تخليه عن عمله بجامعته الأساسية، واقتصر الأمر على قضاء أسبوع أو أسبوعَين في السنة في الحرم الجامعي، لكنها اشترطت إضافة اسم الجامعة السعودية إلى اسمه كـ”جامعة ثانية” بالقائمة الدولية للباحثين لتبدو كأنها مشاركة في أبحاثه، بحسب ما كشفته المجلة العلمية “ساينس” في ديسمبر/ كانون الأول 2011.
أثار العرض السعودي الكثير من الشكوك لدى بعض العلماء والباحثين الأجانب الذين رفضوا مثل هذه الإغراءات، على سبيل المثال رفض عالم الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد، روبرت كيرشنر، مثل هذا العرض الذي أرسله له عالم فلك في جامعة الملك عبد العزيز في جدة.
إذ عرضَ عليه عقدًا للحصول على وظيفة كأستاذ مساعد مقابل 72 ألف دولار سنويًّا للإشراف على مجموعة بحثية في الجامعة، وتقضية أسبوع أو أسبوعَين في حرم الجامعة، لكن الشرط الأخير كان قابلاً للتفاوض، بحسب ما كتب الشخص الذي قدّم العرض في البريد الإلكتروني.
مع ذلك، ما كان مطلوبًا من كيرشنر فعله هو إضافة اسم جامعة الملك عبد العزيز كعضو ثانٍ إلى اسمه في قائمة معهد المعلومات العلمية المختص في النشر الأكاديمي، الذي يضم مجموعة من الباحثين الذين يتم الاستشهاد بأبحاثهم كثيرًا.
للوهلة الأولى، اعتقد هذا العالم الأمريكي أن رسالة البريد الإلكتروني مخادعة، وأن الأمر مجرد “نكتة”، مشيرًا على سبيل الدعابة إلى أن المال كان أكثر بكثير من الزيادة السنوية التي يحصل عليها بنسبة 2%، ثم اكتشف بعد ذلك أن زميلًا مشهورًا في جامعة أمريكية أخرى قَبِل هذا العرض، وأضاف جامعة الملك عبد العزيز باعتبارها جهة انتساب ثانية إلى أبحاثه على موقع معهد المعلومات العلمية.
زميل كيرشنر ليس وحده، ففي هذه الفترة وقّع أكثر من 60 باحثًا من أفضل الباحثين من مختلف التخصصات العلمية -جميعهم مدرجون بقائمة الباحثين الأكثر استشهادًا- عقود توظيف بدوام جزئي مع الجامعة تمَّ تنظيمها على غرار العرض الذي تلقاه كيرشنر، وتضمنت العقود “تكريس الباحثين كامل وقتهم واهتمامهم ومهاراتهم وقدراتهم لأداء واجباتهم، والقيام بعمل يعادل إجمالي 4 أشهر لكل فترة عقد”.
على عكس كيرشنر، اضطرَّ عالم الفلك بجامعة تورنتو في كندا، راي كارلبيرغ، قبول العرض والالتحاق بالجامعة بعد أن تلقى البريد الإلكتروني، رغم أنه كان قلقًا في البداية من أن جامعة الملك عبد العزيز ربما تشتري اسمه ببساطة، لكنه اقتنع بأنها كانت صادقة في الاستفادة من خبرته في إجراء البحوث.
فقد قدّم عرضًا لتمويل تلسكوب يريد بناءه على جزيرة في أرخبيل القطب الشمالي الكندي، وفي حال قبول هذا الاقتراح، كما يقول، فستكون هناك فرص لإشراك أعضاء هيئة التدريس والطلاب من جامعة الملك عبد العزيز في المشروع.
في محاولة أخرى لجذب الباحثين الغربيين إلى السعودية، قدّم أستاذ الرياضيات المتقاعد من جامعة أوهايو في أثينا والمستشار لجامعة الملك عبد العزيز، سيرندر جاين، قائمة تضم عشرات الأكاديميين الذين وقّعوا عقودًا مماثلة لتلك التي أُرسلت إلى كيرشنر، بهدف “تحسين رؤية الجامعة وترتيبها”، ومساعدة الأكاديميين الأجانب في إطلاق برامج بحثية محلية، حتى أنه رأى أن هؤلاء العلماء البارزين من شأنهم أن يلهموا الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المحليين.
اختلفت بنود العقد هذه المرة عن سابقاتها، على سبيل المثال فيما يخصّ الأموال المدفوعة، حيث سيحصل بعض الباحثين على تعويضات -وليس كمرتّب- كجزء من منحة بحثية تقدمها جامعة الملك عبد العزيز، ويُتوقع أن يزور معظمهم الجامعة 4 أسابيع في السنة لتقديم دورات مكثفة، كما يتوقع منهم الإشراف على الأطروحات ومساعدة أعضاء هيئة التدريس المتفرغين في الجامعة على تطوير مقترحات بحثية.
ويبدو أن هذه البرامج المموّلة بسخاء تخلق عن عمد “انطباعًا خاطئًا بأن هذه الجامعات تنتج أبحاثًا رائعة”، بحسب مدير مركز النزاهة الأكاديمية في جامعة كليمسون في ساوث كارولاينا، تيدي فيشمان، لكن رئيس برنامج البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز ينفي ذلك، بقوله إن الجامعات السعودية تتعاقد مع علماء يقومون بعمل حقيقي لا مجرد أسماء يضعون اسم الجامعة في أبحاثهم مقابل المال.
خُدعة التصنيف الأكاديمي
الأكاديميون الذين قبلوا عروض الجامعات السعودية يمثلون مجموعة متنوعة من أعضاء هيئة التدريس المرموقين في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وآسيا وأستراليا، بعضهم أساتذة فخريون تقاعدوا من مؤسساتهم المحلية، وقد أضاف البعض الجامعات السعودية كعضو في الأوراق البحثية، وأوصلوا عدد الأبحاث التابعة لجامعة الملك سعود إلى 1211 في عام 2010 مقابل 517 عام 2009، أي ما يقرب من الضعف، وثلاثة أضعاف الرقم المسجّل في عام 2008.
يعني هذا أن السعوديين “ببساطة يشترون الأسماء”، كما يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الملك سعود وعضو مجلس الشورى سابقًا، محمد القنيبط، في مقال نشرته صحيفة “الحياة”، شكّك فيه بمصداقية ما تنشره جامعة الملك سعود من البحوث والنشاط العلمي.
وانتقد القنيبط توجُّهها لشراء أكبر عدد من الباحثين المرموقين عبر برامج زمالات علمية واستقطاب علماء نوبل وأساتذة زائرين، خاصة أولئك الذين يبحثون عن المال وليس البحث العلمي، واعتبر أن هدف الجامعة من ذلك “القفز السريع من الخلف إلى الأمام”.
للمرة الأولى في تاريخ الجامعات السعودية، اختير 3 باحثين سعوديين في قائمة الباحثين الأكثر استشهادًا في العالم لعام 2018، وجميعهم من جامعتَي الملك سعود والملك عبد العزيز.
وتُثار الشكوك حول إجراء هذه الأبحاث على أرض الجامعات السعودية، كما يقول أستاذ الصيدلة بجامعة الملك سعود، عبد القادر الحيدر، ويتوقع إجراء القليل منها فقط في جامعة الملك سعود، في حين تساءل القنيبط في مقاله عمّا إذا كانت الجامعات السعودية العملاقة اشترت هذه الأبحاث بهدف نشر أكبر عدد ممكن منها في قائمة قاعدة بيانات المجلات والأبحاث العلمية، وما إذا كانت تعالج مشكلات محلية وقابلة للتطبيق في المملكة.
في انتقاداتهما لاستراتيجية العثمان لزيادة التأثير، يشير الحيدر والقنيبط إلى آثارها على سجلّ النشر لعالِم الحيوان خالد الرشيد، الذي يدير برنامج “زمالة عالِم”، والذي بدأ العمل أستاذًا في جامعة الملك سعود عام 1992، بعد حصوله على درجة الدكتوراه في جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة حول تأثير المعادن الثقيلة على الشركات العملاقة.
على مدار الـ 15 عامًا التالية في الجامعة، لم يحقق الرشيد سوى 4 أوراق بحثية سنويًّا، وكثير منها نُشر في مجلات إقليمية، ومع ذلك منذ عام 2008، عندما بدأت الجامعة برنامج “زمالة عالِم” تحت قيادته، أصبح الرشيد غزير الإنتاج بشكل مثير للدهشة.
ففي عام 2009، كان واحدًا من أفضل 5 باحثين في جامعة الملك سعود من خلال إنجاز 19 بحثًا، وشارك في تأليف 139 ورقة بحثية، بما في ذلك نشر 49 بحثًا عام 2010 و36 في العام التالي في المجلات العلمية المحكمة.
معظم هذه الأبحاث، التي شارك في تأليفها باحثون من جميع أنحاء العالم، تعترف بالدعم المالي من مركز الامتياز في مجال التنوع البيولوجي وإدارة الموارد في جامعة الملك سعود الذي يديره الرشيد، وكُتبت بعض الأبحاث بالاشتراك مع باحثين وظفتهم جامعة الملك سعود في إطار برنامج “زمالة عالِم”.
على سبيل المثال، أَدرجَت ورقة بحثية واحدة، عن الكيمياء الحيوية لـ”خناق الذباب” –نُشرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 في مجلة “وقائع” الأكاديمية الوطنية للعلوم- 7 مؤلفين مشاركين بالإضافة إلى الرشيد، بما في ذلك باحثَين في جامعة الملك سعود: الحائز على جائزة نوبل إرفين نيهر من معهد ماكس بلانك للكيمياء الفيزيائية الحيوية في جامعة غوتنغن، وراينر هيدريش من جامعة فورتسبيرغ، وكلاهما في ألمانيا.
اعترف الرشيد أن الزيادة الهائلة في الأبحاث العلمية المنسوبة إليه جاءت نتيجة الأموال التي استثمرتها جامعة الملك سعود، لكنه نفى أن يكون قد حصل على أي ورقة بحثية بحكم قيام الجامعة بتقديم دعم مالي أو تعويض مباشر للباحثين الأجانب.
كنتيجة حتمية لما سبق، وللمرة الأولى في تاريخ الجامعات السعودية، اُختير 3 باحثين سعوديين في قائمة الباحثين الأكثر استشهادًا في العالم لعام 2018، وجميعهم من جامعتَي الملك سعود والملك عبد العزيز، وهذا يعني أن هناك تأثيرًا واضحًا للباحثين والعلماء الأجانب الذين تعاقدت معهم المملكة مقابل أموال طائلة، واقترن اسمهم بالباحثين السعوديين.
في الواقع، يقيَّم الباحثون من خلال عدد الدراسات التي ينشرونها في الدوريات والمجلات العلمية الموثوقة والمحكمة، وعدد المرات التي يتم فيها الاستشهاد بهذه الأبحاث من قبل الزملاء الآخرين.
ومع ذلك، أحدثت هذه الآلية “حسنة النية” آثارًا سلبية، وسمحت بتسلُّل الدراسات العلمية المزيفة التي أُنتجت عن طريق النَّسخ من دراسات أخرى، أو عن طريق مولّدات نصوص الذكاء الاصطناعي، وبيعت مؤلفاتها سرًّا بمئات أو آلاف الدولارات لتعزيز السِّيَر الذاتية.
على سبيل المثال، ينشر لوكيه، أحد أهم الباحثين الإسبان، الأوراق البحثية باستمرار، وقد وصلت إلى حوالي 700 دراسة، خاصة في مجال ما يسمّى بـ”الكيمياء الخضراء”، التي تهدف إلى تصنيع منتجات مثل الأدوية والوقود مع توليد قدر أقل من النفايات.
في العام الماضي، ألّف هذا الباحث حوالي 110 مقالات، ونشر منذ مطلع العام الجاري حتى صدور قرار وقفه عن العمل 58 دراسة، بمعدل دراسة واحدة كل 37 ساعة، وظهر في قائمة الباحثين الأكثر استشهادًا بأبحاثهم في العالم لمدة 5 سنوات.
لهذا السبب تتنافس الجامعات في جميع أنحاء العالم لتوظيف علماء غزيري الإنتاج مثل لوكيه، يمكنهم نقل مركزها مئات الدرجات في التصنيف الأكاديمي الدولي، وبالتالي جذب المزيد من الطلاب والتمويل.
البروفيسور العبقري رافائيل لوك كتب 500 بحث و 10 كتب في مجال الطاقة الكيمائية والكيمياء الخضراء .. خبرته تعدي ال١٥ سنة متعاون مع ٦ جامعات حول العالم بامريكا والصين والسعودية وروسيا.. عدد الاقتباسات من منشوراته بالالاف ترتيبه البحثي متقدم .. جامعته وقفته لانه خالف بنود العقد معها
— heem (@anaalheem) April 5, 2023
لكن لوكيه لم يكن بعيدًا عن الشبهات، حيث تتضمن أبحاثه عشرات الاقتباسات غير الضرورية لمقالات أخرى لزيادة عدد الاقتباسات من الزملاء الآخرين بشكل مصطنع، وهناك أيضًا انتقادات لنحو 90 دراسة منسوبة إلى لوكيه على موقع PubPeer الأمريكي المستخدم للتعليق على مقالات الزملاء الآخرين دون الكشف عن الهوية، الأمر الذي يناقض جامعة قرطبة التي تفاخرت عام 2018 بأن 84 من أصل 100 من دراسات لوكيه قد استشهد بها علماء آخرون.
واعترف لوكيه أيضًا بأنه يستخدم برنامج الذكاء الاصطناعي ChatGPT، الذي أُطلق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لـ”تلميع” نصوصه المكتوبة باللغة الإنجليزية، وكانت هذه الأشهر مثمرة للغاية، لأن هناك مقالات كانت تتطلب يومَين أو 3 أيام، وأصبح ينشئها في يوم واحد من خلال ChatGPT القادر على إنشاء نصوص متعمقة ردًّا على الأسئلة المعقدة.
ومع ذلك، هذه ليست المرة الأولى التي يتورّط فيها في فضيحة، ففي عام 2011 أفاد أستاذان في جامعة لاغونا الإسبانية بأن أحد طلابهما استولى على بيانات من مختبرهما ونشرها على أنها خاصة به، وكان لوكيه المؤلف المشارك الوحيد، وأدانت المحكمة العام الماضي لوكيه والطالب السابق بارتكاب جريمة اعتداء على الملكية الفكرية، واعترف بمساعدته في مراجعة المقالة ووضعها باللغة الإنجليزية ونشره.
حتى ذلك الحين، غالبًا ما كانت أبحاثه المنشورة في جامعة قرطبة مصحوبة بأسماء الجامعات السعودية أو الروسية، وكذلك جامعة جياو تونغ في شيان (الصين) اعتبارًا من عام 2019، وجامعة وسط السويد منذ نهاية عام 2021، وفي الأشهر الأخيرة أضاف جامعة إيكوتيك في سامبوروندو (الإكوادور)، وجامعة البحر الأبيض المتوسط في ريدجو كالابريا (إيطاليا).
ده فيض من غيض للى بيحصل فى جامعات فى دول جنبنا و تلاقي تصنيفهم عالي ، لكن على الله حكايتهم . فلوث . فلووووث ?? https://t.co/UMBMC9Dyvs
— مد????نية (@SecuEgy) April 5, 2023
وفقًا للكيميائي الإسباني، فإن مشاكله في جامعة قرطبة بدأت عندما بدأ التعاون مع جامعة الملك سعود عام 2019، وبعد توقيع دراسة “عن طريق الخطأ” وكأنه أستاذ في الجامعة الروسية، مدّعيًا أنه لم يتلقَّ أي أموال “بشكل مباشر” من أي من الجامعات السعودية أو الروسية، بخلاف التمويل لأبحاثه والسفر في درجة رجال الأعمال والإقامة بالفنادق الفاخرة.
اعترف لوكيه بالالتفاف على البروتوكولات، وأنه تخطى الإجراءات المعمول بها للتعاون مع الجامعات الأخرى، لكنه يعزو العقوبة إلى “الحسد ونقص الفهم”، ويقول: “لديهم ضغينة ضدي لأنني عالم غزير الإنتاج ويعشقني الكثير من الناس، لأنهم يعرفون قيمتي، لم أشعر أبدًا بدعم جامعة قرطبة، رغم أنني وضعتها في مقدمة التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم”.
رحلة الصعود المفاجئ
بينما يشكّك بعض علماء التعليم في دقة وفائدة تصنيف مؤسسات التعليم العالي، لا يزال السعوديون يرغبون في الحصول عليه، بما في ذلك العديد من مسؤولي الجامعات، حيث يُنظر إلى هذه التصنيفات على أنها طريقة لتقييم ومقارنة الجامعات بناءً على مجموعة متنوعة من الخصائص.
تصنَّف الجامعات بحسب الأهمية أكاديميًّا، وفق مؤشرات أشهرها “تصنيف شنغهاي” الذي نُشر لأول مرة عام 2003 من قبل معهد التعليم العالي التابع لجامعة شانغهاي جياو تونغ الصينية، بناءً على معايير موضوعية تتعلق بجودة التعليم والمدرّسين ووجود باحثين مُستشهد بدراساتهم، وعدد الخريجين والموظفين الحائزين على جائزة نوبل ووسام فيلدز الممنوح لعلماء رياضيات دون سنّ الـ 40، وعدد المقالات المنشورة في مجلات علمية، وعدد المقالات المفهرسة في “مؤشر الاقتباس العلمي”، والأداء الأكاديمي للفرد.
اعتمدت السعودية على مواردها المالية لجذب العلماء ووضع اسمها على أبحاثهم، ومن ثم زيادة ظهور جامعاتها بالمجلات العلمية دون مشاركتها في البحث أحيانًا.
يعد “تصنيف شنغهاي” الأكاديمي للجامعات العالمية واحدًا من أهم 3 تصنيفات عالمية للجامعات، إلى جانب تصنيف “كيو إس” السنوي لأفضل 800 جامعة في العالم، وتصنيف مجلة “تايمز” للتعليم العالي للجامعات العالمية.
ونظرًا إلى أن كل منظمة تصنيف تستخدم متغيرات كمية مختلفة، فلا يمكن لأي من التصنيفات تقديم صورة شاملة لقدرات الجامعة، فقد تلقّى “تصنيف شنغهاي” ردود فعل إيجابية بسبب موضوعيته ومنهجيته، لكنه يواجه انتقادات واسعة لأنه فشل في التكيُّف مع حجم المؤسسات التعليمية، وبالتالي تميل الجامعات الأكبر إلى الترتيب فوق الجامعات الأصغر.
اعتمدت السعودية على مواردها المالية لجذب العلماء ووضع اسمها على أبحاثهم، ومن ثم زيادة ظهور جامعاتها بالمجلات العلمية دون مشاركتها في البحث أحيانًا، ما مكّن الجامعات السعودية من القفز مئات الدرجات في التصنيفات العالمية للجامعات، بغضّ النظر عن وجود تعاون حقيقي مع الباحثين الأجانب.
ويبدو من ذلك أن العثمان، الذي أُعفي من منصبه منتصف عام 2012، أراد الحصول على نتائج سريعة ونالها، فعلى مدار العقد الماضي، صعدت جامعة الملك سعود بالرياض مئات المراكز في التصنيف الدولي في السنوات الأخيرة الماضية، من خلال مبادرات تستهدف تحديدًا ربط اسم الجامعة بالأوراق البحثية، بغضّ النظر عمّا إذا كان العمل ينطوي على أي تعاون هادف مع باحثي جامعة الملك سعود.
في عام 2008، لم تكن أي من الجامعات السعودية على “مؤشر شنغهاي” الذي يصنِّف أكثر من 2500 جامعة كل عام، وينشر أفضل 1000 جامعة سنويًّا منذ عام 2009، في هذا العام كانت جامعة الملك سعود الجامعة السعودية الوحيدة ضمن التصنيف، وجاءت في المرتبة 402-501 عالميًّا، وسرعان ما صعدت بقوة في الأعوام التالية، ففي عام 2010 كان ترتيب الجامعة 301-400، وفي سبتمبر/ أيلول 2011 تقدمت 100 مركز (201-300)، وفي أحدث تصنيف صدر عام 2022 جاءت في المرتبة 101-150.
بينما في عام 2010 لم يكن لجامعة الملك عبد العزيز ترتيب بين أعلى 500 جامعة على مستوى العالم، ثم أصبحت في عام 2022 بالمرتبة 101-150، وحتى عام 2012 كانت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا خارج التصنيف، وفي العام التالي أصبحت في المرتبة 401-500، وفي عام 2022 أصبحت في المرتبة 201-300، كذلك كانت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن -التي بذلت دفعة مماثلة من أجل المكانة- خارج التصنيف حتى عام 2010، وبين عامَي 2010 و2011 انتقلت من المرتبة 401-500 إلى المرتبة 301-400.
وحتى عام 2020، تواجدت في “تصنيف شنغهاي” 4 جامعات سعودية (جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن)، وشهد عام 2021 دخول جامعتَين سعوديتَين جديدتَين ضمن التصنيف، هما جامعة الملك خالد وجامعة الطائف، وكلتاهما في المرتبة 801-900، وهما جامعتان حديثتا العهد مقارنة بالجامعات العريقة التي تجاوز إنشاؤها الـ 100 عام.
ومن بين 3 آلاف جامعة تمَّ تصنيفها حسب مؤشر “ويبوميتركس (Webometrics)” الإسباني لجامعات العالم عام 2006، احتلت جامعة الملك سعود المرتبة 2910، بينما كان أداء جامعة الملك عبد العزيز أفضل قليلًا فقط في المرتبة 2785.
بينما احتلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي مؤسسة سعودية رائدة أخرى، المرتبة 1681، ولم تكن أي من هذه الجامعات في قائمة أفضل 500 جامعة التي نشرها التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية، ومقره شنغهاي، في عام 2008.
? جامعة الملك سعود تحتل المركز الأول محلياً حسب تصنيف ويبوميتركس للجامعات لعام ٢٠٢٢م.#جامعة_الملك_سعود
— منصة مُرشد (@KSU_HELP) July 19, 2022
اليوم، تحتل معظم هذه الجامعات مراكز متقدمة ضمن أفضل 500 جامعة على مستوى العالم وفق مؤشر “ويبوميتركس”، تحتل جامعة الملك سعود المرتبة 322 عالميًّا والأولى محليًّا، وتأتي جامعة الملك عبد العزيز في المرتبة 388 عالميًّا، وتأتي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا في المرتبة 384، وخارج قائمة الـ 500 الأعلى تأتي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المرتبة 703 عالميًّا، وجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل (جامعة الدمام) في المرتبة 859، وجامعة الطائف في المرتبة 1062.
ويحذّر الأكاديميون داخل وخارج المملكة من أن مثل هذه الممارسات يمكن أن تنتقص من الجهود الحقيقية التي تبذلها الجامعات السعودية لتحويل نفسها إلى مراكز بحثية عالمية، على سبيل المثال أنفقت الحكومة السعودية مليارات الدولارات لبناء جامعة الملك عبد الله الجديدة للعلوم والتكنولوجيا في ثول (جدة)، والتي تضمّ مختبرات حديثة وعشرات من الباحثين البارزين كأعضاء هيئة تدريس بدوام كامل.
ورغم أن حجم الإنفاق الحكومي في قطاع التعليم يستحوذ على حوالي 19% من إجمالي الإنفاق (49 مليار دولار)، ويُوصف في بعض وسائل الإعلام السعودية بأنه “الأعلى” في العالم، إلا أن وصمة المبادرات والبرامج المموّلة واستخدام الباحثين بهذه الطريقة للحصول على نتائج أسرع وتحسين الترتيب العالمي تبقى المتحكم في انتماءات العلماء الأجانب الذين يختصر بعضهم الأمر بالإشارة إلى المملكة باعتبارها “دولة غنية تريد بناء شيء”، لكن الواقع أن المكانة الأكاديمية والترتيب العالمي للمؤسسات التعليمية أشياء لا تُشترى.