ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد جولة أولى من الانتخابات تحبس الأنفاس تستعد تركيا لجولة ثانية حسب ما أعلنت عنه اللجنة الانتخابية يوم الإثنين، ما يمدد فترة التصويت المحوري الذي أظهر أن الرئيس المنتهية ولايته، رجب طيب أردوغان، لا يزال قوة سياسيّة لا يستهان بها رغم فشله في ضمان الفوز في الانتخابات من الجولة الأولى.
ستُجرى الجولة الثانية في 28 أيار/ مايو بعد أن أعلن المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا يوم الإثنين أن أردوغان حصد 49.5 بالمئة من الأصوات مقارنة بـ 44.9 بالمئة بالنسبة لمنافسه الرئيسي كمال كيليتشدار أوغلو، مع فرز جميع الأصوات تقريبًا ما يظهر أن حظوظ أردوغان، الذي قاد تركيا لمدة 20 سنة، للفوز بفترة ولاية أخرى تستمر خمس سنوات قويةٌ.
بعد ليلةٍ صاخبة اتهم خلالها المعسكران المتنافسان بعضهما البعض بالتعجّل في إعلان النتائج قبل الفرز الرسمي للأصوات، قال كلاهما في وقت مبكر من يوم الإثنين إنهما سيقبلان الجولة الثانية – وتوقع كلاهما الفوز.
يوم الأحد، تابعت مختلف دول العالم الانتخابات التركية عن كثب لمعرفة مسار حليفهم المهم في الناتو الذي يتمتع بمجموعة واسعة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية عبر القارات. كان مصير أردوغان محل اهتمام بشكل خاص، الذي لطالما أربك وأحبط شركاءه الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، وواجه استياءً متزايدًا في ظل ارتفاع معدل التضخم والدمار الذي أحدثته الزلازل التي هزت جنوب البلاد في شباط/ فبراير بحصيلة قتلى تجاوزت 50 ألف شخص.
قبل التصويت، أشارت معظم استطلاعات الرأي إلى تقدم طفيف للمرشح كمال كليتشدار أوغلو الذي يمثل تحالفًا مكونًا حديثًا من ستة أحزاب معارضة، بيد أن النتائج أظهرت الجاذبية والتأثير الدائمين لأردوغان. وفيما يلي بعض النقاط الرئيسية:
جولة الإعادة الأولى في تركيا
هذه المرة الأولى في تاريخ تركيا التي لم يحصل فيها أي مرشح رئاسي على الأغلبية في الجولة الأولى، ويفتح ذلك نافذة معقدة لمدة أسبوعين سيبذل خلالها المرشحان كل جهدهما لجذب المزيد من الناخبين إلى صفهم.
التصويت في إسطنبول يوم الأحد. وقد ذكرت وكالة الأنباء الحكومية أن نسبة المشاركة في الإنتخابات في جميع أنحاء البلاد تجاوزت 88 بالمئة.
كانت انتخابات يوم الأحد الثانية منذ استفتاء سنة 2017 الذي أيّده أردوغان وحوّل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي. فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لـ 2014 و2018 بصورة مباشرة وبفارق كبير. وعدم تحقيقه نصرا مماثلا هذه المرة دليل على أنه فقد بعض الدعم.
أردوغان يتمتع بالأفضلية
يبدو أن أردوغان يتمتّع بأفضلية مع تقدمه على منافسه كليتشدار أوغلو، مع إمكانية الفوز بأغلبية ساحقة. واستبعاد المرشح الثالث سينان أوغان، يترك الـ 5.7 بالمئة من الأصوات، الكثير منهم من اليمين، في مرمى هذين المرشحين. ومن المحتمل أن يختار الأغلبية، إذا شاركوا في الجولة الثانية، أردوغان.
في الفترة التي سبقت الانتخابات، استغلّ أردوغان موارد الدولة بحريّة لتحسين حظوظه في الفوز، ورفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والحد الأدنى للأجور الوطنية، وأطلق العنان للإنفاق الحكومي في محاولة لعزل الناس عن الآثار الفورية لارتفاع معدّل التضخم. ويمكنه تنفيذ المزيد من هذه الإجراءات من الآن وحتى الجولة الثانية. ومن الأمور التي ستساعد أردوغان في زيادة حظوظه هي الأداء القوي لحزبه في التصويت البرلماني يوم الأحد، الذي حدث في نفس الوقت.
أنصار الرئيس رجب طيب أردوغان خارج مقر حملته في خطاب له يوم الإثنين.
تشير النتائج الأولية إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان وحلفاؤه سيحتفظ بأغلبية في البرلمان المكون من 600 مقعد، وهذا من شأنه أن يسمح لأردوغان بالقول إنه ينبغي أن يفوز لتجنب انقسام الحكومة مما قد يعرقل الأداء الفعال للدولة. ومن جانبه، توقع كليتشدار أوغلو فوزه في الجولة الثانية حيث قال لأنصاره في وقت مبكر من يوم الإثنين “سننتصر بالتأكيد ونجلب الديمقراطية لهذا البلد”.
ثقة الأتراك في الانتخابات لا تزال عالية
في جميع أنحاء تركيا وفي الخارج، أدلت الغالبية العظمى من الناخبين المؤهلين البالغ عددهم 64 مليونًا بأصواتهم، ووقف البعض في طوابير طويلة وعادوا إلى الأحياء التي دمرها الزلزال لممارسة ما يراه الكثيرون واجبًا وطنيًا. ومع أن مجلس الانتخابات لم يعلن بعد عن الأرقام الرسمية، إلا أن وكالة الأناضول الإخبارية الحكومية أفادت بأن نسبة المشاركة تجاوزت 88 بالمئة. وهذا أعلى بكثير من نسبة الإقبال التي بلغت 66.6 بالمئة في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في سنة 2020. ومثل هذه الأرقام العالية ليست غريبة في تركيا.
وقوف بعض الناخبين في طوابير طويلة لممارسة ما يراه الكثيرون واجبا وطنيا.
في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة لسنة 2018، أدلى حوالي 85 بالمئة من الناخبين بأصواتهم. ومنذ سنة 1983، لم تنخفض نسبة المشاركة في أي انتخابات – بما في ذلك انتخابات رؤساء المجالس البلدية – التي بلغت 74 بالمئة.
ولا يعتبر العديد من علماء السياسة تركيا دولة ديمقراطية خالصة، بسبب السلطة المطلقة التي يمارسها الرئيس وقدرته على تشكيل المشهد السياسي قبل الانتخابات. ومع ذلك، ما زال الأتراك يأخذون الانتخابات على محمل الجد. ومن بينهم أردوغان، الذي قال لأنصاره في وقت مبكر من يوم الإثنين إنه مستعد لخوض جولة ثانية من التصويت وصرّح قائلا “في حياتي السياسية، دائمًا ما احترمت قراركم”. وأضاف “أنا أتوقع نفس النضج الديمقراطي من الجميع”.
يبدو أن القومية هي السائدة
قد لا يعطي الناخبون الأتراك الأولوية للسياسة الخارجية في صناديق الاقتراع، لكن يبدو أن قرار أردوغان بتصعيد الخطاب القومي خلال الحملة قد أتى أُكله، سواء بالنسبة له أو لتحالفه البرلماني المحافظ.
خلال الحملة، خصص أردوغان رصيفًا في وسط إسطنبول ليزوره الناخبون. وصعّد انتقاداته للولايات المتحدة، بل وادعى عشية الانتخابات أن الرئيس بايدن يسعى للإطاحة به. كما اتهم أردوغان وأعضاء حزبه المعارضة علنًا بالتعاون مع الإرهابيين لأنهم تلقوا دعم الحزب الرئيسي الموالي للأكراد في تركيا. وغالبًا ما يتهم القوميون الأتراك السياسيين الأكراد بدعم أو التعاون مع المسلحين الأكراد الذين كانوا في حالة حرب مع الدولة التركية منذ عقود.
كما تحدّث أوغان، المرشح في المركز الثالث، عن إعطاء الأولوية لسبل إعادة الملايين من اللاجئين السوريين في تركيا إلى وطنهم، وانتقد التحالف المعارض على دعمه للأكراد. وفي الجولة الثانية، قد يكون المرشح الذي يتبنى بشكل أكثر فعالية المواقف القومية قادرا على جذب المزيد من أنصار أوغان.
المصدر: نيويورك تايمز