يبدو أن “ربيع تركيا” الذي بشّر به مرشح تحالف الأمة كمال كليجدار أوغلو لن يأتي، بل قد تعجّل النتائج التي تمخّضت عن الانتخابات والإحباط الشديد الذي تسبّبت به في صفوف المعارضة، من خريف الطاولة السداسية التي يمثلها كليجدار أوغلو.
إذ استطاع تحالف الجمهور/ الشعب بقيادة الرئيس أردوغان مخالفة جميع التوقعات الغربية، واستطلاعات الرأي الداخلية التي تنبأت له بهزيمة كبيرة في هذه الانتخابات، وهذا باعتراف عدد من الصحف الغربية نفسها التي روّجت لهزيمته قبل عدة أيام، وعلى رأسها صحيفة “ذا إيكونوميست” البريطانية التي دعت الأتراك صراحة إلى التصويت ضد أردوغان في الانتخابات.
مشاركة استثنائية
لم تشهد تركيا منذ عام 1987 نسبة مشاركة عالية مثل تلك التي حدثت في الانتخابات الأخيرة التي بلغت 88.92% داخل البلاد، و52.69% في الخارج، إلا أنها لم تكن كافية لتحقيق الأغلبية الدستورية المطلوبة لفوز أي من المرشحين في الانتخابات الرئاسية (50%+1).
ويعني هذا أن الانتخابات الرئاسية لم تُحسم من الجولة الأولى، وعلى المرشحَين الأول والثاني الذهاب إلى الجولة الثانية في 28 مايو/ أيار الجاري بحسب ما أعلنه أحمد ينار، رئيس المجلس الأعلى للانتخابات، وهذه هي المرة الأولى التي يذهب فيها الناخبون الأتراك إلى جولة ثانية لحسم نتائج الانتخابات.
يتوقع في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية ألا يطرأ أي انخفاض على نسبة الأصوات التي حصل عليها الرئيس رجب طيب أردوغان في الجولة الأولى.
خلال هذه الفترة، سوف يستمر تلقي الطعون والاعتراضات على النتائج حتى 18 مايو/ أيار، وربما يفسّر العدد الكبير من الاعتراضات التي قدمها تحالفَي الشعب والأمة تأخير إعلان النتائج الأولية.
على سبيل المثال، صرّح كليجدار أوغلو أنه “كانت هناك اعتراضات في 300 صندوق اقتراع في أنقرة، و783 في إسطنبول”، ما أجبر مسؤولي الصناديق إلى إعادة عدّ الأصوات وفرزها أكثر من مرة (بعض الصناديق تمَّ إعادة عدّها نحو 11 مرة للتأكد من صحة النتائج).
وتتمحور الاعتراضات على مخالفات في جداول عدّ الأصوات وفرزها، ومخالفات في عدد الأصوات الصحيحة والباطلة، ومخالفات بين جداول فرز الأصوات وتحميلها على النظام الإلكتروني، وإعداد تقارير نتائج صناديق الاقتراع بما يخالف القانون وتعليمات المجلس الأعلى للانتخابات.
الذين صوتوا لأوغان لا يشكّلون كتلة حزبية صلبة يمكن توجيهها من قبل أوغان، أو حتى من قبل رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ الذي رشّح أوغان لدخول السباق الرئاسي.
وأيضًا فقدان بعض أوراق الاقتراع، والتضارب بين عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم ونتائج صناديق الاقتراع، والاستخدام المتكرر للأصوات والتصويت بدلًا عن أشخاص لا يستطيعون الاقتراع مثل المحكومين بقضايا جنائية والموتى، ومخالفات في عمل لجان الاقتراع.
سيناريوهات الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة
يتوقع في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية ألا يطرأ أي انخفاض على نسبة الأصوات التي حصل عليها الرئيس رجب طيب أردوغان في الجولة الأولى، لأن من صوّت له في هذه الجولة هم الأشخاص الذين حافظوا على ثباتهم وموقفهم الانتخابي رغم الحملات المعارضة واستطلاعات الرأي، التي حاولت التشويش على خياراتهم والأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها البلاد.
مع ذلك، يمكن لأردوغان أو كليجدار أوغلو الحصول على نسبة من أصوات الناخبين الذين صوّتوا للمرشح سنان أوغان، لكن هذا مرتبط ربما بالمساومات التي سيجريها أوغان مع الطرفَين خلال الأيام المقبلة.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عدة نقاط، الأولى أن الذين صوتوا لأوغان لا يشكّلون كتلة حزبية صلبة يمكن توجيهها من قبل أوغان، أو حتى من قبل رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ الذي رشّح أوغان لدخول السباق الرئاسي.
النقطة الثانية هي أن أغلب هؤلاء هم من القوميين العنصريين، الذين يرون أن حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، الذي دعم مرشح تحالف الأمة، يشكّل خطرًا على القومية التركية، وهذا قد يمنع جزءًا منهم من التصويت لكليجدار أوغلو في الجولة الثانية.
في المقابل، يرى هؤلاء أيضًا أن وجود عدد كبير من الأجانب في تركيا، خاصة اللاجئين، يشكّل هو الآخر خطرًا على القومية التركية الصافية أو العنصرية التي يؤمنون بها، وهذا قد يمنعهم من التصويت لصالح أردوغان.
في حين يوجد جزء من هؤلاء يؤمنون بالقومية الثقافية، كما هو الحال في الحركة القومية التركية (MHP)، وهذا يعني أنه يمكن استمالتهم للتصويت لصالح أردوغان خلال الجولة المقبلة، خاصة أن هناك تطابقًا في العديد من القضايا بين الجانبَين، مثل الاعتزاز بالقومية واللغة التركيتَين وضرورة المحافظة عليهما، والعداء للمحاولات الغربية التي تهدف إلى الهيمنة على تركيا، ومحاربة التنظيمات الإرهابية وتلك التي تساندها في تركيا.
وعد كليجدار أوغلو ناخبيه بالفوز بالجولة الأولى وهذا لم يحدث، وهناك فارق كبير في الأصوات يصل إلى نحو 2.5 مليون صوت بينه وبين أردوغان.
اشتراط سنان أوغان لدعم كليجدار أوغلو في الجولة الثانية بفكّ ارتباطه بحزب الشعوب الديمقراطي، أو عدم تقديم تنازلات له، قد يصعّب الأمور على كليجدار أوغلو، فهو لم يحصل على هذا العدد الكبير من الأصوات لولا دعم حزب الشعوب الديمقراطي وحزب اليسار الأخضر.
وإذا نظرت إلى المحافظات التي حصل فيها كليجدار أوغلو على أعلى نسبة في التصويت، ستجد أنها المحافظات ذات الأغلبية الكردية، مثل تونجلي وشيرناك وهكاري وديار بكر وباتمان، وليست إزمير معقل حزب الشعب الجمهوري.
بمعنى آخر، وفقًا لما يشير إليه الكثير من المحللين الأتراك، فإن المشهد السياسي بات في صالح أردوغان الذي أكّد في خطابه على الشرفة أن الأغلبية البرلمانية التي حصل عليها تعني الاستقرار، لذا ستكون حظوظه في الجولة الثانية أعلى، خاصة أنه يحتاج إلى نسبة قليلة من الأصوات لحسم النتيجة.
في موازاة ذلك، يبدو الآن من الصعب على كليجدار أوغلو وحزب الشعب الجمهوري إعادة تنشيط قواعدهما الانتخابية، ورفع معنوياتهما في تحقيق النصر في الجولة الثانية، بعد هزيمتهما وخسارتهما الأغلبية في البرلمان.
هذه الخسارة الثقيلة لتحالف الأمة في الانتخابات البرلمانية، ستربكه أمام ناخبيه الذين أقنعهم بالعودة إلى النظام البرلماني المُعزز، إذ أصبح هذا الأمر من الماضي بسبب عدم امتلاكه أغلبية ثلاثة أخماس مقاعد البرلمان (360 مقعدًا)، المطلوبة لتمرير تعديل الدستور والذهاب إلى الاستفتاء الشعبي.
العزاء الذي قدّمه كليجدار أوغلو لأنصاره بقوله: “لم يُنتخب أردوغان في الجولة الأولى، لم يستطع الحصول على تصويت بالثقة”، لن يفيد تحالف الأمة في الجولة الثانية، خاصة أن كليجدار أوغلو قد وعد ناخبيه بالفوز بالجولة الأولى وهذا لم يحدث، وهناك فارق كبير من الأصوات يصل إلى نحو 2.5 مليون صوت بينه وبين أردوغان.
وأشارت مصادر مقرّبة من تحالف الأمة إلى أن كليجدار أوغلو ألقى اللوم على مسؤولي حزب الشعب الجمهوري والنواب السابقين والحاليين والمرشحين للبرلمان، لعدم القتال إلى جانبه بما فيه الكفاية للوصول إلى الأغلبية البرلمانية، وحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.
إضافة إلى ذلك، وُجّهت انتقادات للأحزاب الأخرى المنضوية ضمن الطاولة السداسية -باستثناء حزب السعادة- بأنهم “كانوا يعملون بطرف أيديهم”، أي أنهم لم يراقبوا صناديق الاقتراع ويولوا العملية الانتخابية الاهتمام المطلوب، وهذا ما يفسّر ظهور كليجدار أوغلو في مقطع فيديو يقول فيه غاضبًا: “أنا هنا، سأقاتل إلى النهاية”.
ما الجديد في الانتخابات البرلمانية؟
أما بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية، فقد شهدت تطورات جديدة تمثلت بدخول بعض الأحزاب السياسية لأول مرة إلى البرلمان، بفضل تحالفها مع الأحزاب الكبرى لتجاوز العتبة الانتخابية، وتراجع حضور بعض الأحزاب الأخرى وتقدُّم بعضها الآخر، فيما يتعلق بعدد المقاعد التي حصلت عليها في هذه الانتخابات.
رغم أن النتائج النهائية لن تعلن بشكل رسمي إلى يوم الجمعة المقبل (19 مايو/ أيار)، إلا أنه يمكن قراءة وتحليل النتائج الأولية في ضوء الأرقام التي نشرها المجلس الأعلى للانتخابات، مع ذلك يتوقع أن تطرأ بعض التغييرات على أرقام المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب، بعد الانتهاء من توزيع المقاعد في المحافظات باستخدام طريقة “دي هوندت”.
صعود أحزاب جديدة وفشل أخرى
في الوقت الذي حصل فيه سنان أوغان، مرشح تحالف الأجداد (ATA İTTİFAKI) الذي يضمّ حزب النصر وحزب العدالة وحزب بلدي وحزب التحالف التركي، على قرابة 3 ملايين صوت في الانتخابات الرئاسية، إلا أن هذا التحالف فشل في الوصول إلى البرلمان بسبب عدم تخطيه العتبة الانتخابية، إذ بلغت أصواته نحو 2.4% من إجمالي الأصوات.
ويعني هذا أن العنصرية والكراهية ومعاداة الأجانب التي شكّلت العمود الفقري في البرنامج الانتخابي لحزب النصر برئاسة أوميت أوزداغ، لم تستطع التأثير على خيارات الناخبين الأتراك الذين فضّلوا منح أصواتهم لأحزاب أخرى.
استطاع حزب العمال التركي (TİP) اليساري الذي تأسّس عام 2017 الحصول على 4 مقاعد ضمن تحالف العمل والحرية.
في المقابل، دخل حزب جديد إلى البرلمان لأول مرة، وهي: حزب الرفاه من جديد، ضمن تحالف الجمهور بحصوله على 5 نواب في البرلمان، واللافت للانتباه حصول هذا الحزب الجديد الذي شُكّل عام 2018 على مليون و520 ألفًا و255 صوتًا في أول مشاركة له في الانتخابات، كما حصل حزب الدعوة الحرة ذو الخلفية الكردية المحافظة (HÜDA PAR) على 4 مقاعد، بعد ترشحه ضمن قوائم حزب العدالة والتنمية.
إلى جانب ذلك، استطاعت الأحزاب المحافظة التي شاركت في الانتخابات ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري الحصول على تمثيل لها داخل البرلمان، فقد حصل حزب التقدم والديمقراطية على 14 نائبًا من أصل 25 مرشحًا قدمهم في الانتخابات، كما حصل حزب المستقبل على 10 نواب من أصل 19 مرشحًا، وحزب السعادة على 10 نواب من أصل 24 مرشحًا، في حين حصل الحزب الديمقراطي ذو التوجهات القومية على 3 مقاعد.
إضافة الى ذلك، استطاع حزب العمال التركي (TİP) اليساري الذي تأسّس عام 2017 الحصول على 4 مقاعد ضمن تحالف العمل والحرية الذي يقوده حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، إذ شارك الأخير في الانتخابات تحت اسم حزب اليسار الأخضر (YSP)، بسبب وجود دعوى بإغلاقه أمام المحكمة العليا التركية.
في المقابل، لم يستطع عدد من الأحزاب تجاوز العتبة الانتخابية أو الحصول على تمثيل لها في البرلمان، أهمها حزب البلد الذي يقوده محرم إنجه، وحزب النصر الذي يقوده أوميت أوزداغ، وحزب اليسار الديمقراطي (DSP) وحزب الاتحاد الكبير (BBP) اللذين شاركا ضمن تحالف الجمهور، إلا أنهما لم يستطيعا الحصول على أي مقعد في البرلمان.
ما الذي حصل للأحزاب الكبرى؟
– حزب العدالة والتنمية: تراجع بمقدار 28 مقعدًا عن انتخابات 2018، فقد حصل في انتخابات 2023 على 267 مقعدًا، محقِّقًا 35.58% من أصوات الناخبين، بينما حصل على 295 مقعدًا ونسبة 42.56% في انتخابات 2018.
يمكن تفسير ذلك بعدة عوامل، منها تراجع الوضع الاقتصادي وارتفاع التضخم خلال السنوات الماضية، وانخفاض القيمة الشرائية لليرة التركية ما انعكس على حياة شريحة كبيرة من المواطنين من ذوي الدخل المحدود، إضافة إلى رغبة العديد من الشباب بالتغيير السياسي، وانشقاق عدد من قيادات حزب العدالة والتنمية وتشكيلهم أحزاب مستقلة تحالفت مع حزب الشعب الجمهوري، ضمن ما يسمّى بـ”الطاولة السداسية” أو تحالف الأمة.
– حزب الشعب الجمهوري: تراجع بمقدار 16 مقاعد عن انتخابات 2018، فقد حصل في انتخابات 2023 على 169 مقعدًا محقِّقًا 2.33% من أصوات الناخبين، وإذا تمَّ استخراج 39 مقعدًا، وهي المقاعد العائدة للأحزاب الأخرى التي تمَّ إدراجها ضمن قوائمه، سيصبح عدد مقاعده 130، بينما حصل على 146 مقعدًا في انتخابات 2018.
– حزب الحركة القومية: تقدّمَ بمقدار مقعد واحد عن انتخابات 2018، فقد حصل في انتخابات 2023 على 50 مقعدًا محقِّقًا 10.07% من أصوات الناخبين، بينما حصل على 49 مقعدًا ونسبة 11.10% في انتخابات 2018.
– الحزب الجيد: تقدّمَ بمقدار مقعد واحد عن انتخابات 2018، فقد حصل في انتخابات 2023 على 44 مقعدًا محقِّقًا 9.69% من أصوات الناخبين، بينما حصل على 43 مقعدًا ونسبة 9.96% في انتخابات 2018.
– حزب الشعوب الديمقراطي: تراجع بمقدار 6 مقاعد عن انتخابات 2018، فقد حصل في انتخابات 2023 على 61 مقعدًا محقِّقًا 8.81% من أصوات الناخبين، بينما حصل على 67 مقعدًا ونسبة 11.70% في انتخابات 2018.
على صعيد التحالفات
– تحالف الجمهور: تراجع بمقدار 22 مقعدًا عن انتخابات 2018، فقد حصل في انتخابات 2023 على 322 مقعدًا محقِّقًا 49.46% من أصوات الناخبين، بينما حصل على 344 مقعدًا ونسبة 53.66% في انتخابات 2018. مع ذلك لا يزال يحتفظ بأغلبية مريحة في البرلمان، ومن المرجّح أن يرتفع عدد مقاعده بعد الانتهاء من التوزيع النهائي للمقاعد.
– تحالف الأمة: تقدّمَ بمقدار 24 مقعدًا عن انتخابات 2018، فقد حصل في انتخابات 2023 على 213 مقعدًا محقِّقًا 35.02% من أصوات الناخبين، بينما حصل على 189 مقعدًا ونسبة 33.94% في انتخابات 2018. ويمكن تفسير هذه الزيادة في عدد المقاعد بانضمام 3 أحزاب جديدة إليه في انتخابات 2023، وهي حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) والحزب الديمقراطي.
– تحالف العمل والحرية: هذا التحالف لم يكن موجودًا في انتخابات 2018، إلا أن الحزب الرئيسي الذي يمثله هو حزب الشعوب الديمقراطي، ورغم أن الأخير تحالفَ مع حزب العمال التركي وحزب اليسار الأخضر، إلا أنه تراجع بمقدار مقعدَين عن انتخابات 2018، فقد حصل حزب الشعوب الديمقراطي بمفرده على 67 مقعدًا محقِّقًا 11.70% من أصوات الناخبين في انتخابات 2018، بينما حصل تحالف العمل والحرية على 65 مقعدًا ونسبة 10.54% في انتخابات 2023.
– تحالف الأجداد: يتألف من حزب النصر وحزب العدالة، لم يستطع الوصول إلى البرلمان بسبب انخفاض عدد الأصوات التي حصل عليها، حيث حصل على نسبة 2.43% من إجمالي أصوات الناخبين، ويحتاج إلى 7% على الأقل لعبور العتبة الانتخابية التي يفرضها قانون الانتخابات.
– تحالف اتحاد القوى الاشتراكية: يضمّ حزب اليسار والحزب الشيوعي التركي والحركة الشيوعية التركية، لم يستطع الوصول إلى البرلمان بسبب انخفاض عدد الأصوات التي حصل عليها، حيث حصل على نسبة 0.29% من إجمالي أصوات الناخبين فقط.
التداعيات المحتملة
تختلف التداعيات المحتملة على نتائج الانتخابات الحالية في ضوء من سيفوز في الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية التي ستجري في 28 مايو/ أيار الجاري، وهناك احتمالان لا ثالث لهما، الأول فوز أردوغان، وهذا هو السيناريو الأفضل لمستقبل الاستقرار السياسي في البلاد، إذ سيجمع تحالف الجمهور بين منصب رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) والأغلبية في السلطة التشريعية (البرلمان).
قد تشهد تركيا في هذا السيناريو تغييرات في السياسة الداخلية والخارجية، إلا أن هذه التغييرات ستتم بطريقة مدروسة، وسيواصل تحالف الجمهور إصلاحاته وسياساته التنموية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مستفيدًا من تجاربه السابقة في الحكم.
أما الاحتمال الثاني فهو فوز كمال كليجدار أوغلو في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهذا يعني أننا سنكون أمام مشهد لا يعكس توافقًا أو مواءمة بين رئيس السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية (البرلمان)، ورغم أن الرئيس لديه سلطة نقض القوانين التي يراها غير مناسبة، فإن البرلمان لديه سلطة الإصرار على إصدار هذه القوانين ضمن أغلبية معيّنة (50%+1) من إجمالي عدد الأعضاء.
من شأن هذا السيناريو أن يعقّد إدارة البلاد، رغم أن الرئيس لديه سلطة إصدار مراسيم تشريعية بشأن العديد من القضايا بخلاف الحقوق الأساسية والحقوق السياسية، وهناك احتمال أن تصدر الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا (البرلمان) قانونًا مختلفًا حول الموضوع نفسه، وتحييد هذا المرسوم.
إضافة إلى ذلك، يحتاج اعتماد بعض القوانين أغلبية ثلاثة أخماس إجمالي الأعضاء في البرلمان (360 مقعدًا)، مثل قانون الموازنة وقانون الحساب الختامي، وإصدار قرارات صكّ العملة وإعلان الحرب، والتصديق على المعاهدات الدولية، وإصدار قرارات العفو العام والعفو الخاص.
وفي حال عدم امتلاك الرئيس للأغلبية في البرلمان، فمن الممكن أن تعطّل السلطة التشريعية عمل السلطة التنفيذية، وبحسب النظام الرئاسي في تركيا فإن الرئيس لا يمكنه حلّ البرلمان المعارض المعطَّل والدعوة إلى انتخاب برلمان جديد بفعل الفصل بين السلطات.
مع ذلك، يمكنه حلّ نفسه والبرلمان معًا والدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة للخروج من هذه المعضلة القانونية، لذلك فإن السيناريو الأفضل لمصلحة البلاد هو أن يكون الرئيس والأغلبية البرلمانية على توافق لتمرير القوانين والموازنة، وغيره من القوانين المهمة.