واقع الحياة الحزبية في تاريخ السياسة التركية ليس صعب القراءة أو الحصر، إذ كان أحد شروط البقاء ومحددات الاستمرار واضحة ومباشرة: لا تكن شيوعيًّا ولا إسلاميًّا ولا كرديًّا، لكي لا يكون مصيرك السجن أو الحظر من العمل السياسي لعدة سنوات.
فرغم أن الأحزاب السياسية تعكس بُعدًا ديمقراطيًّا أساسيًّا في أي بلد، بصفتها الأرضية القانونية والسياسية لتمثيل إرادة الشعب، إلا أن التجربة الحزبية في تركيا ظلت مقترنة بالانقلابات العسكرية والتهديدات القضائية المتتالية بالإغلاق والحرمان من التمويل، وذلك حتى مجيء حزب العدالة والتنمية عام 2001.
أنشأ مؤسّسو حزب العدالة والتنمية تجربتهم الحزبية الخاصة على أنقاض الأحزاب التي حُظرت بذريعة “الرجعية”، فأدركوا أن الطريق الأسلم للوصول إلى مرادهم هو ألا ينظروا إلى ما تحت أقدامهم، بل أبعد من أنفسهم وممّن سبقوهم.
فخرجوا إلى الشارع التركي بصورة “المجددين” الذين لا يشبهون أسلافهم من الإسلاميين، ولا يتحدثون كذلك بلسان النخب العلمانية أو العسكريين ذوي الأيديولوجيات الإقصائية، إنما بلغة أكثر احتوائية تشمل الجميع بمختلف توجهاتهم وخلفياتهم الثقافية والسياسية، وتراعي أحلامهم بالرفاه الاقتصادي والمساواة الاجتماعية.
وهكذا، قضى الحزب أول ولايتَين بالسلطة محاولًا كسب القبول السياسي والشعبي، وحذرًا من الاصطدام مع رموز ونخب العلمانية، ثم قضى الولايتَين الثانيتَين في إعادة تشكيل العلاقات المدنية العسكرية من جهة، وإعادة ترميم العلاقات الثقافية والتاريخية بين الدولة العثمانية والجمهورية التركية من جهة أخرى.
فكيف هيَّأ حزب العدالة والتنمية الساحة السياسية لإثبات وجوده وتعزيز نفوذه السياسي؟ وما خطابات الهوية التي صاغها لإطالة عمره السياسي إلى هذا الحدّ؟
مرحلة التأسيس
هوية الحزب وإرث الماضي
في 14 أغسطس/ آب 2001، وأمام عشرات السياسيين والصحافيين، وقف أحد أبرز الأعضاء المنشقين عن حزب الفضيلة الإسلامي المحظور، رجب طيب أردوغان، في فندق بيلكنت بأنقرة، ليعلن عن تأسيس الحزب الـ 39 في تركيا، بمشاركة 74 عضوًا مؤسِّسًا ونوابًا مستقلين يدعمون الحزب، وعقب الإعلان عن رؤية ومبادئ الحزب الجديد، أنهى أردوغان كلمته بثقة وحماس كبيرَين قائلًا: “بعد اليوم، لن يكون هناك شيء على حاله في تركيا”.
تأسّس حزب العدالة والتنمية في ذاك العام، إلا أن التمهيد لوجوده بدأ عند تأسيس حزب الرفاه عام 1983، ومن بعده حزب الفضيلة عام 2001، فإذا أخذنا بعين الاعتبار التغييرات التي حقّقها هذان الحزبان، بالإضافة إلى كل التحديات التي وقفا وجهًا لوجه أمامها، سندرك أن ظهور وقبول حزب العدالة والتنمية في السياسة التركية، والأهم من ذلك استمراره لعقدَين من الزمن، كان أمرًا مستحيلًا دون تلك التجربتَين اللتين انتهتا بالحظر والحلّ بتهمة الإخلال بمبادئ علمانية الدولة التركية.
ورّثت تجربة حزبَي الرفاه والفضيلة الإسلاميين، الجيل المؤسس لحزب العدالة والتنمية، أهمية المشاركة في الحياة السياسية التركية، والأهم من ذلك أنها ورّثتهم مجموعة من الأخطاء التي تعلموا تجنُّبها لكي يصمدوا سياسيًّا، في ظل وجود عقلية/ منظومة سياسية تقمع التعددية وتحددها أيديولوجيا عسكرية، فعقب انقلاب 28 فبراير/شباط أصبح الجيش قوّامًا على الدولة وحارسًا لها، على اعتبار أنه “نابع من داخل الشعب” وهو ممثلهم الوحيد وليس الأحزاب.
نظرًا إلى عمق هذه الحساسية، خاصةً تجاه الكيانات التي تجعل الدين مرادفًا أو جزءًا من هويتها وممارساتها، تجنّب مؤسِّسو حزب العدالة والتنمية وضع الإسلام في قلب خطاباتهم على عكس أسلافهم، وابتكروا لغة سياسية جديدة وهوية شاملة للمجتمع التركي، فاعتمدوا مفهوم “الديمقراطية المحافظة” كمرجع أيديولوجي، يجمع بين الديمقراطية التي تحقّق إرادة الشعب بشكل قانوني، والمحافظة التي تشير إلى تقاليد وقيم المجتمع التركي.
حاول الحزب ترسيخ مفهوم “الديمقراطية المحافظة”، أولًا لكسب شرعية مؤسسية وسياسية ومجتمعية، وثانيًا لإرسال إشارات للداخل التركي بأننا منفتحون على الابتكار والحداثة وكل ما يعزز الديمقراطية في البلاد.
ففي تلك الفترة برز ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وكان على الحزب ألّا يتبنّى موقفًا مناهضًا للغرب، كما فعل أسلافه من الإسلاميين، بل أن يبدي استعدادًا للتحالف معه، وهو ما فعله الحزب في إطار تحقيق التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان.
تأكيدًا على مصداقية هذه الهوية، فتح الحزب أبوابه لمختلف الأطراف السياسية، على اعتبار أنه كلما زادت المرونة الأيديولوجية لمؤسّسي الحزب وأعضائه، وانضمَّ إليه سياسيون من الجناحَين اليساري واليميني، زادت جاذبيته بالنسبة إلى الناخبين، وبالتالي زاد انتشاره بين مختلف شرائح المجتمع بغضّ النظر عن توجهاتهم السياسية والفكرية.
وهكذا ضمَّ الحزب وجوهًا سياسية متنوعة، منها من كانت معروفة بتوجهها الديمقراطي الليبرالي، أبرزها أرطغول غوناي الذي تولى منصب الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري بين عامَي 1992-1994، ثم ترك الحزب العلماني ليصبح وزير الثقافة والسياحة في حكومة العدالة والتنمية، ومنها من كان يعمل تحت جناح اليمين القومي أمثال سليمان صويلو الذي يشغل حاليًّا منصب وزير الداخلية.
ازدادت الحبكة السياسية دهاءً بتوظيف الحزب شخصيات من مختلف مناطق تركيا، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية والخلفيات الثقافية، ما ساعد حزب العدالة والتنمية في موازنة تحركاته والتعرُّف إلى أفضل سردية يمكن من خلالها أن يخاطب كل شريحة بحسب أفكارها وتطلعاتها.
على سبيل المثال، تولى عبد الله غول، أحد أبرز مؤسسي الحزب والرئيس الأسبق للبلاد، مهمة مخاطبة البرجوازيين ورجال الأعمال، بسبب خلفيته الأكاديمية الاقتصادية التي بدأها في إسطنبول وأنهاها بحصولها على الدكتوراه في بريطانيا.
أبرز الخطوات والمفاوضات التي وصلت إليها تركيا مع الاتحاد الأوروبي بشأن عضويتها
يضاف إليه أيضًا أحمد داوود أوغلو، رئيس الخارجية السابق، الذي حمل مسؤولية مخاطبة المثقفين والأكاديميين، نظرًا إلى إنجازاته في الحقل التعليمي التي شملت إتقان عدة لغات وتأليف كُتُب، والمحاضرة في عدة جامعات محلية وعالمية.
رغم كل هذه السياسات التي اتّبعها الحزب للنجاة من التأطير المجتمعي والإقصاء السياسي، فإن الجذور الإسلامية لبعض قادته، والحجاب الذي ترتديه بعض زوجاتهم وبعض مؤسِّسات الحزب، لم تعفه من نظرات الريبة وأصابع الاتهام بأسلمة البلاد والتعدي على هيبة العلمانية.
إذ قدّم المدعي العام لمحكمة التمييز العليا، صبيح قناد أوغلو، طلبًا إلى محكمة الدستور لمنع أردوغان من توليه منصب رئاسة الحزب، وإخراج 6 عضوات محجبات من مؤسسي الحزب، قائلًا في مذكرته: “من المؤسف جدًّا أن ينتخب الشخص المذكور رئيسًا لحزب له أعضاء في البرلمان، مع أنه لا يمتلك الكفاءة لانتخابه كنائب للبرلمان، كما لا يمكنه أن يسجّل نفسه كعضو في أي حزب سياسي”.
مضيفًا: “الدستور التركي يؤكد أن الجمهورية التركية دولة ديمقراطية علمانية تعتمد على سيادة القانون، وأن أي حزب سياسي لا يمكنه أن يعارض مبادئ دولة الحقوق والجمهورية العلمانية لا ببرامجه ولا بفعالياته، وأن على الأحزاب السياسية أن تسير حسب القواعد الدستورية”.
ذكر أيضًا في قائمة اتهاماته أن الدستور لا يسمح لشخص “سُجِن لقيامه ببعض الجرائم التي تلقي النزاع والشقاق والبغضاء بين الفئات المختلفة من الشعب بسبب التمييز الديني أو العرقي أو المذهبي”، أن يكون رئيسًا لحزب أو عضوًا مؤسسًا لحزب، مشيرًا إلى الفترة التي قضاها أردوغان في السجن على خلفية القصيدة الشعرية التي ألقاها عام 1997، واتُّهم حينذاك بالتفريق بين الأديان ومعاداة العلمانية.
استرجع المدعي العام كذلك خطاب لأردوغان ألقاه عام 1994، خلال افتتاح إحدى البلديات التابعة لحزب الرفاه الإسلامي في إسطنبول، قال فيه: “يقولون العلمانية تضيع من بين أيدينا، إذا أراد الشعب ستضيع طبعًا، ولا يستطيع أحد أن يحول دون ذلك.. 99% من هذا الشعب مسلم، لا يمكن أن تكون مسلمًا وعلمانيًّا، فإما مسلم وإما علماني، ومن المستحيل أن تجتمع هاتان الصفتان.. هؤلاء يبحثون عن الإرهاب في جبل الجودي وفي شمالي العراق، غير أنه في المجلس وبين أعضاء الحكومة.. سنقوم، لقد ظهرت بوادر ذلك القيام بإذن الله، فالعالم الإسلامي ينتظر قيامنا المجيد”، وهي عبارات اعتبرها المدعي العام إهانة واحتقارًا للجمهورية والبرلمان والشخصية المعنوية للحكومة، والقوات الأمنية والعسكرية وجهاز العدالة بشكل علني.
اعترض قناد أوغلو أيضًا على وجود محجّبات بين الكوادر القيادية في الحزب، قائلًا إن الحجاب كان السبب في إغلاق حزبَين سياسيَّين، وأن استخدامه من مؤسسي حزب العدالة يدلّ بلا شك على النوايا الخفية لهؤلاء في تغيير النظام الجمهوري العلماني إذا ما حكموا البلاد، مسترجعًا القانون الذي يمنع النساء من الدخول إلى البرلمان محجّبات.
في هذا السياق، لم ترَ محكمة أمن الدولة أي داعٍ لرفع دعوى في هذا الخصوص، نظرًا إلى تقادم الدعوى، وتحقيق المدعي العام لمحكمة أمن الدولة الأسبق عام 1998 في هذا الشأن، وبراءة أردوغان من جميع الاتهامات.
في المقابل، ردَّ الحزب على هذه الدعاوى بتصريحات مختلفة، كان منها قول النائب الأول لحزب العدالة والتنمية آنذاك، عبد الله غول، بأنهم تغيّروا، مضيفًا: “بمرور الزمن عاش الجميع تجارب مختلفة وتعلم الكثير وحدثت بعض التغيرات في وجهات النظر، والوتيرة التي نعيشها ليس فيها سوى الإخلاص، علينا ألّا نحاكم الناس بما قالوه في الماضي، بل العبرة بما يقولونه اليوم”.
إضافة إلى ردّ إحدى أعضاء حزب العدالة والتنمية الأوائل، رمزية أوزتوبراك، التي كانت سابقًا عضوًا في حزب يساري، إذ قالت: “الذين ينتقدون أردوغان اليوم سوف يقدّرونه غدًا.. لدينا 16 عضوةً من النساء في قيادة الحزب، 6 منهن محجبات، لكن من المؤسف أنه ينعكس إلى الرأي العام الحديث عن حجابهن فقط، الحقيقة هنّ زميلات عندهن مؤهّلات عالية جدًّا، فليت الناس اهتموا باستعداداتهن بدلًا من حجابهن”.
وحتى بعد فوز الحزب بالانتخابات بنسبة 34% عام 2002 وتشكيله الحكومة الـ 58 في الجمهورية التركية منفردًا برئاسة عبد الله غول، إلا أن الغموض ظلَّ يلفّ هوية الحزب، ما دفع أردوغان أن يذكر في خطابه الافتتاحي عام 2004 لمؤتمر بعنوان “الندوة الدولية للمحافظة والديمقراطية” أن ممارسة السياسة باسم الدين تعني الإضرار بالدين، وأضاف أن “شريحة من المجتمع لا يمكن الاستهانة بها، تريد حداثة لا تستبعد التقليد، وعالمية تقبل المحلية، وعقلانية لا ترفض المعنى، وتغييرًا غير جذري”.
بهذه الطريقة، اختارت نخبة الحزب آنذاك التزام سياسة الصبر، واختيار مفردات وسياسات متناغمة مع القاعدة القانونية والسياسية والنفسية للدولة والمجتمع، ما دفعها إلى صدّ آذانها مؤقتًا عن مطالب الشريحة المتديّنة من الناخبين، التي تمثّلت بإلغاء حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية، وإجراء إصلاحات على التعليم الديني وغيرها من الحريات الدينية التي تمسّ الأقليات مثل العلويين والصوفيين.
مرحلة الحكم والترميم
محاولات البقاء والقفز فوق الكمالية والمؤسسة العسكرية
بحسب عالِم السياسة الألماني أوتو كيرشهايمر، يصنَّف حزب العدالة والتنمية ضمن “الأحزاب اللاقطة” التي تتبع مبدأ “احتضان الجميع”، أو كما يقال بالتركية والإنجليزية Herkesi kucaklayan (Catch-all)، وهي الأحزاب التي تنشأ في وقت الانتخابات وتسعى إلى جذب أكبر عدد ممكن من الناخبين (وليس الأعضاء)، من مختلف الشرائح الاجتماعية ووجهات النظر السياسية، ولا تركّز في عملها على الانتشار الأيديولوجي أو فرض توجه فكري معيّن على المجتمع، إنما تهدف إلى حصد التأييد الشعبي بالاعتماد على القيادة السياسية القوية والنتائج الاقتصادية الإيجابية.
استنادًا إلى هذا التصنيف، نلاحظ بالفعل أن استراتيجية الحزب التي جمعت بين الهوية الحزبية الشاملة والطموحات الاقتصادية الواعدة والقيادة الكاريزمية، أكسبت حزب العدالة والتنمية شعبية كبيرة من مختلف الشرائح الاجتماعية (الليبراليين والإسلاميين والمحافظين والقوميين والأكراد والعلويين)، فناخبو الحزب لم يدعموه بسبب أيديولوجيا أو خطّ فكري معيّن، إنما لمصلحة اقتصادية بحتة.
نلاحظ كذلك أن الحزب في سنواته الأولى ركّز على حلّ القضايا السياسية الشائكة، مثل مفاوضات قبرص والمسألة الكردية، ليضمن بيئة سياسية مستقرة تمكّنه من كسب عضوية في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
وكما كان يرى حزب العدالة والتنمية أن العضوية الأوروبية لن تطلقه من قفص الإسلاميين فحسب، إنما ستخلّصه من الكمالية الوصائية تدريجيًّا دون استعداء أو تعقيدات مكلفة، رأت النخب العلمانية أن عملية الانضمام تخدم مشروع أتاتورك التغريبي، فيما رأى الأكراد أن هذه فرصتهم للحصول على حقوقهم السياسية والثقافية، أما بالنسبة إلى الجماعات/ الأقليات الدينية فهي أيضًا اعتبرت العضوية منفذًا للحريات الدينية.
وعندما بدأت مفاوضات الانضمام رسميًّا عام 2004 تعزز موقف الحزب في الداخل، لم يتحفّظ الحزب عن انتقاداته للهيمنة الغربية للنظام الدولي وظلمها للبلدان الإسلامية والشرق أوسطية، وهي السردية التي عُرف ونشط بها نجم الدين أربكان، عندما كان يحاول خلق نظام دولي بديل تقود فيه تركيا العالم الإسلامي.
بفضل هذه السياسات وبالتوازي معها، بنى الحزب علاقة خاصة مع من أُبعدوا عن الدولة والسياسة، من خلال تطبيق سياسة الحماية والمعونات الاجتماعية التي شملت أدنى طبقات المجتمع التي تعيش عند خط الجوع.
ولم تقتصر هذه السياسة على سدّ الجوع بل تعدّته إلى تغيير أوضاع هذه الطبقات ودفعها إلى التعليم والإنتاجية المهنية والتجارية، وهذا ما يفسِّر لماذا حصل الحزب على أصوات من المناطق الريفية وأفقر مناطق المدن، وما يفسِّر أيضًا صعود برجوازية الأناضول المحافظة بشكل كبير في عهده، تحديدًا في أول جولتَين انتخابيتَين خاضهما (2002 و2007).
ولا شكّ أن قدرة الحزب على التواصل مع فئات واسعة من المجتمع التركي اختلفت تمامًا مع طبيعة الأحزاب والحكومات السابقة التي كانت تستمد الدعم من عدد قليل من المعاقل، فيما كان حضورها شبه معدوم في مناطق أخرى.
مثالًا على ذلك، أظهرت نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في 30 مارس/ آذار 2014 أن حزب العدالة والتنمية لديه حضور قوي في مختلف أنحاء البلاد، فمن مجموع 81 محافظة فاز حزب العدالة والتنمية بأكثر من 50% من الأصوات في 29 مدينة، وكسر حاجز الـ 40% في 50 مقاطعة أخرى.
بهذه الطريقة، بات الحزب عنوانًا للنمو الاقتصادي والتحول الديمقراطي، ورغم التقاء مصالحه السياسية بمطالب المجتمع التركي، فإن كابوس العلمانية عاد يهدد حياة الحزب، ففي عام 2007 تظاهر عشرات العلمانيين في أنقرة في محاولة لثني أردوغان عن الترشح الرئاسة، وهو ما رضخ له أردوغان بالفعل، ليترشح غول عوضًا عنه رغم خلفيته الإسلامية هو أيضًا.
تجدد الصدام آنذاك مع هيئة الأركان بالقوات المسلحة التي نشرت إعلانًا على موقعها على الإنترنت يحذّر أردوغان من ترشيح غول، سُمّي لاحقًا بالانقلاب الإلكتروني، ولم يتردد حينها أردوغان في الدعوة إلى انتخابات مبكرة جرت يوم 22 يوليو/ تموز 2007، وحقّق فيها الحزب فوزًا كبيرًا بحصوله على 47.6% من الأصوات، خوّلت له الحصول على 340 مقعدًا من بين 550 في البرلمان.
عقب هذا الانتصار الانتخابي، كان الحزب يحضّر لمرحلة جديدة من التغييرات الحقيقية، ففي فبراير/ شباط 2008 صوّت البرلمان لتعديل دستور تركيا من خلال إلغاء حظر يمنع ارتداء الحجاب في الحرم الجامعي.
لكن في الشهر التالي، اصطدم الحزب مرة أخرى بطلب حظر آخر في المحكمة الدستورية بتهمة تهديد العلمانية، وذلك بالتزامن مع تحذيره من الذهاب إلى استفتاء شعبي للغرض نفسه بسبب تهديد الجيش بالقيام بانقلاب، لأنه يعد هذه الخطوة “استفتاء على العلمانية” وهو أمر “غير جائز” في بلد علماني.
انتهت هذه الأزمة برفض المحكمة الدستورية طلب الحظر، وقررت فقط حرمان الحزب من نصف المخصّصات المالية التي تمنحها له الدولة، وذلك بعد أن كانت المحكمة ذاتها قد منعت سابقًا أكثر من 20 حزبًا سياسيًّا بتهمة ممارسة أنشطة إسلامية أو كردية انفصالية.
في هذه المرحلة بالتحديد، كثّف الحزب جهوده لإنهاء عملية التغريب التي انقطعت فيها علاقة الدولة والمجتمع بالتقاليد والدين، كما حاول إضعاف الهيمنة البيروقراطية التي تمثلت في المؤسسة العسكرية، إذ كانت الساحة السياسية في تركيا من عام 1950 حتى عام 2000 مليئة بالكوادر التي عززت هذه البنية، وإن ظهرت فكانت تُقمَع وتُسحَق، وهو ما تحدّاه حزب العدالة والتنمية وتخلّص منه بالتعديلات القانونية والدستورية.
يصف الباحث التركي يوسف أوزكير هذه المرحلة من العلاقات المدنية العسكرية في عهد العدالة والتنمية بفترة “الصراع السلبي”، التي بدأت من 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 حتى 27 أبريل/ نيسان 2007، وشملت عدة إصلاحات دستورية، كان من أهمها عقد اجتماع مجلس الأمن القومي كل شهرَين بدلًا من كونه شهريًّا، ونقل سلطة الأمانة العامة للمتابعة والرقابة إلى نائب رئيس الوزراء، وتقليص عدد الموظفين الملتزمين مباشرة بالأمانة العامة، ما قطع الصلة العضوية بين مجلس الأمن القومي ورئاسة الأركان العامة.
يضاف إلى ما سبق إنهاء عملية اختيار عضو في مجلس التعليم العالي من قبل هيئة الأركان العامة، وإلغاء أيضًا حكم ترشيح الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي المرشحين لعضوية المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون، كما مُنعت مقاضاة المواطنين في المحاكم العسكرية، وأُلغي البروتوكول الذي يجيز التدخل العسكري في المناسبات الاجتماعية بإذن من المحافظ.
وصلت هذه الجهود ذروتها عام 2010، عندما أجرى الحزب استفتاءً لإجراء 26 تعديلًا للدستور، وانتصر بنسبة 58% في ظل مشاركة واسعة بلغت نحو 78% من الناخبين، وهي نسبة تجاوزت كل نسب الاستفتاءات والانتخابات السابقة في البلاد، وأشارت في ذاك الوقت إلى الاستياء الشعبي من التدخلات غير الديمقراطية التي تؤثر سلبًا على استقراره ورفاهيته الاقتصادية.
ولا شك أيضًا أنها كانت مؤشرًا على الثقة المحلية بسياسات أردوغان والرضا الشعبي على أداء الحكومة، ففي عام 2008 حققت حكومة حزب العدالة والتنمية نموًّا اقتصاديًّا وصل إلى معدل 7.5% سنويًّا، ما زاد من متوسط نصيب الفرد من الدخل وجذب الاستثمارات الأجنبية بشكل غير مسبوق، وهي العوامل التي سمحت للحزب بزيادة خدماته الاجتماعية، لا سيما في مجال الصحة والإسكان والبنية التحتية.
وصلت شعبية الحزب إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ الأحزاب التركية، وتحديدًا فترة 2007-2011 عندما حصل على نسبة 46.7% و49.8% من الأصوات على التوالي، وهي الفترة التي أتاحت لحزب العدالة والتنمية تعزيز سلطته السياسية وإضعاف النفوذ السياسي لحلفاء العسكر العلمانيين في القضاء والسياسة والإعلام.
وفي المقابل تصاعد دور النخب المحافظة والليبرالية المؤيدة للإسلاميين، إذ أزال الحزب في تلك الفترة الضغوط السياسية التي قيّدت حرية هذه الشريحة المعيّنة من المجتمع، وغرّبتها ثقافيًّا عن تعريف وهوية الشعب التركي.
يرى الباحث التركي أوزكير أن الإصلاحات الدستورية في هذه المرحلة، وتحديدًا ما بين 27 أبريل/ نيسان 2007 حتى عملية 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013، أخذت طابع “الصراع النشط”، إذ حُذِفت المادة 125 من الدستور التي كانت تنصّ على أن “قرارات المجلس العسكري خارج صلاحيات الرقابة القضائية”، وتقرر أن يُحاكم الجنود في المحاكم المدنية عن الجرائم، فيما مُنع المدنيون من المثول أمام محاكم عسكرية خارج أوقات الحرب.
كما أُلغي إنشاء الأجهزة القضائية العسكرية وتشغيلها وفقًا لمتطلبات الخدمة العسكرية، وأُلغيت المادة 15 المؤقتة التي حالت دون محاكمة منفذي انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول، كما أُلغيت دورات الأمن القومي التي تُدرَّس في المدارس الثانوية من المنهاج الوطني.
من جانب آخر، أطلق البعض على نهج حزب العدالة والتنمية في العقد الأول من الحكم بـ”طريق التنظيف”، إذ أصبح من الممكن أيضًا إنشاء قناة تلفزيونية ومقررات اختيارية باللغات المحلية، وارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم، ولم تعد الوصاية الكمالية أو العسكرية تشكّلان تهديدًا لمسار الحزب السياسي، وأصبح الدين أكثر وضوحًا في الحياة العامة، كما أصبح المجتمع المدني أكثر نشاطًا، وفُتحت مساحات قانونية جديدة للهويات الثقافية والدينية في المجتمع التركي ككل.
وما زاد تلك المرحلة تفاؤلًا هو انفتاح حكومة العدالة والتنمية على حلّ المسألة الكردية المستعصية بالمزيد من الديمقراطية والرفاهية وحقوق المواطنة والتعبير، إلا أن القصة الواعدة سرعان ما انهارت بسبب عودة اندلاع هجمات حزب العمال الكردستاني عام 2015، ومخاوف الحزب من خسارة مؤيديه التقليديين من القوميين والمحافظين.
مرحلة السيادة والرجل الواحد
من “الدمقرطة” إلى الهيمنة في تركيا الجديدة
تزامنًا مع ثورات الربيع العربي وتصاعُد حدّة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني تحديدًا، قرر الحزب الالتفات إلى هوية أسلافه الإسلاميين، ليوظف الخطاب الحضاري الذي يجمع بين الماضي العثماني والجمهورية التركية في خطاباته وقلب سياساته، ملخّصًا إياها بـ”قلب الدولة السلجوقية وضمير الدولة العثمانية وعقل الجمهورية التركية”، ومستخدمًا مفاهيم تاريخية ترمز إلى الانتماء إلى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، مثل “أخوة” و”الحضارة المشتركة” و”الأمة العظيمة”.
في تلك الفترة، بدأ الحزب يروّج لفكرة مفادها أن العلمانية أداة تضمن حرية الدين والوجدان، ولا تضعهما تحت سيطرة الدولة بطريقة احتكارية وإملائية، بمعنى أنها تحمي الحقوق والحريات الدينية ولا تهمّش الدين ورموزه، محاولًا بذلك أن يملأ الفراغ الروحاني/ المعنوي الذي تسبّبت فيه الكمالية بإصلاحات وتطورات دينية على أصعدة مختلفة، إلا أن احتجاجات “غيزي بارك” كشفت عن خطوط الصدع العميقة بين العلمانيين والمحافظين.
واجهت الحكومة أيضًا في العقد الثاني من حكمها تحديات لا تقلّ تعقيدًا عن سابقاتها، من أبرزها محاولة تنظيم فتح الله غولن الاستيلاء على السلطة عام 2013 ثم محاولته الانقلابية عام 2016، ما دفع حزب العدالة والتنمية إلى فرض حزمة تعديلات دستورية ثالثة من شأنها تعزيز سيادته، مقابل حصر أنشطة الجيش في إطار المهام الدفاعية التقليدية.
ومن أبرزها: تحويل مهمة الجيش من “صيانة الجمهورية التركية وحمايتها” إلى “الدفاع عن الوطن ضد التهديدات والمخاطر القادمة من الخارج”، وتغيير فقرة “يُمنَع أفراد القوات المسلحة من الانتساب إلى أيّ حزب سياسي” لتصبح “لا يمكن لأفراد القوات المسلحة التركية المشاركة في أي أنشطة سياسية”.
تقرر أيضًا أن تصبح قيادة القوات الجوية والبرية والبحرية تابعة لوزارة الدفاع، وتغلق المدارس العسكرية، ويوافق وزير الدفاع على الأفراد الذين سيُعيَّنون في القوات المسلحة التركية، وأن يتابع وزراء الدفاع الوطني التعيينات.
كما رُبطت المؤسسات التي تعمل على حماية الأمن الداخلي بوزارة الداخلية، ورُبطت القوات العسكرية بوزارة الدفاع، ونُقلت كذلك المناطق العسكرية والمنشآت العسكرية إلى خارج المدينة، كما أُلغي التمييز ضد النساء اللواتي يرتدين الحجاب، وأصبح مسموحًا وفق ترتيبات داخل القوات المسلحة ارتداء الزيّ الذي يتوافق مع المعتقدات الدينية.
يضاف إلى سلسلة التحديات السابقة، هجمات “داعش” المتكررة، وتآكل الثقة بين أردوغان والغرب، وظهور ملفات فساد إلى العلن أشهرها “عملية 17 ديسمبر”، وانشقاق شخصيات مؤثرة من الحزب، وقضية اللاجئين والمشكلات الاقتصادية.
ومع ذلك، واجه الحزب كل تلك التحديات والتهديدات بدعم صندوق الاقتراع وصوت الشعب، في جولتَين انتخابيتَين واستفتاء شعبي ما بين عامَي 2014 و2018، إلا أن الحزب لم يعد يتمتع بالحصانة الانتخابية عام 2019 عندما خسرَ الحزب مدنًا كبرى في انتخابات البلدية مثل أنقرة وإسطنبول، وهما أهم مدينتَين في البلاد، فالأولى هي العاصمة السياسية والثانية تعرَف بالعاصمة الاقتصادية وبـ”تركيا المصغَّرة”، فضلًا عن أضنة ومرسين وأنطاليا، وهي مدن كبرى بدورها.
جاءت هذه النتيجة كردّ فعل شعبي على المشكلات الاقتصادية التي تواجهها تركيا، بسبب انخفاض سعر صرف الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار، بالإضافة إلى انشقاق بعض الكوادر من جيل الأجداد المؤسّسين الذين انتقدوا سياسات الحزب وقادته علنًا، ما أظهر الحزب منقسمًا في مواجهة معارضة موحّدة، بخلاف ما كان عليه من قوة وتماسك في أول ولايتَين.
يضاف إلى ما سبق أيضًا ازدياد الفجوة بين الحكومة التركية وتوقعات جيل الشباب الذي لم يعاصر الفترة الذهبية لحزب العدالة والتنمية، وتحديدًا خلال العقد الأول من الحكم عندما تضاعف الاقتصاد التركي 4 مرات، ووصل إلى ما يقرب من 960 مليار دولار عام 2013، إنما نضجوا في فترة ضلَّ فيها الحزب عن أهدافه الاقتصادية، إذ تدهورت العملة المحلية وتراكمت الديون الخارجية، وانخفضت احتياطيات العملات الأجنبية إلى مستويات مُقلِقة.
في الوقت ذاته، تراجع الحزب أيضًا عن مبادئه الديمقراطية، فعقب محاولة الانقلاب الفاشلة والتحول إلى النظام الرئاسي وتحالف العدالة والتنمية مع الحركة القومية وجنوح خطابه نحو اليمين والقومية، اتخذ الحزب إجراءات قانونية اعتبرها ضرورية ووقائية من أي تدخلات غير ديمقراطية، إلا أنها في عدة جوانب اتخذت طابعًا استبداديًّا، وكان من أبرزها فرض حالة الطوارئ التي أثّرت على الحريات العامة واستقلالية القضاء.
وفي هذه الحالة، لم يعد عنصر المقارنة بين الماضي والحاضر في الوعي المجتمعي أو الذاكرة الجمعية للشعب التركي عنصرًا يمكن أن يتكئ عليه الحزب لزيادة شعبيته والفوز في معاركه الانتخابية، ولم تعد كذلك الرابطة العاطفية القائمة على المظلومية الإنسانية والمشاعر الدينية بينه وبين قاعدته الخاصة من الناخبين واردةً في هذا الإطار أيضًا، لكن الخبرة السياسية الطويلة للحزب في الحكم مكّنته من بناء نقاط قوة أخرى وإيصالها إلى المجتمع التركي بحنكة وفعالية.
في برنامج الاحتفال بالذكرى المئوية ليوم النصر في 30 أغسطس/ آب 2022، امتلأ المجمع الرئاسي بالأعلام التركية، وصورة مؤسّس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، فيما جرى عرض لتلاوة القرآن في حديقة المجمع، تبعه أداء موسيقي عسكري من فرقة “المهتر” العثمانية، فيما كانت المسيَّرات التركية ذائعة الصيت تحلّق في السماء، واُختتمت هذه المراسيم باتصال مرئي بالجنود الأتراك الذين يعملون في أذربيجان وقطر وليبيا والصومال والبوسنة والهرسك.
وظّف الحزب عدة رسائل في هذا المشهد، وأهمها إعادة تعريف الهوية الوطنية التركية ورموزها (السلجوقية – العثمانية – الجمهورية)، إضافة إلى رؤيته السياسية المستقبلية للبلاد ونهجه في تحويل تركيا إلى قوة تحمل الاستقرار والأمن للمناطق المحيطة بها، ممهّدًا الطريق لمئوية تركيا دون النأي عن جذوره الإسلامية والتاريخية، ودون أيضًا الاصطدام أو إنكار رموز الجمهورية، أي أتاتورك.
اتضحت هذه الرؤية أكثر عندما نُشر على حساب أردوغان على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصوّر في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، قبل يوم واحد من الذكرى الـ 99 للجمهورية، يحكي عن تاريخ الصناعات الدفاعية في تركيا، فظهر شاكير زومري، أحد الأسماء البارزة في هذا الحقل في عهد أتاتورك، وتزامنت صورته مع جملة تقول: “مع رؤية مئوية تركيا، التي سوف نرفع من إنجازات بلادنا وحضارتنا، وسوف تحقق خطوات عمرها قرن من الزمان، ونأمل أن تصبح أحلامنا حقيقة”.
أشار هذا المقطع كذلك إلى رسالة مفادها أن أحلام مؤسّس الجمهورية تحققت في عهد حزب العدالة والتنمية، ولا يمكن قراءة صعود أو نهضة تركيا في التاريخ السياسي دون تهميش أي من الاسمَين، لا أتاتورك ولا أردوغان، وينطبق ذلك على المجالات الأخرى مثل التعليم والتكنولوجيا والسياسة الخارجية.
وبذلك أعلن الحزب عن رؤيته لمئوية تركيا مبنية على سياسة الوحدة والتكامل والاحتضان بدلًا من الاستقطاب والإنكار والتعصب الأيديولوجي، وهذا ما أكّده خطاب أردوغان عن الرؤية، عندما قال: “أقف أمامكم بزعم تمثيل أمانة تمتدّ من السلطان ألب أرسلان إلى عثمان بك، ومن السلطان الفاتح محمد إلى ياووز سلطان سليم، ومن عبد الحميد خان إلى الغازي مصطفى كمال واليوم”.
لخّص أردوغان بتلك الكلمات المرجعية الأيدولوجية الثالثة للحزب، وهي الهوية الوطنية والمحلية التي تتفق أيضًا مع خطابَي الديمقراطية المحافظة والحضارة، لكنها تنظر إلى مقومات المجتمع التركي بخصوصية واحتفاء كبيرَين، وتركّز على إنجازاته الممتدة منذ زمن الدولة السلجوقية وحتى عهد العدالة والتنمية الذي طوّر مسيَّرات بيرقدار، وصنع سيارة توغ التي تحمل شعار Milli ve Yerli أي محلي ووطني.
عقب 21 عامًا من الحكم المستمر، سوف يقف حزب العدالة والتنمية أمام اختبار انتخابي جديد، وما زالت لغته السياسية الأكثر نجاحًا في استمالة الناخب التركي، فرغم التراجع المستمر لشعبية الحزب بفعل الأداء الاقتصادي المتدنّي وانخفاض سقف الحريات والرغبة في تجديد القيادة السياسية، إلا أنه ما زال في الصدارة بفضل عوامل وظروف مختلفة، من أهمها مهارته في تطوير خطابه ومفرادته بما يتناسب مع التركيبة المعقّدة للهوية التركية، وما مرّت به من تجارب تهميش مؤلمة وفترات مرهقة من الاضطرابات السياسية.