أكثر من شهر ونصف على انطلاق الصراع على السلطة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ومجموعة الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو والذي يلقّب بـ حميدتي، فترة طويلة شهد فيها السودان تحولات كبيرة، استدعت تدخل قوى أجنبية عدة لوقف هذه الحرب العبثية.
تدخلت قوى دولية عدّة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وقوى إقليمية فضلًا عن دول الجوار، لتقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع، ولتجنيب البلاد ويلات حرب لا رابح فيها.
الملاحظ في كلّ هذا، صمت الجامعة العربية التي أخذت على عاتقها منذ تأسيسها في مارس/آذار 1945، فض النازعات وكفالة الأمن والسلام، وقيادة عمليات الوساطة لحفظ السلام في المنطقة، لكن هذا لم يحصل في الملف السوداني.
ومن المرتقب أن يحضر القادة العرب يوم غد الجمعة لبدء أعمال القمة العربية ومناقشة أهم القضايا العربية والدولية في العاصمة السعودية الرياض، فهل سيكون الملف السوداني على رأس أولويات القادة أم أن هناك آخر يشغلهم، ربّما عودة المجرم بشار الأسد!
الاكتفاء بالبيانات والتنديد
يتوسّع النزاع في السودان يوما بعد يوم، ويسير الوضع هناك بنسق سريع إلى حرب أهلية ثالثةٍ، يغذيها دعمٌ إقليميٌّ للأطراف المتنازعة، هدفها تقسيم البلاد وإضعاف دورها الإقليمي وإيصال الصراع لحدود بعض الدول المجاورة لضرب أمنها.
مع توسّع الصراع، يتدهور الوضع الإنساني أكثر في هذا البلد العربي، إذ تجاوز عدد القتلى المدنيين أكثر من 600 قتيل وآلاف الجرحى، كما ارتفع عدد النازحين داخل البلاد والمهاجرين خارجها، وتزايد عدد المنشآت العمومية التي طالتها القصف والتدمير.
فاتورة غالية يتكبدها المواطن السوداني نتيجة صراع لا ناقة له فيه ولا جمل، وكان على الأشقاء العرب ومنظماتهم على رأسها جامعة الدول العربية التي ينتمي إليها السودان ويعدّ أحد دولها البارزين، أن يتدخلوا لوضع حدّ لهذا الصراع.
عوض جلب بشار الأسد إلى المحكمة ومحاسبته على هذه الجرائم العديدة في حقّ الشعب السوري، بسط له القادة العرب السجاد الأحمر للعودة إلى الجامعة العربية
بعد يوم فقط من بدأ الصراع، دعت كل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين بجامعة الدول العربية لمناقشة الوضع في السودان، لكن هذا الاجتماع لم ينتج عنه سوى بيان تنديد وإدانة.
أعربت الجامعة عن أسفها الشديد لسقوط ضحايا، وطالبت بضرورة الوقف الفوري لكافة الاشتباكات المسلحة حقناً للدماء وحفاظاً على أمن وسلامة المدنيين ومقدرات الشعب السوداني ووحدة أراضي السودان وسيادته، كما أكدت على أهمية العودة السريعة إلى المسار السلمي لحل الأزمة السودانية.
مع ذلك لم تقدم أي آلية للعودة إلى المسار السلمي، ولا لوقف القتال، فقط أصدرت بيان لتثبت حضورها، كعاداتها مع باقي الأزمات التي شهدتها المنطقة العربية ومازالت تشهدها، كأن دورها مقتصر على بيانات التنديد، فيما تمضي الأزمة السودانية حيث يُراد لها دون أدنى أثر لإرادة عربية موحدة تعرقل مسار الانهيار.
الاهتمام بإعادة نظام بشار الأسد
تتواصل الحرب في السودان، بينما انطلقت الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في دورتها العادية الثانية والثلاثين على مستوى الوزراء والمندوبين في مدينة جدة، لمناقشة أهم القضايا التي سيطرحها القادة في اجتماعهم المقرر غدًا الجمعة، فيما يتدفق الزعماء المشاركون إلى جدة.
ورغم الحديث عن وجود ملف السودان على رأس ملفات قمة جدة، فإن الملف يبدو هامشيًا وسط الاحتفاء الاستعراضي بسفاح دمشق، قاتل شعبه ومشرده، بعد عودة نظام الأسد رسميًا إلى مقاعد الجامعة العربية بعد 12 عامًا من نبذه المستحق.
#الجامعة_العربية
و عزة جلال الله يا #غزة أنهم خانوك ..
و خانوا #الجزائر قبلك و #العراق بعده و #ليبيا
و الآن يخونون #اليمن و #السودان و #سوريا#اللصوص_المتغلبة >>>>> ( خونة الأمانة )#مشاعرك_اليوم_بكلمه | #غزة_الآن pic.twitter.com/rtO6NPpiid
— “عودة الذئاب” (@wolves8000) May 9, 2023
سيجتمع القادة العرب غدا في جدة، وسيكون بشار الأسد “نجم” القمة الذي ستتجه نحوه الأنظار وهو مزهو بخيلائه وقد نجى بفعلته، قتلَ شعبه وتدمير بلده – وتتسابق الأيدي لمصافحته بلا وازع من ضمير أو أخلاق.
سيجد بشار الأسد غدًا مقعدًا مخصصًا له بين القادة العرب، لأول مرة منذ 12 عامًا، رغم أنه هو نفسه المستبد الذي عذب وسجن وقصف وضرب بالغاز وحاصر الشعب الذي من المفترض أن يخدمه، سيكون يوًما حزينًا للدبلوماسية العربية ويرسل رسالة تقشعر لها الأبدان: يمكن للأسد أن يستمر في الإفلات من العقاب، كما تقول الفايننشال تايمز.
الترحيب بالمجرمين على حساب الشعوب
سيتم تناول الملف السوداني، لكن الضوء سيُسلط على عودة بشار الأسد إلى الحضن العربي وسيخطف الطاغية الكريه الأنظار وسيضع ملف السودان على الهامش، لقد عفى القادة العرب عن زميلهم وأعاده إلى الحظيرة، وسيكون ثمة وقت لاحقًا للعفو عن جنرالي السودان المتحاربين، عندما ينتهيان من القتل والخراب.
يوجد في سجل بشار الأسد جرائم من العبث إحصاؤها، قتلت قواته مئات الآلاف وشردت نصف الشعب، واستدعى احتلالات يستحيل اقتلاعها ورهن اقتصاد البلاد لمن شاركه قتل السوريين.
القمة العربية في جدة ستكون تاريخية لهذه الأسباب#قمة_بشار_المجرم#سوريا_لايمثلها_الأسد_المجرم#CriminalAssadNeverRepresentsSyria#القمة_العربية#القمة_العربية_في_جدة pic.twitter.com/l6f3ISaT5A
— قتيبة ياسين (@k7ybnd99) May 18, 2023
عوض جلب بشار الأسد إلى المحكمة ومحاسبته على هذه الجرائم العديدة في حقّ الشعب السوري، بسط له القادة العرب السجاد الأحمر للعودة إلى الجامعة العربية ولحضور القمة العربية، كأنه لم يحدث شيء طيلة السنوات الماضية.
غدا.. عودة إلى الحضن الاسدي وسط الأضواء يدخل اسكوبار البهرزي قاعة اجتماع القمة العربية في جدة، محاطا باهتمام عدسات التصوير، والحاضرين، يسير محاطا بمرافقيه وموظفي البروتوكول إلى مقعد سوريا الفارغ منذ أكثر من عقد، ويجلس حيث لا ينبغي له أن يكون، في حين يتابع عشرات الملايين الحدث عبر…
— Siba Madwar صِبا مدور (@madwar_siba) May 18, 2023
نفس الشيء ينطبق مع الحالة السودانية، فلا هم للقادة العرب حاليا بأوجاع الشعب السوداني، إنما هدفهم الحفاظ على مصالحهم هناك، وهم الآن في حيرة من سيحفظ لهم تلك المصالح، هل سيكون عبد الفتاح البرهان أي الجيش أم قوات الدعم السريع أي حميدتي.
يشاهد العرب يوميًا حجم الجرائم المرتكبة في حقّ السودانيين، من قصف متعمد للمستشفيات والمدارس وقتل للأبرياء وقطع للطرقات وتدمير للبنى التحتية وتهجير للأهالي، مع ذلك لم يحركوا ساكنًا، كأن الأمر لا يعنيهم.
وتقول الأمم المتحدة إن احتياجات السودان الإنسانية تقدر حاليًا عقب اندلاع النزاع المسلح بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، مقابل 1,75 مليار دولار في تقديرات كانون الأول/ديسمبر- مشيرة إلى ضرورة توفير مبلغ 470.4 مليون دولار إضافية لمساعدة اللاجئين الذين فروا من البلاد.
قمة الجامعة العربية عايزين يحلوا مشكلة السودان وهم مستضيفين الأسد
— Omnia Hamdino (@omnia_hass55) May 18, 2023
لا يتدخل القادة العرب في السودان الآن، فالوضع غامض بالنسبة إليهم لقِصر استخباراتهم وضعف وجودهم الميداني، فلا أحد يريد أن “يتورط” في الدفع بجهود السلام، ولربما تضمن الحرب مصالحهم أكثر من حالة السلم.
سقطات جديدة، تضاف إلى سقطات الجامعة العربية العديدة، ولن تكون الأخيرة، فمصالح الشعوب ورفاهها لا تهم القادة العرب، بقدر اهتمامهم بالحفاظ على الكراسي التي يجلسون عليها، فهذه الجامعة مفعول به ولن تكون في أي يوم فاعل.