نشر مركز أبحاث كارنيجي مقالا تحليليا للباحث رافاييل لوفيفر يناقش فيه التغيرات الأخيرة لدى الإخوان المسلمين في سوريا، ومستقبل الجماعة في ضوء هذه التغيرات.
مع أن جماعة الإخوان غالبًا ما توصف بأنها إحدى القوى الأكثر فعالية ضمن المعارضة السورية في المنفى، إلا أنها شهدت انقسامات في صفوفها، فقد أتمّ زعيم الجماعة السابق “محمد رياض الشقفة”، ولايته البالغة أربع سنوات في صيف العام 2014، حاصدًا مستويات متدنّية من الشعبية في صفوف قاعدة الإخوان، التي ألقت اللوم عليه بسبب فشله في تحويل الجماعة إلى لاعب سياسي وعسكري متّسق، من بين أمور أخرى.
في الفقرة السابقة أجاد رافاييل حين استخدم لفظ “توصف”، حيث إن الجماعة ومنذ انتقال صفوف المعارضة إلى ملعب “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية” بدلاً من “المجلس الوطني السوري” بدأت في اتخاذ موقف المؤيد للرأي الحاصل على أكثرية بالفعل، حيث كانت تظن – أو تقول – بأنها تساهم في أن تكون لاعب توافق لا معارضة، لذلك دائمًا ما توصف بذلك دون أي تأثير حقيقي.
وفي ظل تصاعد المطالب الداخلية بالتغيير، دعا قادة الإخوان في خريف العام 2014 إلى إجراء انتخابات مجلس الشورى، وهو الهيئة العليا لصنع القرار في الجماعة، ثم انتَخب الأعضاء الجدد لهذا المجلس قادة المنظمة كلها، ومع القرار الذي صدر في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، أطلق مجلس الشورى رسالة واضحة مفادها أن جماعة الإخوان بدأت أخيرًا بكتابة فصل جديد في تاريخها.
تم اختيار “محمد حكمت وليد”، وهو شاعر وجرّاح عيون من اللاذقية يبلغ السبعين من العمر، تلقّى تعليمه في المملكة المتحدة، ليكون المراقب العام الجديد لجماعة الإخوان السورية، كما عُيّن منافسه الرئيس لهذا المنصب، “حسام الغضبان”، وهو مهندس كومبيوتر في الأربعينيات من ضواحي دمشق، نائبًا له.
على خلاف زعماء الجماعة السابقين، ليس لدى وليد تاريخ من العنف في ثمانينيات القرن المنصرم، كما أنه يتقن اللغة الإنجليزية، أما غضبان، فسيكون أحد أصغر الأشخاص الذين تولّوا منصب نائب المراقب العام في تاريخ الجماعة، ولايتحدّر أي منهما من حلب أو حماه، مركزَي القوة التقليديين في جماعة الإخوان السورية.
مع ذلك، يرى بعض أعضاء الجماعة أن هذين الخيارين لايُعتبران مؤشّرًا قويًّا على التغيير، فقد توقّع كثيرون تعيين مُصلِح أصغر سنًّا يتحلّى بالكاريزما ويكون ملتزمًا بتغيير جماعة الإخوان من الداخل، من خلال توفير مزيدٍ من الشفافية في عملية صنع القرار، وتعزيز دور الشباب في جميع مستويات المنظمة، لكن، وعلى الرغم من أن الانتخابات لم تشكّل ربما الثورة التي كان هؤلاء الأعضاء يأملون بها، إلّا أنها تشي بعددٍ من التحولات المهمة داخل الجماعة.
وإن كانت الجماعة قد نجحت في أن تلعب دورًا إغاثيًا وإنسانيًا جيدًا في الثورة السورية، إلا أنها فشلت في إدارة الملف السياسي في الوقت الذي كانت تفقد فيه الملف الدعوي الذي يعد أحد أهم ركائز الجماعة؛ الأمر الذي دعا الجماعة وبتدخل مباشر من نائب المراقب الجديد الشاب إلى تجنيد الشباب وإعادة روح الدعوة إلى صفوفها.
لكن على الصعيد الإيديولوجي، من المستبعد أن يؤدّي انتخاب وليد إلى تغييرات مهمة في موقف جماعة الإخوان المسلمين السورية، فبعد عقود أمضاها قادة الجماعة في مقاتلة نظام الأسد، تخلّوا عن العنف في العام 2004، كما تعهّدوا بنبذ الطائفية، واحترام حقوق الأقليات، والعمل مع القطاعات الأخرى في المجتمع السوري من أجل الحثّ على تغيير النظام بطريقة تشمل كل هذه القطاعات، ويُذكَر أن وليد كان داعمًا لاعتدال الجماعة منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، وقد كوفئ على التزامه الراسخ بهذه الأجندة في وقت سابق من العام 2014 عندما انتُخِب رئيسًا لحزب وعد، وهو حزب سياسي معتدل ومستقل مبدئيًا يضمّ إخوانًا مسلمين وإسلاميين مستقلين وبعض السنّة العلمانيين، وحتى بعض المسيحيين والعلويين.
على الصعيد الإقليمي، يُرجَّح أن يعزّز انتخاب وليد نفوذ تركيا على معارضةٍ سوريةٍ منقسمةٍ بين مناصرين لقطر والسعودية. فالمراقب العام الجديد شكَرَ في ملاحظاته الأولى “الشعب التركي الشقيق والصديق”، وأشاد بـ “القيادة الحكيمة” للبلاد ودعم تركيا للثورة السورية، وقد ارتبط وليد، بصفته رئيسًا لحزب الوعد الذي يقترب برنامجه السياسي من الناحية الأيديولوجية من برنامج حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه الرئيس التركي “رجب الطيب أردوغان”، بعلاقات وثيقة مع السلطات التركية التي قدّمت دعماً كبيراً للمعارضة السورية. ويُتوقَّع أن تتوطّد هذه العلاقة أكثر الآن وقد أصبح وليد القائد الجديد لجماعة الإخوان.
لكن في الوقت نفسه، يقوم القائدان الجديدان للجماعة بكل ما في وسعهما للحفاظ على الهدنة مع السعودية، وهي هدنة أعفت الجماعة من المعاملة القاسية التي تلقّتها جماعات إسلامية أخرى في المنطقة من المملكة، وفي آذار/ مارس 2013، حين صنّفت المملكة جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية، أبلغ صانعو السياسات السعوديون قادة فرع الجماعة السوري بأن هذه الخطوة لن تؤثّر عليهم تأثيرًا مباشرًا، ويُذكَر أن وليد أقام في السعودية لمدة طويلة ومارس الطب في عيادة في جدة قبل أن ينتقل مؤخّرًا إلى إسطنبول التي قصدها ليكون قادرًا على الانخراط في الأنشطة السياسية بشكل أفضل، وهو بالتالي يفهم عقلية المملكة بشكل جيد، ويعرف ما الخطوط الحمراء التي لا يجوز أن تتخطاها جماعة الإخوان.
من الناحية السياسية التي تم انتقاد آداء الإخوان فيها مرارا، فإن ”فاروق طيفور” نائب المراقب العام السابق، ونائب رئيس الائتلاف السابق كان مهندس معظم النظريات لأداء الجماعة السياسي في المجلس الوطني ومن بعده في الائتلاف، وإن كان رئيس المكتب السياسي “حسان الهاشمي” أكثر انفتاحًا وأوسع رؤية، إلا أنه لم يستطع الوقوف في وجه قرارات طيفور الفردية، والتي باءت معظمها بالفشل وأوقعت الجماعة في العديد من المطبات، بعض منها تمثل في أن تتوزع أصوات الجماعة بين فريقين في قرارات الائتلاف.
وإذ يعتبر طيفور نفسه الوجه السياسي للجماعة الذي لعب دورًا سياسيًا مهما في أدائه كنائب لرئيس الائتلاف؛ الأمر الذي أشعل عددًا من الخلافات في الرأي داخل صفوف القيادة، ذكرها رافاييل واصفًا إياها بـ”الانقسامات في صفوف الجماعة” والذي وصل إلى الحد الذي يصف به طيفور المراقب العام السابق بـ”آمر الصرف” في بعض كلامه، متهمًا إياه بإفلاس الجماعة.
البعض تحدث بأن الانقسامات في صفوف القيادات، والتي تتمثل بشكلها الأكبر بين طيفور وشقفة، أدت إلى الإطاحة بالاسمين من صفوف القيادة الجديدة التي تسربت أسماؤها دون أي تغييرات جمّة تذكر.
أحد التحديات التي تواجهها جماعة الإخوان في سورية هو تجديد الأجيال الذي ينبغي أن تخوضه إذا ما أرادت أن تبقى قوة سياسية مهمة في المعارضة السورية.
يبدو أن الزعيم الجديد يدرك أن مهمته الداخلية الأولى تكمن في إبقاء الشباب في فلك جماعة الإخوان، من خلال منحهم مناصب كبرى وتوجيههم نحو مستقبل باهر داخل الجماعة، ففي كلمته الأولى بعد انتخابه، شدّد وليد على أهمية تعزيز دور الشباب في المنظمة، لكن صدقيته سوف تعتمد إلى حدٍّ كبير على عدد الصلاحيات التي سينقلها إلى نائبه حسام الغضبان.
ومع القرار الذي صدر في 11 نوفمبر 2014، أطلق مجلس الشورى رسالة واضحة مفادها أن جماعة الإخوان “بدأت أخيرًا بكتابة فصل جديد في تاريخها”، وبحسب تعليق أحد الشباب المقربين من الإخوان السوريين، فيبدو أن “الفصل الجديد” من تاريخ الجماعة تمثل في إعادة انتخاب سبعيني للقيادة، ومحاولة إرضاء الشباب بمنصب نائب للمراقب؛ الأمر الذي لم ينجح، والذي اختار شباب الإخوان التزام الصمت حياله.
وخلص رافاييلو في ورقته البحثية إلى أن انتخاب وليد لتولّي منصب المراقب العام الجديد للجماعة قد لا يجسّد الثورةَ التي كان يتوقّعها العديد من أعضاء جماعة الإخوان السورية. فهو من دون شك جزء من المؤسسة، إذ أنه شخصية توافقية ترضي تكتلات القوة الرئيسة في الجماعة، وهو من قدامى الإخوان. لكن بدلاً من أن تكون هذه الصفات ضعفاً، قد تمنحه الشرعية الداخلية التي يحتاج إليها للمباشرة بمجموعة من الإصلاحات ضمن الجماعة قبل أن يتولّى السلطة الجيل الجديد من الناشطين الشباب. ومقاربته هذه للسياسات قد تؤشّر أيضاً إلى بروز شكل من القيادة أكثر توافقية وأكثر دهاءً من الناحية السياسية؛ قيادة ستكون أساسيةً في النجاة من العاصفة الإقليمية التي تضرب المنطقة، وفي تحسين صورة الجماعة في سورية والخارج.
للاطلاع على المقال كاملا : مركز كارنيغي للشرق الأوسط