ترجمة حفصة جودة
عندما كانت قوارب اللاجئين عرضة لخطر الانقلاب في البحر المتوسط، كانت سرعة عمليات الإنقاذ عاملًا أساسيًّا، فأي تأخير في استجابة الطوارئ قد تؤدي إلى ضرر بدني خطير أو فقدان الحياة.
ومع ذلك، لم تكن الاستجابة السريعة في تلك المواقف من أولويات الاتحاد الأوروبي، فقد ناقشت دراسة نُشرت مؤخرًا في مجلة Security Dialogue كيف أصبح الوقت “سلاحًا” في إدارة عمليات الهجرة عبر البحر المتوسط.
خلال العقد الماضي، ولمنع وصول اللاجئين، بحثت سلطات الاتحاد الأوروبي عن طرق لإبطاء عمليات الإنقاذ مع زيادة سرعة عمليات الإيقاف في ليبيا.
كان انتهاء العملية العسكرية الإنسانية لإيطاليا Mare Nostrum عام 2014 نقطة تحول بارزة، استجابةً لتحطم سفينة في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 قرب جزيرة لامبيدوسا، حيث سرّعت هذه العملية من أنشطة الإنقاذ قبالة السواحل الليبية، ما أدّى إلى إنقاذ 150 ألف شخص.
ومع ذلك، استنكر النقّاد ذلك، واعتبروه عامل جذب قد يحفّز وصول المزيد من اللاجئين، فانتهت عمليات Mare Nostrum لتفسح المجال للعمليات الأوروبية التالية التي كانت تتأخّر في الاستجابة الطارئة.
بُنيت عمليات أسطول الاتحاد الأوروبي اللاحقة -“تريتون” و”صوفيا” في عامَي 2015 و2016- على تأخير تصميماته التشغيلية، وقد تعمّد الأسطول القيام بدورياته في المناطق التي من المتوقع أن تكون القوارب بها قليلة في البحر المتوسط، وكانت نتيجة ذلك -تأخُّر الوصول أو عدم الوصول مطلقًا، ما يعني ارتفاع نسبة الوفيات- مقبولة بوضوح.
لقد أصبح عدم تقديم المساعدة جزءًا روتينيًّا من الإجراءات المميتة للحدّ من وصول اللاجئين إلى مالطا.
في الفترة منذ عام 2017 -والتي أصفُها بمرحلة الإهمال الاستراتيجي-، وجدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي طرقًا أكثر وحشية لتسليح “الوقت”، فبالتراجع عن أصول الإنقاذ، تسبّبت الجهات الأوروبية الفاعلة في ظهور فراغ في الإنقاذ وسط البحر المتوسط.
هذا الفراغ اتسع بمرور الوقت، فقد خلص تقرير نشره مركز Civil Maritime Rescue Coordination Centre في مارس/ آذار 2023 -هذا المركز عبارة عن شبكة من الجهات الفاعلة غير الحكومية المشاركة في أنشطة البحث والإنقاذ في البحر المتوسط- إلى أنه في البحر تتجاهل سلطات مالطا بانتظام من يحتاجون إلى الإنقاذ.
قال التقرير إنه في عام 2022 تجاهلت السلطات المالطية أكثر من 20 ألف شخص كانوا في محنة، ولم تقدّم المساعدة لـ 413 قاربًا ممتلئة بأشخاص بحاجة إلى المساعدة، حيث أنقذت القوات المسلحة المالطية 3 قوارب فقط.
يضيف التقرير: “لقد أصبح عدم تقديم المساعدة جزءًا روتينيًّا من الإجراءات المميتة للحدّ من وصول اللاجئين إلى مالطا”، وهكذا في عام 2023 لم تنقذ مالطا سوى 92 شخصًا فقط.
ضيّقت إيطاليا أيضًا من مجال عملياتها، لتصبح معظمها في المناطق القريبة من صقلية ولامبيدوسا، لذا وصول عدد من القوارب إلى إيطاليا الآن، مع إعلان الحكومة حالة الطوارئ في أبريل/ نيسان، لا ينكر حقيقة مواصلة إيطاليا ومالطا ترك مساحات شاسعة من البحر دون مراقبة.
عادة ما يأتي الإنقاذ متأخرًا للغاية، خاصة في مناطق البحث والإنقاذ “SAR” في مالطا وليبيا، وهذا ما كشفت عنه الأيام الأخيرة بشكل مأساوي.
في الوقت نفسه، انتقلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الجو، فقد عززت من أنشطتها الجوية بما في ذلك استخدام الدرونز، والبحث عن قوارب اللاجئين وسط البحر المتوسط من السماء.
بررت “فرونتكس” -وكالة خفر السواحل والحدود الأوروبية- هذه الأنشطة بأنها تهدف إلى إنقاذ الأرواح، لكن منظمتَي هيومن رايتس ووتش وBorder Forensics لاحظتا أن استخدام المساعدات الجوية وفق الاستراتيجية الحالية، ليس له أي تأثير ملحوظ على معدل الوفيات.
كان التأثير الملحوظ لعمليات المراقبة الجوية تلك في مكان آخر، فمنذ عام 2017 أعادت القوات الليبية قسرًا أكثر من 100 ألف شخص إلى ظروف مأساوية، باستخدام القوارب السريعة التي تبرّعت بها إيطاليا.
واجه المتطوعون والعاملون في المجال الإنساني لإنقاذ اللاجئين عدائية متزايدة، وتصويرهم كخدمات توصيل تسهّل وصول اللاجئين إلى أوروبا، وقد عُرقلت جهودهم الإنقاذية في كل منعطف.
طاردت القوات الليبية -بمساعدة الأنشطة الجوية الأوروبية- القوارب التي ما زالت صالحة للوصول إلى أوروبا، بينما تجاهلت القوارب المتضررة التي تضمّ أشخاصًا بحاجة إلى المساعدة العاجلة.
يكشف ذلك عن أولويات الاتحاد الأوروبي، حيث تصاعدت الهجمات أيضًا على قوارب اللاجئين باعتراضها قبالة السواحل التونسية، مع تصاعد المشاعر العنصرية في الأسابيع الأخيرة.
قال تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة عام 2021، إن الأضرار والوفيات على الطريق المركزية للبحر المتوسط هي نتيجة الإدارة الفاشلة لأنظمة الهجرة، أي التأخُّر الواضح والفشل في تقديم المساعدة لقوارب اللاجئين.
لكن بدلًا من القول ببساطة إنه نظام فاشل، نحتاج أن نفهم أن تأخُّر عمليات الإنقاذ تلك عنصر استراتيجي مدروس مبني في النظام الحالي لإدارة الهجرة الأوروبية.
شعر الإنقاذ المدني أيضًا بتأثير استخدام أوروبا للوقت كسلاح، فمنذ عام 2017 تحديدًا واجه المتطوعون والعاملون في المجال الإنساني لإنقاذ اللاجئين عدائية متزايدة، وتصويرهم كخدمات توصيل تسهّل وصول اللاجئين إلى أوروبا، وقد عُرقلت جهودهم الإنقاذية في كل منعطف.
على سبيل المثال، حجبت السلطات البحرية في كثير من الأحيان المعلومات عن القوارب، حتى لو كانت المنظمات غير الحكومية أقرب إلى موقع الحدث، وفي وقت سابق كانت المنظمات غير الحكومية تنقل الأشخاص الذين أنقذتهم بشكل روتيني إلى الأصول العسكرية للاتحاد الأوروبي، بينما تواصل عملياتها في البحر.
أما الآن، أصبحوا مجبرين على توصيل اللاجئين إلى الموانئ الأوروبية، وهناك يخضعون لتفتيش دقيق، وقد يواجهون احتجازًا مطوّلًا وربما تجريمًا في بعض الأحيان.
في أعقاب عمليات إنقاذ قامت بها منظمات غير حكومية مؤخرًا، خصّصت السلطات الإيطالية موانئ في وسط وشمال إيطاليا لتلك العمليات، ما يتسبّب في إطالة أمد عمليات الإنزال.
هذا الوقت الذي تقضيه المنظمات المدنية ذهابًا وإيابًا والاحتجاز في الموانئ، تسبّب في تقليص الوقت الذي يقضونه في البحر، هذه السرقة للوقت التشغيلي عُرفت باسم “سياسات الموانئ المغلقة” في مالطا وإيطاليا عام 2018، حيث تُجبر سفن المنظمات غير الحكومية على الانتظار قبالة الموانئ الأوروبية لفترة قد تمتدّ أحيانًا إلى أسابيع.
ما زال استهداف المنقذين التابعين للمنظمات غير الحكومية مستمرًّا، ففي بداية عام 2023 أصدرت إيطاليا مرسومًا يلزم المنقذين بالإبحار نحو الموانئ الأوروبية فورًا بعد إجراء عملية إنقاذ واحدة، ما يمنعهم من البقاء في البحر بحثًا عن المزيد من القوارب.
إضافة إلى ذلك، وفي أعقاب عمليات إنقاذ قامت بها منظمات غير حكومية مؤخرًا، خصّصت السلطات الإيطالية موانئ في وسط وشمال إيطاليا لتلك العمليات، ما يتسبّب في إطالة أمد عمليات الإنزال.
ووفقًا للمنظمات غير الحكومية، فإن غياب الأسطول المدني عن وسط البحر المتوسط سيؤدي حتمًا إلى غرق المزيد من الناس في البحر بشكل مأساوي، حيث قررت 3 منظمات منها اتخاذ إجراء قانوني ضد سياسة السلطات الإيطالية الممنهَجة بتخصيص موانئ بعيدة.
عندما انقلب قارب شديد الازدحام في شهر فبراير/ شباط هذا العام قبالة شاطئ كروتوني في إيطاليا، وفقدَ أكثر من 90 شخصًا حياتهم، تصاعدت التساؤلات بشأن تأخُّر ردود الفعل الإيطالية في محنتهم.
بعد ذلك بعدة أسابيع فقط، أُبلغت السلطات الأوروبية والليبية بوجود قارب معرّض لخطر الانقلاب، فانتظروا طويلًا بدلًا من التدخل دون تأخير، بعد 30 ساعة من إبلاغ السلطات انقلب القارب وفقدَ العشرات حياتهم غرقًا.
هذه الكوارث ليست حالات استثنائية، لكنها تسلط الضوء على شيء أكثر منهجية، فهي تحديدًا استراتيجية أوروبية مقصودة تستخدم الوقت كسلاح لمنع وصول اللاجئين إلى أوروبا، مهما كان الثمن.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية