يحبس الأتراك أنفاسهم خلال الفترة من 14 حتى 28 مايو/ أيار الجاري، التي ربما تكون الأطول في تاريخ البلاد، انتظارًا لحسم اسم الرئيس الـ 18، وهل يستمر الرئيس رجب طيب أردوغان في موقعه أم يحقق منافسه كمال كليجدار أوغلو مفاجأة، رغم أن فرصه أقل في السباق لعدة عوامل.
ورغم اطمئنان تحالف الشعب (الحاكم) بعد حسمه لنتائج الانتخابات البرلمانية (من واقع ما أظهرته نتائج فرز الأصوات في 191 ألف مركز اقتراع بـ 81 ولاية تركية)، لكن يظل مقعد الرئاسة معلقًا لمدة 10 أيام مقبلة، إذ سيتم الإعلان عن اسم الرئيس المنتخب عشية 29 مايو/ أيار الجاري.
ولن يكون الفائز في جولة إعادة الانتخابات الرئاسية التركية مطالَبًا بالحصول على نسبة الـ 50%+1 من أصوات الناخبين (كما في الجولة الأولى)، بل يكفيه الحصول على صوت واحد على منافسه، بعد فرز إجمالي الأصوات والإعلان عن الصحيح والباطل منها ونسبة كل مرشح من قبل اللجنة العليا للانتخابات.
ملامح الحملة الانتخابية
حدد أردوغان عبر شبكة “سي إن إن ترك” ملامح حملته الانتخابية: “سأزور المناطق المنكوبة من الزلزال مجددًا، وسننظم مؤتمرات انتخابية حاشدة للتأكيد على تعهُّداتنا وبرنامجنا للمستقبل، للدخول بقوة إلى قرن تركيا -المئوية الجديدة في عمر الجمهورية-، أعلم أن شعبنا ينتظر منا الكثير من العمل والإجراءات التي ستحقق آماله وتطلعاته”.
وتعبيرًا عن تفاؤله، يقول أردوغان: “شعبنا الذي منحنا الأغلبية في البرلمان، سيصوت لصالح الاستقرار في الانتخابات الرئاسية. انتصرنا لممارسة الحقوق والحريات السياسية، وتأكدت موثوقية نظامنا الانتخابي. خلال تاريخنا السياسي احترمنا الإرادة الوطنية، ونحترم هذه الإرادة في الانتخابات الحالية والاستحقاقات القادمة”.
وسيركز أردوغان خلال حملته الانتخابية (بدأت منذ إعلان نتائج الجولة الأولى) على عدة ملفات، هي استكمال علاج كارثة الزلزال، تسويق المشاريع الكبرى، النهوض بالاقتصاد، خفض التضخم، تذكير الأتراك بمخاطر عدم الاستقرار السياسي، وتحديات الأمن القومي داخليًّا وخارجيًّا.
من جانبه، جدّد مرشح المعارضة التركية، كليجدار أوغلو، التذكير بإجبار ملايين اللاجئين في تركيا على العودة إلى بلادهم، في ثاني رسالة تحذيرية خلال 24 ساعة، وذلك بهدف مدّ الجسور مع أنصار المرشح القومي المتشدد في الجولة الأولى، سنان أوغان (أذربيجاني الأصل)، المعادي للاجئين والمجنَّسين.
ويراهن كليجدار أوغلو على مدّ الجسور مع سنان أوغان الذي سيعلن خلال ساعات عن المرشح الذي سيدعمه في انتخابات الرئاسة يوم 28 مايو/ أيار الجاري، الأمر الذي سيرجّح (بحسب مراقبين) كفّة أحد المرشحَين (أردوغان أو كليجدار أوغلو) خلال المعركة المؤجَّلة.
وأمام تشدُّد سنان أوغان في التمسك بعدم تقديم أي تنازلات إلى الأكراد، سارعت جبهة كليجدار أوغلو بعقد اجتماع عاجل (في مقرّ حزب الشعب الجمهوري) لبحث تكتيكات الحملة الانتخابية قبل الجولة الثانية، وظهر خلال الاجتماع التركيز على مدّ الجسور مع سنان أوغان دون خسارة الأحزاب الكردية.
أردوغان.. 9 أسباب للثقة
يدخل أردوغان جولة إعادة الانتخابات الرئاسية مدعومًا بعدة عوامل للثقة في الفوز:
– الانطباعات السياسية (تقدُّم أردوغان خلال الجولة الأولى بأكثر من 2.5 مليون صوت) ستنعكس على الناخبين خلال الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، وتعزيز مكانة أردوغان في مواجهة منافسه كليجدار أوغلو، خاصة أن المشهد الديمقراطي الذي ظهر في إدارة الجولة الأولى سيشجّع باقي الناخبين على المشاركة والحسم.
– الثقة المعنوية، حيث يدخل أردوغان الانتخابات مدعومًا بنتيجة مطمئنة له ولكتلته التصويتية التقليدية، بعد تصدُّره لقائمة المرشحين خلال الجولة الأولى في 14 مايو/ أيار، وحصوله على نسبة 49.4% من إجمالي أصوات الناخبين، المعززة لجذب المزيد من الأصوات خلال جولة الإعادة المرتقبة.
– الالتفاف الجماهيري الذي أظهرته نتائج الانتخابات البرلمانية، يؤكد انحياز معظم الأتراك لتحالف الشعب وبرنامجه العملي، على عكس التحالفات الأخرى التي يقدّم معظمها تعهُّدات إنشائية، وتدافع عن مطالب فئوية لا تعبّر عن جموع الأتراك ولا تلبّي طموحاتهم.
– الصلاحية السياسية، إذ كشفت نتائج التصويت في الجولة الأولى للانتخابات العامة (البرلمانية والرئاسية) عن شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية، رغم طول البقاء في السلطة (21 عامًا) الذي استغله الحزب في تعظيم المكتسبات وتعزيز الخدمات، وهو أمر سيخدم أردوغان واستمراره في الرئاسة لمدة 5 سنوات مقبلة.
– تراجع نسبة الناخبين المترددين من واقع مشاركة حوالي 88.8% ممّن لهم حق التصويت في الانتخابات، حيث تأكد تخلي نسبة كبيرة من المترددين (كان البعض يروج 15%) عن السلبية، شعورًا منهم بالتحديات الاقتصادية والسياسية، والاصطفاف خلف المرشحين القادرين على الإنقاذ.
– جهود استمالة المرشح السابق لانتخابات الرئاسة سنان أوغان، في ضوء ما يقوم به نائب رئيس حزب العدالة والتنمية بن علي يلدرم من حوار متواصل مع أوغان، وأن الساعات المقبلة قد تكلّل خلالها المفاوضات بالتوصُّل إلى صيغة توافقيه معه، سواء عبر وعده بمنصب وزاري أو دور سياسي يعبّر عن طموحاته.
– حسابات زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو (المنافس الوحيد لأردوغان خلال معركة 28 مايو/ أيار) ستخدم أردوغان أيضًا، كون كليجدار أوغلو سيحرص على الكتلة الانتخابية الداعمة لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي (14%)، على حساب ما يعتبره “ابتزازًا” من كتلة سنان أوغان (أنصاره 5% فقط).
– الفاعل الخارجي، حيث كانت الرهانات منذ شهور تعوّل على نجاح المعارضة التركية في حسم المعركة، لكن نتائج الجولة الأولى للانتخابات دفعت معظم العواصم الغربية ووسائل الإعلام المحسوبة عليها إلى مراجعة حساباتها، والعودة مجددًا إلى الرهان على أردوغان (الخبير في إدارة التناقضات الجيوسياسية إقليميًّا ودوليًّا).
– الحرب الروسية الأوكرانية التي تحظى بمعظم الاهتمام من دوائر صنع القرار في العالم تعزز فوز أردوغان، بحكم الدور الذي تضطلع به حكومته منذ بداية الأزمة (فبراير/ شباط 2022)، كقناة اتصال بين أطراف الصراع مباشرة ومن يتقاطع معه من القوى الدولية، وهو أمر يدركه الناخب التركي جيدًا في ظل النزعة القومية الإمبراطورية.
كليجدار أوغلو.. 5 عوامل للقلق
في المقابل، يخوض مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو جولة الإعادة وسط حالة من القلق، تعود لـ:
– هشاشة تحالفات المعارضة (المباشرة وغير المباشرة) الداعمة له، ليس فقط لتناقض أفكارها ومواقفها، لكن لاختلاف أهدافها وبرامجها (بغضّ النظر عن البرنامج المشترك)، وافتقاد آليات التنفيذ التي تبقيها مجرد وعود وتعهُّدات، ما يثير شكوك شريحة كبيرة من الناخبين الراغبين في حلول ناجعة للأزمات التركية الحالية.
– المقارنة الحزبية بين مرشحي الحزبَين الرئيسيَّين في المعادلة السياسية التركية لن تكون في صالح حزب الشعب الجمهوري (صاحب العداءات التاريخية مع معظم الفئات والقوى السياسية، سواء عبر مواقفه أو برنامجه)، على عكس حزب العدالة والتنمية (صاحب الشعبية المحلية والشهرة الخارجية، المدعوم بخططه ونجاحاته).
– الغضب الداخلي في حزب الشعب الجمهوري بسبب ترشيحات ونتائج الانتخابات البرلمانية، بعد تخلي زعيم الحزب، كليجدار أوغلو، للأحزاب الصغيرة في تحالف الأمة (الديمقراطي، المستقبل، الديمقراطية والتقدم، السعادة) عن حوالي 37 مقعدًا لدعمها سياسيًّا، على حساب القيادات البارزة في الشعب الجمهوري.
– التسطيح من المكتسبات الوطنية يعدّ من جملة الأسباب المؤثرة على كليجدار أوغلو (والمعارضة التركية عمومًا)، كون المشاريع الكبرى لم تعد ملكًا لأردوغان والحزب الحاكم، بل صارت مكتسبات عامة تضفي مصداقية على أردوغان وحكومته، ومحفزًا في تحديد الانحياز السياسي والانتخابي.
– المجنَّسون الذين انقسموا قبل المرحلة الأولى للانتخابات، كونهم ليسوا كتلة تصويتية واحدة، حيث ستسهم تصريحات كليجدار أوغلو (والأحزاب المتشددة الداعمة له) في اصطفاف المجنَّسين، دفاعًا عن وجودهم وكينونتهم في تركيا التي تستفيد من وجودهم (تعزيز قطاعات الاقتصاد وتوفير العملة الصعبة).
– أكاذيب استطلاعات الرأي (الموجَّهة) التي كانت جزءًا من تكتيكات الحرب النفسية، للتأثير المعنوي على معسكر الخصوم السياسيين، لن تخدم كليجدار أوغلو خلال الجولة الثانية، بعد حالة الانكشاف التي مُنيت بها معظم استطلاعات الرأي، وكيف أن معظمها لا يعتمد على معطيات حقيقية.
الاستعداد لإعلان الفائز
نجح حزب العدالة والتنمية وتحالف الشعب الذي يقوده في تحقيق نتيجة كبيرة في الانتخابات البرلمانية، ويستعدّ في الوقت نفسه لتمرير زعيمه أردوغان في انتخابات الرئاسة المقبلة، تمهيدًا للاحتفال بنهاية القرن الأول من عمر الجمهورية التركية ومطلع القرن جديد (في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل).
وتتزامن هذه الأجواء مع الذكرى الـ 63 لانقلاب 27 مايو/ أيار 1960، التي تمَّ خلالها حلّ البرلمان وتعطيل العمل بالدستور، وإعدام رئيس الحكومة عدنان مندريس آنذاك، عقب إطاحة الحزب الديمقراطي (حصل على 416 مقعدًا برلمانيًّا) بحزب الشعب الجمهوري من صدارة المشهد السياسي (69 مقعدًا).