في تمام الساعة 11 و45 دقيقة، يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1985، أقلع الطيار الباكستاني فضل غني ميان، رئيس الطيارين السابق للخطوط الجوية الباكستانية الدولية، على متن طائرة “إيرباص إيه 300” (Airbus A300) من مطار دبي إلى مدينة كراتشي الباكستانية، وهي الرحلة التاريخية EK600 التي شهدت ميلاد شركة ضخمة غيَّرت مفهوم الطيران التجاري في العالم للأبد.
قبل 38 عامًا، وجَّه وزير الدفاع آنذاك، محمد بن راشد آل مكتوم، والمدير الإداري لاتحاد النقل الجوي الوطني لدبي (دناتا)، موريس فلاناغان، النظر في إنشاء شركة طيران حملت اسم “طيران الإمارات”، وأُطلقَت في مارس/ آذار عام 1985 بتمويل أولي بقيمة 10 ملايين دولار، وبدأت مسيرتها بطائرتَين مستأجرتَين من الخطوط الجوية الباكستانية، واقتصرت رحلاتها على 14 وجهة خلال السنوات الخمس الأولى.
اليوم، أصبحت “طيران الإمارات” واحدة من أكبر شركات الطيران في العالم، تدير أسطولًا مكونًا من 269 طائرة، وتسيِّر رحلاتها إلى أكثر من 158 وجهة في 85 دولة، وهي أكبر مشغِّل في العالم لطائرات “إيرباص A380” و”بوينغ 777″، وثالث أفضل شركة طيران في العالم عام 2022 وفق تصنيف “سكاي تراكس” لأفضل شركات الطيران في العالم، وتتصدر الشركة قائمة الخمسة الأوائل في هذا التصنيف منذ سنوات طويلة.
تكرر هذا النموذج الاستثنائي في قطر، التي أطلقت شركة “الخطوط الجوية القطرية” بعد 8 سنوات فقط من إطلاق “طيران الإمارات”، وبدأت مسيرتها بطائرتَين فقط و75 موظفًا، واليوم تمتلك أسطولًا متنوعًا من حيث الحجم من 236 طائرة، أصغرها طائرة تابعة لشركة “إيرباص A320″، وأكبرها طائرة A380 العملاقة.
وتسيِّر رحلاتها إلى أكثر من 150 وجهة حول العالم، من خلال مركزها الرئيسي في الدوحة، مطار حمد الدولي، الذي يحمل حاليًّا لقب “مطار العام”، وهي أول شركة طيران في العالم عام 2022 وفق تصنيف “سكاي تراكس” العالمي الذي يعتبر بمثابة “جوائز الأوسكار” لقطاع السفر.
هذا النجاح أغرى إمارة أبوظبي لإطلاق شركة طيران باسم “الاتحاد”، حققت نجاحًا لا يقل عن نظيراتها، وأصبح الثلاثة معروفين باسم “الثلاثة الخليجيين الكبار” في الشرق الأوسط أو ME3، وتفوقوا على دول وشركات عريقة، من بينهم شركة “مصر للطيران” التي تأسّست عام 1932، وشركة “الخطوط السعودية” التي تأسّست عام 1945، وشركة “طيران الخليج” البحرينية التي تأسّست عام 1950.
منذ أوائل الألفينات، وعلى مدار أكثر من 20 عامًا، أصبحت شركات الطيران الخليجية الثلاث المحرّك الرئيسي لنمو ثورة السفر الجوي، وسيطر “الثلاثة الكبار” على سوق الطيران في المنطقة، ووفقًا لكل تصنيف تقريبًا، كانت هذه الشركات الأفضل في هذا المجال وأكثر نجاحًا من شركات الطيران الأوروبية الكبيرة.
ووصل الأمر إلى حدّ المنافسة مع الشركات العالمية لاستقطاب المسافرين الدوليين وتقديم أفضل الخدمات والأسعار، حتى اعتقد الكثيرون أن الساحة لم يعد فيها مكان لشركات أخرى، لكن السعودية كان لها رأي آخر حين قررت رفع عدد شركات الطيران الخليجية الكبرى إلى أربعة.
طيران الرياض.. ناقل وطني جديد
منذ صعوده إلى السلطة، أنفق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بسخاء، ولم يتوقف عن إطلاق المشاريع المليارية في محاولة منه لتحديث المملكة وتلميع صورتها في الخارج، وتأسيس دور قيادي وربما مهيمن يتوافق مع رؤيته لحجم المملكة وموقعها، سواء في الخليج أو المنطقة الإقليمية والعالم، بما في ذلك خطط لبناء مدينة تبلغ قيمتها 500 مليار دولار في الصحراء.
ستكون الصفقة رهانًا كبيرًا من قبل الرياض على أنها يمكن أن تدخل سوق طيران إقليمي يعجّ بالمنافسين.
لذلك، عندما قرر تحويل المملكة إلى “قوة طيران عظمى”، لم يكن خجولًا في طموحاته كما يفعل في صفقات الأسلحة، وبدلًا من الاستثمار في شركة الطيران الحالية المملوكة للدولة، والتي كانت سابقًا الناقل الوطني للبلاد، أعلن منذ عامَين عن خطط لإنشاء ناقل وطني جديد بالكامل من الصفر، في خطوة وُصفت بأنها “تدشن لمرحلة جديدة من النمو والتوسع والتنافسية في خدمات النقل الجوي في السعودية”.
بالفعل، في منتصف مارس/ آذار الماضي، أعلن ابن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، تأسيس صندوق الاستثمارات العامة الذي ترأسه شركة طيران جديدة مملوكة للدولة تحت مسمى “طيران الرياض”، كجزء من استراتيجية صندوق الاستثمار الحكومي لإطلاق قدرات القطاعات الواعدة التي يمكن أن تساعد في دفع تنويع مصادر الدخل، لتكون بذلك ثاني شركة طيران في المملكة بعد شركة “طيران السعودية”، والمعروفة سابقًا باسم “الخطوط الجوية السعودية”.
HRH Crown Prince announces #RiyadhAir, a new national carrier to further expand the Saudi aviation ecosystem locally and globally.
Read more: https://t.co/emlrIvbU8k pic.twitter.com/xvldmqW6GN
— Public Investment Fund (@PIF_en) March 12, 2023
تستهدف الشركة المنشأة حديثًا بحسب ما هو معلن “المساهمة في تطوير قطاع النقل الجوي وتعزيز الموقع الاستراتيجي للمملكة الذي يربط بين 3 من أهم قارات العالم، والعمل على رفع القدرة التنافسية للشركات الوطنية وفق مستهدفات “رؤية السعودية 2030” لتنويع الاقتصاد المحلي وعدم الاتكال على النفط”، ما يمكّن الرياض من أن تصبح بوابة إلى العالم ووجهة عالمية للنقل والتجارة والسياحة بحسب الرؤية السعودية.
تريد “طيران الرياض” أن تصبح “شركة طيران جديدة من الطراز العالمي والتي ستشكل مستقبل الطيران”، كما قيل للمرشحين المحتملين للوظائف، ولتحقيق هذه الرؤية يبدو أن الناقل الجوي الوطني الجديد سيبدأ من القمة وليس من القاع، كما بدأ نظراؤه منذ عقود.
ففي اليوم التالي، أعلنت الشركة أنها تقدّمت بأول طلبية لأسطول طائراتها شملت شراء 72 طائرة من شركة “بوينغ” الأمريكية من طراز “787-9 دريملاينر” (39 طائرة بشكلٍ مؤكد مع احتمالية شراء 33 طائرة إضافية)، وتشمل طائرات عملاقة غالبًا ما تُستخدم في الرحلات الدولية بعيدة المدى، كما اتفقت شركة “طيران الخطوط السعودية” على شراء 49 طائرة من الطراز نفسه (39 طائرة من الطراز نفسه مع خيار شراء 10 طائرات إضافية)، بتكلفة إجمالية تصل إلى 37 مليار دولار مقابل 121 طائرة.
الصفقة التي شهدت مفاوضات مكثّفة خلال الأسابيع الأخيرة ستكون “نعمة” لشركة صناعة الطائرات الأمريكية، وواحدة من بين أكبر 5 صفقات في تاريخها على الإطلاق، وقد فازت بها بعد منافسة شرسة مع غريمتها الأوروبية “إيرباص”.
وبالنسبة إلى المملكة الغنية بالنفط، ستكون الصفقة رهانًا كبيرًا من قبل الرياض على أنها يمكن أن تدخل سوق طيران إقليمي يعجّ بالمنافسين، وستوفّر نحو 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وستساهم بنمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة بقيمة 75 مليار ريال.
ومنذ أيام قليلة، شهدت معامل شركة “بوينغ” بولاية ساوث كارولاينا مراسيم الحفل الذي أطلق رسميًّا شراكة بين السعودية والصناعة الأمريكية الممتدة لـ 8 عقود لشراء الطائرات التجارية التي سيصل آخر فوج منها بحلول عام 2025، وهذا يجعل “طيران الرياض” واحدة من أسرع الشركات الناشئة.
وتسعى الشركة التي تتخذ من العاصمة الرياض مركزًا تجاريًّا رئيسيًّا لإدارة عملياتها التشغيلية، ومنطلقًا لرحلاتها عبر انطلاق أسطول طائرات متطورة يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، إلى تبني أفضل ممارسات الاستدامة والسلامة المعتمدة عالميًّا في مجال الطيران، إلى جانب توفير أحدث التقنيات الرقمية للريادة في هذا المجال.
وكشركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، ستسهم قدرات الصندوق المالية في تمكين الشركة من التوسع في عملياتها التشغيلية بما يدعم خططها المستقبلية، لتكون شركة وطنية رائدة وعالمية في تجربة الطيران.
ولإثراء تجربة المسافرين، تهدف شركة “طيران الرياض” إلى إطلاق رحلات تصل إلى أكثر من 100 وجهة حول العالم بحلول عام 2030، وتخطط لتقديم مستويات استثنائية من الخدمات المتكاملة، وفقًا لوسائل الإعلام السعودية المملوكة للدولة.
حُمَّى سباق السفر في الخليج
استفادت شركات الطيران في الشرق الأوسط من مواقعها كبوابة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وبحكم الجغرافيا تعدّ رحلات “الترانزيت” في الخليج أمرًا شائعًا للرحلات الجوية بين أوروبا وآسيا، خاصة أن الحرب في أوكرانيا جعلت العديد من مسارات الطيران أطول، مع تجنُّب شركات الطيران المجال الجوي الروسي، بينما كانت أوروبا، قبل حوالي عقد من الزمان، الخيار الوحيد للمسافرين الذين يعبرون العالم.
تواصل شركة الخطوط الجوية القطرية تصدُّرها بعد أن فازت بالجائزة الرئيسية للمرة السابعة حتى عام 2022، بالإضافة إلى 3 جوائز إضافية.
استغلت دول الخليج هذه الميزة، إذ تلجأ إلى السياحة والبنية التحتية والترفيه في محاولة لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على عائدات النفط، على سبيل المثال خفّفت دبي قوانين المشروبات الكحولية في يناير/ كانون الثاني، في محاولة على ما يبدو لإرضاء السياح والمغتربين.
حيث استغلت موقعها -في منتصف الطريق بين أوروبا وآسيا، وفي منتصف الطريق بين آسيا وأفريقيا-، ويوجد مطار قادر على التعامل مع 120 مليون مسافر سنويًّا، لجذب المسافرين لزيارة دبي وشراء العقارات وإنشاء الشركات هناك، ولا عجب في أن دبي يطلق عليها لقب “مطار كبير وخطوط طيران مع مدينة ملحقة به”.
بالنسبة إلى قطر، كان يُنظر إلى استضافة كأس العالم العام الماضي على نطاق واسع على أنه اختبار عالي المخاطر لإثبات نفسها كلاعب عالمي رئيسي ووجهة للأعمال والسياحة، وهو ما حدث بالفعل من خلال امتلاكها أسطول مدني ضخم ممثَّل في شركة طيران عالمية بأعلى المواصفات كجزء من قوتها الناعمة، وتعريف العالم بها، فالجميع يعرف الآن اسم البلد ومكانه، ويمكن أن نرى ذلك في تطور الشركة المذهل على مدار 30 عامًا منذ إطلاقها عام 1994.
دخلت الخطوط الجوية القطرية الآن عقدها الثالث من التوسع السريع، وهي قادرة على التباهي بأنها ليست فقط واحدة من أسرع شركات الطيران نموًّا في الشرق الأوسط، لكنها واحدة من أسرع شركات الطيران نموًّا على مستوى العالم، ومع امتلاكها 10 أنواع مختلفة من الطائرات يمكنك أن ترى مدى تنوع أسطول طائرات الركّاب للخطوط الجوية القطرية.
منذ إعادة إطلاقها في عام 1997، بأسطول مكون من 4 طائرات، كانت شركة الطيران واحدة من أبرز شركات النقل الخليجية، وكذلك في مجال الطيران العالمي، وباعتبارها الناقل الوطني لدولة قطر فقد وسَّعت الشركة من انتشارها العالمي إلى أكثر من 125 وجهة في جميع القارات، وتوسع أسطولها بشكل متناسب، حيث وصل إلى أكثر من 120 طائرة في أوائل عام 2013.
ويكمن الاتجاه التصاعدي في قدرة الخطوط الجوية القطرية على الوصول إلى شبكة عالمية أوسع بعد انضمامها إلى تحالف “عالم واحد” (Oneworld)، وهو ثالث أكبر تحالف طيران في العالم بعد تحالف “ستار” وتحالف “سكاي تيم”.
وقد وفَّر لها مسارات جديدة بين الشرق والغرب، وغيَّر الطريقة التي يتدفق فيها المسافرون حول العالم، ووسّع الأنظمة التي تحكم حريات الطيران، خاصة “حرية الطيران السادسة” المتعلقة بعملية النقل بين دولتَين مختلفتَين عن طريق الدولة الأمّ لشركة الطيران، وأدّى هذا إلى الوصول إلى معدلات نمو هائلة في الـ 10 سنوات الأولى.
ويمكن معرفة موقع الشركة حاليًّا بين شركات العالم من خلال تتبُّع تصنيف النقل الجوي “سكاي تراكس” الذي تسيطر عليه الخطوط الجوية القطرية منذ عام 2011، عندما فازت بلقب “شركة طيران العام” لأول مرة، ومنذ ذلك الحين تواصل الشركة تصدرها بعد أن فازت بالجائزة الرئيسية للمرة السابعة حتى عام 2022، بالإضافة إلى 3 جوائز إضافية: أفضل درجة رجال أعمال في العالم، وأفضل صالة لتناول الطعام في درجة الأعمال في العالم، وأفضل شركة طيران في الشرق الأوسط.
تاريخيًّا، تفوقت المملكة في مجال الطيران التجاري على جيرانها، فقد أطلقت تجربتها الأولى في المنطقة عام 1945، أي قبل 4 عقود من تأسيس “طيران الإمارات”، وقبل ما يقرب من 60 عامًا من إزاحة الستار عن الخطوط الجوية القطرية، وما يقرب من 7 عقود قبل تأسيس “طيران الاتحاد”، ومع ذلك أثبتت شركات الطيران الثلاث القدرة على المنافسة في السوق العالمي على عكس الخطوط السعودية.
هذه المنافسة امتدت إلى حدّ المزايدة بين شركات الطيران الخليجية نفسها، ففي معرض دبي للطيران في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، طلبت “طيران الإمارات” 150 طائرة من طراز “بوينغ 777-X” بقيمة 76 مليار دولار، ما ساعد على جعل هذا النموذج أكبر صفقة في تاريخ الطائرات التجارية، وحتى لا تتفوق عليها “طيران الإمارات” طلبت الخطوط الجوية القطرية 50 طائرة من الطراز نفسه بقيمة 20 مليار دولار، وطلبت “طيران الاتحاد” 25 طائرة.
وعلى مدار سنوات متتالية، قدّم كل منها ابتكارات رفعت مستوى المسافرين، فقد كانت “طيران الإمارات” أول شركة طيران تضع حمّامًا وبارًا كبيرًا مع طاولة طعام تتسع لـ 4 أشخاص على متن طائرة “إيرباص A380” العملاقة.
وقدّمت الخطوط الجوية القطرية جناح Q Suite، وهو جناح درجة الأعمال أفضل من أجنحة الدرجة الأولى في العديد من شركات الطيران، ويقدِّم أفضل مقصورة اقتصادية في العالم على متن “طائرة A380″، وأطلقت “طيران الاتحاد” جناح The Residence المكوّن من 3 غرف مع حمّام خاص به وغرفة معيشة وصالة لشخصَين، وتبلغ تكلفته 20 ألف جنيه إسترليني في اتجاه واحد بين لندن وأبوظبي.
كانت نتيجة معركة السيطرة على مركز الطيران النهائي في الشرق الأوسط أن تصدرت هذه الشركات التصنيفات العالمية، تاركة شركات الطيران السعودية خلفها، على سبيل المثال ضمن المراكز العشرة الأولى التي صنفتها “سكاي تراكس”، يوجد بلد واحد فقط لديه شركتا طيران في القائمة: الإمارات، التي تمتلك شركة “طيران الاتحاد” مقرّها أبوظبي، و”طيران الإمارات” التي لا تزال الأكبر بين شركات الطيران في العالم، حيث نقلت 15.8 مليون مسافر عام 2020.
تدخل الشركة السعودية المنشأة حديثًا مجالًا مزدحمًا بالفعل بالمنافسين الإقليميين، ومن المقرر أن يشعل دخولها المنافسة، ويحفّز الشركات على الارتقاء بخدماتها المقدمة للمواطنين.
وفي حين تمتلك قطر 25% في مجموعة “آي أيه جي (IAG)” المالكة للخطوط البريطانية مقابل 600 مليون دولار، ويملك صندوق ثروتها السيادي حصة 20% في مطار هيثرو كثاني أكبر مستثمر، ساعد “طيران الاتحاد” في بناء سمعته على مستوى العالم من خلال رعاية بطل الدوري الإنجليزي الممتاز مانشستر سيتي، الذي يُعرف ملعبه الذي يتسع لأكثر من 50 ألف متفرّج باسم “الاتحاد”.
وارتبط صندوق الاستثمارات العامة السعودي بعرض لشراء حصة شركة “فيروفيال” الإسبانية البالغة 25% في مطار هيثرو العام الماضي، رغم ذلك ليس بالضرورة أن يضمن إنفاق الأموال على شركة طيران النجاح، فقد كان على “طيران الاتحاد” أن تمرَّ بعملية إعادة هيكلة “مؤلمة” تحت قيادة توني دوغلاس رغم ثروات أبوظبي، ونتج عن خطة تحول مدتها 5 سنوات خفض عدد الموظفين إلى الثلث.
هل تستطيع “طيران الرياض” المنافسة؟
تمثل خطة السعودية الجديدة لمواجهة الخطوط الجوية الإماراتية والقطرية أحدث تطور للمنافسة بين دول الخليج، حيث تدخل الشركة السعودية المنشأة حديثًا مجالًا مزدحمًا بالفعل بالمنافسين الإقليميين، ومن المقرر أن يشعل دخولها المنافسة، ويحفّز الشركات على الارتقاء بخدماتها المقدمة للمواطنين، وتخفيض الأسعار للأشخاص الذين يسعون للعبور عبر الشرق الأوسط، حيث تنمو صناعة الطيران بما يتجاوز المتوسط العالمي، بما في ذلك شركة “طيران السعودية” الأخرى المملوكة للدولة.
جاء الكشف عن خطط ابن سلمان لـ”طيران الرياض” بعد 48 ساعة فقط من اتفاق مع إيران توسطت فيه بكين، ومن دونه ربما ستكون الخطط السعودية للسيطرة على الأجواء فوق الشرق الأوسط أكثر صعوبة.
الحديث عن المنافسة لم يخلُ من كلام الرئيس التنفيذي لشركة “طيران السعودية” إبراهيم الكشي، الذي قال في تصريحات لقناة “العربية” إن “الرياض ستكون قبلة جديدة تنافس شركات طيران معروفة”، لكنه لم يحدد هذه الشركات، وبدلًا من ذلك توقع أن تنمو المملكة في هذا المجال بشكل أسرع من أي منطقة أخرى في العالم.
وتنقل صحيفة “تلغراف” البريطانية عن أحد كبار المسؤولين التنفيذيين الذي عمل مع محمد بن سلمان والنظام السعودي القول إنها “منافسة خالصة”، وهي “مدفوعة من ولي العهد وغروره” بحسب قوله.
إذا افترضنا وجود منافسة بالفعل، فإن إطلاق “طيران الرياض” يعدّ أحدث جولة في حلبة المنافسات الخليجية، وربما يأتي الأمر تزامنًا مع الخلاف غير المعلن بين الرياض وأبوظبي التي تحاول سحب البساط من تحت أقدام جارتها الخليجية، فمنذ عام 2017 تعهّد ابن سلمان بفتح اقتصاد المملكة أمام الاستثمارات الأجنبية، وقاد حملة لجذب الشركات متعددة الجنسيات من دبي إلى الرياض.
وضعت هذه الخطوة اللبنة الأولى للمنافسة مع الجار الخليجي، ومهّدت لاستراتيجية ترسيخ المملكة كمركز أعمال إقليمي محوره مشروع “نيوم”، وما يتفرّع عنه من استثمارات هائلة في معظم القطاعات المنتجة.
صحيح أن الرياض قوة اقتصادية عالمية بالنظر إلى ثرواتها النفطية، لكن يبدو أن ابن سلمان، وأمام الصعود الاقتصادي الاستثنائي لجارتَيه الإمارات وقطر، واستنادًا إلى طموحاته، لم يعد يكتفي بتصدير النفط ومشاهدة فرص الاستثمار في أيدي الآخرين، بل يحاول المسؤولون الأمريكيون والسعوديون إصلاح العلاقات الدبلوماسية بعد أن تراجعت إلى أدنى مستوياتها بسبب السياسات النفطية.
ومنذ موقف الرياض في “أوبك +”، تقرن المملكة ثقلها الاقتصادي بطموح سياسي جديد يستند إلى تحالفات جديدة وتغيير لافت في مقاربة ملفات المنطقة، فقد جاء الكشف عن خطط ابن سلمان لـ”طيران الرياض” بعد 48 ساعة فقط من اتفاق مع إيران توسطت فيه بكين، ومن دونه ربما ستكون الخطط السعودية للسيطرة على الأجواء فوق الشرق الأوسط أكثر صعوبة.
لكن بالنسبة إلى السعودية، يتجاوز إنشاء الشركة الجديدة حدود المنافسة في سماء المنطقة، فهي عنصر أساسي في “رؤية 2030″، الخطة التي وضعها الحاكم السعودي محمد بن سلمان، وقد خصّص تريليون دولار على مدى العقد المقبل لجعل المملكة وجهة سياحية عالمية تجذب عشرات الملايين من الزوار سنويًّا، بعد سنوات عديدة من العزلة التي فرضها على نفسه.
وتخطط المملكة لأن تسهم السياحة بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وتستهدف تدفق 25 مليون سائح أجنبي خلال عام 2023، وتوفر ما لا يقلّ عن مليون وظيفة جديدة في قطاع السياحة بحلول عام 2030، ويعزو المسؤولون ذلك إلى أن المملكة لديها “عرض ذو قيمة كبيرة في موضوع السفر والسياحة في العالم العربي”.
ويشمل هذا السياحة الدينية ممثَّلة في الحج والعمرة وزيارة الأماكن المقدسة، والسياحة الطبيعية في المنتجعات الصحراوية والمشاريع السياحية الكبيرة التي تخطط المملكة لبنائها على شاطئ البحر الأحمر، والسياحة الأثرية في الأماكن التاريخية مثل محافظة العلا.
البحث عن موطئ قدم بين “الكبار”
يقف السعوديون بعيدًا عن هذه الأهداف الطموحة، حيث تشير البيانات الرسمية حتى عام 2022 إلى أن إجمالي عدد السياح الأجانب والمحليين في المملكة بلغ 93.5 مليونًا، بينهم 77 مليون سائح محلي و16.5 مليون سائح أجنبي، وقدَّر مجلس السياحة والسفر الدولي إسهام قطاع السياحة والسفر في الناتج المحلي للمملكة بـ 3.2%، أي ثلت الهدف الإجمالي المستهدف بحلول عام 2030.
تؤكد السعودية أن شركة الطيران الجديدة ستحمل ما يقرب من 100 مليون سائح سنويًّا إلى أراضيها، وتضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 20 مليار دولار.
يعني هذا أن المملكة أمامها طريق طويل لتحقيق أهدافها، لكن المؤكد أنها تشهد منذ عام 2019 انتعاشًا بفضل خطط التحفيز السياحي التي بدأتها وقتها، وشملت إتاحة التأشيرة السياحية الإلكترونية لمواطني أكثر من 42 دولة تمثل تقريبًا 80% من الإنفاق السياحي حول العالم، وهي موطن لـ 75% من المسافرين في الرحلات الفاخرة.
اكتملت هذه التسهيلات مع إصدار عدد آخر من التأشيرات المرنة التي تسهّل زيارة المملكة لكل الراغبين، سواء لأداء العمرة وزيارة الأماكن المقدسة في مدينتَي مكة والمدينة، أو لحضور الفاعليات السياحية الترفيهية.
تتطلب هذه الأهداف السياحية الطموحة منظومة نقل قوية لنقل السياح المستهدفين من وإلى المملكة وبين المدن السعودية المختلفة، وهو ما دفع لإطلاق المملكة استراتيجية وطنية للطيران، تعهّدت خلالها باستثمار أكثر من 100 مليار دولار في هذا القطاع بهدف رفع عدد مسارات الطيران الدولي التي يصل إليها الطيران السعودي من 99 إلى أكثر من 250 وجهة، وزيادة عدد المسافرين إلى المملكة أو عبرها إلى 330 مليون مسافر بحلول عام 2030، وتستهدف أيضًا 30 مليون من ركاب رحلات الترانزيت.
ووفقًا لتصريحات وزير النقل والخدمات اللوجستية صالح بن ناصر الجاسر، في حفل أُقيم بالسعودية في يونيو/ حزيران 2021، تشمل الاستراتيجية الجديدة العديد من المشاريع الضخمة، حيث تمَّ تخصيص أكثر من 500 مليار ريال للاستثمار، بهدف تحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي للشحن الجوي، حيث تتعامل مع 4.5 ملايين طن من الشحنات الجوية سنويًّا، ارتفاعًا من 900 ألف في عام 2019.
تبدو هذه الأرقام ضخمة بالنظر إلى أن عدد الوجهات الحالية للطيران السعودي أقل من 100 وجهة، في حين أن إجمالي حركة الركّاب السنوية وصل 109 ملايين عام 2019، وتطمح في زيادة هذه الأعداد أكثر من 3 أضعاف.
وتؤكد السعودية أن شركة الطيران الجديدة ستحمل ما يقرب من 100 مليون سائح سنويًّا إلى أراضيها، وتضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 20 مليار دولار، وتوفر حوالي 200 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، وتساهم بنمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة بقيمة 75 مليار ريال.
تبعث تجارب شركات الطيران في دول الجوار (الإمارات وقطر) بالتفاؤل، في حين تمتلك السعودية ميزة إضافية تتمثل في السوق المحلي القوي بسبب عدد السكان الكبير نسبيًّا والبالغ حوالي 35 مليون نسمة، والمسافات الكبيرة بين المدن الكبرى، وتتجاوز في كثير من الأحيان 1500 كيلومتر، وقد يخلق هذا طلبًا قويًّا على الطيران الداخلي.
في هذا الصدد، تشير البيانات إلى أن معدلات النمو في حركة الطيران المحلية عالميًّا كانت أكبر من الحركة الدولية خلال السنوات العشر الأخيرة، وهذا من شأنه أن يجعل السوق المحلي عادة محرك قوى لأي شركة طيران ناجحة، ويعني أن السعودية تسعى لتوسعة سوق الطيران، وتخلق شرائح جديدة تابعة لها من العملاء كما فعلت دبي سابقًا.
كيف سيتمكّن السعوديون من تحقيق أهدافهم؟
حتى الآن، تبدو الخطة التفصيلية السعودية غير واضحة، لكن ثمة خطوطًا عريضة يمكن الاستدلال بها، ففي الوقت الحالي تخطط السعودية إلى امتلاك مركزَين رئيسيَّين للسفر: الأول سيكون في جدة، ويركز بشكل رئيسي على رحلات الحج والعمرة، من خلال شركة الطيران السعودية الحالية التي من المرجّح أن تركّز على سوق الشرق الأوسط الإقليمي، أمّا المركز الثاني والأكبر سيكون في الرياض، وتتولى تحقيق أهدافه الشركة الجديدة، ويركّز على السياحة والسفر الدولي.
في سبيل ذلك، تعاقدت المملكة مع اثنين من “المخضرمين” في عالم الطيران، وهما البريطاني توني دوغلاس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “طيران الاتحاد”، ويتمتع بخبرة تزيد عن 20 عامًا في مجال الطيران والنقل والخدمات اللوجستية، وسيتولى منصب المدير التنفيذي للشركة الجديدة.
وأيضًا الأيرلندي بيتر بيلو رئيس العمليات السابق لشركة الطيران البريطانية منخفضة التكلفة “إيزي جيت” بين عامَي 2020 و2022، وشركة الطيران الإيرلندية “رايان إير” (Ryanair) المتهمة بتشجيع العنصرية ضد المسلمين، والذي سيتولى المنصب نفسه في الشركة الجديدة، كما عمل لأكثر من عام كرئيس تنفيذي للخطوط الجوية الماليزية.
من المقرر أن يقوم هؤلاء بالدور نفسه الذي اضطلع به موريس فلاناغان في دبي في “طيران الإمارات” في فترة الثمانينيات، لكن على نطاق أوسع وإمكانات أكبر، لكن المحللين يشيرون إلى أن الشركة الجديدة ستتبنّى خطة أعمال هجينة تجمع بين نموذج الخطوط الجوية القطرية و”طيران الإمارات”.
بالنسبة إلى دوغلاس الذي يدعم نادي إيفرتون، فإن الانتقال من “طيران الاتحاد” إلى “طيران الرياض” يعني أنه لن يضطر بعد الآن إلى مشاهدة مانشستر سيتي خلال إدارته للشركة، رغم أن رعاية المملكة لنادي نيوكاسل يونايتد تعني أنه ربما لا يزال يتعيّن عليه مشاهدة المنافسين.
لا تقتصر خطط ولي العهد على شركة طيران جديدة فحسب، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 أُعلن عن المخطط العام لتحويل مطار الرياض إلى مركز ضخم للطيران، ودمج مطار الملك خالد ضمن مطار أوسع في الرياض تحت اسم “مطار الملك سلمان الدولي” بمساحة 57 كيلومترًا، وسيشمل 6 مدارج متوازية، بالإضافة إلى 12 كيلومترًا من المرافق، وسيعمل المطار على رفع الطاقة الاستيعابية لتصل إلى 120 مليون مسافر بحلول عام 2030.
ويمثل هذا الرقم أكثر بنسبة 50% من الرقم الذي تفاخر به مطار هيثرو في لندن في ذروته عام 2019، وأكبر من سعة مطارَي دبي والدوحة القصوى المقدرة بـ 92 مليون مسافر و55 مليون مسافر على الترتيب، وتستهدف المملكة أن يستوعب المطار 185 مليون مسافر في عام 2050.
يبدو الاستنتاج واضحًا، فبعيدًا عن كونه “مكملًا”، سيوفر مطار ولي العهد الجديد منافسة للمراكز الإقليمية القائمة، ويُتوقع أن يلعب مطار الملك خالد الدولي دورًا محوريًا في الخطة السعودية مشابهًا للدور الذي يلعبه مطارا دبي والدوحة بالنسبة إلى “طيران الإمارات” و”الخطوط الجوية القطرية”.
البعض يقول إن نجاح المطار الجديد سيكون مهمة صعبة أمام مطارات دول الجوار الخليجية، فرغم أن العاصمة القطرية الدوحة يبلغ عدد سكانها 800 ألف نسمة وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، فإن حركة الركاب في مطار الدوحة الدولي تبلغ حوالي نصف حركة الركاب في مطار جون كينيدي الدولي في كوينز، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 8.3 ملايين نسمة.
المنافسة لا تختلف كثيرًا بالنسبة إلى الإمارات، حيث مطار دبي الدولي الأكبر، وهو من أفضل 10 مطارات من حيث حركة المسافرين، ما يجعله يقارب حجم مطار هونغ كونغ الدولي، ومقرّه في مدينة أكبر بـ 3 مرات من دبي، لكن في حين أن الإمارات وقطر مكانان صغيران على الخريطة، فقد تمكّنتا من أن تصبحا رائدتَين عالميتَين في مجال الطيران.
وفي حال أثبتت المطارات السعودية قدرتها على المنافسة، فإن هذا يعني أنها تستقبل المسافرين من جميع أنحاء العالم، وصولًا إلى وجهتهم الرئيسية، سواء المدن السياحية في المملكة أو المدن المتوجهين إليها في آسيا وأوروبا وأمريكا، وهذا يجعل من الرياض مدينة مركزية مهمة في المنطقة، ويتوقع المسؤولون السعوديون أن يرتفع عدد سكانها من 5 ملايين نسمة حاليًّا إلى ما بين 15-20 مليون نسمة بحلول عام 2030.
وبحسب ما ذكرت “وكالة الأنباء السعودية”، سيسهم المطار الجديد في دعم خطط المملكة لتكون مدينة الرياض ضمن أكبر 10 اقتصادات مدنٍ في العالم، وسيكون واحدًا من أكبر المطارات في العالم، ويُتوقع أن يسهم المشروع بـ 27 مليار ريال سنويًّا في الناتج المحلي غير النفطي.
ومن المتوقع أن يكون للمطارات الأخرى نصيب من التطوير، وعلى رأسها مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، ليس فقط بهدف زيادة سعتها وقدرتها على التعامل مع أعداد أكبر من المسافرين، بل أيضًا إنشاء مراكز لوجستية بمواصفات عالمية، لكن السوق المحلي لا يبرر بأي شكل من الأشكال هذا الحجم من السعة في المطارات، كما يقول الخبير الاستراتيجي روبرت بويل.
وبحسب الخطة السعودية، من المتوقع أن يكون لمنطقة المنتجعات الجديدة على البحر الأحمر وخليج العقبة نصيب من الاهتمام، خاصة بعد الافتتاح المقرر بنهاية العام الجاري لمطار البحر الأحمر الدولي بسعة مليون مسافر سنويًّا بحلول عام 2030، وإطلاق شركة طيران خاصة لخدمة مدينة نيوم بشكل خاص والمشاريع السياحية على البحر الأحمر بشكل عام، ومن المقرر أن تبدأ عملياتها في نهاية الربع الأخير من عام 2024.
تحديات في مواجهة الطموحات
في ظل الصورة الواعدة التي يرسمها السعوديون لشركة الرياض الجديدة، لا تغيب عن المشهد الأزمة التي واجهت شركات الطيران خلال الأعوام القليلة الماضية على خلفية انتشار جائحة كورونا، التي أوصلت حوالي 40-50 شركة طيران حول العالم إلى حافة الإفلاس، وأجبرتها على إعادة هيكلة واسعة.
بحلول الوقت الذي تقلع فيه أول رحلة لـ”طيران الرياض”، من المتوقع أن تحصل شركة الطيران على ترخيص لتقديم المشروبات الكحولية خارج المجال الجوي السعودي.
وشهدت شركات الطيران الخليجية أسوأ أزمة في تاريخها، ويصف الخبراء عملية الإغلاق بأنها أشبه بـ”خيار نووي”، خاصة بالنسبة إلى الإمارات التي تشكل فيها صناعة الطيران 13% من ناتجها المحلي الإجمالي، وتدعم أكثر من 800 ألف وظيفة، وكانت الأمور أكثر مأساوية في دبي لأن هذه الصناعة تشكل ربع الناتج المحلي الإجمالي تقريبًا، كذلك الأمر بالنسبة إلى قطر، حيث يشكل قطاع الطيران 11% من ناتجها المحلي الإجمالي.
هذه المعاناة وضعت شركات الطيران الخليجية أمام خيارات مؤلمة شملت تقليص أساطيلها الجوية وتسريح الآلاف من موظفيها لتقليل الخسائر، وتحمّلت شركة “طيران الاتحاد” القدر الأكبر من هذه المعاناة، فقد اضطرت إلى تقليص أسطولها الجوي من 200 طائرة إلى 72 طائرة، وخفض عدد موظفيها من 29 ألف إلى 8500 موظف.
الواقع الحالي لقطاع الطيران الذي ما زال يكافح لمواجهة آثار الجائحة، جعل بعض الخبراء متشككين في وجود مكان لشركة طيران رابعة في منطقة الخليج، لدرجة أن رئيس الاتحاد الدولي للنقل الجوي والرئيس السابق للخطوط الجوية البريطانية، ويل والش، حذَّر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي من أن “أي مطار رئيسي جديد يجب ألا يكون على مقربة من دبي أو الدوحة”، ويرى أنه “في ظل الوضع الحالي للصناعة، سيُفرض على المطار الجديد أن يكون منافسًا بصورة أو بأخرى”.
لكن السعودية تواجه عقبات تتجاوز المنافسة الإقليمية في السعي وراء تلك التطلعات، وقد تعرّض سجلّها الحقوقي، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة، لانتقادات واسعة النطاق، رغم أن الإصلاحات الاجتماعية هي أيضًا مفتاح لخطة “رؤية 2030″، وألقت الولايات المتحدة باللوم على ولي العهد السعودي فيما يخص مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018.
قد تكون الاختلافات في الأعراف الثقافية تحديًا أيضًا لـ”طيران الرياض” لأنها تسعى إلى التنافس مع كبار اللاعبين في الخليج، ففي حين لا تقدم الخطوط السعودية المشروبات الكحولية المحظورة على رحلاتها، تشتهر “طيران الإمارات” بتقديم مجموعة كبيرة منها على متن رحلاتها، لكن بحلول الوقت الذي تقلع فيه أول رحلة لـ”طيران الرياض”، من المتوقع أن تحصل شركة الطيران على ترخيص لتقديم المشروبات الكحولية خارج المجال الجوي السعودي.
قد يدفع سباق السيطرة على سوق الطيران في الخليج المملكة إلى مزيد من تقليص الالتزام بالقيم الإسلامية، وإن كان ذلك يحدث بوتيرة بطيئة، وقد حدثت بالفعل تغييرات بالحقوق الأساسية، مثل الاعتراف بدور المرأة في المجتمع بشكل جذري خلال العقد الماضي، ومع ذلك منحت منظمة “فريدوم هاوس” الأمريكية البلد الخليجي 8 نقاط فقط من أصل 100، وأدرجته في المركز الـ 20 عربيًّا من أصل 22 والأخير خليجيًّا في مجال الحقوق السياسية والحريات المدنية في أحدث تدقيق لها.
وقبل أيام قليلة فقط من الإعلان عن تأسيس “طيران الرياض”، اضطر الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” التخلي عن خطط للسعودية لرعاية “كأس العالم للسيدات 2023” بعد شكاوى من أستراليا ونيوزيلندا لما وُصف بأنه “زواج مؤسسي غير مريح” بين السعودية والفيفا، واتهامات بـ”التبييض الرياضي” لسمعة المملكة.
التحدي الآخر يتمثل في قدرة الشركة المنشأة حديثًا على تحقيق الأرباح بسبب المنافسة الشرسة ومصاريف التشغيل المرتفعة في البداية، ومع ذلك يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان “طيران الرياض” الصعود إلى مستوى عالٍ بما يكفي لتلبية طموحات محمد بن سلمان العابرة للجغرافيا العربية والرمزية الدينية.