مع حضور بشار الأسد القمة العربية الـ 32 في جدة اليوم وسط أقرانه من القادة العرب، تتهاوى آخر ذرائع النظام العربي الرسمي حول أسباب إعادة نظام بشار إلى الجامعة العربية وتطبيع العلاقات مع دمشق، ليبقى تفسير وحيد مقنع بالنسبة إلى السوريين المعارضين للنظام، يرون أنه كان السبب الحقيقي لإعادة احتضانه.
يحضر الأسد بدعوة رسمية حملها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إليه في زيارته إلى دمشق يوم 10 مايو/ أيار الجاري، والتي كانت الأولى لوزير سعودي إلى العاصمة السورية منذ عام 2011، و”هي الزيارة التي تأخّرت عام واحد على الأقل” كما تقول مصادر خاصة لـ”نون بوست”.
من قمة الجزائر إلى قمة جدة
في تفسير سبب تأخُّر هذه الزيارة، سيتحدث البعض عن الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، ولم يكن من السهل الضرب صفحًا عنها بهذه السرعة والطريقة، وسيفترض آخرون أن التبعية المطلقة لبشار وحكومته لإيران فرضت ذلك، وقد يرى البعض أن المملكة لم تكن قد تجاوزت حتى ذلك الوقت كمَّ وبذاءة الشتائم التي بشار نفسه وكثير من مسؤولي نظامه كالوها للسعودية والأسرة الحاكمة تحديدًا.
لكن هذه الفرضيات تداعت سريعًا أمام صور وفيديوهات الاحتفاء ببشار وهو يحطّ رحاله في جدة أمس، واليوم أثناء توافد القادة العرب للقاعة التي تعقد فيها، حيث استقبله محمد بن سلمان بحفاوة وصافحه عدد من الزعماء من بينهم عبدالفتاح السيسي وقيس سعيد، بعد أن كان قريبًا جدًّا من حضور قمة الجزائر 2022، والتي قيل وقتها إن السعودية هي من عرقل مشاركته فيها.
الرياض لم تكن الوحيدة بين الدول التي شارك وزراؤها في ذلك الاجتماع التي عرضت تقديم الأموال لدمشق تحت عنوان مكافحة المخدرات.
لم يبقَ بالنسبة إلى البعض الآخر سوى ملف المخدرات، كي يجادل بأنه كان السبب في تحرُّج الرياض من التطبيع مع دمشق، وأن المملكة قدمت قبل ذلك مقترحات أو حتى شروطًا كان على الأسد أن يوافق عليها، بل أن يبدأ بتطبيقها قبل عودة نظامه لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، وفتح أبواب قاعة القمة أمامه بالفعل.
لكن الواقع أن ملف المخدرات، مثله مثل كل الذرائع الأخرى (العلاقة مع إيران، وقف التغيير الديموغرافي، إخراج المنظمات الإرهابية والقوى الأجنبية من سوريا.. إلخ) التي برّر بها العرب تقاربهم مع النظام، تحوّل إلى ورقة رابحة يستخدمها هذا النظام بدل أن تستخدَم ضده.
في تقرير نشرته وكالة “رويترز” عقب الاجتماع التشاوري الوزاري العربي الذي عُقد في العاصمة الأردنية عمّان مطلع مايو/ أيار الجاري، كشف مصدر دبلوماسي عربي عن أن السعودية عرضت على النظام السوري مبلغ 4 مليارات دولار في العام، مقابل وقف تصنيع وتهريب المخدرات إلى المملكة عن طريق الأردن.
لكن مصادر دبلوماسية عربية أكّدت لـ”نون بوست” أن المبلغ أكبر من ذلك، وأن الرياض لم تكن الوحيدة بين الدول التي شارك وزراؤها في ذلك الاجتماع التي عرضت تقديم الأموال لدمشق تحت عنوان مكافحة المخدرات، بل أن الإمارات تعهّدت بمبلغ مليارَي دولار بشكل سنوي.
بينما أبلغ وزير خارجية السعودية الحضور بأن مجموع ما يمكن أن تحصل عليه حكومة دمشق على الفور يمكن أن يصل إلى 10 مليارات دولار، مقابل التعهُّد بمعالجة ملف المخدرات، والبدء في مشاريع تحفيز الاقتصاد السوري، لتشجيع وقف الهجرة وعودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن.
الملف السوري كورقة تفاوض سعودية
نفت المصادر أن يكون ملف الوجود أو النفوذ الإيراني قد طُرح من قبل الدولتَين الخليجيتَين اللتين قادتا عملية إعادة تعويم النظام، الأمر الذي يؤكّد، كما تقول، أن هذا الملف هو جزء من الاتفاق السعودي-الإيراني الذي تمَّ توقيعه في الصين في أبريل/ نيسان الماضي، ما يثبت أن كل ما قيل عن مبادرة عربية للحل السياسي، وما روُّج عن استراتيجية إبعاد النظام عن الحضن الإيراني، لم يكن سوى ذرائع أرادت كل من الرياض وأبوظبي، وكذلك عمّان، تسويقها لتمرير صفقتهم مع النظام.
وتكشف المصادر بهذا الصدد أن السعودية أيّدت بالفعل موقف الدول التي ناهضت إعادة منح نظام الأسد مقعد سوريا في الجامعة العربية قبيل قمة الجزائر التي عُقدت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي كان على رأسها دولة قطر بالإضافة إلى المغرب وليبيا ودول أخرى، لكن بشكل مؤقت فقط وليس كموقف مبدئي.
أوضحت المصادر أن الرياض التي كانت تخوض مفاوضات معقّدة مع طهران من خلال الوسيط الصيني، طلبت من الجزائر العدول عن دعوة بشار الأسد لحضور القمة وقتها، واعدة بأنها ستعمل على عودة نظامه للجامعة العربية بأسرع وقت، بل بتقديم المساعدة له سياسيًّا واقتصاديًّا في حال تمَّ التوصل إلى اتفاق مع الجانب الإيراني.
وتذكّر مصادر “نون بوست” بهذا الصدد بالتصريحات الإيجابية واللافتة التي أدلى بها وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، وقتها، حيث أكّد خلال زيارته للجزائر في سبتمبر/ أيلول 2022 أنه إذا كان عدم حضور سوريا قمة الجزائر يخدم العمل العربي المشترك، فإن دمشق تضحّي بذلك من أجل المصلحة العربية.
أمر أزعجَ وقتها، (فضلًا عن الجزائر) الإمارات أيضًا، والتي كانت قد قطعت شوطًا متقدمًا جدًّا في التطبيع مع النظام والمساعدة في إعادة تعويمه حتى لدى الإدارة الأمريكية، ما دفع أبوظبي إلى تطوير مسار مستقل في العلاقة مع النظام السوري الذي تلقّى وعودًا من حكّام الإمارات برفع الفيتو الأمريكي عن تقديم المساعدات له حتى منذ ما قبل زلزال فبراير/ شباط 2022، بالإضافة إلى التأهيل السياسي.
مواقف الدول العربية من النظام السوري ودوافعها
تفاصيل ربما تجيب عن سؤال كبير لطالما ردده السوريون، طيلة عام من تسابق الدول العربية للتطبيع مع النظام، وهو: لماذا تريد هذه الدول فعل ذلك؟
فالسعودية أرادت استخدام الملف كورقة مساومة مع إيران، والإمارات عملت على استقطاب النظام إلى جانبها مبكّرًا، في إطار سعيها لبناء جبهة واسعة تقوّي نفوذها السياسي والاقتصادي، لطموحاتها الجريئة في المنافسة مع الدول القوية بالمنطقة، أما الأردن فقد بلغت مخاوفه الأمنية والضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها ذروتها، ويعتقد حكّامه أن معظم مشاكلهم ستُحَلّ من خلال البوابة السورية.
بعد فترة، قد تكون شهور وقد تكون سنوات، سيعترف أبطال صورة الغد بجانب بشار الأسد في القمة العربية في جدة أنها كانت خطأ فادحاً. لا أقول هذا عزاءً لنا، فحالنا لا عزاء له بصراحة.
— Yassin Swehat (@yswehat) May 18, 2023
بالنسبة إلى بقية الدول العربية، فإن مواقفها تتباين تبعًا لموقعها وطبيعة علاقاتها وتحالفاتها، رغم أن غالبيتها أصبحت ومنذ أشهر تؤيّد إعادة العلاقات مع نظام الأسد.
فاليمن الذي يوجد به حكومتان، تؤيد تلك التي تدير صنعاء والتابعة لجماعة الحوثي المدعومة من إيران، كل ما من شأنه أن يخدم النظام السوري حليفها في “محور المقاومة”، بينما يتبع موقف الحكومة الشرعية الموقف السعودي، مثلها في ذلك مثل البحرين، التي اُعتبرت بالنسبة إلى الكثيرين بمثابة مندوبة الرياض إلى دمشق، منذ أن قررت المنامة تطبيع العلاقات مع النظام عام 2018.
سلطنة عمان من جانبها هي الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، ولذلك فإن تطبيع العلاقات العربية معه يتفق مع أجندتها، ولذلك كانت من أبرز الساعين في إعادة تعويمه خلال الـ 12 شهرًا الماضية على الأقل.
الكويت، وبسبب اعتبارات محلية وخارجية معقّدة، حافظت على موقفها الداعي لتطبيق القرارات الدولية والتوصُّل إلى حلّ سياسي للمسألة السورية قبل الانتقال لخطوات أخرى، ولذلك تجنّبت الدخول في الجدل الإعلامي خلال الأسابيع الماضية إلا بتحفُّظ وحذر شديدَين، خاصة أنها لا يمكن أن تسير عكس الرياح السعودية في النهاية.
وحدها قطر بين جميع الدول الخليجية، وربما العربية أيضًا، ما زالت تعارض إعادة تعويم نظام الأسد، وقد أكّدت ذلك رسميًّا في أكثر من تصريح لوزارة خارجيتها مؤخرًا، وهو موقف يبرز الخلاف العميق والمتجذّر بين الدوحة ودمشق، والذي لا يبدو أنه يمكن تجاوزه بسهولة، حتى مع وجود علاقة جيدة تجمع قطر بإيران، الحليفة الرئيسية للنظام السوري.
مصر أيضًا حافظت على موقف متوازن في هذا الملف، يقول بأهمية سوريا في المنظومة العربية، وضرورة عودتها إلى هذه المنظومة، لكن في إطار حلّ سياسي شامل يقوم على تطبيق القرارات الدولية، وهو موقف جاهرت به القاهرة في الأسابيع الأخيرة الماضية بقوة، الأمر الذي فُسِّر على أنه محاولة لتسجيل موقف مستقل عن كل من الرياض وأبوظبي، وكسرًا لصورة نمطية ترسّخت منذ عام 2013 بتبعية النظام المصري للسعودية والإمارات، خاصة مع الخلافات التي طرأت على العلاقة بين هذه الدول مؤخرًا.
لا يمتلك العرب فعلياً قدرة بناء مشروع أو التأثير المباشر في سورية، الفاعل الحقيقي هو من يمتلك قوة على الأرض، هناك خمس جيوش تنشط في سوريا (أمريكا، إسرائيل، روسيا، إيران وميليشياتها، تركيا)، إضافة إلى 3 جهات عسكرية محلية (النظام، فصائل الثورة، قسد).
دفع فواتير الأسد لن يبني مشروعاً— أحمد أبازيد (@abazeid89) May 19, 2023
الموقف الجزائري والمغربي من هذه المسألة يبدو متشابكًا للجميع، وهو واضح إلى حدّ كبير في الغالب، إذ بينما تدعم الجزائر وبقوة عودة النظام السوري للمنظومتَين العربية والدولية، ويقابلها هذا النظام بتأييد موقف الجزائر من القضايا التي تهمّها كملف الصحراء العربية الكبرى، فإن المغرب اتخذ موقفًا شديد التحفُّظ من تعويم النظام بسبب ذلك.
فعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، أو أي منظمة إقليمية أو دولية أخرى، سيضيف صوتًا ضد المغرب في أي تصويت يخصّ هذا الملف، لكن وكما هو حال الكويت، وبسبب طبيعة علاقة المملكة مع كل من السعودية والأردن، وافقت الرباط على عودته لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية.
العراق ولبنان كما هو معروف من أشد الدول تأييدًا لإعادة تعويم نظام بشار الأسد، وقد حافظ البلدان على علاقاتهما معه بعد سحب غالبية الدول العربية بعثاتها الدبلوماسية من دمشق وطرد بعثاته من عواصمها عام 2011، وهو موقف يعود بالدرجة الأولى إلى النفوذ الإيراني الكبير على صانع القرار في بغداد وبيروت.
بالنسبة إلى الدول الأقل فاعلية في المنظومة العربية، كالسودان وموريتانيا والصومال وجزر القمر وجيبوتي، فهي لم تنخرط بالجدل القائم بهذا الشأن، وربما تمايزت السلطة الفسطينية عن هذه المجموعة من الدول بالمسارعة للتطبيع الثنائي مع دمشق ودعم سياسات نظامها منذ عدة أعوام.
وليبيا مثل اليمن، منقسمة في موقفها حيال النظام السوري بسبب انقسام النظام السياسي، حيث تقف حكومة طرابلس المنتخبة بشكل شرعي ضد النظام، بينما تؤيّد سلطة بنغازي التي يقودها اللواء خليفة حفتر نظام الأسد، وهو أمر طبيعي في إطار الصراع المحتدم عربيًّا بين الثورات والثورات المضادة.
وفي هذا السياق، تونس كان موقفها تبعًا لطبيعة وخلفية الحكومة فيها، إذ بينما سارعت إلى قطع العلاقات مع سوريا عام 2011 ودعمت بكل قوة الثورة والمعارضة عندما كانت القوى الديمقراطية تحكم فيها، انقلب هذا الموقف بشكل شبه كامل بعد وصول تحالف الأحزاب المؤيّدة للنظام السابق إلى الحكم، وتسلم قيس سعيّد المدعوم من تحالف الإمارات-مصر الرئاسة هناك.
مكافأة بشار وإعلان موت الربيع العربي
إذا ما وضعنا الجزائر بين الدول التي تمكّن نظامها من إجهاض الثورة الشعبية أو التحايل عليها بين دول الثورات المضادة، وهو تحالف يشمل حكومات البلدان العربية التي نجحت الثورات الشعبية بإسقاط الأنظمة القديمة فيها، قبل أن تعود بوجه وشكل جديد، من خلال دعم دول أخرى معادية للتغيير في المنطقة العربية، وفي مقدمتها الإمارات والسعودية؛ فيصبح من الضرورة بالنسبة إلى الكثيرين إعلان انتصار الثورات المضادة ونهاية حقبة الربيع العربي، بإعلان عودة النظام السوري للجامعة العربية ودعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية في جدة.
ولذلك يرجّح الكثير من السياسيين السوريين المعارضين للنظام، وأيضًا الناشطين الثوريين الذين كانوا في طليعة الحراك الشعبي لحظة تفجُّره في مارس/ آذار 2011، أن يكون هدف النظام العربي الرسمي من إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، ودعوة بشار الأسد للمشاركة في قمة جدة، بمثابة مكافأة له على نجاحه في القضاء على الثورة ووأد مطالبها، واعتباره إحدى أدوات الثورة المضادة التي تعددت أشكالها وتنوعت أدواتها بين دولة وأخرى.
على الأرجح أن اغلب الحضور العربي في القمة بوجود اسكوبار الكيماوي لا يفهمون اللغة التي يستخدمها زيلينسكي، رغم وجود الترجمة، فهي لغة عالية نيابة عن شعبه، تتضمن مفردات صعبة كالحرية والكرامة، ومحرجة بوصفه روسيا بالدولة المعتدية، ومحددة بطلبه من العرب الاموال والاستثمارات الاقتصادية…
— Siba Madwar صِبا مدور (@madwar_siba) May 19, 2023
لكن الناشط السياسي السوري المعارض ماجد عبد النور، يعتقد وبقوة أن كل ما يفعله النظام العربي الرسمي تجاه بشار الأسد ونظامه لن يفيد بشيء، في ظل العزلة الدولية وقوانين العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة عليه، والتي كان آخرها قانون محاربة التطبيع الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي قبل 3 أيام.
ويقول في حديث لـ”نون بوست”: “لن يضيف حضور الأسد القمة العربية أي شيء سوى توجيه رسائل بأن الربيع العربي انتهى وتمَّ وأده، وهذا هو أقصى طموح الدول المناهضة للثورات الشعبية، لأنه لا يوجد تفسير آخر لاستماتتها في إعادة إنتاج النظام السوري وتعويمه”.
مكملًا: “إنه نظام متهالك مثقل بالديون ومدان بارتكاب سلسلة طويلة من جرائم الحرب التي لا يمكن إسقاطها، ومحاصر بالعقوبات التي لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها حتى من الإدارة الأمريكية نفسها، التي وإن لم تعد تريد إسقاط النظام، إلا أنها لا تستطيع إعادة دمجه في المجتمع الدولي والحال كذلك”.
وردًّا على سؤال حول ما إذا كانت حقبة الربيع العربي قد انتهت بالفعل، والثورات المطالبة بالتغيير باتت من الماضي، يقول عبد النور: “باستثناءات ضيّقة ولاعتبارات خاصة غالبًا، فإن أغلب الحكومات والأنظمة العربية لم تدعم الثورة السورية من أجل تحقيق أهدافها الأساسية بالتغيير السياسي وإقامة نظام ديمقراطي، ولذلك فإن إعلان هذه المنظومة اليوم نهاية حقبة ثورات الربيع العربي من خلال تأهيل نظام الأسد وشرعنته مجددًا ليس مفاجئًا لنا كمعارضة، رغم أنه مؤلم ويدعو للإحباط”.
ويختم بالتأكيد على أن اليأس لا يجب أن يتسرّب إلى نفوس الثوار، “فقطار التغيير العربي الذي انطلق لا يمكن ولا يجب أن يتوقف، لأن حركة الشعوب أقوى في النهاية من كل التحركات التي تعمل على مواجهته، ولا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يحصل أو يتغير غدًا، والمهم أن قوى التغيير العربي استفادت من تجربة الأعوام الثلاثة عشر الماضية لإنجاز معركتها ومهمتها الأخلاقية والإنسانية”.
أزمة الجامعة والمنظومة العربية
وإلى جانب التأثير المادي والمعنوي على قوى ومآلات التغيير في العالم العربي، فإن دلالات سياسية وتداعيات قانونية خطيرة يمكن أن تترتب عن قيام منظومة الدول العربية بإعادة دمج النظام السوري فيها، كما يؤكد الباحث والحقوقي السوري الفلسطيني أيمن أبو هاشم.
وفي تعليقه على حضور بشار الأسد لقمة جدة، يقول: “قرار الجامعة العربية بإعادة النظام السوري يحمل دلالات خطيرة، فهو أولًا مخالف للقانون الدولي، لأن كل القرارات التي صدرت عن المرجعيات والمؤسسات الدولية أدانت هذا النظام بارتكاب جرائم حرب، خاصة جرائم استخدام السلاح الكيماوي التي ثبت استخدامه لها ما لا يقلّ عن 50 مرة”.
ويضيف في حديث مع “نون بوست”: “الدلالة الخطرة الثانية هي القول إن الزعماء الذين يرتكبون جرائم حرب ضد شعوبهم، كما فعل بشار الأسد، بدل أن تعاقبهم الجامعة العربية تقوم بمكافأتهم، وهي رسالة تسبّب ردود فعل غاضبة من قبل ملايين الضحايا الذين ارتكب نظام الأسد الانتهاكات الجسيمة بحقّهم، بل التخلي عنهم من قِبل من كانوا ينتظرون أن يقدّموا لهم المساعدة من أجل محاسبة جلّادهم وتحقيق العدالة”.
أما الدلالة الثالثة كما يقول أبو هاشم، وهو من مؤسِّسي “تجمع مصير الحقوقي”، فهي التأكيد أن الجامعة العربية ليست من بين اهتماماتها حقوق الإنسان ومصالح الشعوب العربية، إنما هي مؤسسة مهمتها إدارة العلاقة بين الحكومات والحفاظ على ديمومة الأنظمة القائمة، ما يوسّع الهوة والبون الشاسع على أي حال بين الشعوب والجامعة العربية، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها المؤسسة مثل هذا القرار، بل لديها تراث بهذا المجال، وهي اليوم تتوّج هذا التراث بقرار إعادة تعويم بشار الأسد ونظامه”.
لا يمكن القول إذًا إن ما قامت به جامعة الدول العربية والأنظمة التي قادت إعادة تأهيل ودمج النظام السوري مفاجئًا من حيث المبدأ، إذ يتفق الكثيرون على أن هذه المنظومة نفّذت ما وُجدت من أجله، وهو الحفاظ على النظام العربي القائم، ناهيك عن افتراقها المزمن عن الشعوب.
لكنها بالتأكيد كانت خطوة صادمة لناحية الجرأة في الإقدام على مثل هذه الخطوة، حتى قبل أن يبادر النظام بالقيام بأدنى مبادرة من ناحيته حتى على الصعيد الإنساني، مثل إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، ما يؤكد لغالبية السوريين أن غالبية الحكومات والأنظمة العربية لم يكن موقفها السلبي من نظام بشار الأسد دعمًا للمطالب الشعبية، بل ربما تكشف الأيام عن عدم وجود هذا الموقف بالحقيقة كما يقول البعض منهم، الذين يعتبرون أن مجرد التعويل على هذه المنظومة في دعم ثورة تطالب بالديمقراطية كان خاطئًا.