في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أعلن القيادي في حركة النهضة، الصادق شورو، استقالته من الحركة، وعلّل قراره بالتفرغ للعمل المجتمعي، بعد عقود عديدة قضاها الشيخ في العمل الحزبي إلى جانب راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي وعلي العريض، وباقي القيادات التاريخية للحزب الأبرز في تونس.
منذ ذلك الوقت، كرّس الشيخ شورو أغلب وقته للعلم، فهو أستاذ جامعي سابق في الكيمياء، واهتمَّ أكثر بالنشاط الجمعياتي، علّه يعوّض السنوات العشرين التي قضاها بعيدًا عن المجتمع المدني، وهو في سجون نظام زين العابدين بن علي.
رغم ذلك، لم يرتئ نظام قيس سعيّد أن يترك الرجل في حاله، إذ لاحقته الإشاعات قصد تشويهه، ووصل به الأمر إلى اعتقاله وتلفيق بعض التهم إليه، كما حصل مع عشرات السياسيين الآخرين من حزبه وأحزاب سياسية أخرى.
اعتقال لساعات
إذ اعتقل الشيخ شورو (71 عامًا) مساء أمس الخميس، وفق بيان صادر عن حركة النهضة، وبحسب إذاعة “موزاييك” الخاصة فإن وحدة أمنية مختصة في مكافحة الإرهاب أوقفت العضو السابق في المجلس التأسيسي الصادق شورو، على ذمة أبحاث قضية “ذات صبغة إرهابية” لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.
على إثر اعتقاله، اقتادت أجهزة الأمن شورو إلى جهة مجهولة، دون تمكينه من التواصل مع محامٍ أو مع عائلته وفق القيادي في النهضة رياض الشعيبي، ويذكر أن شورو خضع للتحقيق فيما يعرَف بقضية “تسفير الشباب” إلى بؤر التوتر، وأُبقيَ في حالة سراح.
ومنذ انقلاب قيس سعيّد على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية قبل نحو سنتَين، عاد الحديث عن ملف تسفير بعض الشباب السلفي إلى سوريا، للضغط على حركة النهضة التي يتهمها خصومها بـ”الوقوف وراء موجة الإرهاب” التي عرفتها البلاد بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011.
سُجن شورو في أكثر من سجن وتعرّض خلال سنوات سجنه إلى التعذيب، وقضى 13 عامًا في السجن الانفرادي.
تقول السلطات إن قضية التسفير تشمل عشرات المتهمين من بينهم سياسيين وكوادر أمنية سابقة وأئمة ومحامين وشخصيات تحمّلت مسؤوليات في جمعيات خيرية، ورجال أعمال مثلما حصل مع صاحب شركة “سيفاكس” محمد فريخة، الشخصية المالية المعروفة داخليًّا وخارجيًّا، والمتهم بـ”تسخير شركته من أجل نقل الإرهابيين إلى سوريا” عبر إنزالهم بمطار صبيحة التركي.
بعد ساعات من اعتقال شورو تمَّ إطلاق سراحه لأسباب صحية، ويعاني القيادي في النهضة من “أمراض بدنية مزمنة وخطيرة جدًّا منذ سنوات، فرضت عليه وقف النشاط السياسي والحاجة إلى عناية طبية مكثّفة ومستمرة، مع استعمال عدة أنواع من الأدوية”، وفق النهضة.
مسيرة الرجل النضالية
يُعتبر الصادق شورو من أبرز القيادات التاريخية في حركة النهضة، وأحد مؤسسيها إلى جانب الغنوشي ومورو، وتقلّد العديد من المسؤوليات فيها، من ذلك عضوية مجلس الشورى منذ بداية الثمانينيات، فيما اُنتخب في مؤتمرها المنعقد سنة 1988 رئيسًا لها، وواصل القيام بتلك المهمة حتى اُعتقل في 17 فبراير/ شباط 1991.
حصل شورو على دكتوراه في الكيمياء من كلية العلوم بتونس، واشتغل مدرّسًا في كلية الطب بتونس في مادة الكيمياء إلى حدود اعتقاله عام 1991، كما شغل عضوية لجنة البحث العلمي في تخصُّصه بالمركز الجامعي للبحث العلمي بمنطقة برج السدرية في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، كما كان عضوًا بنقابة التعليم للاتحاد العام التونسي للشغل.
في صيف عام 1992، حُكم الصادق شورو أمام المحكمة العسكرية بتونس على رأس 265 متهمًا من قيادات الصف الأول، وعدد من الكوادر الوسطى والمحلية لحركة النهضة، بتهم تتعلق بمحاولة قلب نظام الحكم، والانضمام إلى جمعية غير مرخّص لها، وهي محاكمة كانت للتضييق على السياسيين والنشطاء.
#تونس اعتقال الرئيس الأسبق لحركة النهضة الصادق شورو
(وفق القيادي بالحركة رياض الشعيبي) pic.twitter.com/lPiranzi78
— Neila Hammi | نائلة الحامي (@Neila_Hammi) May 18, 2023
طالب الادّعاء العام بإعدام الصادق شورو، لكن المحكمة اكتفت بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة، حيث أُثير عنه أمام المحكمة العسكرية قوله: “يا سيادة القاضي، إذا كنتم بعملكم هذا تريدون اجتثاث حركة النهضة من مجتمعها ومن التربة التي أنبتتها، فهي شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء”.
سُجن شورو في أكثر من سجن، وتعرّض خلال سنوات سجنه إلى التعذيب، وقضى 13 عامًا في السجن الانفرادي، في محاولة من نظام بن علي التنكيل به وإذلاله، قصد إضعافه وإضعاف حركة النهضة والنيل منها.
في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، أمرَ بن علي بإخلاء سبيل شورو إلى جانب 20 عضوًا آخر من حركة النهضة بصفة مشروطة، وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول من السنة نفسها أُعيد اعتقاله مجددًا بعد أن أدلى أستاذ الكيمياء الجامعي بمقابلات مع منفّذين إعلاميين عرب، بشأن سنوات سجنه والموقف السياسي في تونس.
يأمل نظام سعيّد في القضاء تدريجيًّا على حركة النهضة التي تأسّست عام 1972 خلال فترة الصحوة الإسلامية.
يوم 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2010، أي قبل نحو شهر ونصف على انطلاق الثورة التونسية، تمَّ إطلاق سراح الصادق شورو، بعد قضاء سنة في سجن الناظور الواقع على مرتفعات محافظة بنزرت في شمال تونس.
بعد الثورة التونسية، أصبح الشيخ الصادق شورو نائبًا في المجلس الوطني التأسيسي الذي اُنتخب في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، عن حركة النهضة التي فازت بأغلبية المقاعد، وكان له دور مهم في المرحلة التأسيسية التي شهدتها تونس عقب الإطاحة بنظام بن علي.
تشديد قبضة سعيّد على النهضة
إلقاء القبض على شورو وإطلاق سراحه فيما بعد، جاء بعد أيام قليلة من إصدار محكمة تونسية حكمًا بالسجن مدة عام واحد، إضافة إلى دفع غرامة مالية، بحق رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ما اُعتبر حلقة جديدة في مسلسل استهداف حركة النهضة.
ومنذ انقلابه على الدستور ليلة 25 يوليو/ تموز 2021، استهدف نظام قيس سعيّد حركة النهضة، إذ تمَّ حظر الاجتماعات بكامل مقرات الحركة استنادًا لقانون الطوارئ، في سابقة لم تعشها تونس بعد الثورة، وتركن حاليًّا سيارات الشرطة أمام المقر الرئيسي للحزب المطوّق بالحواجز الحديدية، ومنعت وزارة الداخلية كل اجتماعات الحزب.
كما تمَّ اعتقال العديد من قياديي النهضة شملت زعيم الحركة راشد الغنوشي، وعلي العريض وحمادي الجبالي والحبيب اللوز، وعديد القيادات الشابة، في إطار سعي النظام الحالي لتصفية المعارضة السياسية للرئيس قيس سعيّد ومحاولة إبادتها.
بالمناسبة الصادق شورو من 5 ايام فقط صابته جلطة و قام بعملية تسريح شريان و سبحان الله اليوم يتم ايقافه أثناء عودته من صلاة العصر بالجامع..
طبعا كل هذا و شورو يعتبر بعيد عن الساحة من فترة ..
براءة بوليس الرئيس ✨️?#يسقط_الانقلاب_في_تونس?? https://t.co/5B7KKTAHqA pic.twitter.com/ecBrvcoMwx
— وجـــــدان??? (@Wejden_231) May 18, 2023
يأمل نظام سعيّد في القضاء تدريجيًّا على حركة النهضة التي تأسست عام 1972 خلال فترة الصحوة الإسلامية، وأعلنت رسميًّا عن نفسها في 6 يونيو/ حزيران 1981، ولم يُعترَف بها كحزب سياسي في تونس إلا في 1 مارس/ آذار 2011 من حكومة محمد الغنوشي الثانية، فهي أكبر حزب سياسي في البلاد.
فازت النهضة بأول انتخابات ديمقراطية في البلاد في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وكانت بذلك أول حزب له توجُّه إسلامي يحكم تونس، كما حلت في المرتبة الثانية بانتخابات عام 2014، أما في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 فقد حلّت الأولى، ما جعلها الحزب الأكبر والأبرز في تونس بعد ثورة الحرية والكرامة.
يرى قيس سعيّد أن حركة النهضة خطر كبير على مشروعه السياسي القائم على حكم الفرد الواحد، لذلك يعمل على القضاء على الحركة بمختلف الطرق، دون أن يصدر قرارًا مباشرًا بحلّها، ما يجعل البلاد تدخل تحت منظومة ديكتاتورية تقمع العمل الحزبي والعمل السياسي وحرية التعبير.