ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما بدأت جامعة الدول العربية اجتماعها الثاني والثلاثين يوم الجمعة في جدة، كانت أجندة القمة حافلة كالمعتاد. ومع ذلك؛ كانت عودة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى مقعده في جامعة الدول العربية جوهر الحدث، وذلك بعد عزلة استمرت 12 سنة بسبب تحويله ثورة بلاده التي اندلعت سنة 2011 إلى أكثر الحروب وحشية في المنطقة منذ عقود.
لم يفعل الأسد أي شيء ليستحق هذه المكافأة، إذ يواصل نظامه تشريد نصف الشعب السوري، وإخفاء مئات الآلاف، والسعي إلى حل عسكري على حساب أي شيء وبأي ثمن. كما يعرِّض الأسد الاستقرار الإقليمي للخطر؛ حيث يرفض قبول عودة اللاجئين إلى البلاد مرة أخرى، ويُغرق الشرق الأوسط وجنوب أوروبا بالمخدرات، ويواصل توفير أكبر قاعدة عمليات للميليشيات الإيرانية في المنطقة.
وتواصل إدارة بايدن معارضتها العلنية للتطبيع مع الأسد. وفي الوقت نفسه؛ قالت باربرا ليف، مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، مؤخرًا إن الإدارة تشجع الدول العربية على “الحصول على امتيازات مقابل التطبيع” مع الأسد. وتقدم المناقشات حول قمة جامعة الدول العربية لمحة عما يبدو أن القادة العرب يأملون في الحصول عليه.
وقد تمحورت المحادثات السابقة للقمة بين الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والأردن والعراق ومصر، حول ثلاث قضايا: عودة اللاجئين، ومكافحة المخدرات، وإعادة تأسيس السلطة والمؤسسات الحكومية في سوريا.
1. عودة اللاجئين
وفقًا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين؛ يعيش أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري في الدول المجاورة لسوريا. وبالنسبة للدول المضيفة للاجئين في المنطقة، فإن إطار العمل الذي يسمح بالعودة المنهجية والمستدامة للاجئين إلى سوريا يمثل أولوية قصوى لتخفيف الظروف الاقتصادية وتحديات سوق العمل التي واجهتها بلدان مثل الأردن لأكثر من عقد
وركزت المناقشات في اجتماع تشاوري سابق في عمَّان على تعزيز الاقتصاد السوري لتحفيز اللاجئين على العودة. بالإضافة إلى ذلك؛ طالب الأردن بجدول زمني واضح وإجراءات محددة ليتم تنفيذها، بما في ذلك مشاريع تحقيق الاستقرار والعفو العام عن اللاجئين.
ومع ذلك؛ من غير المرجح أن تتحقق الآمال في عودة ملايين اللاجئين إلى سوريا. ففي البوسنة، أحد الأمثلة التاريخية القليلة الأكثر تفاؤلاً، عاد فقط نصف النازحين إلى وطنهم الأصلي بعد اتفاقية دايتون للسلام لسنة 1995. وفي حين أن ظروف اللاجئين في المنطقة غالبًا ما تكون قاسية وخطيرة، فإن البدائل في سوريا ليست أكثر جاذبية من الناحية السياسية أو الاقتصادية.
2. مكافحة المخدرات
على امتداد العقد الماضي؛ تحولت سوريا إلى تصنيع وتصدير الكبتاغون لجمع الأموال؛ حيث إن انتشار المخدرات والشبكات الخطرة التي تصدرها وتوزعها تجعلها قضية مهمة للدول المجاورة. على سبيل المثال؛ يشعر الأردن بالقلق من أن شبكات تهريب المخدرات يمكن أن تسهل تهريب الأسلحة إلى البلاد.
ومع ذلك؛ يبدو أن الأسد غير مقتنع بالتخلي عن عمليات إنتاج الكبتاغون والتهريب، والتي حققت إيرادات لا تقل عن 57 مليار دولار لنظامه. وكشف الدبلوماسيون – الذي حضروا اجتماعًا تشاوريًّا قبل اجتماع الجمعة في جدة – بشكل خاص للكاتب كيف غادر وزير الخارجية السوري المناقشات بشأن الكبتاغون عدة مرات للتشاور مع دمشق، قبل أن يرفض الالتزام بأي قرار بشأن هذه القضية.
ويبدو أن إنتاج وتهريب الكبتاغون أقل إلحاحًا بالنسبة للرياض، حيث تعتبرها قضية جريمة منظمة، وليس قضية سياسية أو أمنية. وحتى مع العرض السعودي المزعوم بتقديم أربعة مليارات دولار لسوريا لوقف إنتاج الكبتاغون، فمن غير المرجح أن يتخلى الأسد عن مصدر دخل النظام الذي حقق أرباحا مضاعفة.
3. إعادة سلطة الدولة
وكان وضع جماعات المعارضة المسلحة والوجود العسكري الأجنبي في شمال سوريا من بين القضايا المهمة الأخرى للجهات الفاعلة الإقليمية. وتشير البيانات التي سبقت القمة من جدة وعمَّان إلى تحول في لغة القادة العرب ضد دور الولايات المتحدة وتركيا في شمال سوريا؛ لصالح إيران وروسيا. وتحدثت تصريحات عربية سابقة عن سوريا عن إنهاء وجود “الميليشيات الأجنبية”، وهو مصطلح كان موجهًا في السابق ضد الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني.
ومع ذلك؛ تتحدث الحكومات العربية المشاركة في إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية عن إنهاء وجود “الجماعات المسلحة” والجيوش الأجنبية غير الشرعية. ويمثّل هذا الوضع تحولًا واضحًا ضد الجهات الفاعلة غير الحكومية في شمال سوريا – أي الجيش الوطني السوري في الشمال الغربي وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي – وضد شركائهم العسكريين الأتراك والأمريكيين.
ويبدو أن هذه الدعوة غير المباشرة للقوات الأمريكية والتركية للانسحاب من سوريا لا تنطبق على إيران وروسيا. فقد أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، مؤخرًا أن المطالبة العربية بانسحاب إيران من سوريا قد “تم تجاهلها”.
ماذا عن الولايات المتحدة؟
يتوق القادة العرب إلى مناقشة هذه القضايا الثلاث البارزة، ولكن الخلافات القوية بين أعضاء جامعة الدول العربية، والتي تتجلى في التصريحات المختلفة الصادرة عن المشاركين في الاجتماعات التشاورية السابقة في جدة وعمَّان، تشير إلى أنه سيكون من الصعب على جامعة الدول العربية المضي قدمًا في هذه الأهداف، سواء أثناء الاجتماع في جدة أو بعده بفترة طويلة.
وبطبيعة الحال، ورغم أن الولايات المتحدة ليست عضوًا في جامعة الدول العربية، لكن لا يزال بإمكانها جعل حضورها ملموسًا. إن اضطلاع الولايات المتحدة بدور قيادي فيما يتعلق سوريا – وتحديدا بشأن هذه القضايا الأساسية الثلاثة – يمكن أن يساعد الدول العربية على “الحصول على شيء” من خلال تطبيعها مع نظام الأسد والذي من شأنه أن يحسّن الظروف المعيشية للسوريين، وفي الوقت نفسه تمكين نموذج الحكم لخصوم الأسد.
وينبغي على الولايات المتحدة العمل على ترسيخ اتفاق وطني دائم لوقف إطلاق النار مع تركيا وروسيا وإيران لضمان عدم إجراء المزيد من العمليات العسكرية من قبل نظام الأسد لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته.
وقد يؤدي الاستقرار والأمن النسبي والدعم المتزايد لإعادة الإعمار في مناطق شمال سوريا غير الخاضعة لسيطرة الأسد إلى عودة طوعية وآمنة للعديد من اللاجئين في المنطقة. وفي غضون ذلك؛ يمكن للولايات المتحدة – بالتعاون مع شركائها العرب – دفع الأسد وخصومه في الشمال إلى دعم اتفاق؛ ليس لحل الصراع في هذه المرحلة، ولكن لإعادة تأسيس سلطة مؤسسات الدولة الحيوية في شمال سوريا.
إن إعادة تأسيس التوثيق والتعليم المدني المدعومين من الدولة في شمال سوريا من شأنه أن يزيد الاستقرار في الشمال مع الحد من تهديدات الأمن القومي للولايات المتحدة والمنطقة. ودون قيادة الولايات المتحدة، فإن النتيجة الوحيدة التي ستحققها العملية العربية على الأرجح هي إعادة تأهيل الأسد ونموذجه في الحكم على امتداد العقد الماضي.
المصدر: أتلانتك كاونسل