ترجمة وتحرير: نون بوست
حضر الرئيس السوري بشار الأسد قمّة جامعة الدول العربية في المملكة العربية السعودية يوم الجمعة؛ حيث يتّجه زعماء المنطقة نحو تطبيع العلاقات معه بعد أكثر من عقد مرّ على عزلة دمشق في أعقاب حملة القمع العنيفة التي شنها النظام على خلفية اندلاع انتفاضة شعبية أشعلت فتيل حرب أهلية.
وفي إشارة إلى تحول الأولويات الإقليمية؛ كثفت الدول العربية من انخراطها مع الأسد في محادثات على أمل أن تتمكن من إقناعه باتخاذ إجراءات بشأن القضايا التي تتعلق بالحدود، بما في ذلك محنة ملايين اللاجئين ومليارات الدولارات وتجارة المخدرات غير المشروعة.
وكجزء من الجهود الدبلوماسية التي تقودها المملكة العربية السعودية؛ تخطط الدول العربية لتنفيذ مخطط لتشجيع اللاجئين على العودة إلى ديارهم وإقناع القوى الغربية بتخفيف العقوبات على الدولة المنبوذة دوليًّا
وتم الاتفاق على الخطة خلال اجتماع جمع وزراء الخارجية سوريا والسعودية ومصر والأردن والعراق الشهر الماضي، قبل وقت قصير من موافقة الدول العربية على إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، بعد 12 سنة من تعليق عضويتها.
بعد احتضانه من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ صرّح الأسد خلال قمة جدة أن المنطقة لديها “فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤونها بقدر أقل من التدخل الأجنبي”.
يأمل الدبلوماسيون في أن يشجع مخطط اللاجئين، في حال نجاحه، المزيد من السوريين على العودة إلى ديارهم وتمكين الدول العربية من إقناع الولايات المتحدة وأوروبا بتخفيف العقوبات للمساعدة في إعادة إعمار الدولة التي دمرّتها الحرب.
ووفقًا لما ذكره شخصان مطلعان على المسألة؛ نُوقش المخطط على “أعلى المستويات” في الأمم المتحدة، لكنهم أكّدوا أن هناك انقسامات داخلية بشأن الخطة لأنها لا تستند سوى على ضمانات أمنية من دمشق وقدرتها على تشجيع الإعادة القسرية لبعض اللاجئين.
وقد فر حوالي ستة ملايين سوري من البلاد بعد اندلاع الحرب الأهلية قبل 12 سنة، وتشرّد عدد مماثل، حيث سحق نظام دمشق المدعوم من قبل إيران وروسيا الثورة بوحشية واستعاد السيطرة على جزء كبير من البلاد.
وأثارت التحركات لإعادة إشراك النظام مخاوف بين المدافعين عن حقوق الإنسان من أن مخطط اللاجئين، الذي طرحه الأردن لأول مرة منذ حوالي سنتين ولكنه تعرّض للعرقلة بسبب ضغوط من واشنطن وعواصم غربية أخرى، يمكن أن يصبح حقيقة، على الرغم من المخاوف بشأن سلامة العائدين.
في هذا السياق، صرّحت إيما بيلز، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، إن “أي عمليات عودة منظمة قبل استيفاء الشروط المناسبة، قد تشكل سابقة خطيرة”، مضيفة أنها قد توفر سببًا للدول التي تستضيف لاجئين سوريين في المنطقة وأوروبا لإعادتهم.
وأدت المحاولات السابقة لإعادة النازحين السوريين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى انتشار مزاعم بوقوع انتهاكات. فعلى الرغم من أن حدة الصراع الذي يدور رحاه في سوريا قد تراجعت؛ إلا أن الجماعات الحقوقية وثّقت باستمرار الاعتقالات وحالات الاختفاء القسري والتجنيد واضطهاد العائدين، كما مُنع بعض العائدين من الذهاب إلى مناطق عيشهم الأصلية أو أجبروا على العيش في ملاجئ مؤقتة تديرها الحكومة وتسيطر عليها قوات الأمن.
وحسب العاملين في مجال تقديم الإغاثة؛ مٌنعت وكالات الأمم المتحدة باستمرار من مراقبة عمليات العودة. ونتيجة لذلك؛ يشكك عمال الإغاثة وبعض الدبلوماسيين في مدى جاهزية نظام الأسد لتغيير سلوكياته وسياساته.
في الشأن ذاته؛ أوضحت بيلز: “لم يغير النظام سلوكه الأساسي ويواصل استخدام العنف والأجهزة الأمنية المتفشية لاستهداف الاشخاص الذي يشكلون تهديدًا لنظامه من وجهة نظره، بمن فيهم العائدون”.
وفي شأن ذي صلة؛ صرّح دبلوماسيون عرب أن “خطة اللاجئين هي اختبار ما إذا كان الأسد جادًّا ويمكن الوثوق به لإجراء إصلاحات. كما أصروا على أن أولئك الذين يدعمون الخطوة لم يناقشوا المساعدة الاقتصادية مع دمشق ويريدون أولاً رؤية تقدّم بشأن قضية اللاجئين. وأوضح أحد الدبلوماسيين: “الحكومة السورية سترد على ما تم الاتفاق عليه وبعد ذلك سنُقيّم أداؤه. وهناك من يقول إن الحكومة في سوريا ليست صادقة وليست جادة، لكن الطريقة الوحيدة لاختبار هذه الجدية هي من خلال هذه العملية الهادفة، وإلا كيف سنتمكن من اختباره؟”.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يعد سوى عدد قليل فقط من اللاجئين؛ حيث يخشى الكثيرون على حياتهم، فضلاً عن خوفهم من العودة إلى بلاد دمرّتها الحرب وانهار اقتصادها. وبخلاف وجود حوالي 4 ملايين لاجئ في تركيا؛ يوجد مئات الآلاف في الأردن ولبنان، حيث يُنظر إليهم بشكل متزايد على أنهم عبء على الاقتصادات الهشة. وفي الأسابيع الأخيرة، أقدمت السلطات في لبنان على طرد “مئات” اللاجئين السوريين، بحسب ما ورد في تقارير صادرة عن 20 منظمة حقوقية.
وبالإضافة إلى المخاوف بشأن اللاجئين؛ كانت القوى الإقليمية تشعر بقلق متزايد بشأن تهريب الكبتاغون عبر الحدود، وهو عقّار منشط ومُسبب للإدمان أصبح مصدرًا حيويًا لتدفق العملة الأجنبية لنظام دمشق. ويأملون أنه من خلال إشراك الأسد، سيصبح النظام أكثر استعدادًا لاتخاذ إجراءات لوقف هذه التجارة.
وأكد دبلوماسيون عرب أنهم يناقشون خططهم مع القوى الغربية لكنهم لن يضغطوا عليهم لتخفيف العقوبات حتى يشهدوا تقدّمًا من جانب الأسد. وأضاف أحد الدبلوماسيين أن “هذه الجهود يقودها العرب بالتنسيق مع الأمم المتحدة وأصحاب المصلحة الدوليين. وسيتم تقييمها في مرحلة ما، من ثم سنتحرك على ضوء النتائج المرصودة”.
المصدر: فاينانشيل تايمز