“صارت سياسة الهجرة على رأس جدول أعمال وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي، بعدما أضحت أعداد المهاجرين غير القانونيين أكبر بكثير مما كانت عليه في السنوات الأخيرة”، وفق رئيس حزب الشعب الأوروبي، مانفريد فيبر.
يعتبر نائب رئيس البرلمان الأوروبي هذا الأمر علامة على فشل الإستراتيجية التي اتبعت حتى الآن لمعالجة هذه الظاهرة التي تقلق الأوروبيين، وأنه لا وقت للانتظار، وربما تستغل الأحزاب اليمينية المتطرفة هذا الفشل لنشر فكرها المعادي للمهاجرين.
نتيجة هذا الفشل، فكرت الحكومة الألمانية في خطة جديدة لوقف الهجرة غير النظامية القادمة لدول الاتحاد الأوروبي، خطة يمكن أن ترتقي بها حكومة المستشار أولاف شولتس إلى مصاف الحكومات اليمينية المتطرفة التي تشدد تعاملها مع المهاجرين.
تفاصيل الخطة الألمانية
ترمي الخطة الألمانية الجديدة إلى إقامة مراكز ترانزيت، يُعتبر اللاجئ فيها من الناحية القانونية خارج الأراضي الأوروبية، أي أنه قانونيًا لم يدخل البلاد الأوروبية، وهذا يعني عدم قدرته على الطعن في قرار رفض طلب لجوئه إلا مرة واحدة وفي عجالة، بحسب منظمة “برو أزول” المتخصصة في الدفاع عن حقوق اللاجئين.
وفي نهاية أبريل/نيسان الماضي، صرحت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، أن ألمانيا تريد دعم إجراءات اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، موضحة أن إجراءات تسجيل اللاجئين وتحديد هويتهم ستكون على الحدود، بحيث تكون مدة معالجة طلبات اللجوء بحد أقصى 12 أسبوعًا.
حتى الأحزاب الرئيسية في ألمانيا أصبحت تلتقط نقاط اليمين المتطرف وتتخذ موقفًا أكثر صرامة تجاه المهاجرين
تقترح الخطة على السلطات الأوروبية “إصلاح” نظام اللجوء الأوروبي بشكل يسمح لها بالبت في طلبات اللجوء في مراكز احتجاز على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وليس في الدول بشكل منفرد، وتعطي الخطة للسلطات صلاحيات منع اللاجئين من دخول الأراضي الأوروبية في حال رفضت طلبات لجوئهم وترحيلهم إلى بلدان “ثالثة آمنة”.
ومن المنتظر أن تعرض وزيرة الداخلية الألمانية، هذه الخطة في 8 و9 من يونيو/حزيران المقبل على اجتماع وزراء الداخلية والعدل بدول الاتحاد الأوروبي، وتأمل الوزيرة أن تحظى خطتها بموافقة أغلبية الدول الأوروبية، حتى يتم اعتمادها.
#برلين تدرس إمكانية تنفيذ إجراءات اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي
أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر أن حكومة بلادها تدرس “عقد اتفاقيات هجرة دستورية مع دول ثالثة”. وتهدف الحكومة الألمانية بهذه الخطوة تنفيذ إجراءات اللجوء خارج حدود دول #الاتحاد_الأوروبي.
— ???? (@MahmoudAkil) April 30, 2023
تتطلب الخطة الألمانية الجديدة، إقامة أماكن لدراسة طلبات اللجوء خارج أو على حدود دول الاتحاد الأوروبي، موافقة هذه الدول وعقد اتفاقيات معها بهذا الشأن، وهو ما يذكّرنا بالنظام البريطاني للجوء والاتفاقية الأخيرة بين بريطانيا ورواندا في هذا الشأن.
سرعة البت في طلبات اللجوء دون التحقق من محتوى الطلبات، يؤكد أن النية من وراء إقرار هذه الخطة ترحيل طالبي اللجوء بأسرع وقت ممكن وبطريقة غير منصفة، وهي إحدى أبرز النقاط الخطرة في مشروع وزيرة الداخلية الألمانية.
ارتقاء ألمانيا للحكومات المتطرفة
هذه الخطة تعني أن المهاجر سيعرّض نفسه للخطر – سواء في البحر أم البر – للوصول إلى الدول الأوروبية، علّه يغير حياته، لكن ما إن يصل إلى الحدود الأوروبية حتى يجد الأمن في انتظاره لاعتقاله والزج به في مراكز الإيواء.
سبق أن حاول وزير الداخلية الألماني السابق هورست زيهوفر تمرير خطة شبيهة بهذه الإستراتيجية في سنة 2018، لكنها قوبلت بمعارضة كبيرة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب وزيرة الداخلية الحالية)، ومن حزب الخضر أيضًا.
ويتبنى الحزب الاشتراكي الديمقراطي تاريخيًا موقفًا إيجابيًا من قضية الهجرة، إذ يضم بين صفوفه عددًا من القادة من خلفيات مهاجرة، وخلال ذروة أزمة المهاجرين التي واجهت أوروبا سنة 2015، قدم الحزب، خطة من خمس نقاط، طرح عبرها رؤيته للطريقة المثلى للتعامل مع الأزمة.
كما عبر الحزب عن رفضه إعادة توطين المهاجرين الذين يصلون إلى السواحل الأوروبية في بلادهم، ودعا إلى القيام بالمزيد من الخطوات لمكافحة أسباب فرار الناس من أوطانهم، كما نادى بضرورة التعامل مع أزمة المهاجرين عبر التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي وتحمل الأعباء فيما بينها.
من الممكن أن تشجع الخطة الألمانية – حتى إن لم يتم اعتمادها – الحكومات الأوروبية على تشديد سياستها ضد المهاجرين
يعني ذلك، وجود تحول كبير في نظرة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمسألة الهجرة، إذ أصبح يرى فيها تهديدًا للمجتمع الألماني، وجب التصدي لها، وهي نفس نظرة أحزاب اليمين المتطرف لمسألة الهجرة.
يُذكر أن ألمانيا لم تكن تتبنى سياسة متشددة في ملف الهجرة واللجوء على المستوى الأوروبي، بل كانت تصنف بين الدول الأوروبية الأقل تشددًا في قضايا تأمين الحدود الخارجية وغيرها، لكن يبدو أن خطط الائتلاف الحاكم تغيرت في هذا الشأن.
ووفق الخطة الجديدة للحكومة الألمانية، فإن مراكز إيواء اللاجئين ستكون شبيهة بالسجن، خاصة أنها خارج دول الاتحاد، أي أن المسؤولية الإنسانية لن تكون على عاتق الدول الأوروبية، وهو ما سيمثل تهديدًا مباشرة لحياة اللاجئين.
نفهم من هنا أن حتى الأحزاب الرئيسية في ألمانيا أصبحت تلتقط نقاط اليمين المتطرف وتتخذ موقفًا أكثر صرامة تجاه المهاجرين، خاصة أن هيئة حماية الدستور الألمانية رصدت تزايدًا في عدد أصحاب التوجهات اليمينية المتطرفة بشكل طفيف في ألمانيا سنة 2022.
أحد أنواع تجارة البشر مقابل المال
تستهدف الخطة الألمانية، التخلص من اللاجئين وطالبي اللجوء ونقلهم إلى أماكن إيواء أخرى بعيدًا عن الدول الأوروبية، بما يخفف الضغط على الداخل الأوروبي، اقتصاديًا واجتماعيًا، في ظل تصاعد الأصوات الرافضة لسياسة الاتحاد في استقبال المهاجرين.
تحاول الحكومة الألمانية من خلال هذا البرنامج غلق الباب في وجه اللاجئين، لكن ما لم تقله الوزير الألمانية هو كيفية التفاوض مع الدولة الثالثة التي ستستقبل اللاجئين وأي مقابل سيمنح لهذه الدولة أو الدول، أي أننا سنكون أمام أحد أنواع تجارة البشر مقابل المال.
من الصعب جدًا أن تقبل دول أوروبية، استقبال اللاجئين لدراسة ملفات اللجوء في أراضيها، يعني ذلك أن ألمانيا يمكن أن تلجأ إلى دول إفريقية لتوطين اللاجئين، ما يعني أن المهاجرين يهربون من الأوضاع الصعبة ليجدوا أنفسهم في أوضاع أشد صعوبة.
بعض الأسئلة الأخرى التي تعمدت الوزيرة الألمانية عدم الإجابة عنها، تتمثل في السجل الحقوقي للدولة التي من المقرر أن تستضيف اللاجئين، فضلًا عن الضمانات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي تحمي اللاجئين من أي استهداف أو تعريض حياتهم للخطر.
في قراءة أولية، يمكن لنا أن نؤكد تعارض السياسة الألمانية الجديدة لمجابهة الهجرة غير النظامية مع القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، فالألمان يحاولون التهرب من مسؤوليتهم الإنسانية والقانونية تجاه المهاجرين وتحميلها لطرف ثالث.
من الممكن أن تشجع الخطة الألمانية – حتى إن لم يتم اعتمادها – الحكومات الأوروبية على تشديد سياستها ضد المهاجرين، ما من شأنه أن يعرضهم لخطر أكثر، ويضع حياتهم في خطر، كما من شأنه أن يعطي الضوء الأخضر لليمين المتطرف لمزيد من التمدد.