حل سلطان عُمان هيثم بن طارق، ضيفًا على القاهرة، اليوم الأحد 21 مايو/أيار2023، في زيارة هي الأولى له منذ توليه السلطة عام 2020، وتأتي في إطار “حرص قيادتى البلدين على توثيق الروابط الراسخة بينهما، واستمرار بحث جوانب التعاون التي من شأنها الارتقاء بالعلاقات الثنائية في جميع المجالات، بما يخدم مصالح البلدين، بالإضافة إلى مواصلة التنسيق بين الجانبين لتعزيز العمل العربي المشترك، خاصة فيما تشهده الساحتان الإقليمية والدولية من تطورات”، حسبما أشار البيان الصادر عن ديوان البلاط السلطاني بالسلطنة.
وتأتي الزيارة التي تستمر لمدة يومين، بعد 48 ساعة فقط من القمة العربية التي استضافتها جدة في 19 من الشهر الحاليّ، وغاب عنها ابن طارق، كما أنها تعد الأولى للسلطان العماني لدولة عربية غير خليجية منذ توليه، حيث سبقها زيارات لدول الخليج، بالإضافة إلى المملكة المتحدة وألمانيا.
وتتزامن الجولة مع حالة زخم عروبي إقليمي ومساعي قوى المنطقة نحو تهدئة الأجواء وإذابة الجليد بين الدول التي تعاني من علاقات متوترة، وسط ترجيحات بأن تكون عودة العلاقات المصرية الإيرانية على رأس جدول أعمال الزيارة في ضوء نجاح مسقط عبر دبلوماسيتها الصامتة في تهدئة الأمور في بعض الملفات الإقليمية المستعصية.
وتتمتع العلاقات المصرية العمانية بالعديد من الروابط الثقافية والتاريخية المشتركة التي تدفع الجانبين نحو تعزيز التعاون الثنائي، كما أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد زار سلطنة عُمان في يونيو/حزيران الماضي، حيث ناقش مع السلطان هيثم عددًا من القضايا العربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما في ظل تناغم السياسية المصرية العمانية إزاء العديد من الملفات.
في زيارة رسمية تستغرق يومين.. سلطان #عُمان #هيثم_بن_طارق يتوجه إلى #مصر pic.twitter.com/hKcMQ7KGBU
— Erem News – إرم نيوز (@EremNews) May 21, 2023
تعميق التعاون المشترك
يرى سفير مصر في عمان، خالد راضي، أن تلك الزيارة تُعد نقطة تحول مُهمة فى مسار العلاقات العُمانية المصرية، وأنه سيترتب عليها الكثير من الخطوات التي تستهدف تعميق مستويات التعاون المشترك، فيما أوضح سفير السلطنة لدى مصر، عبد الله بن ناصر الرحبي، أن هناك توافقًا كبيرًا بين البلدين، منوهًا إلى زيارة السيسي لمسقط العام الماضي التي توجت بتوقيع عدد من الاتفاقيات في المجالات المختلفة، هذا بجانب التمهيد لحزمة اتفاقيات جديدة في مجال الوثائق والتراث من حيث الترميم والآثار، إضافة إلى التعاون الأكاديمى بين الجامعات العُمانية والجامعات المصرية.
وعن توقيت الزيارة ودلالاتها، قال وكيل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب المصري، حسام العمدة، إنها “تأتي في ظل حالة الزخم العربي والتواصل الكبير والتنسيق، وتمثل أهمية كبرى من حيث التوقيت والرؤى الثنائية”، مضيفًا في حديثه لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أن العلاقات بين البلدين قائمة على الاحترام المتبادل ولم تشهد أي انتكاسات على مر التاريخ، الأمر الذي أسهم في النهاية في تعزيز التكامل بين القاهرة ومسقط على المستويات كافة، خاصة الجانب الاقتصادي.
تزداد وتيرة اللقاءات والمباحثات بين مسؤولي البلدين في الآونة الأخيرة أبرزها اللقاء الذي جمع بين الرئيس المصري ووزير الخارجية الإيراني على هامش قمة بغداد التي عقدت في الأردن مؤخرًا
وأوضح البرلماني المصري أن تناغم التوجهات المصرية العمانية سبب رئيسي في تعزيز التقارب، منوهًا إلى تطابق السياسة الخارجية لكلا البلدين الداعمة للحفاظ على الدولة الوطنية، لافتًا إلى أن البيئة الاستثمارية المصرية اليوم أصبحت أكثر ملاءمة مما كانت عليه في السابق، وهو ما يمكن أن يحفز المستثمرين العمانيين للانتقال إلى السوق المصري.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي 393 مليونًا و628 ألف ريال عُماني، مقارنة بـ217 مليونًا و742 ألف ريال عُماني عام 2021، فيما ارتفعت قيمة الصادرات العُمانية إلى مصر من 157 مليونًا و515 ألف ريال عُماني في 2021، إلى 298 مليونًا و77 ألف ريال عُماني في 2022 بحسب ما نشرته وسائل إعلام عمانية، بينما بلغ عدد الشركات المصرية العاملة في السلطنة أكثر من 1900 شركة.
الزيارةُ الرّسميّةُ لجلالةِ عاهل البلاد المفدّى إلى مصر تفتح فصلًا جديدًا من العلاقة بين البلدين.https://t.co/tzBtFEfZjP#الغمانية pic.twitter.com/tBcqVHA01t
— وكالة الأنباء العمانية (@OmanNewsAgency) May 20, 2023
العلاقات المصرية الإيرانية على رادار السلطان
في الآونة الأخيرة كثرت التقارير الإعلامية والتصريحات السياسية المتبادلة هنا وهناك عن دخول العلاقات المصرية الإيرانية منعطفًا جديدًا من التنسيق والتعاون بعد أكثر من خمسة عقود من التوتير جراء تباين وجهات النظر بين البلدين إزاء العديد من الملفات والاتهامات المتبادلة بينهما.
ورغم نفي وزير الخارجية المصري سامح شكري، أي مساعي للتقارب مع الجانب الإيراني في الوقت الحاليّ، وأن العلاقات مع طهران على ما هي عليه، فإنه أوضح أنه “عندما يكون هناك مصلحة في تغيير منهج، فبالتأكيد نلجأ دائمًا لتحقيق المصلحة”، وفي المقابل أعرب نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، “عن أمله أن تشهد العلاقات الإيرانية المصرية انفراجة جادة”.
وتزداد وتيرة اللقاءات والمباحثات بين مسؤولي البلدين في الآونة الأخيرة أبرزها اللقاء الذي جمع بين الرئيس المصري ووزير الخارجية الإيراني على هامش قمة بغداد التي عقدت في الأردن مؤخرًا، حيث تبادل الطرفان الحديث عن المباحثات الثنائية وتعزيز التعاون، وهو التوجه الذي لم ترفضه القاهرة ولا طهران.
التطورات السياسية والسيولة التي تشهدها المنطقة خلال الفترة الأخيرة تشير إلى احتمالية أن تكون العلاقات المصرية الإيرانية ضمن بوصلة التغيرات التي ربما تفرض نفسها، بعد استئناف العلاقات بين دول الخليج وفي المقدمة منها السعودية وطهران، التي تعد حجر الأساس في مسار العلاقات الإيرانية العربية.
يعول البعض على مسقط في إذابة الجليد المتراكم منذ عقود على العلاقات المصرية الإيرانية، لكن الأمر يتضمن حسابات معقدة، فكل طرف بحاجة إلى مزيد من الوقت لاختبار حسن نوايا الطرف الآخر
وفي هذا السياق يتوقع خبراء أن يقوم السلطان العماني بدور الوساطة لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وطهران في ظل ما تتمتع به مسقط من قدرات دبلوماسية قوية، حتى إن كانت ذات صوت منخفض نسبيًا، لكنها طبيعة الدولة التي تجيد العمل في صمت بعيدًا عن الصخب الإعلامي الذي تحذوه بعض دول المنطقة.
ولمسقط سجل حافل من النجاحات الدبلوماسية على مستوى الوساطات، حيث كان لها دور كبير في التقريب بين السعوديين والحوثيين في اليمن، كذلك التفاهمات بين الرياض وطهران التي كان لها الفضل – بجانب العراق – في تكسير جبال الجليد بين البلدين، الأمر كذلك بين السعودية ونظام بشار الأسد، حيث كان لها دورها في تعويمه مرة أخرى رغم جرائمه الموثقة بحق شعبه طيلة العقد الماضي.
وتتمتع سلطنة عمان بعلاقات جيدة مع القاهرة وطهران تؤهلها للقيام بهذا الدور، مستفيدة من رغبة النظامين في البلدين في عودة العلاقات وتصفير الخلافات مع دول المنطقة قدر الإمكان في ظل التحديات الإقليمية والدولية الدافعة للجميع نحو إعادة ترتيب البيت من الداخل من جانب وتخفيض درجة حرارة التوتر في العلاقات مع الجيران والحلفاء من جانب آخر.
يعول البعض على مسقط في إذابة الجليد المتراكم منذ عقود على العلاقات المصرية الإيرانية، لكن الأمر يتضمن حسابات معقدة، فكل طرف بحاجة إلى مزيد من الوقت لاختبار حسن نوايا الطرف الآخر، خاصة أن الملفات العالقة بينهما ممتدة وتتعلق بعصب الأمن القومي هنا وهناك، ما يجعل المسألة ليست سهلة وإن لم تكن مستحيلة في ضوء البرغماتية التي يسلكها الجميع مؤخرًا ولو على حساب المرتكزات الوطنية والمبادئ والشعارات التي طالما تم التشدق بها خلال السنوات الماضية التي كشفت التجارب أنها كانت للمتاجرة لتحقيق مكاسب سياسية في المقام الأول.