بعد أن فشل جميع المرشحين في الانتخابات الرئاسية التركية التي أقيمت في 14 مايو/أيار الحاليّ في تحقيق الأغلبية الدستورية المطلوبة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، اضطر المجلس الأعلى للانتخابات إلى اللجوء لجولة ثانية ليتاح للمواطنين الأتراك فرصة جديدة لاختيار رئيسهم للسنوات الخمسة المقبلة.
يأتي هذا القرار لضمان استمرارية العملية الديمقراطية وتحقيق إرادة الشعب التركي في تحديد مصير بلادهم وتوجهاتها السياسية، وليتمكنوا من اختيار الشخص الذي سيقود البلاد في المرحلة القادمة.
بتاريخ 19 مايو/أيار أعلن المجلس الأعلى للانتخابات النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية على الشكل التالي: حصل الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان على 49.52%، بينما حصل المرشح كمال كليجدار أوغلو على 44.88%، في حين حصل سنان أوغان على 5.17%، ومحرم إنجه على 0.43%. وبموجب هذه النتائج انتقل إلى الجولة الثانية أردوغان وكليجدار أوغلو.
تهدف هذه المقالة إلى استكشاف الإستراتيجيات الجديدة التي سيعتمدها كل مرشح خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
رجب طيب أردوغان
في اليوم التالي لانتهاء التصويت، عُقد اجتماع بين رجب طيب أردوغان وقادة تحالف الجمهور في أنقرة، وأُقيم اجتماع آخر للجنة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية، بهدف تقييم العملية الانتخابية والنتائج التي جرى التوصل إليها. خلال هذه الاجتماعات، أجريت تقييمات تفيد بأن الإستراتيجية التي نُفذّت في الجولة الأولى كانت ناجحة إلى حد ما، لكنهم اعترفوا بوجود بعض نقاط الضعف في أداء حزب العدالة والتنمية، إذ انخفض عدد مقاعده بمقدار 28 مقعدًا مقارنة بانتخابات عام 2018. إثر ذلك، أصدر أردوغان توجيهات لحزبه بتحديد نقاط الضعف في أداء الحزب وشدد على ضرورة تداركها، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات المحلية المقررة في عام 2024.
سيحاول أردوغان أيضًا إقناع الناخبين بعدم الانحياز لأولئك الذين يتلقون أوامرهم من قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل
وُضعت خريطة طريق جديدة على طاولة أردوغان وحلفائه خلال اجتماعهم. أعلن أردوغان أنه سيعدّل خطته للجولة الثانية، باستثناء مدن إسطنبول وأنقرة والمناطق التي تضررت من الزلزال. وأكد أنه سيقوم بزيارة جزء من تلك المناطق برفقة دولت بهجلي وفاتح أربكان. مضيفًا أنه لن ينظم تجمعات كبيرة، ولكنه سيلتقي بممثلين عن السكان المحليين، بالإضافة إلى منظمات وغرف الشباب والحرفيين للاستماع إلى مطالبهم.
كما عبّر أردوغان عن انتقاده لأداء قادة المعارضة وأنصارهم، الذين توجهوا بالإهانات والشتائم لأهالي تلك المناطق بسبب عدم تصويتهم لصالح المعارضة. ووصفهم بأنهم “سياح الزلزال” الذين يذهبون فقط للتباهي ولا يستمعون لاحتياجات الناس في تلك المناطق. بالإضافة إلى ذلك، عُقد اجتماع بين أردوغان وسنان أوغان المرشح السابق لتحالف الأجداد، لمناقشة الانتخابات في الجولة الثانية والسعي للتوصل إلى نقاط مشتركة والتفاهم بشأن عدة قضايا، بما في ذلك مشكلة اللاجئين ومكافحة الإرهاب.
تتضمن الإستراتيجية الجديدة لأردوغان وحلفائه عدة نقاط، بما في ذلك تغيير شعار المرحلة الجديدة إلى “تابع الطريق مع الرجل المناسب”، بالإضافة إلى شعارات فرعية تؤكد على المئوية الجديدة للجمهورية التركية وأهمية وجود قائد قوي للبلاد، وتطهير الدولة من أنصار فتح الله غولن، واستمرار دعم متضرري الزلزال ومشروع التحول الحضري. ويقول قادة تحالف الجمهور إنهم يسعون إلى الحصول على نسبة 55% من الأصوات في الجولة الثانية، وتشكيل حكومة قوية قادرة على التعامل مع التحديات التي تمر بها البلاد مثل الأزمة الاقتصادية وتداعيات الزلزال واستمرار مكافحة التنظيمات الإرهابية.
إلى جانب ذلك سيتم التركيز خلال اللقاءات والاجتماعات الانتخابية على ضرورة أن تكون الرئاسة متوافقة مع الأغلبية البرلمانية، بمعنى آخر، أن مصلحة تركيا تقتضي أن يكون الرئيس من تحالف الجمهور بعد فوزه بالأغلبية في البرلمان للحفاظ على الاستقرار وعدم عودة تركيا إلى عصور الحكومات الائتلافية الضعيفة. كما سيتم بث رسائل إلى الناخبين الذين صوتوا لمرشح تحالف الأجداد في الجولة الأولى لمحاولة اقناعهم بالتصويت لصالح أردوغان في الجولة القادمة.
في إستراتيجيته الجديدة يعتزم الرئيس أردوغان التركيز على محورين أساسيين:
الأول، التواصل المباشر مع المواطنين في الساحات والاجتماعات، وسيتم التطرق إلى التعاون بين تحالف الأمة وكليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي، وإبراز الآثار المحتملة لهذا التعاون على مستقبل البلاد. سيحاول أردوغان أيضًا إقناع الناخبين بعدم الانحياز لأولئك الذين يتلقون أوامرهم من قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل ويدعون إلى السماح للمجرمين، الذين وصفهم بـ”قتلة الأطفال”، بالخروج من السجون في حال فوز كليجدار أوغلو.
أما في المحور الثاني، فسيؤكد أردوغان على ضرورة تعزيز الديمقراطية والاستقرار والابتعاد عن الفوضى والعمل على تحقيق رؤية الجمهورية التركية خلال مئويتها الثانية.
كمال كليجدار أوغلو
أثارت الصدمة التي تعرض لها تحالف الأمة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية موجة من الانتقادات المتبادلة داخل قادة الطاولة السداسية، وداخل حزب الشعب الجمهوري نفسه الذي يقود هذا التحالف. على صعيد حزب الشعب الجمهوري حدثت سلسلة إقالات شملت معاون رئيس الحزب لشؤون تقنيات المعلومات والاتصالات الذي كان يقود الفريق المسؤول عن أمن العملية الانتخابية لصالح المعارضة، وإقالة الفريق الإعلامي للحزب بسبب أدائه الضعيف، وإنهاء عقده مع وكالة الإعلان والاتصالات التي أدارت حملته في الجولة الأولى واستبدالهم بأشخاص آخرين. وهو ما أكده كبير مستشاري رئيس شؤون الصحافة والاتصال المؤسسي في حزب الشعب الجمهوري، تونجاي أوزكان، عندما قال إن الحملة السابقة انتهت.
المشاحنات واللوم المتبادل بين قادة الطاولة السداسية أدت إلى تأجيل الاجتماع المقرر لتقييم العملية الانتخابية والنتائج التي تم الوصول إليها، وتحديد السلوك الذي سيتم اتباعه في الجولة الثانية حتى 17 مايو/أيار الحاليّ.
كليجدار أوغلو لم يتوان عن التعبير عن استيائه من قادة الطاولة السداسية – باستثناء حزب السعادة – متهمًا إياهم بعدم الوقوف بجانبه كما ينبغي وتركه يواجه الصعوبات وحيدًا، خاصة في الانتخابات الرئاسية، وتركيزهم الأساسي على تأمين المقاعد البرلمانية لأحزابهم، وهو ما تسبب بموجة انتقادات داخل حزب الشعب الجمهوري لهذه الأحزاب واتهامها بسرقة الأصوات والمقاعد المخصصة للحزب وعدم قدرتها على جلب أصوات جديدة كما كان متوقعًا (حصلت الأحزاب الأربع المنضوية تحت قوائم حزب الشعب الجمهوري على 37 مقعدًا من أصل 169)، إضافة إلى انتقاد الأخطاء التي ترافقت في اختيار المرشحين البرلمانيين في قائمة حزب الشعب الجمهوري.
وفيما يتعلق بحزب الديمقراطية والتقدم (ديفا)، فقد انتقد غياب الجهود الكافية من جانب حزب المستقبل. إلا أن مسؤول من حزب المستقبل قال: “إذا أردنا إجراء تقييم، فمن الضروري أن نقول لم نتمكن من تلبية مطلب التغيير الاجتماعي، نحن ملامون لكن المعارضة الرئيسية بحاجة إلى مناقشة سبب عدم وصولها إلى المعدل المطلوب من الأصوات في الانتخابات”.
خلال الاجتماعات تمت مناقشة شعار الحملة الانتخابية للجولة الثانية، تم اقتراح شعار جديد “اجتياز الأيام الصعبة معًا” بدلًا من “سيأتي الربيع” في الجولة الأولى، إلا أنه تم اعتماد شعار “قرر لصالح تركيا”. ودعا كليجدار أوغلو خلال إطلاق حملته الجديدة الناخبين الذين يحبون بلدهم ولم يذهبوا إلى صندوق الاقتراع، والذين صوتوا له في الجولة الأولى، للمشاركة في التصويت في الجولة الثانية.
تتضمن الإستراتيجية الجديدة لكليجدار أوغلو عددًا من النقاط الرئيسة التي من شأنها تغيير قواعد اللعبة وعكس اتجاه الريح ومواجهة خيبة الأمل الكبيرة في أوساط أنصاره وإعادة تحفيزهم من جديد، منها:
– رفع مستوى الخطاب المعادي للاجئين وبث الخوف في نفوس المواطنين من عواقب استمرارهم في تركيا في محاولة لاستقطاب أصوات القوميين والعنصريين والمعادين للأجانب خاصة أولئك الذين صوتوا لسنان أوغان خلال الجولة الأولى. وهو ما تمثل بالادعاءات المزيفة التي أطلقها كليجدار أوغلو خلال إطلاق حملته الانتخابية الثانية إذ هاجم بشدة منافسه أردوغان بقوله “لم تحمِ الحدود وشرف البلاد.. أدخلت عمدًا أكثر من 10 ملايين لاجئ إلى هذا البلد لاستخدام أصواتهم في الانتخابات”، مضيفًا أنه خلال السنوات القادمة “سيأتي 10 ملايين لاجئ إضافي إلى تركيا في حال استمرار هؤلاء في السلطة”، في إشارة إلى حكومة تحالف الجمهور، و”سيبدأ النهب، وستكون المدن تحت سيطرة اللاجئين والمافيا والعصابات، ولن تتمكن الفتيات الصغيرات من السير في الشوارع بمفردهن”.
– انتهاج خطاب مضاد لخطاب أردوغان بشأن تعاون تحالف الأمة مع حزب العمال الكردستاني. ووفقًا لتقييمات حزب الشعب الجمهوري، فإن خطاب أردوغان عن هذا الموضوع كان فعالًا على مستوى القواعد الشعبية الأمر الذي يتطلب تطوير خطاب ضده. سيتضمن الخطاب الجديد لكليجدار أوغلو التأكيد على مناهضة الإرهاب وتسليط الضوء على علاقة حزب الدعوى الحرة (هدى بار) مع “حزب الله” التركي، والعقلية التي أدخلت منظمة إرهابية الى الجمعية الوطنية في إشارة إلى دخول حزب هدى بار في البرلمان عن طريق حزب العدالة والتنمية، والتركيز على تصريحات زعيمه بشأن تغيير القسم الدستوري، ونظرته الى النساء والأمة التركية.
– توجيه رسائل خاصة للقطاعات المستهدفة مثل الشباب والنساء، والتركيز على عدم رضا المواطن عن أداء أردوغان وحزب العدالة والتنمية خاصة في الجانب الاقتصادي.
– الحفاظ على ناخبيه والحصول على ناخبين جدد، وحماية الدعم الذي تلقاه كليجدار أوغلو من تحالف العمل والحرية بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي في الجولة الأولى، واللقاء مع الناخبين الذين لديهم مخاوف أمنية، ومحاولة الوصول إلى نحو 8 ملايين ناخب لم يصوتوا خلال الجولة الأولى والناخبين الذين أدلوا بأصواتهم الباطلة، وسيتم مواصلة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بقوة لتحقيق هذا الهدف.
– التركيز على القومية باعتبارها أحد المبادئ الست لحزب الشعب الجمهوري (مبادئ أتاتورك)، واستمرار الاتصالات مع تحالف الأجداد وأبرز قياداته مثل أوميت أوزداغ وسنان أوغان، بهدف استقطاب الناخبين الذين صوتوا لسنان أوغان في الجولة الأولى.
– التقليل من أهمية فوز تحالف الجمهور بالأغلبية البرلمانية، وأنه في حال فوز كليجدار أوغلو بمنصب الرئاسة قد تحدث بعض الأزمات الرمزية بين الرئيس والبرلمان لكن سيتم التغلب عليها، على سبيل المثال إذا منع البرلمان إقرار الموازنة فيمكن تمديدها. ويأتي ذلك لإقناع الناخبين بعدم الاستسلام بأن أصواتهم لن تفيد في المرحلة المقبلة. فالكل يتحدث عن أن 49.5% قريب جدًا من 50%. قد يؤدي هذا إلى هروب ناخبي تحالف الأمة، لذا من الضروري إظهار أن هناك أمل، وأن التصويت مفيد.
– التركيز على الميدان بشكل أكبر، إذ من المتوقع أن يزور كليجدار أوغلو عددًا من المناطق بما فيها تلك التي تضررت من الزلزال، والاجتماع مع قادة الرأي والفنانين والممثلين وشخصيات معروفة في مجال ألعاب الفيديو للتأثير على السلوك الانتخابي للشباب.
من سيحظى بأصوات سنان أوغان؟
حصل سنان أوغان على 5.17%، أي أكثر من 2.8 مليون صوت، وهو رقم جيد من شأنه أن يغير المعادلة في حال اتجهت هذه الأصوات إلى أحد المرشحين في الجولة الثانية. لكن هؤلاء الناخبين غير معروفين جيدًا من حيث الإيديولوجيا أو العمر أو أنهم يقفون على اليمين أو اليسار في السياسة، أو يعيشون في المدن أو القرى، وبالتالي لا يشكلون كتلة حزبية صلبة يمكن توجيهها من سنان أوغان أو أوميت أوزداغ، خاصة أن هؤلاء صوتوا لأوغان دون أن يصوتوا لتحالفه وهو ما يفسر عدم حصول تحالف الأجداد على أي ممثل في البرلمان.
ربما صوت هؤلاء لأوغان لأنه قومي، أو لأنه مناهض للاجئين، أو لأنهم يشاطرونه نفس الفكرة بشأن القضية الكردية، أو صوتوا كرد فعل على انسحاب محرم إنجه. كل هذه الأسباب قد تجعل من الصعوبة على أوغان إحضار هؤلاء الناخبين لصالح أحد المرشحين حتى في حال اتفاقه مع أحدهما. لذلك ليس هناك ما يضمن أن سنان أوغان سيضيف النقاط الخمسة التي حصل عليها في الجولة الأولى إلى رصيد المرشح الذي سيتوافق معه خلال الأيام المقبلة.