حملات لإجبار مسلمي الهند على التحول إلى الهندوسية

شهدت الهند الأسبوع الماضي حالة من الحالات المتكررة للصورة التي وصل إليها الصراع الطائفي الآن، فقد تم رصد حوالي خمسين عائلة من المسلمين الفقراء وقد تم جمعهم في حفل في مدينة أجرا شمالي الهند في حي فقير لجامعي القمامة، وقام النشطاء الهندوسيون بإقناعهم بأنهم سوف يتسلمون في هذا الحفل كروت هوية حكومية تثبت أنهم تحت الخط الفقر؛ مما سيجعل لهم الحق في الحصول على المساعدات الحكومية التي يأخدها الفقراء كنوع من أنواع الدعم خصوصًا في قطاعي الصحة والتعليم.
لكنهم وبعد أن ذهبوا لحضور ذلك الحفل المثير للجدل قام كاهن هندوسي وطلب منهم ترديد عبارات ورمي بعض القرابين في النار المقدسة أمام الأصنام الهندوسية، ثم قام نفس الكاهن بعدها بالترحيب بالعائلات المسلمة في الحظيرة الهندوسية؛ مما جعل العائلات المسلمة في حالة من الذهول التام والتي جعلتهم غير مدركين لما تم وكيفية خروجهم من الدين عن طريق تلك الحيلة الماكرة.
وقد خلقت تلك الحادثة ومثيلاتها في السنوات السابقة حالة واسعة من الضجة في وسائل الإعلام الهندية حتى وصلت إلى البرلمان الهندي الذي تناقش أعضاؤه حول دور رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” وحزبه “بهاراتيا جاناتا” الحاكم ودور ذلك الحزب الهندوسي القومي في دعم الجماعات التي تقوم بتلك الحفلات المثيرة لتحويل الهنود إلى الهوية والديانة الهندوسية عن طريق الحيل واستغلال سذاجتهم وفقرهم.
لكن أحد أفراد جماعة “باجرانغ دال” والتي نظمت ذلك الحفل الأخير قد أشار إلى أن الحفل كان في مكان مفتوح وكانت عمليات تغيير الدين طوعية ولم يتم فيها أي نوع من أنواع القسر أو الإجبار وأن تلك الفعاليات تتم منذ عشرات السنين دون مشكلة.
الجدير بالذكر أن الجماعات الهندوسية المتشددة قد بدأت تنظيم حملات إعادة تحويل الأديان في السنوات القليلة الماضية، وقد أطلقوا على تلك الحملات اسم “العودة إلى الوطن”.
وفي سياق متصل، انتقد قادة إسلاميون تلك الحفلات التي تُخرج المسلمين من دينهم بشكل جماعي، وأشاروا إلى أن البدء في مثل تلك العمليات سوف يشعل فتيل الفتنة بين المواطنين وإذا انتشرت مثل تلك العمليات فإنها سوف تتحول إلى أعمل شغب.
كما أشار سياسيون معارضون إلى أن الجماعات الهندوسية في الهند تحاول إغراء المسلمين الفقراء بطعام رخيص وخداعهم لكي يتحولوا عن الإسلام، واتهموا هذه الجماعات بأن لها “برنامجًا شيطانيًا” لتقويض التنوع الديني، حيث قال “أناند شارما” زعيم حزب “المؤتمر” المعارض للبرلمان: “يجب أن يتأكد البرلمان من عدم انتهاك دستور الهند .. هذا برنامج شيطاني”.
ويمنح الدستور الهندي حقوقًا دينية متساوية للجميع، لكن خمس ولايات هندية قد قامت بسن قوانين صارمة من أجل منع أي شكل من أشكال العمليات التي تكون بغرض تحويل الأديان عن طريق الإغراء أو إبراز القوة، وقابل حزب “بهارتيا جاناتا” تلك القوانين بحفاوة شديدة بل وطالب بتطبيقها بشكل عام في الهند، كان ذلك من أجل صد الحملات التبشيرية الضخمة التي كانت تهدف لتحويل المواطنين من الهندوسية للمسيحية.
لكن الجماعات الهندوسية المتطرفة استغلت فوز الحزب الساحق في الانتخابات في مايو الماضي وتشكيل غطاء سياسي قوي لأنشطتها، وقامت بتنظيم العديد من تلك الفعاليات بل وتهدف للقيام بفعاليات قوية في مناسبة العام الميلادي الجديد.
فيما صرح نائب المفتش العام للشرطة في منطقة عليكرة الهندية للصحفيين يوم الأحد “لن يُسمح بأي فاعلية يوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر الحالي سواء كانت فاعليات التحويل أو أي شيء مشابه لها”.
وتشهد الهند – التي تعد من أكثر الدول في العالم تنوعًا في الدين والعرق واللغة، منذ استقلالها عن الحكم البريطاني عام 1947 – العديد من الاضطرابات الطائفية والعرقية بين الهندوس من ناحية والأقليات الأخرى من ناحية أخرى، وقد تحوّلت تلك الاضطرابات في فترة من الفترات إلى أعمال دموية أودت بحياة العديد من مواطني الهند وقاداتها.
وكان من أبرزهم “المهاتما غاندي” قائد حركة استقلال الهند والذي تم اغتياله علي يد هندوسي متعصب في يناير 1948 بسبب تسامحه مع المسلمين ودعوته لاحترام حقوق الأقلية المسلمة في الهند، ذلك بالإضافة إلى اغتيال “أنديرا غاندي” رئيسة الوزراء على يد سيخي متطرف (السيخية ديانة بدأت في شمال الهند في القرن السادس عشر) في أكتوبر عام 1984 والذي قام بقتلها انتقامًا لرد الدولة العنيف تجاه حركة العصيان التي قام بها السيخ واقتحام معبدهم الذهبي في أمريتسار في شمال غربي الهند.
وعلى مر السنين اتخذ الصراع شكلاً آخر في دولة تقوم على أساس “ديموقراطي علماني” وهو ما يجعل بعض مواطنيها يفتخرون بأنهم من أكبر الديموقراطيات في العام، فقد أصبح الصراع أقل دموية بين معتنقي الديانة الهندوسية، الأكثر انتشارًا حيث تمثل حوالي 82% من إجمالي تعداد السكان، وبين الأقليات الأخرى التي تتشكل من مسلمين بنسبة 13% من إجمالي السكان والبقية عبارة عن مسيحين وديانات أخرى.
ومع ذلك، لم يسلم بعضهم من تطرف بعض الجماعات الهندوسية القومية التي ترى أن كل مواطني الهند هم في الأصل هندوسيون ويجب إعادتهم إلى تلك الديانة إما بالخداع والحيلة واستغلال ظروف المواطنين أو بالجبر والتهديد.