حذرت منظمة اليونيسف في بيان لها من مغبّة انعدام الأمن الغذائي على أطفال إقليم القرن الأفريقي (إرتيريا، جيبوتي، الصومال، إثيوبيا، ويُدخل فيه بعض الجغرافيين السودان وكينيا)، لافتة أن قرابة 7 ملايين طفل دون سن الخامسة في كل من إثيوبيا والصومال وكينيا يعانون من سوء التغذية الحادة، من بينهم 2 مليون يواجهون خطر الموت المحدق.
التحذيرات ليست الأولى من نوعها، في ظل ما تعاني منه تلك البقعة في شرق القارة الأفريقية من أزمات غذائية خانقة، تعمّقت بشكل أكبر خلال الأعوام الأربعة الماضية جرّاء جائحة كورونا، ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية التي أحدثت هزة عنيفة في جدار الغذاء العالمي، سواء من حيث الوفرة أو الأسعار.
ويحتل هذا الأقليم الواقع على رأس مضيق باب المندب أهمية عالمية محورية، فهو منطقة استراتيجية وحيوية للتجارة الدولية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وذلك لجغرافيته الاستراتيجية التي أسالت لعاب القوى الاستعمارية قديمًا وحديثًا.
حيث يحدّه من الجنوب المحيط الهندي، ومن الشمال البحر الأحمر، ويطل على خليج عدن، وملاصق لآبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي، بجانب قربه من إقليم البحيرات العظمى في وسط أفريقيا حيث الثروات النفطية والمعدنية الهائلة، وعليه ظلَّ على مرّ التاريخ ساحة للتنافس الاستعماري بين مختلف القوى.
20 مليون طفل على قوائم الموت البطيء
في ديسمبر/ كانون الأول 2022، قالت الأمم المتحدة إن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية وعلى مشارف الجوع الشديد والمرض ومن ثم الموت، إن لم يتم تدارك الأمور، يبلغ نحو 20.2 مليون طفل في إثيوبيا وكينيا والصومال، لافتة أن هذا العدد ارتفع تقريبًا بنسبة تتجاوز 100% في أقل من 6 أشهر، حيث قفز من 10 ملايين طفل في يوليو/ تموز 2022 إلى أكثر من 20 مليون بنهاية العام ذاته.
وحذّرت اليونيسف من أن هناك نحو مليونَي طفل في البلدان الثلاث بحاجة إلى علاج عاجل من سوء التغذية الحاد، وإلا سيكون الموت هو السيناريو الأقرب، منوهة أن قرابة 2.7 مليون طفل امتنعوا عن الذهاب للمدارس بسبب الجفاف وعدم القدرة على الحصول على الغذاء، هذا بخلاف 4 ملايين طفل آخرين على وشك التوقف عن استكمال دراستهم.
وبصفة عامة، هناك أكثر من 26 مليون شخص في منطقة القرن الأفريقي يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ففي الصومال يواجه 40% من السكان، حوالي 6 ملايين مواطن، تلك المعاناة، وفي إثيوبيا لا يجد 7.2 ملايين شخص قوت يومهم بسبب الجفاف الذي تعاني منه البلاد منذ عام 1981.
أما في كينيا، فهناك 3.1 ملايين شخص يواجهون مخاطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، علمًا أن الجوعى في هذا البلد لم يتجاوزوا نصف مليون شخص قبل عامَين فقط، ما يعني أنهم ازدادوا بنسبة 600% في 24 شهرًا.
وفي المجمل، تذهب تقديرات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن هناك نحو 346 مليون شخص في أفريقيا، ما نسبته 25% من سكان القارة، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، فيما يقبع 27 مليون منهم في الجوع الحاد، ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 37 مليونًا بنهاية العام الجاري.
تغيُّر المناخ وأسباب أخرى
كشف تحليل أجرته شبكة “وورلد ويذر أتريبيوشن” (WWA)، في27 أبريل/ نيسان 2023، عن أسباب انعدام الأمن الغذائي في منطقة القرن الأفريقي، والجفاف يتصدر تلك الأسباب، حيث تسبّب في إجاعة نحو 4.35 ملايين شخص في تلك المساحة الصغيرة نسبيًّا.
وتشير التقديرات إلى وفاة 43 ألف شخص في الصومال بسبب الجفاف عام 2022، هذا بخلاف 22 مليون شخص آخرين باتوا مهددين بالجوع في الدول الثلاث الأكثر تضررًا، وهي إثيوبيا وكينيا والصومال، فيما أرجع التحليل تفاقم ظاهرة الجفاف إلى زيادة انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، ما يجعل حدوث الجفاف أكثر احتمالًا بما لا يقلّ عن 100 مرة.
وفي دراسة أمريكية أخرى نشرتها مجلة “مستقبل الأرض”، كشفت أنه بحلول عام 2075 لن تكفي موارد القارة الأفريقية سوى لإطعام 1.3 مليار نسمة فقط من إجمالي 3.5 مليارات نسمة، وهو تعداد سكان القارة المتوقع حينها، ما يعني أن أكثر من 60% من الأفارقة سيواجهون خطر الجوع، وما يترتب عنه من أمراض قد تفضي إلى الموت أو إشعال حروب الغذاء الأهلية.
وأرجعت الدراسة انعدام الأمن الغذائي في القارة إلى عدة أسباب، أبرزها تدهور الأراضي الزراعية بسبب التعرية الشديدة وزيادة ملوحة الأرض وضعف البنية التحتية؛ الصراعات والنزاعات، حيث يعيش 60% من جياع العالم في مناطق النزاع، وأغلبهم في أفريقيا؛ التحولات المناخية التي يتوقع أن تخفض الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا بنسبة 15% بحلول عام 2030 (ما يعني أن 100 مليون شخص آخر سيواجهون الفقر بعد 7 سنوات من الآن).
كذلك من أبرز الأسباب جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، ثم الحرب الروسية الأوكرانية التي تسبّبت في قفزة هائلة في أسعار السلع ونقص الإمدادات الغذائية، إذ إن طرفَي الأزمة يحتكرون أكثر من ثلث إنتاج العالم من الحبوب.
ضرورة التحرك العاجل.. الوضع كارثي
القفزة الجنونية التي شهدتها أعداد الجوعى في القرن الأفريقي من 13 مليون نسمة عام 2020 إلى 22 مليون بنهاية عام 2022، تكشف وبشكل كبير مستوى الكارثة ومداها إن لم يكن هناك برامج عاجلة لإنقاذ سكان هذا الإقليم، فبحسب آخر تقرير لبرنامج الغذاء العالمي نُشر في 23 يناير/ كانون الثاني، اضطر أكثر من 1.7 مليون شخص إلى مغادرة منازلهم بحثًا عن الماء والطعام.
وتحذّر المنظمات الإنسانية من تفاقم الأمر مستقبلًا، حيث تذهب كافة التقديرات إلى أن الوضع سيزداد سوءًا في الأشهر المقبلة، في ظل تراجع نسب ومعدلات الأمطار، فيما أعرب البعض عن تخوفه من تعرض دول تلك المنطقة إلى عاصفة جديدة أسوة بجائحة كورونا، ما ينجم عنها تداعيات كارثية على الأطفال والنساء وكبار السن تحديدًا.
وتناشد منظمة اليونيسف المجتمع الدولي للتدخل وتقديم سبل الإنقاذ العاجلة، فيما أعلنت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية “أنّ شخصًا يموت من الجوع كل 36 ثانية بين إثيوبيا وكينيا والصومال، في الوقت الذي يعاني 18.6 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد في الساحل”.
من جانبها، توقعت الباحثة ماتيلد كاسبر من منظمة “كير” غير الحكومية، “أن يواجه أكثر من ثلث السكان في الصومال -6.5 ملايين شخص- أزمة غذائية بين أبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران، مع توقُّعات بحدوث مجاعة… أي نقص شديد في الغذاء قد يسبّب وفيات”، فيما أرجع زميلها لويس نيكولا جاندو هذا الوضع إلى “تقاعس دائم من جانب الدول الغنية”، وذلك بينما “بالكاد تمّت تلبية 62% من احتياجات التمويل الإنساني” في هذه المناطق عام 2022.
وكشف بيان صادر عن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC)، أن ما يقرب من مليون شخص أُجبروا على ترك منازلهم بحثًا عن الطعام والماء في أجزاء من الصومال وكينيا خلال الأشهر الماضية، وأضاف: “مع استمرار أزمة الجوع الكارثية، فمن المتوقع أن يزداد الوضع سوءًا خلال عام 2023”.
أما رئيس وفد كينيا والصومال بالاتحاد، محمد بابكر، فحذّر قائلًا: “إن ملايين الأرواح في خطر، لكن بينما يعمل المجتمع الإنساني على تسريع استجابته، يجب علينا ضمان عدم تكرار أخطاء العقود الماضية، من المهم أن تكون المساعدات ليست فقط متاحة، بل ممكن وصولها إلى الأشخاص المناسبين بطريقة فعّالة”.
مكملًا: “معظم العائلات المتضررة هي من المجتمعات الرعوية، وهي في الغالب من البدو، ولا يمكن الوصول إليها إلا من قبل أولئك القريبين منها بما يكفي لمواكبة تحركاتها وتقديم المساعدة من دون انقطاع. الاستجابة المحلية أمر أساسي”.
يبدو أن الأمور ستستمر، وأن الوضعية الراهنة طويلة الأمد في ظل البقاء على ذات السياسات والمسبّبات التي أدّت إلى تلك الحالة، وهو ما دفع مدير منظمة “أنقذوا الأطفال” غير الحكومية في إثيوبيا، كزافييه جوبير، إلى التعبير عن ذلك صراحة، حين قال: “لا تلوح نهاية في الأفق لأزمة الجوع، أصبحت الحاجات هائلة، وهناك حاجة ماسّة إلى أموال إضافية”.
فهل ينتظر العالم كارثة إنسانية جديدة للتحرك؟ لكن هذه المرة سيكون الضحايا بالملايين من الأطفال ومعهم النساء بطبيعة الحال.