عام 1978 أسّست مجموعة من الصحفيين الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في وسائل إعلام إسرائيلية ناطقة بالعربية “رابطة الصحفيين العرب” في القدس، ومنحهم الاحتلال الإسرائيلي ترخيص عمل لهذه الرابطة حسب القانون العثماني للجمعيات عام 1898.
وفي عام 1981 أعطى الشهيد خليل الوزير “أبو جهاد” توجيهاته للصحفيين الفلسطينيين بالدخول إلى هذه الرابطة، وبالفعل تمَّ ذلك، ودخلوا بأعداد كبيرة وضغطوا باتجاه انتخابات في الرابطة أسفرت عن إقصاء المجلس السابق للرابطة، وأصبح هناك مجلس جديد برئاسة أكرم هنية، بعد نحو 3 سنوات اُبعد هنية بأمر من الاحتلال الإسرائيلي إلى خارج البلاد، ومنذ عام 1984 إلى عام 1990 كان رضوان أبو عياش هو رئيس الرابطة.
ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 تحوّلت إلى نقابة صحفيين، وحصلت على ترخيص من وزارة الداخلية الفلسطينية، وانتقلت من القدس إلى رام الله، وبقيَ نعيم الطوباسي رئيسًا للنقابة من عام 1991 إلى عام 2010، إذ كان القرار بإقصائه عن النقابة وعمل نظام داخلي، وهذا ما حدث عام 2012.
أما عام 2014 جرى إقرار نسخة جديدة من النظام الداخلي من قبل المجلس الإداري وليس من قبل الهيئة العامة للنقابة، وبالنسبة إلى منظمة التحرير الفلسطينية فإن أي هيئات شعبية ليس لها قوانين مثل العمال والمعلمين، فهي تتبع النقابات والاتحادات الشعبية في المنظمة.
اللافت أن خلال هذه السنوات التي تلت تأسيس النقابة، لم يستطع الصحفيون المحسوبون على حركة حماس أو الجهاد الإسلامي والمستقلون من الحصول على عضويات في الجسم النقابي، لاعتبارات سياسية بحتة كانت إدارة النقابة تضعها في طريقهم.
وتحكمت المؤسسة الرسمية والأجهزة الأمنية في إدارة الجسم النقابي، سواء عبر اختيارات النقيب وأعضاء مجلس إدارة النقابة أو حتى النظام الداخلي الذي يضمن سيطرة حركة فتح وبعض فصائل منظمة التحرير عليها، بعيدًا عن تمثيل حقيقي للصحفيين الفلسطينيين.
وسعت الكتل الصحافية مرارًا لإنهاء هذه الأزمة، إما بالحوار مع جسم النقابة، وإما عقد لقاءات مع القائمين عليها تنهي شكل النقابة الحالي، وإما من خلال تأسيس نقابة رديفة في غزة كما حصل عام 2012، حينما انتُخِبَ جسم نقابي شاركت فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي وبعض الشخصيات، غير أن هذا الجسم لم يدم طويلًا، وعادت الأزمة إلى سابق عهدها في ظل عدم الاعتراف بها.
في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، عُقد مؤتمر استثنائي لنقابة الصحفيين قاطعته غالبية الكتل الصحافية، شهد إقرار مجموعة من التعديلات على النظام الداخلي، وهو ما ساهم في زيادة الأزمة كثيرًا تجاه الجسم النقابي، وعزز من ضرورة المقاطعة بالنسبة إلى المعارضين.
وشهدت المادة 2 من نظام 2023 توسيع تعريف الصحفي، بحيث أصبح فضفاضًا من خلال إدراج العاملين في دوائر الإعلام في المؤسسات الأخرى ضمن تعريف الصحفي، دون أي تحديد وتوضيح لما يعنيه ذلك.
ويمكن تفسير ذلك من خلال وجود أعداد كبيرة في سجلّ العضويات المنشور مؤخرًا، كما تمّت إضافة كتّاب الأعمدة والمقالات دون أي تفصيل أو تقييد أو شروط ضمن تعريف الصحفي، ومن المهم الإشارة إلى أن كتّاب مقالات الرأي والأعمدة ليسوا بالضرورة صحفيين.
ووفق النظام ذاته، شهدت المادة 5 من نظام 2023 إعطاء الحق للعاملين في العلاقات العامة والإعلام في دوائر منظمة التحرير الحصول على عضوية النقابة، في حين أنهم لا يمارسون مهنة الصحافة بل هم موظفو علاقات عامة، في حين كان النظام الداخلي عام 2011 يعطي مدرّسي الإعلام عضوية الشرف في النقابة.
وأعطى النظام الداخلي عام 2023 في المادة 9 مدرّسي الإعلام العضوية العاملة، بينما هم غير ممارسين للمهنة بمعظمهم، بل أكاديميين تمثلهم نقابات العاملين في الجامعات وتدافع عنهم، ويمكن وضع شرط ممارسة مهنة الصحافة إلى جانب التدريس في الجامعات والكليات.
وفي المادة 15 من نظام 2023، كان يفرض النظام الداخلي 2011 أن تبلّغ لجنة العضوية المتقدمّ بالطلب بردّها خطيًّا، مع بيان الأسباب وحيثياته في حال رفض الطلب لمدة لا تتجاوز الأسبوع، بينما اكتفى نظام 2023 بالإبلاغ خلال شهر دون الإشارة إلى وجوب أن يكون الرد خطيًّا، وشهدت المادة ذاتها إعطاء المتقدم حقّ الاعتراض على قرار لجنة العضوية، لكنه يجعل قرار الأمانة العامة في النظر بالاعتراض قطعيًّا، دون الإشارة إلى الحق في التقاضي أمام المحاكم.
وتعطي المادة ذاتها العضو العامل حق الحصول على شهادة مزاولة مهنة الصحافة، دون أن يكون هناك نظام مزاولة محدد في النظام، أو الإشارة إلى ضرورة وجود نظام، وبالأساس فإن نظام النقابة الداخلي يفترض عمل الصحفي قبل حصوله على العضوية، بينما نظام المزاولة عادة في النقابات يمنع ممارسة المهنة قبل الحصول على شهادة المزاولة التي تكون وفقًا لامتحان واختبار معياري عادةً.
وكان نظام 2011 يحدد من يرأس مؤتمر الهيئة العامة، وهو أكبر الأعضاء سنًّا، ويشترط أن يكون أعضاء هيئة رئاسة المؤتمر من غير المرشحين، يفتح النظام الداخلي 2023 المجال لاختيار الهيئة العامة هيئة الرئاسة دون شروط، وأهم الشروط التي من المفترض أن تبقى أن يكونوا من غير المرشحين لانتخابات النقابة.
وأزيلت كامل المادتَين 39 و40 من النظام الداخلي للعام 2011، وهما تحويان إجراءات لشفافية عملية الاقتراع والفرز، مثل أن يكون مكان الاقتراع في مكان المؤتمر نفسه، وتحديد أماكن وأدوار المراقبين وممثلي القوائم، وحق تسمية القوائم لـ 3 مراقبين لعمليتَي الاقتراع والفرز من أعضاء النقابة من غير المرشحين.
واقع نقابة الصحفيين.. جذور الأزمة
عام 2010 كان أول حراك كبير لإصلاح نقابة الصحفيين الذي لم يكن ليحدث دون التخلص من النقيب نعيم الطوباسي، الذي تمّت مساومته بمنصب وكيل وزارة مقابل ترك النقابة، وجرت الانتخابات في النقابة على أسُس ومحاصصة فصائلية بين حركة فتح ومنظمة التحرير.
المدهش أن الاجتماعات المهمة الخاصة بالنقابة وإدارتها كانت تتم في الكلية الأمنية في أريحا بالضفة الغربية المحتلة، وكانت فئة كبيرة من المشاركين من المحسوبين على حركة فتح، وكان توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح هو من يحدد أعضاء مجلس إدارة النقابة.
وجرت عام 2010 أول انتخابات شارك بها الصحفيون في قطاع غزة، قبل أن يتم الذهاب إلى الانتخابات للمرة الثانية عام 2012 التي شهدت تأسيس أول قائمة مستقلة من خلال كتلة الصحفي المستقل، التي كانت أكبر كتلة صحافية بعد كتل حركة فتح في نقابة الصحفيين.
ودائمًا ما كانت النقابة في أعوام 2010 و2012 تحت جناح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الطيراوي، إذ كانت النقابة تخضع للمحاصصة الفصائلية، وتشهد حضورًا للإعلام الرسمي والمؤسسات المحسوبة على السلطة الفلسطينية أو عاملين في الأجهزة الأمنية.
ووفق إفادة الصحفيين، فإن الأمر لم يقتصر عند هذا الحد، بل إن سائقين في الإعلام الرسمي كانوا يحصلون على العضوية من خلال أوراق رسمية من التلفزيون أو الإذاعة أو وكالة الأنباء الرسمية بأنهم يعملون في هذه المؤسسات، وهو ما كان يقود إلى عضويتهم في الجسم النقابي.
وكان الهدف من وراء منح العاملين في المؤسسة الإعلامية الرسمية المحسوبة على السلطة ومنظمة التحرير، ضمان أغلبية عددية داخل الجسم النقابي للصحفيين، تمكّن من بقاء السيطرة على النقابة عند إجراء أي انتخابات أو محاولة تمرير قرارات خاصة بالنقابة.
ويعد تعريف “الصحفي” هو الجذر الرئيسي لأزمة نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ففي الوقت الذي يُحرَم فيه مراسلون ومحررون صحفيون أو مقدمو البرامج والنشرات من الحصول على العضوية، كان آخرون يحصلون على هذه العضوية بمنتهى السهولة.
أعضاء النقابة.. هل هناك أعضاء أجهزة أمنية؟
يعد ملف العضويات أحد الملفات “الساخنة” نتيجة للارتفاع الكبير وغير المسبوق في عدد الأعضاء، مقارنة مع العدد السابق الذي شارك في المؤتمر العام سنة 2012، فمن أصل 1000 عضو تقريبًا شارك منهم نحو 800 في انتخاب مجلس النقابة، وصل عدد أفراد الجسم حاليًّا إلى 2622 عضوًا وفقًا للكشف الصادر الشهر الماضي.
وبحسب هذا الكشف، فإن الكتل الصحافية الفلسطينية تؤكد أن عددًا ليس بالقليل من الأسماء الواردة في كشف أسماء الجمعية العمومية ضمن الإعلان الصادر عن النقابة ليسوا صحفيين مزاولين للمهنة، إضافة إلى كون عدد منهم محسوبًا على المؤسسة الأمنية الفلسطينية في الضفة المحتلة، بالإضافة إلى موظفين مفرغين على مؤسسات مدنية وأفراد أجهزة أمنية أو عاملين في جامعة الاستقلال برام الله.
وشهد الكشف النهائي قيام لجنة العضويات ونقابة الصحفيين الحالية بنشر الأسماء فقط، دون نشر تفاصيل متعلقة بالمدينة أو الوسيلة الإعلامية التي يتبع لها الصحفي، وهو ما رأت فيه بعض الأطر الصحفية محاولة لتمرير مئات الأسماء من غير الصحفيين.
وإلى جانب ذلك، تمَّ إدراج جميع أسماء العاملين في أقسام الإعلام والعلاقات العامة في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في عضوية نقابة الصحفيين الفلسطينيين، رغم أن بعضهم لا يمارسون مهنة الصحافة، ويعملون داخل هذه المؤسسات في مواقع وظيفية مختلفة.
في الوقت ذاته، لم تقم بعض الأسماء الواردة في الكشف النهائي بتجديد العضوية أو تطلب ذلك، علاوةً على قيام النقابة بإسقاط عضوية عدد من أعضاء الجسم النقابي للصحفيين بذريعة عدم تجديد اشتراكاتهم، رغم أن هذا الأمر لا يسقط العضوية عملًا بالنظام الداخلي الحالي أو الذي تمَّ تعديله.
ووفق هذه الكشوفات، فإن نسبة الزيادة بلغت 160%، في الوقت الذي تمَّ فيه منع صحفيين حقيقيين يعملون في الميدان من الحصول على بطاقة النقابة الصحافية، بحيث تمَّ تغيير شروط العضوية لتصبح منطبقة على العاملين في المؤسسات الرسمية.
متى تنتهي الأزمة.. النقابة مختطفة
يجمع الصحفيون المستقلون والمعارضون للجسم النقابي على أن النقابة مختطفة حاليًّا من كبار الموظفين في مؤسسات السلطة ومدراء عامين في السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى الفصائل ممثَّلة في حركة فتح التي تضم النقابة أعضاء في مجلسها الثوري.
وعلى سبيل المثال، فإن ناصر أبو بكر، نقيب الصحفيين الفلسطينيين، يعمل كمدير عامّ لتلفزيون السلطة الرسمي، إلى جانب جهاد القواسمة أحد أعضاء إدارة النقابة، وهو مدير تلفزيون السلطة في الخليل، أما منتصر حمدان فهو مدير العلاقات العامة في هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، أما محمد اللحام فهو مدير عامّ في وكالة الأنباء الرسمية “وفا”، وعضو مجلس ثوري في حركة فتح وضمن إدارة الجسم النقابي.
وتعكس هذه الأسماء جميعها قيام فصائل منظمة التحرير بفرز ممثلين عنها داخل الجسم النقابي للصحفيين، للاستفادة من المخصصات المالية وإدارة نقابة الصحفيين، دون أن يكون هناك تمثيل حقيقي للصحفيين داخل الجسم الذي من المفترض أن يمثلهم.
وتضمّ النقابة فصائل يطلق عليها فلسطينيًّا وصف “الميتة إكلينيكيًّا”، وجميعها منضوية تحت إطار منظمة التحرير إلا أنها ممثلة داخل الجسم النقابي للصحفيين، وهو ما يجعل هؤلاء مستفيدين من المكاسب التي توفرها النقابة لهم، ويجعلهم يمنعون الجميع من الدخول في النقابة.
مستقبل النقابة.. جسم للإعلام الرسمي
رغم حالة الرفض القائمة للجسم النقابي الحالي بشكله القائم، ورفض الكتل الصحافية في غزة والضفة الغربية المحتلة للواقع، فإن النقابة عقدت مؤتمرها العام على مستوى الضفة والقطاع بمقاطعة واسعة من الصحفيين الحقيقيين، وسط مشاركة ساحقة لممثلين عن الإعلام الرسمي.
وشهد المؤتمر العام للجسم النقابي عدم ترشح أي قائمة لإدارة النقابة للدورة المقبلة، باستثناء قائمة وحيدة مكررة للإدارة السابقة، وتضم في عضويتها ممثلين عن حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، فيما لم تترشح أي قائمة مستقلة أو معارضة للجسم القائم خلال الفترة الماضية.
وبالتالي، لا تزال النقابة لا تمثل الصحفيين، وتقتصر على خطاب السلطة الفلسطينية وممثلين عن منظمة التحرير فقط، فيما بقيَ الصحفيون الفلسطينيون ينتظرون على أحرّ من الجمر وجود جسم يمثلهم ويعبّر عنهم، ويعمل على حلّ مشاكلهم وأزماتهم الداخلية.
ومع ترشح قائمة واحدة فقط، فإن هذه القائمة فازت بالتزكية كنتيجة حتمية لغياب التمثيل الصحافي، وامتناع الكتل الصحافية الأخرى عن الترشح نظرًا إلى طعنها في سجلّ العضويات، وعدم القبول بالواقع القائم حاليًّا، فيما تكتفي كتل منظمة التحرير الصحافية بالإشارة إلى أن الفصائل المعارضة تريد المحاصصة.