في ظلّ ما تشهده المرحلة الانتقالية في مصر من حالة جمود بعد الانقلاب العسكري ومستويات جديدة من المشاعر المعادية للولايات المتحدة، اضمحلّت الآمال بأن تلعب الولايات المتحدة دوراً إيجابياً في رعاية الديمقراطية المصرية. وفي ظلّ تأثير واشنطن المحدود ونقص مواردها، لجأت الولايات المتحدة منذ بداية الربيع العربي إلى نهج يشبه نهج “المساومات الاستبدادية” الذي اعتمدته في السابق.
لذلك يجب إجراء مراجعة شاملة للسياسة الأمريكية تجاه مصر.
هذا ما تقترحه ورقة كتبها “شادي حميد” و “بيتر ماندفيل” ضمن أوراق مركز بروكنجز بعنوان “انقلاب اللاعودة: الولايات المتحدة أمام إعادة ترتيب أولوياتها في مصر”
يقول الباحثان أن عدم استخدام أوراق الضغط الأمريكية ومن أهمها ورقة المساعدات العسكرية الأمريكية التي كان يجب على الولايات المتحدة وإدارة أوباما وقفها طبقا للقانون الأمريكي، سببه ليس انعدام نفوذ الولايات المتحدة في مصر وإنما غياب الرغبة السياسية في استخدامه.
يؤكد حميد وماندفيل أنه في حال أبدت قوات الجيش والأمن استعدادها لوقف حملة القمع التي تمارسها والبدء بإعادة دمج أنصار مرسي في العملية السياسية، يمكن عندها – وعندها فقط – للموقف الأمريكي أن يتحول من العقاب إلى المكافأة. وهذا يمكن أن يتضمّن تعهدات بدعم مصر في المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
كذلك، ينبغي توفير مساعدة إضافية من خلال قنوات جديدة، منها “منحة متعددة الأطراف للإصلاح”، والتي من شأنها تجميع مساهمات متعددة السنوات من الدول المانحة، على أن يكون المبلغ المستهدف 5 مليارات دولار على شكل مساعدات جديدة للبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية.
وفي حين أن الاعتقاد السائد في الأوساط الأمنية والعسكرية الأمريكية أن أهمية مصر وأهمية الدعم العسكري لها يكمن فقط في اتفاقية كامب ديفيد وحماية أمن إسرائيل، حيث تلعب مصر دورا أمنيا في حماية دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الباحثان يمتلكان رأيا مغايرا
فبحسب الورقة فقد أصبح من الضروري تخطي أساطير كامب ديفيد كخطوة أولى لإعادة تخيل العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر. إذ أنها تمثل بداية لتحول أوسع يجب أن يحدث – تحول ينبغي له أن يشكّل إعادة تشكيل العلاقة الثنائية ككل.
وينبغي الآن أن تركز هذه العلاقة على بناء مصر قوية وديمقراطية تعتمد على نفسها، بدلاً من بلد يتوجب دعمه كجزء من التوازن الجغرافي السياسي الإقليمي. على المدى الطويل، ستستمد مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية فائدةً أكبر من مصر تتمتع حكومتها بالشرعية بأعين سكانها، الأمر الذي يشكل المصدر الرئيسي للاستقرار.
ثمة حاجة للتمييز في شكلٍ واضحٍ بين المصالح القصيرة والطويلة الأجل، وهو أمر فشلت كل من إدارة بوش وإدارة أوباما في تحقيقه.
بحسب الورقة ستواجه الولايات المتحدة بعض الأوقات – ولاسيما حين يصوّت العرب للأحزاب الإسلامية والقومية – التي ستجد في خلالها أن جهودها الرامية إلى تعزيز الديمقراطية ستقوّض من مصالحها القصيرة المدى. يتوجب على صانعي السياسات الاعتراف إلى أقصى حد ممكن بهذا الواقع و“البقاء على المسار”، مع العلم بأن اتساق السياسات سيحقق ليس بالضرورة على الفور إنما على المدى البعيد مكاسب للسياسة الأمريكية.
الضغط الأمريكي بالأساس يجب أن يكون اقتصاديا، فيمكن الضغط كي يوقفوا الآمال التي يبديها الانقلابيون في مصر في الحصول على أكثر من ١٥ مليار دولار من صندوق النقد الدولي، إلا أن الورقة تقول أن مصدر القلق الأكبر يكمن هنا في الجهد المتزايد الذي تبذله المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى للطعن في المصالح الأمريكية في المنطقة وحتى لتقويضها.
وقد أعلن مسؤولون سعوديون أنهم على استعداد للتعويض عن أي مساعدات قد توقفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تهدد الجهود الخليجية لعزل الجيش المصري عن الضغط السياسي بإطالة الحرب الأهلية وبتأجيج التمرد في سيناء وصعيد مصر. في الواقع، ترى الولايات المتحدة في هذا الأمر تهديداً واضحاً للأمن القومي وتوضح مجدداً أن القيم والمصالح الأميركية تتشابك على نحو متزايد في مصر.
علاوةً على ذلك، هدد الحلفاء الخليجيون بحجب التعاون في ما يتعلق بمصالح الولايات المتحدة الرئيسية، بما في ذلك جهود مكافحة الإرهاب ودعم المتمردين السوريين.
في الحقيقة، لا ينبغي تشجيع محاولات “ابتزاز” الولايات المتحدة بهذه الطريقة، خاصة وأن هذه التوترات قد تصبح الدعامة الأساسية لعلاقات الولايات المتحدة مع بعض دول الخليج. وعلى نحو مماثل، أشار المسؤولون المصريون أنهم قد يكونون أقل تعاوناً. كذلك، ثمة سبب وجيه يدفعنا للاعتقاد بمصداقية مثل هذه التهديدات.
فمثلا تدعم دول الخليج جهود مكافحة الإرهاب وتدعم الثوار السوريين لأن مصلحتها، وليس مصلحة الولايات المتحدة، تتطلب ذلك.
مع أخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار، فإن الولايات المتحدة قد تحتاج إلى القيام بشيء لطالما تجنبته في شكلٍ عام بعد الربيع العربي: الضغط على شركائها في منطقة الخليج.
وبينما تقترح الورقة أن يكون الضغط الأمريكي على المصريين أمنيا، تقترح أن يكون الضغط على دول الخليج الداعمة للانقلاب ضغطا أمنيا.
فلطالما اعتمدت السعودية وغيرها من الدول الخليجية على الولايات المتحدة على مرّ عقود في ما يتعلق بمسائل أمنية حيوية، والتي لا تزال مهمة اليوم لمواجهة التهديدات الأمنية من الجانب الإيراني ومن حزب الله. تقدّم الولايات المتحدة للخليج “مظلة أمنية” لا يمكن لأي قوة أخرى أن تقدمها.
يختم الباحثان الورقة بالقول إن مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية وأمنها القومي يتم حفظها بشكل أفضل من خلال اتخاذ القرارات الصعبة والمزعجة أحياناً إنما الضرورية لعمل من أجل دعم الدمقرطة الحقيقية في مصر.