كما كان متوقعًا، تبادلَ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اتهامات خرق اتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد، الذي دخل حيز التنفيذ ليل الاثنين 22 مايو/ أيار الحالي، بعد يومَين من توقيعه بوساطة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
يتعلق الاتفاق بإمداد وتوزيع المساعدات الإنسانية والسماح بحرية المدنيين الفارّين من مناطق الاشتباكات، واستعادة الخدمات الأساسية وتواجد كل طرف في المناطق التي يُسيطر عليها، على أن يخضع لرقابة لجنة مشتركة تضمّ طرفَي القتال والرياض وواشنطن.
ووُقّع الاتفاق المكتوب بعد أقل من 40 يومًا من اندلاع القتال الذي انفجر في 15 أبريل/ نيسان المنصرم، نتيجة مساعٍ دبلوماسية مكثفة من الرياض وواشنطن، في أعقاب فشل عدد من الهُدن الإنسانية الشفوية.
أدركت أمريكا مبكرًا أن القتال لن يتوقف في السودان في وقت قصير، فاتخذت خطوة أولية لفرض عقوبات على ما تقول أنهم معيقو الانتقال إلى الديمقراطية، ليمضي وزير الخارجية أنتوني بلينكن قُدمًا في التهديد بفرض عقوبات على منتهكي وقف إطلاق النار.
وأفاد بلينكن، في رسالة إلى الشعب السوداني فجر الثلاثاء 23 مايو/ أيار، بأنه إذا “تم انتهاك وقف إطلاق النار سنعرف، وسنحاسب المخالفين من خلال عقوبات نفرضها ووسائل أخرى متاحة لنا”.
معارك السودان يتضرر منها المدنيون
دارت معارك عنيفة يومَي الأربعاء والخميس وفجر اليوم الجمعة، في مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم، ومدينة زالنجي بولاية وسط دارفور، ومدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
قد يكون التهديد بفرض العقوبات أجدى نفعًا من فرضها فعليًّا، إذ إن التهديد يشكّل ضغطًا كبيرًا على الجيش والدعم السريع، تُضاف إلى ذلك انتهاكات حقوق الإنسان وتورُّط مجموعة “فاغنر” الروسية
ويقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، في إفادة صحفية الخميس 25 مايو/ أيار، إن رصد انتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار شملت استخدام المدفعية والطائرات الحربية والطائرات المسيَّرة، وتقارير موثوقة عن ضربات جوية، واستمرار القتال في قلب الخرطوم واشتباكات في زالنجي.
ويشير إلى أن بلاده تضغط على الطرفَين بشأن الانتهاكات المزعومة، مع تأكيده على استعداد واشنطن فرض عقوبات دون تردد، إذا اقتضى الأمر.
في الوقت الحالي، قد يكون التهديد بفرض العقوبات أجدى نفعًا من فرضها فعليًّا، إذ إن التهديد يشكّل ضغطًا كبيرًا على الجيش والدعم السريع، تُضاف إلى ذلك انتهاكات حقوق الإنسان وتورُّط مجموعة “فاغنر” الروسية ذات الصلة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دعم قوات الدعم السريع.
واتهمت وزارة الخزانة الأمريكية “فاغنر” بتزويد قوات الدعم السريع السودانية بصواريخ أرض جوّ، ما يمنحها دفعة قوية في تحييد الطيران الحربي الذي يعتمد عليه الجيش السوداني بصورة كبيرة.
يشتكي سكّان من أن غارات الطيران الحربي استهدفت المنازل والبنية التحتية، فيما تتكثف الاتهامات لقوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات فظيعة، من بينها العنف الجنسي والاغتصاب، واحتلال المستشفيات والمنازل ونهبها، واتخاذ المدنيين دروعًا بشرية.
ومن المؤكد أن أمريكا والدول الغربية الفاعلة يعملان على توثيق هذه الانتهاكات باعتبارها جرائم حرب، ليس من أجل حفظ حقوق الشعب السوداني وتحقيق العدالة، إنما من أجل الضغط على طرفَي القتال لإنهائه أو منع توسعه ليشمل دولًا في الإقليم على الأقل.
صحيح أن العقوبات الأمريكية المحتملة في المدى القريب شخصية، لكنها كافية لإنهاء المستقبل السياسي لقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، والقادة البارزين في القوتَين.
وأدى القتال إلى مقتل 865 مدنيًّا وفقًا للجنة التمهيدية لنقابة الأطباء، التي تتحدث عن تعرض مستشفيات للقصف والإخلاء القسري، ما أوقف 68% من المرافق الصحية في مناطق الاشتباكات، بينما التي ما زالت تعمل تقدِّم الإسعافات الأولية فقط، وهذا يعني أن القطاع الصحي اقترب من الانهيار.
ولا يزال فرار السكان من المنازل متواصلًا، حيث فرَّ أكثر من 1.3 مليون شخص من منازلهم، منهم مليون نزح داخليًّا والبقية عبروا الحدود إلى دول الجوار، بحسب منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
ويتوقع أن يكون العدد الفعلي للقتلى والفارّين أكثر من المؤكد بـ 3 أضعاف على الأقل، حيث تدفن الأسر القتلى دون تشريح في ظل صعوبة الوصول إلى المشافي، فيما فضّل كثير من الفارّين المكوث مع أسرهم في المناطق الآمنة بدل مخيمات النزوح المؤقتة التي يوفرها متطوعون.
العقوبات المحتملة
في 4 مايو/ أيار الحالي، أصدر الرئيس الأميركي، جو بايدن، أمرًا تنفيذيًّا بتوسيع نطاق حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بالسودان بناءً على مستجدات الوضع، بما في ذلك اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع الذي، بحسبه، يشكّل تهديدًا للأمن القومي والسياسة الخارجية لبلاده.
وتحدّث الأمر التنفيذي عن أن سياسة واشنطن حيال السودان تتمثل في دعم الانتقال إلى الديمقراطية والحكومة المدنية، وحمايتها من أولئك الذين يمنعون تشكيلها الأولي من خلال استخدام العنف وسواه من الأساليب.
ووضع الأمر التنفيذي عقوبات محتملة بحظر ممتلكات ومصالح أي شخص داخل أمريكا، إذا كان مسؤولًا أو متواطئًا أو حاول الانخراط في الإجراءات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في السودان، والسياسات التي تُعرقل انتقال السودان إلى الديمقراطية.
وتشمل عقوبة الحظر كل من قدّم دعمًا ماليًّا أو تكنولوجيًّا أو سلعًا أو خدمات لمن ينخرط في إجراءات تهديد السلامة، وعرقلة الانتقال إلى الديمقراطية، إضافة إلى تقييد دخول الولايات المتحدة الأمريكية.
صحيح أن العقوبات الأمريكية المحتملة في المدى القريب شخصية، لكنها كافية لإنهاء المستقبل السياسي لقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، والقادة البارزين في القوتَين.
يقول الجيش إنه يُحارب تمردًا عسكريًّا على الدولة يسعى للاستيلاء على السلطة، فيما يزعم الدعم السريع أنه يقاتل من أجل الدفاع عن الديمقراطية، لكن في الواقع أنهما يتحاربان من أجل الانفراد بالحكم، تحت غطاء مدني قد يجد دعمًا من الدول الغربية.
يُعد خرق اتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد فشلًا ذريعًا للدبلوماسية الأميركية، التي فشلت لأكثر من عام في إجبار العسكر على تسليم السلطة إلى المدنيين
ربما لا تؤثر العقوبات الأمريكية المحتملة على سعي أي طرف لإلحاق هزيمة عسكرية بالطرف الآخر في الوقت الحالي، لكنها ستشكل فارقًا كبيرًا عند انتهاء الحرب، سواء كان ذلك عبر التفاوض أو المعارك، باعتبار أن معظم الدول تحذر من التعامل العلني مع أي فرد أو كيان خاضع للعقوبات.
أيضًا، تتطلب مرحلة ما بعد الحرب خطابًا سياسيًّا جديدًا لا يتعلق بالتصالح حال انتهت عبر التفاوض، أو تجريميًّا وانتقاميًّا إذا انتهت بالمعارك فقط، إنما يتعداها إلى كسب ثقة القوى السياسية المدنية وإعادة الإعمار وتحسين الوضع الاقتصادي الذي يُعاني أصلًا، وهذا لن يأتي من أي كيان مفروض عليه عقوبات.
ولا يتوقع أن تسرع أمريكا إلى فرض عقوبات على الجيش والدعم السريع، إلا بعد تأكُّدها من خروجهما عن سيطرتها، وملء صفحاتهما بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية واستنفاد الوسائل الدبلوماسية.
ويُعد خرق اتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد فشلًا ذريعًا للدبلوماسية الأميركية، التي فشلت لأكثر من عام في إجبار الجيش والدعم السريع على تسليم السلطة إلى المدنيين بعد انقلابهما المشترك على حكومة الانتقال المدنية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.